سؤال يتبادر الى الجميع من حماة ونشطاء البيئة الى علماء الطبيعة وسكان كوكب الارض جميعا، ماذا فعلنا بالارض ؟ وكيف سيكون شكل كوكبنا اذا ما استمر التلوث واستنزاف موارد الارض بهذه الطريقه؟
الواقع البيئي مقلق بحسب خبراء في مجالات الطبيعة والارض ، ورغم كل الجهود المبذولة على المستوى الدولي الا أن الحقائق والارقام تؤكد أن التلوث وصل الى مستويات قياسية وأخذ يهدد الوجود بأكمله على سطح الكوكب.
وعلى رغم أن حجم ومستويات التلوث تختلف من دولة لاخرى الا أن التلوث لا يعترف بالحدود لتنتقل هذه الغازات الى خارج هذه الحدود دون الحاجة لجوازات سفر لتلوث ارضنا الام.
التلوث هو القضية الاخطر التي تواجه الارض، ويعرف التلوث بأنه إدخال الملوثات إلى البيئة الطبيعية مما يلحق الضرر بها ويسبب الإضطراب في النظام البيئي، وهذه الملوثات إما أن تكون مواد دخيلة على البيئة أو مواد طبيعية ولكن تجاوزت مستوياتها المقبولة، ولا يقترن التلوث بالمواد الكيميائية فقط بل يمتد ليشمل التلوث بأشكال الطاقة المختلفة كالتلوث الضوضائي والتلوث الحراري.
التنمية من مصانع حديثة وعملاقة وزيادة الاعتماد على الوقود في مختلف الصناعات وعوادم المركبات والتوسع على حساب الاراضي الزراعية والحرجية وزيادة الاعتماد على الاشجار في البناء وغيرها من العوامل أدت الى تنامي ظاهرة التلوث ووصولها الى هذه المستويات القياسية.
يقول المهندس المختص في القضايا البيئية فراس الصمادي أن التنمية تعتبر إحدى أهم الوسائل التي تُسهم في رفع مستوى حياة الإنسان، لكنّها في الحقيقة ادت بفعل قرارات المسؤولين الجائرة إلى استنفاذ الموارد البيئية في الارض بشكل عام.
ويقول الصمادي إن تلوث البيئة وايقاع الضرر بها من خلال هذه التنمية وصل الى مستويات عالية جدا ، ففي الوقت الذي كان من المفترض فيه أن تكون هذه التنمية مُستدامة تأخذ بعين الاعتبار البعد الاقتصادي والبيئي والاجتماعي إلاّ أنّها اكتفت بالشّق الاقتصادي فقط، وأغفلت التنمية البيئية التي تُراعي الموارد البيئية وتسخرها لخدمة الاقتصاد مما أسهم في بروز العديد من الإشكالات البيئية التي انعكست بشكل مباشر على نوعية حياة الإنسان، ومن المهم هنا التركيز على البعد الزراعي الذي على الرغم من أهميته التنموية إلاّ أنّه بفعل عوامل التنمية الاقتصادية الجائرة لم يراعي البعد البيئي.
وبين أن القطاع الزراعي أصبح يعاني من قلة الأراضي الزراعية بسبب التوسع العمراني على حساب الأرض الزراعية، بالإضافة إلى قلة الموارد المائيّة التي أسهمت في ملوحة الأرض وانخفاض انتاجيتها وتبويرها، ورافق هذا التوسع الاعتداء على غاباتنا، فقد أصبحت قضية حماية الغابات تدق ناقوس الخطر في وقت يتزايد فيه الاعتداء الجائر على ثروتنا الحرجية المحدودة أمام تغييب شبه كامل عن أهمية الحفاظ على الغابات ودورها لدى العديد من صانعي القرار في الأردن وبعيدا عن تشخيص طبيعة ما جرى في العقد الأخير من اعتداءات مدروسة على مناطق الغابات بحجج متعددة أهمها جذب الاستثمارات.
وعلى المستوى المحلي أشار الصمادي إلى أنه بات من المهم اطلاق خطة طوارئ عاجلة تتخذ اجراءات على المدى القريب وتؤسس لخطة وطنية استراتيجية لحماية الغابات، وتوسيع مساحاتها عبر خطة واقعية تؤسس لتوسيع رقعة الأراضي الحرجية التي تتم زراعتها، وتُعمِّق الوعي والمسؤولية الوطنية بأهمية المحافظة عليها وحمايتها، وتعزيز الوعي لدى الطلاب والجامعات والمدارس ليأخذوا دورهم وواجبهم في حماية الغابات وإدراك أهميتها، ولعل المبادرة سريعا لعقد مؤتمر وطني لحماية الغابات يؤسس لهذه الاستراتيجية أصبح ضرورة وطنيّة.
وأعتبر أن أهم الاجراءات المطلوبة حاليا وبشكل عاجل تعزيز دور مديرية الحراج ورفدها بالمخصصات والأجهزة والكوادر اللازمة لتتمكن من القيام بدورها في حماية الغابات، ويرافق ذلك قسم متخصص لحماية الغابات لدى الادارة الملكية لحماية البيئة يعمل على مدار الساعة بالتنسيق مع دائرة الحراج لتنظيم دوريات حماية الغابات في المناطق الحرجية، ولعل منطقة عجلون في مقدمتها.
ومن المهم أن يقوم الحكام الإداريون والأجهزة الأمنية والقضاء بواجباتهم القانونية بحق المخالفين، والتشدد في العقوبات يرافق ذلك تطبيق صارم لما ينص عليه القانون، وملاحقة مرتكبي الاعتداءات وردعهم عبر تنفيذ الاحكام بحقهم.
ولعل التوسع في استيراد الحطب لمختلف الاستخدامات سيحد من الاعتداءات على مناطق الغابات ، لكن يبقى الأهم هو الاعتداء المنظم الذي يقدم عليه صاحب القرار تحت عناوين الاستثمار في حين أن المطلوب منه حماية الغابات، والمحافظة عليها ، لذلك من المهم إعادة النظر في التنظيم والتوسع في المشاريع والبناء في مناطق الغابات والمناطق الزراعية ومفاهيم مشاريع الاستثمار التي تحتاجها مناطق الغابات والتي لا تتعارض مع بيئة المنطقة وتسهم في تنميتها المستدامة وتنعكس إيجابا على معيشة السكان ومستوى دخلهم وتشعرهم بأهمية الغابات لهم.
وبين أنه من الضروري أيضا أن يتم وفق خطة وطنية حصر أراضي الغابات الحرجية المملوكة للمواطنين بهدف العمل إما على شرائها من قبل الحكومة بواسطة صندوق وطني يؤسس لغاية حماية الغابات وقد يسهم صندوق البيئة بهذا الدور،او العمل على استبدال هذه الأراضي بأخرى.
إن إعادة الاعتبار للغابات والشجرة وحماية البيئة يتطلب حزما وقرارا جريئا ومسؤولا مقتنعا بأهميتها، ولعل دور الوزارات المعنية بشكل مباشر بالزراعة والبيئة يتطلب مستقبلا أن لا يدخل أي وزيرعلى قاعدة الاسترضاء وتقاسم الادوار والغنائم، فأقل المطلوب أن يكون هذا المسؤول مقنعا لعنوان وزارته ومسؤوليتها الوطنية.
حماية الارض مسؤولية الجميع ونحن في الاردن وإن لم يكن لنا بصمة في التلوث العالمي فإن على عاتقنا حماية وطننا وأرضنا من أجل الحفاظ على «امنا الارض» لعلنا شكلنا البداية لنحمي ما تبقى من بيئتنا.
رد مع اقتباس
المفضلات