الوقوف بعرفات ..جلال المشهد
وليد سليمان - كانت منطقة الحجاز مطمحاً للرحالة الأوروبيين المغامرين ، وقد دخل بعضهم مكة المكرمة والمدينة المنورة متنكرين في مواسم الحج ، وبعضهم دخلهما مسلماً ،حيث يدفعهم الشوق إلى رؤية هذه البقاع التي شهدت أعظم حضارة في تاريخ الإنسانية.
المحمل وأيامه
وجاء في كتاب (المحمل وأيامه)الصادر عن سلسلة «كتاب اليوم» لمؤلفه عرفة عبده , حول ذلك: ومن هؤلاء ناصر الدين ، ومحمد أسد ، وعبد الكريم جرمانوس ، ومراد هوفمان كما جمعتهم الرغبة في التعرف على المظاهر الاجتماعية والثقافية لأهل المدينتين المقدستين .
ويعتبر الرحالة الإيطالي لود فيجودى فارتيما أو الحاج يونس المصري من أوائل المغامرين الذين ارتادوا مكة المكرمة عام 1504م وقد وردت كتاباته منشورة مع رحلة (بيرتون) وقد تمكن من أداء مناسك الحج وزيارة المدينة المنورة .
ووصف دى فارتيما المدنية المنورة وما حولها ووصف مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ورحلته إلى مكة المكرمة ووصف الكعبة المشرفة والمسجد الحرام وطواف الحجيج حول الكعبة وبئر زمزم وتقديم الأضاحي، ووصف الوقوف بجبل عرفات وأشار إلى أن أحد العلماء صعد إلى قمة الجبل وخطب في الناس خطبة استغرقت نحو ساعة فأهاج الناس طالبين من الله الرحمة والمغفرة .
وعندما كان (جوهان وايلد) يؤدي خدمته العسكرية بالجيش الإمبراطوري في المجر أسره الأتراك واقتادوه الى القسطنطينية ورافق سيده في رحلة الحج إلى مكة المكرمة عام 1607م فكان أول ألماني يزورها ،و استعاد حريته وعاد إلى وطنه عام 1611م وكتب في مذكراته تقارير عن أحوال التجارة والأحوال الاجتماعية والسياسية كما تحدث عن الحجر الأسود ومناسك ورحيل الحجاج وصعودهم الى جبل عرفات ورمى الجمرات وأشار الى أن جموع الحجيج القادمين من كل حدب كانت أكثر من أربعين ألفاً .
أول بريطاني يزور مكة
كما كان (جوزيف بيتس) أول بريطاني يزور مكة المكرمة وكان ذلك في عام 1680م عندما كان يعمل بحاراً وهو في الخامسة عشرة من عمره على إحدى السفن وكان حوض البحر المتوسط يشتعل بحروب الجهاد البحري التي كان يشغلها المسلمون المطرودون من الأندلس فوقع أسيرا في يد أحد الجزائريين الذي قرر أن يجعل منه مسلماً ، فرافق سيده في رحلته الى الحج وبعد أدائه لفريضة الحج أعتقه سيده وكتب له ما يفيد عتقه وفي مذكراته أشار بيتس إلى أهمية الميقات والمكان اللذين يصبح فيهما المسلم حاجاً حقيقياً حيث يتوجه المسلمون بملابس الإحرام في اليوم الثامن من ذي الحجة إلى جبل عرفات ، وكتب بيتس أن جبل عرفات ليس ضخماً غير أنه يستوعب الأعداد الهائلة من الحجاج الذين لا يقلون عن سبعين ألفاً كل عام .
الأمير الغامض
ومما لا شك فيه أن الإسباني (دومينجوباديا) الذي أطلق على نفسه (الأمير على بك العباسي) كان أول رحالة أوروبا على درجة عالية من الثقافة يعلن اعتناقه للإسلام ويؤدي فريضة الحج وقد وصل إلى مكة المكرمة قادماً من مصر في 23 يناير عام 1807م ومكث بها 39 يوماً وقد أثار بعض المؤرخين الشك في حقيقة إسلامه ونواياه ، ووصف (الأمير الغامض) الوقوف بعرفة فكتب تم تحديد يوم الوقوف بعرفات يوم الثلاثاء 18 فبراير 1807 ، مكثناً بمنى حتى صباحاً بدأ تحركنا إلى الجنوب الشرقي ومررنا بمزدلفة ثم اتجهنا إلى عرفات الذي هو جوهر الحج حيث تتكاثف الجموع من جميع الأمم ومن كل الألوان من أقاصى الأرض ونشاهد الشركسي يمد يد الصداقة للحبشي أو القادم من غينيا أو الهندي, ويعانق الفارسي المراكشي كلهم ينظر للآخر كأنهم إخوة من عائلة واحدة يربطهم الدين معاً .
بوركهات.. الشيخ إبراهيم
ومن أشهر الرحالة الأوروبيين الذين زاروا منطقة الحجاز الرحالة السويسري (بوركهات) والذي أدعى الإسلام وأطلق على نفسه الشيخ إبراهيم وقد تميز هذا الرحالة المستشرق بإجادته للغة العربية واطلاعه الواسع على الثقافة الإسلامية وأحوال المسلمين وقد تنوعت آثاره العلمية وكان دخوله إلى مكة المكرمة في 26 رمضان 1229هـ / 9 سبتمبر 1814م وقد أفرد فصلاً مطولاً لمناسك الحج فكتب في وصف الوقوف بعرفات صعدت على جبل الرحمة في الجزء الشمالي الشرقي من السهل وهو تل منفصل عن الجبال العالية المحيطة ويبلغ جبل الرحمة مابين ميل وميل ونصف وترتفع قمته حوالي 200 قدم وفي الجانب الشرقي درج حجري يقود إلى القمة .
رحّالة فرنسي
أما الرحالة الفرنسي (ليون روش) الذي عمل في خدمة الاستخبارات الفرنسية بالجزائر وشارك في مفاوضات الهدنة بين فرنسا والأمير (عبد القادر الجزائري) عام 1873م ونمت لديه مشاعر إعجاب بالزعيم الجزائري وما لبث أن اعتنق الإسلام وتسمى بـ ( عمر عبد الله) رحل روش إلى مكة المكرمة في قافلة للحجيج تضم مائة جمل في 16 نوفمبر سنة 1841 وفي الثاني والعشرين من يناير سنة 1842م كانت (وقفة عرفات) وأشار روش إلى أن عدد الحجاج في ذلك العام تجاوز الستين ألفاً وفي عرفات انطلقت أصوات المدافع معلنة موعد الصلاة فارتفعت أصوات المؤذنين جميلة شجية تدعونا لأداء صلاة الفجر .
تحقق حلمه أخيراً
وفي أسلوب سهل رائع وصف الرحالة المستشرق البريطاني الشهير (ريتشارد بيرتون) مشاعره الفياضة وقد تحقق حلمه أخيراً بزيارة مكة المكرمة وأداء مناسك الحج وسجل انطباعاته عن هذا اللحظات والمشاهد وقد بشرت المدفعية بحلول يوم عرفة الثلاثاء 13 سبتمبر 1853م وبدأ الاستعداد لأداء شعائر هذا اليوم الهام ووصف بيرتون صخب الزحام في ذلك اليوم والصعود إلى جبل الرحمة فكتب (وصلنا لمكان في موضع مرتقع ناحية الجنوب الشرقي يسمى مسجد الصخرة) نسبة إلى صخرتين وقف النبي عليهما لترديد التلبية وبعد أن صلينا ركعتين شققنا طريقنا عبر كثير من الخيام والصخور وصعدنا درجات وعرة تنتهي إلى جبل الرحمة ورغم هذه الساعة المبكرة وجدنا زحاماً من الحجاج الذين كانوا قد استعدوا بحجز أماكن مميزة لهم لسماع خطبة عرفات ويصرون على أن الوقوف يجب أن يكون فوق الجبل أما الغالبية فترى أن عرفة كلها موقف وهي السهل الممتد بين العلمين ووصف بيرتون صعود إلى قمة جبل الرحمة حيث ( مَدعى سيدنا آدم) وأداء الشعائر المعتادة وبالقرب من سهل عرفات شاهد موضع المحمل المصري والمحمل الشامي .
ويضيف بيرتون لقد أفطرنا في هذا اليوم متأخرين لأننا لن نستطيع تناول طعامنا مرة أخرى إلا عند حلول الليل وبعد الظهر توضأ بعضنا واستحم البعض الآخر استعداداً للوقوف بعرفة وقد بدأت تتزايد أصوات تلبية الحشود ودعواتها ، ثم أعلنت طلقة مدفع اقترب موعد صلاة العصر وسرعان ما سمعنا النوبة أوصوت الجوقة المصاحبة لموكب الشريف وهو يشق طريقه إلى جبل الرحمة ولحسن الحظ كانت خيمتي قريبة من الطريق لذا فقد تابعت المشهد بشكل كامل .
المفضلات