رأينا

حفلت مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع قناة فوكس نيوز الاميركية, التي اجراها مقدم برنامجها الاخباري الرئيسي وكبير مذيعي المحطة والمحرر التنفيذي في القناة ربرت بير, بكثير من الرسائل والاشارات المحمولة على مواقف واضحة وقراءة ملكية دقيقة للمشهد الاقليمي بأبعاده المحلية والدولية, فضلاً عن التشخيص الصحيح والمنطقي لحقيقة ما يحدث في المنطقة وخاصة الحرب على خوارج العصر من الارهابيين والقتلة والمجرمين, حيث أكد جلالته ادراك الاردنيين حجم الخطر الذي نواجهه بعد استشهاد طيارنا البطل معاذ الكساسبة قبل عدة اشهر وبخاصة أن هذه الجريمة النكراء قد أحدثت تغييراً كبيراً لأن مجتمعنا الاردني تعرّض الى صدمة جعلته يدرك مدى خطورة هؤلاء الخوارج..
واذا كانت المقتطفات التي بثتها القناة الاميركية يوم امس قد اضاءت جيداً على جملة من الملفات والقضايا المحلية والاقليمية والدولية, فإن بث كامل المقابلة الملكية سيضع المتابع والمراقب والمحلل أمام مشهد متكامل ومترابط, يتميز بالوضوح والصراحة ولا يغفل أي اشارة ودائماً غير قابل للتأويل او الاجتهاد وبالتأكيد ليس الغموض أو الالتباس..
من هنا جاءت دقيقة ولافتة اجابة جلالته على سؤال حول وصف جلالته داعش بالخوارج, كون جلالته لا يريد وصفهم بالمتطرفين لأن وصفاً كهذا يعتبره هؤلاء الخوارج وسام شرف, ما بالك ان هؤلاء الاشخاص لا يمثلون شيئاً في الاسلام بل هم خارجون عنه وديننا الحنيف منهم براء, بدليل انهم يستهدفون المسلمين قبل اتباع الديانات الاخرى ولهذا فإن جلالة الملك حسم المسألة باعادة التأكيد على ما كان قاله منذ مدة طويلة وهي أن هذه الحرب هي حربنا, فضلاً عن كون ما يحدث يشكل تحدياً للغرب والولايات المتحدة, لأن الخوارج هؤلاء يحاولون ادامة الانطباع بأن مشاركة الغرب في أي شيء في هذه المنطقة يعد بمثابة حرب صليبية وهو ليست كذلك قال جلالته بوضوح, مؤكداً أنها ليست سوى حرب الاسلام ضد هذه الفئة الباغية الامر الذي يستدعي وبالضرورة النظر الى الموضوع بشكل واضح وجليّ.
نحن اذاً امام قراءة ملكية شاملة ودقيقة تلحظ مختلف المؤثرات والمناخات وتتعاطى مع الملفات والتحديات بحكمة وبُعد نظر ولا تترك اي امر للصدفة او التجاهل، وهو ما يتجلى في حديث جلالته عن الخطر الذي يشكل خوارج عصرنا، حيث اوضح جلالته ان هؤلاء الخوارج في واقع الحال هم وجوه متعددة لعملة واحدة، سواء كانوا القاعدة أو داعش او بوكو حرام او الشباب، سيقدم الجميع باعلان ولائهم لأسوأ تنظيم يعلن عن نفسه بينهم اياً كان اسمه، لان الغثاء يطفو على السطح دوماً.. ما يفرض بالتالي على الجميع تبني منهج شمولي خلال العام الحالي للتعاطي مع مشكلة الانتشار الدولي لهؤلاء الخوارج وعلى المجتمع الدولي ادراك ذلك جيداً والعمل بموجبه.
واذ لفت جلالته الى ان الاردن هو الدولة العربية الوحيدة التي تعمل مع العراقيين في العراق الى جانب قوات التحالف وان بلدنا سيزيد وتيرة عملياته دعماً لهذا البلد العربي مع زيادة القوات العراقية وقوات التحالف لوتيرة عملهم في العراق، فان جلالته اضاء على مسألة اقليمية مهمة وهي ايران، من منظور اردني دقيق وواضح، بما لديها من اوراق كثيرة وفي مقدمتها ورقة الملف النووي، التي تحمل قدراً من الاهمية للولايات المتحدة والخاضعة الآن للنقاش، ناهيك عن دورها في العراق، ودعمها النظام في سوريا وحزب الله في لبنان، ووجودها في اليمن والقرن الافريقي وتأثيرها في افغانستان، الامر الذي يستوجب اخذ هذه الاوراق في الاعتبار عندما يتعامل المرء مع ايران وبالتالي مناقشتها مجتمعة مع الايرانيين وليس كل مشكلة على حدة.
ولأن الاردن بقيادة جلالة الملك، لم يفقد ذات يوم البوصلة ولم يتعاط مع المسائل، الا من منظار وطني وقومي، ويعمل بدأب ومثابرة وفق اولوياته الوطنية وقناعاته الراسخة، فان جلالته كان واضحاً في التأكيد على ان داعش هي المشكلة الرئيسية حيث هناك حرب ضد داعش في الشرق وحرب ضد النظام في الغرب، كما توجد قوات معتدلة من الجيش الحر وهناك فوضى على الحدود مع تركيا في الشمال.. فما هو العمل لحل هذه القضايا؟
قال جلالته عن حق وفهم عميق لواقع الأزمة السورية، وبخاصة في اعادة تعريف ما هي المعارضة المعتدلة بأهمية ايجاد اشخاص في الداخل السوري يليه العمل للتوصل الى حل سياسي، لأن استمرار الوضع الراهن يعني في شكل لا يقبل الجدل ان الدولة السورية ستستمر في الانهيار، وهذا ليس من مصلحة أحد في المنطقة او العالم.