هناك في لغتنا العربية سر من اسرار جمالها, انه الجملة المعترضة, ولا تعني كلمة (معترضة) في هذا السياق ان تعترض على غيرها فترفض المعنى السابق, كأن يعترض أحدنا على كلام صديق له يناظره ويجادله أي يرفض فكرته, ليست المعترضة من هذا في شيء, فهي لا ترفض جملة سابقة, ولا تفندها ولا تكذبها, انما هي تقوي معناها بشيء جديد خارج عن السياق, وتقوي نفس القارئ, وتثبت رأيه, والآية الكريمة «لا نكلف نفساً الا وسعها» جاءت في سياق سورة الاعراف في الاية 42 وهي قوله تعالى «والذين آمنوا وعملوا الصالحات – لا نكلف نفساً الا وسعها – اولئك اصحاب الجنة هم فيها خالدون», وقعت الجملة المعترضة بين المبتدأ والخبر, فالمبتدأ هو: الذين, والخبر اولئك اصحاب الجنة, وهذا شأن الجملة المعترض ان تقع بين ركنين من اركان الجملة, أي بين المبتدأ والخبر, او الفعل والفاعل, او بين الشرط والجواب وما شابه ذلك, وقد جاءت صيغة الجملة المعترضة هنا باسلوب الحصر والقصر, وذلك للتخفيف عن نفسية المؤمن, فقد حسم الامر بأن الاعمال الصالحات قد تكون امامك كثيرة او صعبة, وليس عليك الا الوسع والاستطاعة, ولا تكلف نفسك ما لا تطيق, فيصبح المعنى وفقاً لدخول الجملة المعترضة كما يلي: ان الذين آمنوا وعملوا من الصالحات على قدر وسعهم ومقدرتهم هم الذين سيخلدون في جناتهم, لو لم تأت هذه الجملة المعترضة انه من المستحيل دخول الجنة بسبب عبارة (وعملوا الصالحات) لأن الظن يغالبهم دائماً انهم لم يقوموا بالصالحات.
وقد توقفت مع اصحابي عند جملة (لا عوج فيه) فإن هذه الجملة المعترضة لها تأثيرها في بناء الاية الكريمة «الحمد لله الذي انزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا. قيماً..» لأن بعض من لا يكلفون انفسهم بالجهد يظنون أن لا عوج فيه معناها مستقيم وان كلمة قيماً معناها ايضاً مستقيم, والحقيقة أن هذه جملة معترضة يرد فيها الرسول صلى الله عليه وسلم على الذين اعترضوا على القرآن من اهل الكتاب المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم وقالوا فيه اعوجاج وان كلمة «قيماً» لا تعني المستقيم وليس لها علاقة بالخطوط المستقيمة او غير المستقيمة, كلمة (قيماً) في الاية تدل على اتساع مسؤولية القرآن فهو للبشر كافة وهو يملك الصلاحية أو الهيمنة ليقول من فعل كذا فهو في الجنة وهو مقبول عند رب العالمين ومن فعل كذا فهو غير مقبول وهو في النار, ان هذه المسؤولية ضخمة, فسمي القرآن (قيماً) لينذر او يبشر, واذا حذفت الجملة المعترضة فيصبح النص كما يلي: الحمد لله الذي انزل على عبده الكتاب قيماً, أي المرجع الاساسي لجميع الامم, ويستطيع القارئ الان باذن الله أن يميز مواقع الجملة المعترضة في الايات التالية ويدرك المعنى الاساسي للجملة وماذا اضافت الجملة المعترضة, قال جل وعلا: «واذا بدلنا اية مكان اية – والله اعلم بما ينزل – قالوا انما انت مفتر» النحل 101, وقال سبحانه «ومن يدع مع الله الهاً آخر – لا برهان له به – فانما حسابه عند ربه» المؤمنون 117, اللهم الهمنا معرفة القرآن.
د. كامل جميل ولويل
رد مع اقتباس
المفضلات