عمان-رهام فاخوري - يحل اليوم العالمي للمرأة اليوم في ظل أوضاعٍ عربية قاتمة تغلب عليها الصراعات المسلحة والعنف الدموي والموت والدمار والممارسات الهمجية التي لم يسبق لها مثيل.
وتسببت هذه الصراعات بإنتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان، وبخاصة حقوق المرأة، وخلّفت ورائها أشكال متعددة من حالات التشرّد والهجرة واللجوء الجماعي والحرمان.
ويشير واقع الحال في السنوات القليلة الماضية بأن القسم الأكبر من الإنتهاكات اليومية لحقوق الأفراد وتعرّضهم لأبشع أنواع الإستغلال النفسي والجسدي يقع دوماً على النساء والأطفال. كامثلة على ذلك: معاناة المرأة الفلسطينية تحت الإحتلال الإسرائيلي وأطفال غزة ونسائها وهم لا يزالون يبيتون في العراء بإنتظار تحقيق الوعود بإعادة الإعمار ؛ مئات الآلاف من النساء والاطفال في العراق وسورية لا يزالون محرومين من الأمن ويعانون من الجوع والخوف والقهر، فضلاً عن تفاقم المشكلات المعيشية والنفسية والإجتماعية بسبب الهجرات التي إضطروا إليها هرباً من القتل والتدمير والقمع والإضطهاد.
وتجري منظمة الأمم المتحدة مراجعة شاملة في ظل هذا الواقع المرير الذي يعصف بالمنطقة العربية لمدى التقدم المحرز منذ عقدين في تنفيذ «إعلان وبرنامج العمل الصادرين عن المؤتمر العالمي للمرأة الذي عقد في بكين عام 1995، تحت عنوان «بكين +20».
ومن المقرر أن تجري تلك المراجعة هذا الشهر وسوف تركز على 12 مجال تتناول أساساً الحقوق الإقتصادية والإجتماعية للمرأة، كما تقدم الحكومة الأردنية تقريرها إلى الأمم المتحدة لتبيان مدى ما حققه الأردن في هذه المجالات منذ عشرين عاماً.
من المؤسف القول بأن الهوة بين الأقوال والأفعال لا تزال سحيقة، لأن وضع حقوق المرأة العربية وحرياتها في تدهور مستمر، بالرغم من الإهتمام الدولي المعلن بقضايا حقوق الإنسان والحريات العامة والديمقراطية، ورغم التصريحات التي ترددها الحكومات العربية في هذا المجال.
ولا تزال المرأة العربية تعاني من صعوبات وعوائق عديدة، بما في ذلك ضعف المشاركة السياسية والإقتصادية والإجتماعية ؛ ولا تزال الثقافة والعقلية الذكورية هي السائدة، ولا يزال التمييز بين الجنسين يمارس في العمل والأجور والترقية والتدريب والدورات وتقلد المناصب العليا، ولايزال العديد من القوانين، رغم من تعديلها، عاجزة عن حماية حقوق ومكتسبات المرأة ؛ ولا تزال سياسة الإقصاء والتهميش لدورها تعطل مشاركتها في عملية النهوض والتنمية على الأصعدة السياسية والإقتصادية والإجتماعية في ظل الظروف والتحديات الكبيرة التي تواجهها الدول العربية. من الناحية السياسية تأتي المرأة العربية في المرتبة الثانية كأقل نسبة في المشاركة السياسية في العالم (8,17 % من البرلمانيين العرب) ؛ وعلى مستوى المشاركة الإقتصادية فهي الأقل في العالم أيضاً، في حين أن ثلث النساء العربيات يعانين من الفقر، وتبلغ نسبة الأمية في صفوفها نحو (50%).
واشار تقرير الامم المتحدة ان النقطة الوحيدة المضيئة والباعثة على الأمل والتفاؤل هي تونس التي أقرّت قبل أشهر دستوراً ديمقراطيا يساوي مساواة كاملة بين المرأة والرجل، ويفتح الطريق أمام إقامة نظام ديمقراطي تعددي.
أما على الصعيد الوطني، فإن المتابع لوضع المرأة الأردنية خلال السنوات القليلة الماضية يلاحظ تراجعاً واضحاً في مكتسبات المرأة وفاعلية دورها رغم بعض التقدم الذي تحقق على صعيد التشريعات الخاصة بالمرأة وعلى صعيد التعليم.
ولا تزال نسبة مشاركة المرأة الأردنية في سوق العمل والإنتاج منخفضة (14%) ، وهي الأدني بين الدول العربية. وبالرغم من تمثيل المرأة في مجلس النواب عبر الكوتا، إلاّ أن هذا لم ينعكس على مستوى التشريعات وتطوير القوانين الخاصة بالمرأة. الأخطر من ذلك هو بروز محاولات إقصاء وتهميش لدورها، كما حصل قبل بضعة أشهر من خلال تدني مستوى التمثيل النسائي في مجلس أمناء الجامعات والذي جاء متناقضاً مع الخطاب الحكومي.
وتتمنى الجمعية الأردنية لحقوق الإنسان على اللجنة الحكومية المكلفة بوضع خطة لتطوير حقوق الإنسان أن تولي المسائل المتعلقة بحقوق المرأة العناية الكبرى، نظراً لمحدودية الإنجازات التي تحققت خلال العقدين الماضيين منذ صدور وثائق مؤتمر بكين. على صعيد آخر، تتمنى الجمعية على منظمات الحركة النسائية الإرتقاء إلى مستوى المسؤولية الوطنية والإتفاق فيما بينها على تقديم تقرير مواز معمّق وموحّد للرد على تقرير الحكومة في الإجتماع القادم للأمم المتحدة المخصص لمناقشة «بكين + 20».
إن النهوض بأوضاع المرأة هي مسؤولية الدولة والمجتمع بجميع مكوناتهما ؛ وبالرغم من صعوبة الأوضاع الراهنة، فإن الحفاظ على مكتسبات المرأة وتطويرها، وتمكينها من الحصول على حقوقها كافة يصب في خدمة أجندة التنمية المقررة للأعوام 2015 ـ 2030 من قبل الأمم المتحدة.

الاحد 2015-03-08