رومان حداد
ببساطة رأى سيارة عالقة في الطريق، فتوقف ونزل من سيارته وقام بـ(دفش) السيارة، وعندما تحركت السيارة عاد هو إلى سيارته وأكمل الطريق، هذا ما فعله عبد الله الثاني، حدث بسيط، والبساطة تعني البعد عن التعقيد، أي لا حرس ملكي ولا تشريفات ولا كاميرات جاهزة لالتقاط اللحظة، استطاع أن يلهم كثيرين وأن يجعلهم يعيدون قراءة المشهد الأردني من جديد.
هذا الموقف يقدم ملخصاً واضحاً عن عبد الله الثاني وعن الملكية الهاشمية، فأما ما يقدمه عن عبد الله الثاني أنه لا يرى ذاته كملك إلا لخدمة شعبه، وهو لا يحب (البروباغندا) والكلام الكثير لأنه يؤمن بالفعل والإنجاز، وهو شخصية متواضعة، يعرف كيف يعالج الموقف بسرعة ومن دون مقدمات، وهو وارث أمين لصفات الهاشميين الملوك.
فالهاشمية في صورتها الملكية جاءت مخالفة لصورة الملكيات الأخرى، فالملكيات أو حتى الجمهوريات الملكية تكون مهددة من الثورات التي تطيح بها، في حين أن الملكية الهاشمية هي ملكية ثورية بحد ذاتها، جاءت كثورة عربية كبرى وتجسدت بصورة دولة أردنية.
هذا التزاوج بين الثورة والملكية أعطى للملكية الأردنية مذاقها الخاص، والذي أدهش أولئك الموجودين في الجزء الشمالي من العالم، والذين يعيشون في ظل ملكيات دستورية، فما قام به عبد الله الثاني دفعهم للتساؤل عن مدى إمكانية أن يتنازل ملوكهم عن دفء قصورهم وينزلون إلى الشوارع ويقومون بـ(دفش) سيارة عالقة بين الثلوج.
كثيرة هي الأحداث ذات الصبغة الإنسانية التي يقوم بها ملوك الغرب الدستوريون، ولكنها كلها تخضع لتصوير الكاميرات المحترف، فيكون المشهد مدروساً بكل تفاصيله من البسمة إلى التربيتة إلى الدمعة، فيتحول حينها الملك الدستوري إلى بطل فيلم أكثر من كونه ملكاً، ولكن عبد الله الذي اعتاد على كسر القوالب الجاهزة والصور النمطية استطاع مرة أخرى أن يقدم لنا صورة جديدة للملك، هذه الصورة التي أدهشت من رآها في الشرق أو الغرب.
ولكن ما أدهشني أكثر أن الثلج أعاد الأردن إلى صورته الأولى والأنقى عبر علاقة نسجت عبر التاريخ بين ملك وشعب وجيش، ففي هذه العاصفة الثلجية أظهرت إدارات الدولة ضعف أداء على مختلف الأصعدة، ولكنه الجيش وحده استطاع
أن يسد الثغرات وأن يكون كما عهدناه دائماً، كلمة السر في المعضلات الكبرى، وربما هذا سر آخر لسحر العلاقة بين الأردني والجيش، تلك العلاقة التي عبر عنها الراحل سليمان عويس حين قال
« لبسني شعار الجيش ولو مرة وخذ عمري » .. الحمد لله لبسناه تاج العز والفخر
وهو سر غناء الأردنيين لجيشهم في أفراحهم وأعراسهم.
الأردن قصة جميلة يمكن أن نرويها لأطفالنا، دون أن نستعين بقصص خرافية عن ممالك لم توجد وملوك من كلام، يمكن أن نسمع أحدهم يقول لأولاده هناك في الأرض مملكة اسمها الأردن وملك اسمه عبد الله الثاني، ويستمر في حديثه ليكلمهم عن قصة الأردن حتى يكبر أولاده ويروون لاطفالهم قصصاً جديدة عن الأردن وملوكه.
من يرى الاردن اليوم يعرف لماذا لم يدخل الأردن (محرقة الربيع العربي)، ويعرف لماذا يقف الأردن على مسافة بعيدة عن جواره فيما يتعلق بقضايا الحريات السياسية والاجتماعية، ويعرف كيف يمكن لثلجة أن تقلص المسافات بين ملك
وشعب ويكون الدفء يملؤها لا أن يباعد الثلج بين المسافات ويزيده برودة.
عبد الله الثاني مرة أخرى وببساطته المعهودة استطاع أن يعيد تعريف الملكية والمُلك، واستطاع أن يدفء أيامنا المثلجة وأن يهدي للأردنيين قصتهم عن مليك ورث الثورة والمُلك فكان ملكاً ثائراً على تقاليد الصورة الصماء لملك معزول في برد قصره ليرسم صورة ملك أحب شعبه فأحاطه شعبه بدفء حبه.
وكل ثلجة ونحن بخير.
رد مع اقتباس
المفضلات