الفوالق الزلزالية في شرق المتوسط

بعد الزلازل التي ضربت هايتي والتشيلي كان السؤال حول إمكانية وقوع زلازل في المشرق والعالم العربي .
وكان من الطبيعي أن نقصد الدكتور عطا الياس في الجامعة الأميركية في بيروت لأنه من القلائل الذين يواصلون أبحاثهم العلمية في هذا الموضوع ، ولأنه سجَّل واحداً من أهم الاكتشافات الجيولوجية في لبنان وهو اكتشاف الفالق الذي أدى الى ولادة جبال لبنان، وكان مسؤولاً عن الزلزال الذي دمَّر مدينة بيروت عام 551 قبل الميلاد .

ماهو الفالق ؟

الفالق هو حدّ كبير على سطح الأرض ويمتد إلى أعماق كبيرة تصل إلى عشرات الكيلومترات تحت السطح، وعند هذا الحد تحتك طبقات الأرض مع بعضها أُفقيا أو عامودياً.
أما فالق جبل لبنان الذي اكتشفته منذ سنوات قليلة، فهو يشهد حركة عامودية لطبقات الأرض، لذلك عندما يحدث عليه أي
حركة زلزالية فإن جبل لبنان يرتفع عاموديا نسبة إلى قاع البحر الأبيض المتوسط الذي يشهد هبوطاً. وهذه الحركة المتكررة أدت إلى ولادة جبل لبنان على امتداد 7 ملايين سنة .

ما هي الأجهزة التي المستخدمة لاكتشاف هذا الفالق ؟

الجهاز الأهم هو "العقل البشري"، لكنه لا يكفي . لذا إستخدمنا مركباً مجهزاً بتكنولوجيات متعددة لتحديد مواقع الفوالق وتصوير طبقات الأرض ودراسة طبقات ما تحت سطح البحر. كما استخدمنا آلة خاصة تستطيع الغوص إلى أعماق 1600- 1700 متر لتصوير الفالق، وهي قادرة على إرسال موجات صوتية (السونار (Sonar)) للاصطدام والارتداد عن سطح الأرض.
هي صورة صوتية تظهر لك كل التضاريس والتفاصيل على سطح الأرض تحت البحر. وقد رأينا في هذه الصور آثاراً لتشققات ناتجة عن النشاط الزلزالي الذي شهده فالق جبل لبنان.
تشير جغرافيا الساحل اللبناني إلى غياب السهول على طول المسافة الممتدة من مدينة طرابلس في شمال لبنان إلى
منطقة الدامور جنوب بيروت. كما أن جبال لبنان تغور عند التقائها بالبحر. وهذا دليل على وجود فالق قريب جداً من الشاطىء.
أما في المنطقة الممتدة من مدينة طرابلس باتجاه أقصى الشمال فتجد أن المنطقة تتسع بين الشاطىء والجبال، فهناك سهل عكَّار، وعلى كتف هذا السهل بإمكانك أن تشاهد الصخور التي تعرضت لعملية ثني والتواء قوية. وفي بعض الأمكنة استطعت أن أشاهد الفالق نفسه، حيث تجد صخوراً عمرها 80 مليون سنة ويفترض أن تكون موجودة على عمق 5 كيلومترات تحت السطح، وقد خرجت إلى السطح وارتفعت فوق طبقة صخرية بركانية عمرها 4 - 5 ملايين سنة فقط.
وجاءت أبحاثنا في البحر لتوكد لنا أن ما اكتشفناه على اليابسة يمتد إلى ما تحت الماء أمام الساحل اللبناني.
استطعنا أن نكتشف ارتفاع الشاطىء اللبناني بين منطقة طرابلس في الشمال والدامور في جنوب بيروت. وقد حدث هذا الارتفاع بشكل متتال. وقد استطعت في بحث آخر لي أن أحدد 13 شاطئاً بعضها فوق بعض .
وهذا دليل على حدوث 13 هزة أرضية كبيرة وقعت في الماضي القريب والبعيد، أدت إلى رفع لبنان فوق سطح البحر.

استطعتنا ، في بعض مناطق الشاطىء اللبناني، أن نحدد آخر مرة حدث فيها زلزال قوي، وهو في العام 551 قبل الميلاد. ووجدنا الدليل، أن لبنان تعرض لحوالى 4 هزات كبيرة في الستة آلاف سنة المنصرمة. ويفصل بين الهزة والأخرى حوالى 1500- 1700 سنة. وهنا أود التأكيد أنه في أي تحليل علمي هناك هامش للخطأ، وفي حالة فالق جبل لبنان فإن هذا الهامش هو بحدود 200 سنة .

القلق من حدوث زلازل مدمرة كبيرة كتلك

المطلوب أن يكون هناك داعٍ للعمل وليس للقلق . وبما أننا أصبحنا ندرك أن هناك خطر حدوث زلازل ، فعلينا
الاستعداد لمواجهة هذا الخطر . فإذا حدث الزلزال نكون مستعدين له عوض أن يفاجئنا، ونكون نحن قد تسببنا بحدوث كارثة لأننا أغفلنا الاستعداد له .
والمطلوب هو متابعة إجراء الأبحاث على صعد عدة، وهي مراقبة تشوهات القشرة الأرضية من خلال وضع أجهزة خاصة تعمل على تحديد المواقع بالقمر الاصطناعي (GPS) على الفالق البحري او الفوالق الموجودة على اليابسة.
وهذه تعطينا فكرة عن سرعة حدوث التشوهات وماذا إذا كانت تتسارع ام لا.
وإذا لاحظنا وتيرة أسرع لهذه التشوهات، فسيكون هذا بمثابة إنذار لنا بإمكانية حدوث زلزال في فترة زمنية قريبة .
وهذا شيء نستطيع أن نقوم به ، خصوصاً وأن هذه التقنية استخدمت في أكثر من مكان في العالم .

العلوم المتعلقة بالزلازل هي على قدر كبير من التطور حول العالم، ونحن بحاجة للتنسيق مع المختبرات العالمية. لذلك أقترح إجراء معاهدات تنسيق وتعاون بيننا وبين المراكز العالمية وبين العلماء العرب في ما بينهم. فالزلازل إذا حدثت في الشرق العربي، فإنها لا تعرف حدوداً سياسية. وهناك فوالق تعبر دولاً عربية عدة، ومراقبتها تحتاج إلى تنسيق بين العلماء العرب في هذه الدول.

ما هي هذه الفوالق ؟

الفالق الأساس في المشرق العربي يدعى " فالق المشرق الكبير" الذي يبدأ في خليج العقبة ويمّر في غور الاردن والبحر الميّت تم يتفرع إلى 3 فوالق وهي: سرغايا، اليمونة، وجبل لبنان. وتعود هذه الفوالق لتلتقي في شمال لبنان ثم تكمل في سورية بما يُعرف بفالق مصياف وفالق الغاب ليلتقي هذا الأخير في أقصى الشمال بفالق الأناضول الشرقي على الحدود بين سورية وتركيا.

وأود أن أذكر هنا أن فالق الأناضول الشرقي يكمل في البحر باتجاه جزيرة قبرص. وهذا الفالق يعتبر من الفوالق الأضخم في منطقة شرق المتوسط حيث تغور الصفيحة الافريقية تحت الصفيحة الأناضولية. إذن هي منطقة إنغراز قوس الانغراز القبرصي ( Subduction Arc Cyprus)، والمعروف عالمياً عند أصحاب الإختصاص أن هذه المناطق تولّد زلازل كبيرة جداً تصل، كما حدث في آلاسكا إلى 9,4 على مقياس ريختر، وكما حدث مؤخراً في سومطرة حيث وصلت قوة الزلزال هناك إلى 9,2 على مقياس ريختر.

إذن مناطق الإنغراز تولّد زلازل عنيفة جداً، ويوجد على بُعد 80 كيلومتراً من مدينة طرابلس اللبنانية فالق مهم وأساس وهو مصدر خطر كبير على الساحل اللبناني - السوري.

هذا يعني أن قوة الزلزال ستكون أكثر من قوة الزلزال الذي شهدته هايتي مؤخراً ؟

نعم . وهنا يجب أن نتنبّه إلى أن كل درجة زيادة على مقياس ريختر تعني أن الطاقة التي يطلقها الزلزال هي أكبر
بـ 32 مرة او 10 أضعاف حركة أكثر للقشرة الأرضية.

ومقياس ريختر هو مقياس لوغاريثمي وهذا يعني أن زلزالاً بقوة 7,5 هو أكبر بمرات عدة من حيث الطاقة من زلزال 7,1، مثل الذي حدث في هايتي.
وهناك أمر مهم علينا التنبّه له وهو أن زلزال هايتي ناتج عن تحرك أفقي للصفائح، أما التحرك على فالق جبل لبنان فسيكون عامودياً وهذا ينتج زلزالاً أقوى من التحرك الأفقي .
نحن نتكلم عن ثوانٍ قليلة ولكنها كافية لنتنبه ونتجه إلى مكان آمن في المنزل أو المبنى خصوصاً إذا كان الناس يغّطون في نومهم.
اما إذا كان مصدر الزلزال بعيداً نسبياً فسيكون لدينا مدة زمنية أطول قد تصل إلى عشرات الثوانٍ وربما دقيقة واحدة أي ما يكفي لمغادرة البيت أو الاحتماء في مكان ما في المبنى.

ماذا عن فالق المشرق الكبير ؟

إذا تحرك هذا الفالق الذي يعبر دولاً عربية عدة فقد يؤدي إلى زلازل عدة متتالية بقوة 7 أو 7,5 على مقياس ريختر وسيطال فلسطين المحتلة ، والاردن ، وسورية ، ولبنان .

وهنا أود أن أشير إلى أن هذا الفالق أنتج زلزالاً متوسط القوة عام 1927 ما أدى إلى تدمير جزء كبير من مدينتي
أريحا ومدينة القدس . وزلزالاً آخر في منطقة العقبة عام 1995 بقوة 7,2 على مقياس ريختر .
وهذا يدفعنا للقلق بسبب تاريخ الزلازل على هذا الفالق ، والتي توحي لنا بأن الزلازل ستكون متتالية على مقاطع مختلفة من فالق المشرق الكبير كما حدث في السابق وكما نتوقع أن يحدث في المستقبل .

وأخيراً هناك فوالق في البحر الأحمر تشكل خطراً على السواحل السعودية والمصرية .

منقول .. مقتطفات من مقابلة للعالم الدكتور عطا الياس - الجامعة الأميركية في بيروت