مفلح العدوان

ذات يوم..
حينما، في البتراء، تسلق السواح سلالم الصخر، وبدأوا يثرثرون دهشتهم قريبا من وجه النحت، فتململت نقوش الذاكرة المطرّزة على ثوب المكان، وبدأت تئنّ شكواها لقافلة مشتهاة، تعاتب الراكبين، فيها، على الجمال: لماذا تتركون الأغراب يقلقون راحة المعتكفين على أحلامهم في هاتيك الكهوف؟
***
يا أنتم.. ألا تنتظرون قليلا، أيها الراحلون!!
ها هم «أهل الكهوف» يستيقظون..
ها هي وجوههم غير المرئية تنبت من على المداخل، وها هم يفركون عيونهم، يستيقظون زمنا وراء آخر، الى أن يفاجأهم منظر السواح أمام كهوفهم التي واطنوها مئات السنين، وما كان يطلّ عليهم فيها، زمن المجد، إلا نور الشمس، وضوء القمر، وهسيس الريح، وظلال الصخر، وفيض من الذكريات التي بقيت تؤنس عزلتهم بين الرمل والصخر وانثيال التاريخ حولهم!!
***
أيها الراحلون عن الكهوف، أنتم أُنسها،وهي ما زالت تحنّ لمن يفهم صمتها، فلا تتركوها وحدها، غريبة، فالوحشة تقتل حتى الصخر، إن فارقه أهله، وتركوه مرتعا للعابرين.. واوحشة الأنين!!