جبل الجوفه .. ذكريات مرت بخاطري ومن نهاية سبعينيات القرن الماضي .. ذكريات جميلة وطيبة لصحبة دراسة
وطريق ونهاية دوام .. كنا ومن جبل الحسين حتى وسط جبل الجوفة نسير ونحن في المرحلة الثانوية .. فقط لتناول
الشاي من يد العجوز والدته لصديقي ومن ثم نعود أدراجنا نزولاً لمجمع رغدان بإتجاه الزرقاء الحبيبة ..
إنها ذكريات جميلة .. لجريدة الرأي ذكرياتها وانقل منها لكم .. بعضاً من ذكرياتها ...




بيت الشعر فوق المدرج الروماني ومن جانبه مدرسة الامير حسن الثانوية

الذهاب الى الجوفة
هل ذهبت إلى جبل الجوفة الشهير في عمان ؟! وهل سكنت في أحد منازله أو زُرت صديقاً أو قريباً يقطن فيه ؟
نعم وذلك قديماً عندما كنت أذهب لزيارة بيت شقيقتي الكبرى حيث انتقلت و زوجها وأفراد أسرتها من حي المهاجرين إلى هذا الجبل، واستأجروا منزلاً واسعاً لدى عائلة دروزة لسنوات ثم لدى عائلة القيسي لسنوات طويلة بالقرب من مدرسة
خالد بن الوليد (القديمة) .
وكنا نجد متعة في الذهاب إلى هذا الجبل المرتفع (جبل الجوفة ) في الستينيات من القرن الماضي وكانت طريقة الوصول إليه متنوعة : إما أن نركب باص الأشرفية للنزول عند مسجد أبي درويش ثم إكمال الطريق مشيا لدار شقيقتي، أو الذهاب مشياً من خلال خروجنا من أول رأس العين ثم السير في شارع الطلياني ، ثم صعود بعض المسافة من وادي السرور ثم المشي بالشارع المطل على المسجد الحسيني وسبيل الحوريات ، وبعد ذلك الانعطاف يميناً أو شمالاً للوصول إلى مقصدنا
وفي بعض الأحيان وإذا كانت الزيارة ليلية للسهر عندهم نستأجر تكسي أجرة للذهاب إلى جبل الجوفة.
وكان المشهد ممتعاً حقاً وما زال خلال مسيرنا على شارع سفح الجوفة المطل على وسط البلد .. حيث كنا نشاهد منطقة السيل ومياهه ومبانيه وقنطرته .. والناس حوله من يغسل الأشياء أو يتسلى بالألعاب كالمراجيح أيام الأعياد .. ذلك قبل أن يتم سقف السيل بشارع أصبح يسمى الآن بشارع قريش أو شارع سقف السيل .

البيوت العريقة :
وخلال هذا المشوار الذي كان يتكرر كل أسبوعين أو أكثر كنا نقف متأملين بجمال بعض البيوت أو القصور الفخمة وهي من مثل : بيت آل البشارات حيث الأشجار الكثيفة والعالية والمبنى الحجري الجذاب، ثم بيت الجيلاني الرائع بحجارته وأعمدته ونوافذه وأقواسه الحجرية العربية التراثية.
وكذلك عند المرور بالمساحة الضخمة لبيت الكردي الشهير على تلة من تلال الجوفة حيث يشرف على معظم جبال عمان القديمة والحديثة.
وفي بعض أيام شهر رمضان وعندما كان يقترب موعد الإفطار المسائي كنا نقف أنا وأفراد أسرة شقيقتي على شرفة بيتهم الواسعة نراقب ضرب مدفع رمضان من أمامنا.. حيث جبل القلعة يبدو واضحا بشكل كبير، لنشاهد النار والدخان ونسمع صوت المدفع وصيحات الصغار مثلنا فرحين بانتهاء صيام هذا اليوم للبدء بتناول طعام الإفطار الشهي مع أفراد العائلة .
وعودة بنا إلى تلك البيوت الفخمة والعريقة والتي تشبه القصر أو القُصيْر مثلا فقد دخلت بعضها!! ولكن عندما كبرت بالعمر لإجراء بعض اللقاءات مع أصحابها أو أبنائهم أو أحفادهم من مثل :
بيت آل الجيلاني والذي يقع أعلى شارع طلوع سرفيس الجوفة بقليل ، وهو بيت مرتفع بعدة طوابق يظهر للعين من وسط شارع الملك فيصل مثلا، وقد بناه الشيخ الجيلاني عام 1932 وكان صديقا حميما للأمير عبد الله الأول بن الحسين والذي كان يزوره في هذا الموقع أثناء عملية البناء، وكان الشيخ الجيلاني تاجراً معروفاً في عمان ، إذ كان يورد للقصر الأميري كل ما يحتاجه من مواد وسلع وأقمشة مثلا.
وبيت آل البشارات يقع في مسافة أبعد قليلا عن بيت الجيلاني ، على رأس تلة تشرف على جبال: الجوفة والتاج والقصور والقلعة وجبل عمان وبعض مناطق وشوارع وسط البلد. فقد دعانا صاحب البيت الدوق ممدوح بشارات عدة مرات للمشاركة ببعض الجلسات واللقاءات الفنية والثقافية في داخل بيته ومرات في حديقة البيت الجميلة بأشجارها ومزروعاتها وقطع فنونها ولوحاتها الفنية الجميلة .. فهذا الشخص هو رجل مكافح أحب الأرض والزراعة والفنون والمباني القديمة وجبل الجوفة الذي يرفض أن يغادره - بعد إن وُلد فيه عام 1938- للسكن في مناطق عمان الحديثة جدا .
وقصر الأمير نايف بن عبد الله الأول الذي سكنه سنوات طويلة قديماً، وهو بيت مستأجر لأصحابه من آل البلبيسي.. فقد دخلت هذا المكان بعد العام 2000 بعد أن أصبح يعرف بـ (بيت الشِّعر) حيث أسسه الشاعر حبيب الزيودي تحت رعاية أمانة عمان الكبرى، وأخذ يستقطب أشهر شعراء الأردن والعرب، وبالذات في الأماسي الرمضانية حيث السهر والموسيقى وأكل القطايف وشرب الشاي والقهوة السادة ترحيباً بضيوف ورواد بيت الشعر. وهذا البيت يقع فوق أعلى المدرج الروماني مباشرة .
ومن بيوت المشاهير والتي ما زالت شامخة في جبل الجوفة نذكر بيت القائد العسكري احمد صدقي الجندي وابنه عصام صدقي الجندي اللواء المتقاعد والذي وُلد في عمان في بيت قرب المدرج الروماني في الجوفة عام 1930.
ومازال هذا البيت الكائن على تلة صغيرة تبدو عليه الهيبة والجمال رغم قدم بنائه !! ويقع في شرق جبل الجوفة قرب حي الطفايلة .

مدارس وفنون



ومن أشهر الأماكن في جبل الجوفة هو المدرج الروماني الذي تم تصميمه أيام الرومان قبل آلاف السنين في تجويف جبلي يطل على شارع الهاشمي ويقابل جبل القلعة.
أما الأماكن الأخرى الشهيرة فيه فهي المدارس كمدرسة خالد بن الوليد ومدرسة بدر ومدرسة الأمير حسن الثانوية، وهناك مدارس أخرى مثل الجوفة للوكالة وحسن البرقاوي والتي تعتبر في حي جديد يسمى بحي أم تينة . كذلك كان يتواجد مقر نادي القادسية الرياضي ونادي الجزائر أعلى جبل الجوفة، ومن أعلاه أعرق عيادة للطب العام للدكتور تيسير السعدي، ومحل ساندويشات الفلافل الشهية للحاج رضا .

شخصيات شهيرة
وعن الشخصيات الأردنية الشهيرة والتي كان لها تأثير في مسيرة الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في هذا الوطن وسكنت جبل الجوفة قديما نذكر :
الشيخ محمد الخضر الشنقيطي أول قاضي للقضاة في الأردن ،ثم ابنه محمد أمين الشنقيطي والذي كان وزيرا للأوقاف قديما. كذلك الشيخ الراميني أحد خطباء المسجد الحسيني الكبير، والسياسي رئيس الوزراء فيما بعد سعد جمعة ، وحسني سيدو الكردي،ومن آل قعوار ، والدكتور محمد رضا توفيق ، والمجاهد إسماعيل عريضة الذي اشترك بالثورة العربية الكبرى ، والفنان الرسام توفيق السيد والذي زرته قبل وفاته بسنة تقريبا في منزله الذي حوله إلى معرض دائم لكل الزوار وكان يقع قرب مدرسة خالد بن الوليد القديمة.
كذلك الدكتور والباحث الفلكلوري عبد الله رشيد ، والصحفي وكاتب المسلسلات البدوية الشهيرة مصطفى صالح ، وأيضا الشاعر الديني والنائب السابق يوسف العظم ، والمفكر والمثقف المعروف عبد الله حمودة وبعض آل حمودة ، والمخرج التلفزيوني هشام غيث ، والشاعر غازي الذيبة ،و بائع الكتب حسن أبو علي ،و بائع الصحف فتحي العوضي .

عائلات وأحياء...



درج الخلايلة

ويضم جبل الجوفة عدة أحياء وتجمعات عرفت بالنسبة للسكان القادمين من مدن وقرى أخرى قطنوا في الجوفة منذ القديم من مثل: حي الطفايلة، حي النجادوة ، حارة السيراوية، حارة الدروز، أهالي كفر راعي، اللفاتوة، عائلة الزريقات، الزعبية، عائلة الجفال، آل حدادين، عائلة أبو شويمة، آل عقيل، أهالي المالحة، آل البلبيسي، العمايرة، الساحوري، العطيوي، الترك، تيمور، آل غيث، وبعض عائلات من أصل شركسي، البيرة، ملحم، العدوان، الخلايلة....الخ.



وسمي جبل الجوفة بهذا الاسم نسبة إلى الجوف أو التجاويف أو الكهوف الكثيرة جدا والتي كانت منتشرة فيه قديما. وفي الستينات تم تغيير اسمه إلى جبل الجزائرتقديراً للثورة الجزائرية لكن الناس لم يستعملوه بل ظلوا على التسمية القديمة جبل الجوفة فقط.
ولمن لا يعرف فان جبل الجوفة يضم مخيماً صغيراً للاجئين الفلسطينيين منذ العام 1948 ما زال موجودا حتى الآن في طرف قريب من جبل الاشرفية.