بالأدب نربي ونغير الثقافات السلبية /بالأدب نربي ونغير الثقافات السلبية/ بالأدب نربي ونغير الثقافات السلبية
بالأدب نربي ونغير الثقافات السلبية بالأدب نربي ونغير الثقافات السلبية بالأدب نربي ونغير الثقافات السلبية
بالأدب نربي ونغير الثقافات السلبية بالأدب نربي ونغير الثقافات السلبية بالأدب نربي ونغير الثقافات السلبية
بالأدب نربي ونغير الثقافات السلبية بالأدب نربي ونغير الثقافات السلبية بالأدب نربي ونغير الثقافات السلبية
هذه محاولة لتفسير سرّ قدرة الأدب على التأثير في الثقافة ، ومن ثم قدرته على القيام بدور إيجابي في مجال التربية ، وهي محاولة لا تعدو أن تكون رأياً أَجتهدُ فيه ، يخضع للنقد، وقد يلقى الدحض والتفنيد ، أو يجِدُ القبول والتأييد . لكن ، ربما ينبغي قبل أن أَعرِضَ لذلك الرأي ، أن أبين أني أقصد بالثقافة مفهومها الواسع ، الذي يعبّر عن الجانب المعنوي من حياة المجتمع ، بما فيه من أفكار وقيم ، تتداخل بمشاعر ذات امتدادات في الوعي واللاوعي ، وينتج عنها سلوكات تتشابه بين أفراد الجماعة ، بحيث تشكّل نمطاً في حياتهم وأسلوباً في معيشتهم . وأُريدُ بالتربية النشاط الذي يرمي إلى إنماء قدرات النشء وإعدادهم للحياة ، أما الأدب فأعني به التعبير بالكلمة عن المشاعر والمعاني من خلال صور مُوحِيَة فيها جمال ، وهو بطبيعة الحال جزء من الثقافة ، يؤثر فيها ويتأثر بها .
كيف تنتقلُ الثقافةُ إلينا ؟
الرأي الذي سأقول به ، ينطلق من الحقيقة التي تفيد أن الثقافة لا تنتقل إلينا من خلال أفكار مجردة ، أو آراء مصوغة في قوالب لفظية مباشرة ، وإنما نمتصّها (أي الثقافة) من البيئة المحيطة بنا ، ومن الجوِّ السائد حولنا ، ونتلقفها صغاراً كصور ترسخ في الشعور واللاشعور ، ثم نعيد تجسيدها في سلوكنا وحياتنا . وإن جاز لي ، فإني أُشبّه التقاطنا للثقافة ثم تمثّلها في حياتنا ، بما تقوم به اللواقط على أسطح البنايات ، حين تستقبل شارات الفضائيات من خلال الموجات المبثوثة حولها في الأثير ، ثم يعيد جهاز التلفزيون بثها في صور وأَلوان وأصوات.
الأدبُ .. صورٌ ملونةٌ ذاتُ ظلالٍ ..
بناء على الحقيقة التي تقدمت ، أعتقد أن للأدب قدرة (قد تفوق ما نتوقع) على التأثير في الثقافة ، ومن ثم التأثير في التربية التي ينبغي أن تكون أداةً لتشكيل الثقافات الإيجابية ، وهزّ الثقافات السلبية لحين اجتثاثها ، وبناء ثقافة سليمة مكانها . وتنطلق قدرة الأدب هذه – فيما أرى – من خلال كونه يستند في جزء كبير منه إلى الصور ، فهو يصور الوقائع والأحداث والشخصيات والأفكار والمشاعر ، ويصبغها بالألوان ، ويرسم لها ظلالاً ، ويبث فيها الحركة والحياة . فإذا كان الأدب مبدعاً ، جعلكَ تعيش التجربة الشعورية التي يعبر عنها، وتحيا الأحداث التي يصفها ، وتتخيل الشخوص التي يُصوِّرها ، وأثار في نفسك الحب أو الكره أو الشوق أو الغضب أو النفور نحو فكرة أو ثقافة سائدة أو نمط حياة شائع .
الأدبُ أكثر قدرةً على التأثير ..
ولئن كانت الثقافة تتشكل أساساً من خلال صور يلتقطها الأفراد من الواقع المحيط بهم، كما تقدم ، فإن الصور التي ينطوي عليها الشعر والرواية والقصة القصيرة والخاطرة ، وسواها من ضروب الأدب ، أكثر قدرة على التأثير في الثقافة من أي أفكار مصوغة بقالب لفظي جامد ، ومن أية رسائل تربوية ننقلها للنشء في عبارات عادية ، تخلو من الصور ، ولا تحمل في طيّاتها الجمال الذي يتضمنه الأدب بطبيعته . وبتعبير آخر ، فإن الأدب يَستخدِمُ لإحداث التأثير في الثقافة نفس الوسيلة التي تنتقل من خلالها الثقافة إلينا ، وتلك الوسيلة هي الصورة ، وليس العبارات المباشرة والأفكار المجرّدة ، ولا سيما أن الأدب ليس محض مشاعر ومعانٍ وأفكار ، فهو كذلك شكلٌ تصاغ من خلاله هذه المعاني ، وأسلوب يعبِّر عن تلك المشاعر ، وصور تجسد الأفكار .
الثقافةُ .. أفكارٌ منغمسةٌ بالمشاعر ..!
وثمة جانب آخر ، أعتقد أنه يسهم في تأكيد تأثير الأدب في الثقافة ، ودوره في التربية ، ويفسّر هذا التأثير وذلك الدور . ويتمثل هذا الجانب في أن الثقافة ليست مجرد أفكار ، وإنما هي أفكار منغمسةٌ في الشعور ، بل ممتدة الجذور في مسارب اللاشعور أيضاً . فإذا كانت (ثقافة العنف) مثلاً سائدة في مجتمع ما ، فهي لا تقوم على مجرد فكرة أو اقتناع بأن العنف أفضل وسيلة لتحقيق الغايات ، بل تترافق مثل هذه الأفكار مع مشاعر الكره الموجهة نحو الآخر (الضحية) ، ومع الإحساس بعدم الأمان حياله ، إضافة للمشاعر الأخرى التي تترافق عادة مع العدوان . وينبني على ذلك أن مجرد المواعظ والنصائح ، ومحاولات تبديل ثقافة العنف بالإقناع لا تكون وحدها كافية ، لأنها تتعامل مع جانب الأفكار دون المشاعر ، بينما يتعامل الأدب مع الأفكار والمشاعر معاً ، ويصل إلى العقل من خلال الوجدان . وفي ضوء ذلك تتجلى قدرته على تغيير الثقافات السلبية ، وإرساء الثقافات الايجابية.
أدوارٌ أخرى للأدب ..
ويضاف إلى ما تقدم ما هو معروف من دور للأدب في بعث الإحساس بالجمال ، وتنمية الذوق ، آخذين بالاعتبار أن الذوق العام جزء من الثقافة السائدة في أي مجتمع . كما أن للأدب تأثيراً مهماً في تنمية القدرات اللغوية ، وصقل ملكة التعبير ، وتنمية المدارك والخيال ، وتوجيه الاهتمامات نحو ما هو مهم . ولا سيّما أن الأدب المبدع ، الراقي بشكله ومضمونه ، يقدَّمُ عادة من قبل أناس مبدعين ، قادرين على الغوص في طبيعة النفس البشرية، ومعرفة طبائع عناصر الوجود وعلاقاتها ، وتحليل واقع المجتمع ، وتلمّس المشاكل، وإدراك أعماقها ، وتصور حلولها .
رد مع اقتباس
المفضلات