عمان- ريحان الروابدة

تشكل العلاقات الإجتماعية ثابتاً أصيلا في تماسك المجتمع او إختلاله ، في وقت ساعدت فيه مواقع التواصل الاجتماعي على تعميق الفجوة بين افراد الاسرة الواحدة ، على عكس دورها الذي كان متوقعاً في المحافظة عليها وتعزيز قيمها ، حيث يلجأ مستخدموها إلى الانطواء والعزلة.

التقنية الجديدة ممثلة بمواقع التواصل الاجتماعي فرضت شكلاً جديداً للصراع بين الأجيال، بين جيل يبحث عن المعلومة في أي مكان وجيل يخشى ما يجهله، وليس الرفض والرقابة هي الحل، بل زيادة مساحة الحوار ومحاولة الكبار الاقتراب من ذلك المجهول.
صراع تقليدي منذ القدم خلق فجوة تفاهم بين الأجيال، ومع انتشار التقنيات الحديثة ودخول الشباب عالم الإنترنت والهواتف المحمولة التي أسقطت كل الحواجز أصبح الأمر أكثر تعقيداً، مما عزز من مساهمة تلك التقنيات في اتساع الفجوة بين الأجيال وافراد الاسرة.
في العصر الحديث وازدياد الاقبال على مواقع التواصل الاجتماعي ، استبدل الأبناء آباءهم بالإنترنت كمصدر للمعلومات وفقدوا معه الترابط الأسري والتصقوا بالحوار مع غرباء في الفضاء الواسع ، بينما يحذر علماء النفس من انتقال الجزء الأكبر من أنواع الحوار والمحادثات إلى شبكات الإنترنت والهواتف النقالة والألعاب الإلكترونية.
هذا الامر فتح الباب أمام أنماط من التواصل الافتراضي بين أفراد الأسرة الواحدة مما ساهم في توسيع الفجوة والصراع بين جيلي الآباء والأبناء ، خاصة ان التحولات التكنولوجية وبالأخص مواقع التواصل الاجتماعي افرزت تفاعلات جديدة للعلاقات على صعيد الأسرة أدت إلى تعزيز العزلة والتنافر بين أفرادها، فالأسرة تربطها علاقات منظمة تضمن سلامة هذه الأسرة وتماسك نسيجها الاجتماعي وتؤمن مقومات العائلة.
ويقول الشاب محمد جميل ان أمراض نفسية شديدة الخطورة سيتعرض لها الجيل القادم نتيجة للعزلة النفسية التي يعيشها من خلال ادمانهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
في حين يرى خالد المومني أنه لا يمكن أن يعيش بمعزل عن التكنولوجيا في العالم بشكل عام ولا يمكن أن نعزل أنفسنا عنها، فالتكنولوجيا متقدمة ومستمرة سواء شئنا أم أبينا، وضرورة أن نعي الجوانب الإيجابية في هذه التكنولوجيا، لأنه كأي شيء آخر هناك جوانب إيجابية وهناك جوانب سلبية، فلا بد أن نعي الجوانب الإيجابية وندرك جيداً قبل أن تقحم نفسها علينا.
من جهته يقول عاطف عبدربه ان غياب الاب والام وانشغالهم باعمالهم الخاصة، جعل هذا الطفل أو الشاب يلجأ الى مصادر تفاعلية جديدة، توجد في الشبكة العنكبوتية وبالأخص في مواقع التواصل الاجتماعي.
ويقول عبدربه « عائلتي لا يضعون بيني وبينهما حلقات تواصل ونقاشات، لكن الانترنت يسهل علي كثيرا بحيث أصبح أكثر معرفية».
بدورها تقول مايا خالد أن قدرة الأجيال الأكبر سنا على التعامل مع الكمبيوتر والإنترنت والوسائط الحديثة للاتصال أقل بكثير من أبنائهم والأجيال الحديثة، الأمر جعل كثيرا من الآباء بعيدين كل البعد عن أي جديد يطرأ على هذه الساحة، مما يؤدي الى زيادة الفجوة، والغربة والاختلاف الثقافي.
أما المختصون والأكاديميون فيرون أن التأثر الحالي بالتقنيات الحديثة أصبح سريعاً بسبب ثورة الاتصال والإنترنت، لتصبح جزءا من حياة الأبناء يتفاعلون معها وتتفاعل معهم أكثر من أولياء أمورهم.
ويقول الاستشاري النفسي والتربوي الدكتور موسى مطارنة أنّ التقنيات الحديثة أسهمت في توسيع الخيارات أمام الأبناء في عملية التعلم وإثرائه بالمعلومات والمراجع خاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي أثرت بشكل سلبي على الحياة المجتمعية والأسرية بين أفراد الأسرة.
وأضاف مطارنة أن العصر الحالي يشهد تفجراً معرفياً وتقنياً كبيراً سبب بفجوة كبيرة بين آباء والأبناء خاصة وأن هذا الانفتاح لم يواكبه تغيير في الأدوات ووسائل التنشئة والتربية الحديثة، الأمر الذي جعل من الأبناء يخلقون ثورة ضد هذه الأساليب.
وبين مطارنة أن الأسباب وراء خلق هذه الفجوة لم تعد محصورة خاصة وأن الربيع العربي والهجرات التي شهدتها المنطقة خلق حالة من عدم التجانس المجتمعي، ظهر ذلك في سلوكيات جديدة كزيادة حالات الطلاق ونسبة الجرائم.
ويؤكد مطارنة أن انشغال الآبناء في مواكبة التكنولوجيا وحرمان الأبناء من الاطلاع عليها يؤدي هذا التناقض الشديد لخلق حالة من عدم الاستقرار النفسي للأبناء فانتشر مرض التوحد بينهم والذي يعرف بأنه وليد البيئة بالاضافة الى الشعور بالخوف من كل شيء.
وأشار مطارنة الى أن وسائل التواصل الاجتماعي تسيطر على عقول الأبناء بشكل كبير حتى أنهم باتوا يبالغون في استخدامها وبشكل سلبي متناسين الفائدة التي قد يتحصلون عليها فيما لو قاموا باستخدامها بشكل إيجابي.
وطالب المطارنة بضرورة وجود رسائل إعلامية واضحة تبين الآثار السلبية حول هذا التغيير في الحياة التكنولوجية وما أحدث من فجوات عميقة في الحياة الأسرية لمحاولة مواجهتها وايجاد الحلول السريعة.
ويضيف المطارنة « ولا ننسى أن على المختصين والاجتماعيين والمرشدين تضافر الجهود في اثبات أفكار تربوية ومبادرات اجتماعية لتوعية الأبناء والآباء معا وتعيدهم للتكيف مع المجتمع.

الخميس 2015-02-26