كتبت – سمر حدادين - في ظل القلق الذي يسود المنطقة بتهديد تنوعها الذي كان يغنيها على مدى عقود طويلة وساعد على بروز صورتها الحضارية، استضافت عمان مؤتمرا برعاية ملكية ناقش التحديات التي تواجه المسيحيين العرب.
فالأردن يظهر كواحة للعيش المشترك بين المسلميين والمسيحيين مبني على اساس حقوق الإنسان، الذي أرسى قواعدها القانون والنظام واسس لحالة فريدة في إقليمنا، التي عانت من خطاب ديني ومذهبي أدى لهجرات عديدة لمسيحيي المنطقة ويهدد أعدادا متزايدة منهم، إلا أنه لا يجد مدخلا له في مجتمعنا الأردني.
فقد استطاع الهاشميون منذ انشاء الامارة على التعامل وادماج جميع المكونات المجتمعية في مختلف المجالات، مدركين ان التنوع المجتمعي في الاردن ضروري لرسم الفسيفساء الاردنية بمختلف الوانها.
هذا العيش المشترك بين الاردنيين بمختلف هوياتهم الدينية كنموذج ريادي في المنطقة يعكس القراءة الصحيحة للرسالة المحمدية والإسلام عبر احفاد النبي محمد صلوات الله عليه، والذين كانوا قادرين على استلهام سيرته بعيدا عن الغوغائية والغلو والتشدد الذي ليس منا.
وهو ما أكد عليه جلالة الملك عبدالله الثاني في كلمة خلال استقباله المشاركين في مؤتمر (التحديات التي تواجه المسيحيين العرب) حينما قال انه «نحن نعتز بأن الأردن يشكل نموذجا متميزا في التعايش والتآخي بين المسلمين والمسيحيين»، مؤكدا جلالته أن «المسيحيين العرب هم الأقرب إلى فهم الإسلام وقيمه الحقيقية، وهم مدعوون إلى الدفاع عنه في هذه المرحلة، التي يتعرض فيها إلى الكثير من الظلم، بسبب جهل البعض بجوهر الإسلام، الذي يدعو إلى التسامح والاعتدال، والبعد عن التطرف والانعزال».
ففي ظل منطقة يتنازعها العنف الطائفي والمذهبي ليس غريبا على الأردن الواحة الهاشمية، أن يستضيف مؤتمرين مهمين الأول المؤتمر السادس عشر لمؤسسة آل البيت الملكية للفكر الإسلامي والذي انعقد في آب الماضي، والثاني مؤتمر التحديات التي تواجه المسيحيين العرب، الذي اختتم أعماله أمس.
هذان المؤتمران الذي تدلل استضافتهما في عمان أننا تجاوزنا الحديث عن «ضرورة حماية المسيحيين الأردنيين» أو البحث عن حقوق ضائعة أو منقوصة كما تعاني من ذلك بعض دول المنطقة، فنحن جميعنا مواطنون أردنيون متساوون ونتمتع بالحقوق كافة كما نص على ذلك دستورنا في المادة السادسة منه « الأردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين».
فالاردن تجاوز هذا الأمر منذ لحظة تأسيس الإمارة، بل أنه أخذ على عاتقه حماية المقدسات الاسلامية والمسيحية، والتأكيد على عدم التمييز وبثه للعالم أجمع، ولنا عبرة في ذلك دور جلالة الملك عبدالله الثاني بعد أحداث الحادي عشر من أيلول، بنشر صورة الإسلام والمسلميين المعتدلة، وفي أيامنا هذه سعيه لنزع بذور الفتنة الطائفية والمذهبية، وتعهده بإيصال أصوات المدافعين عنها إلى المجتمع الدولي وبكل المحافل.
وبهذا الخصوص قال جلالة الملك ان منطقتنا « تواجه حالة من العنف والصراع الطائفي والمذهبي والعقائدي، الذي طالما حذرنا من تبعاته السلبية التي تفرز مظاهر من السلوك الغريبة على تقاليدنا وإرثنا الإنساني والحضاري، القائم على مبادئ الاعتدال والتسامح، والتعايش وقبول الآخر».

وشدد جلالة الملك على دعمه لكل جهد يستهدف «الحفاظ على الهوية المسيحية العربية التاريخية، وصون حق حرية العبادة، انطلاقا من قاعدة إيمانية إسلامية ومسيحية، تقوم على حب الله وحب الجار، والتي أكدت عليها مبادرة كلمه سواء».

ودعا جلالته المشاركين في المؤتمر إلى تعزيز مسيرة الحوار بين الأديان «والتركيز على تعظيم الجوامع المشتركة بين أتباع الديانات والمذاهب»، مشيرا إلى المبادرات العديدة التي أطلقها الأردن مثل رسالة عمان، وكلمة سواء، وأسبوع الوئام العالمي، والتي تصب في هذا الاتجاه.

عمان بعثت رسائل ودروس وعبر إلى العالم مفادها اننا في الاردن واحة للعيش المشترك ..تمكنا من تحقيقها بفضل قيادتنا الهاشمية التي ترسيخ القيم السامية في التعايش والتسامح بين أتباع الديانات المختلفة، ولأننا دولة قانون ونحترم الدستور اللذين يعززان المساواة والمواطنة للجميع.