عمان - بترا - قال جلالة الملك عبدالله الثاني امس إن «التحديات والصعاب المشتركة التي نواجهها , مسلمين ومسيحيين، تستدعي منا جميعا تضافر الجهود، والتعاون الكامل لتجاوزها، والتوافق على منظومة سلوك تجمع ولا تفرق».
وأكد جلالته، في كلمة خلال استقباله المشاركين في مؤتمر (التحديات التي تواجه المسيحيين العرب)، أن منطقتنا «تواجه حالة من العنف والصراع الطائفي والمذهبي والعقائدي، الذي طالما حذرنا من تبعاته السلبية التي تفرز مظاهر من السلوك الغريبة على تقاليدنا وإرثنا الإنساني والحضاري، القائم على مبادئ الاعتدال والتسامح، والتعايش وقبول الآخر».
وشدد جلالة الملك على دعمه لكل جهد يستهدف «الحفاظ على الهوية المسيحية العربية التاريخية، وصون حق حرية العبادة، انطلاقا من قاعدة إيمانية إسلامية ومسيحية، تقوم على حب الله وحب الجار، والتي أكدت عليها مبادرة كلمه سواء».
ودعا جلالته المشاركين في المؤتمر إلى تعزيز مسيرة الحوار بين الأديان «والتركيز على تعظيم الجوامع المشتركة بين أتباع الديانات والمذاهب»، مشيرا إلى المبادرات العديدة التي أطلقها الأردن مثل رسالة عمان، وكلمة سواء، وأسبوع الوئام العالمي، والتي تصب في هذا الاتجاه.
وقال جلالته: «نحن نعتز بأن الأردن يشكل نموذجا متميزا في التعايش والتآخي بين المسلمين والمسيحيين»، مؤكدا جلالة الملك أن «المسيحيين العرب هم الأقرب إلى فهم الإسلام وقيمه الحقيقية، وهم مدعوون إلى الدفاع عنه في هذه المرحلة، التي يتعرض فيها إلى الكثير من الظلم، بسبب جهل البعض بجوهر الإسلام، الذي يدعو إلى التسامح والاعتدال، والبعد عن التطرف والانعزال».
وتاليا النص الكامل لكلمة جلالة الملك:
بسم الله الرحمن الرحيم
الإخوة الأعزاء،
يسعدني أن أرحب بكم في بلدكم الأردن، وأن أتوجه إليكم جميعا، بتحية الاعتزاز، والتقدير لجهودكم الخيرة.
تواجه منطقتنا حالة من العنف والصراع الطائفي والمذهبي والعقائدي، الذي طالما حذرنا من تبعاته السلبية التي تفرز مظاهر من السلوك الغريبة على تقاليدنا وإرثنا الإنساني والحضاري، القائم على مبادئ الاعتدال والتسامح، والتعايش وقبول الآخر.
وهذه التحديات والصعاب المشتركة التي نواجهها مسلمين ومسيحيين، تستدعي منا جميعا تضافر الجهود، والتعاون الكامل لتجاوزها، والتوافق على منظومة سلوك تجمع ولا تفرق.
والهاجس الأكبر لدينا هو أن تترسخ النظرة السلبية والانعزال بين أتباع الديانات، ما يؤدي إلى تفتيت النسيج الاجتماعي. وهذا يتطلب منا جميعا التركيز على موضوع التربية والتنشئة لحماية الأجيال القادمة، وهذه مسؤولية الأسرة وباقي المؤسسات التربوية، إضافة إلى المساجد والكنائس.
إننا ندعم كل جهد للحفاظ على الهوية المسيحية العربية التاريخية، وصون حق حرية العبادة، انطلاقا من قاعدة إيمانية إسلامية ومسيحية، تقوم على حب الله وحب الجار، التي أكدت عليها مبادرة « كلمه سواء».
وعلى ذلك، فإنني أدعوكم إلى تعزيز مسيرة الحوار بين الأديان، والتركيز على تعظيم الجوامع المشتركة بين أتباع الديانات والمذاهب. وقد كنا سباقين في طرح العديد من المبادرات مثل (رسالة عمان، وكلمة سواء، وأسبوع الوئام العالمي) التي تصب في هذا الاتجاه.
ونحن نعتز بأن الأردن يشكل نموذجا متميزا في التعايش والتآخي بين المسلمين والمسيحيين، كما نؤمن أن حماية حقوق المسيحيين واجب وليس فضلا أو منة، فقد كان للمسيحيين العرب دور كبير في بناء مجتمعاتنا العربية، والدفاع عن قضايا أمتنا العادلة.
المسيحيون العرب هم الأقرب إلى فهم الإسلام وقيمه الحقيقية، وهم مدعوون إلى الدفاع عنه في هذه المرحلة، التي يتعرض فيها إلى الكثير من الظلم، بسبب جهل البعض بجوهر الإسلام، الذي يدعو إلى التسامح والاعتدال، والبعد عن التطرف والانعزال.
إن مدينة القدس التي تتعرض اليوم -مع الأسف- لأبشع صور التهويد، شاهد عيان ومنذ أربعة عشر قرنا، على عمق ومتانة العلاقة الإسلامية المسيحية الأخوية، التي وثقتها العهدة العمرية، وأوصى بها جدنا الشريف الحسين بن علي، رحمة الله عليه. وقد سار على نهجه والدي الحسين، رحمه الله، وأنا مستمر بالسير على هذا النهج، بعون الله.
وعلينا نحن جميعا واجب الدفاع عن هوية القدس العربية وحماية المقدسات الإسلامية والمسيحية فيها، كما أن على المسيحيين العرب التمسك بهويتهم العربية. وواجبنا جميعا الوقوف في وجه كل الـممارسات الهادفة إلى تهجيـرهم أو تهميشهم.
وفي الختام، أتمنى لكم التوفيق والنجاح، والتوصل إلى توصيات عملية، نتشاور بشأنها مع إخواني القادة العرب، والمجتمع الدولي لتوفير الدعم المطلوب لها.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وقدم المفتى العام السابق للديار المصرية سماحة الدكتور علي جمعة، الشكر لجلالة الملك على الرعاية الملكية الهاشمية للمؤتمرات الدينية في الأردن، والتي وصفها بأنها موئل السلام والأمن والمحبة، منوها إلى رسالة عمان التي أبرزت جوهر الإسلام السمح والقائم على الوسطية والاعتدال، وكانت نبراسا للمعاني والقيم السامية التي أفضت إلى هذا الاجتماع، مؤكدا أهمية التكاتف ضد التيارات التي تروج للشر «لأننا دعاة خير».
وخاطب جلالة الملك، قائلا « إن جدكم رسول الله عليه أفضل الصلاة والتسليم، علمنا وعلم البشرية جمعاء، أن الدين الإسلامي مشتق من السلام، وجعل التحية بيننا وبين العالمين، السلام عليكم، وأن السلام من أسماء الله تعالى، وأنت يا جلالة الملك تمثل عنوان هذا السلام».
وأكد الدكتور جمعة أهمية المبادرات التي يطرحها جلالة الملك على مستوى العالم، لأهميتها في تعزيز الحوار والتفاهم، وترسيخ القيم السامية في التعايش والتسامح والعيش المشترك بين أتباع الديانات المختلفة.
وأشار إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «من آذى ذميا فقد آذاني، ومن آذى معاهدا فقد آذاني»، وهو ما يحمل الكثير من المعاني في التآخي والعيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين «.
وحضر اللقاء سمو الأمير غازي بن محمد، كبير مستشاري جلالة الملك للشؤون الدينية والثقافية والمبعوث الشخصي لجلالته، ورئيس الديوان الملكي الهاشمي الدكتور فايز الطراونة، ومدير مكتب جلالة الملك عماد فاخوري، ومستشار جلالة الملك علي الفزاع.
وأنعم جلالته خلال اللقاء على عدد من المشاركين في المؤتمر بأوسمة ملكية تقديراً لجهودهم في نشر ثقافة التسامح والحوار بين الأديان السماوية، حيث أنعم جلالته بوسام الاستقلال من الدرجة الأولى على كلٍ من الكاردينال جين لويس توران، والكاردينال مكارك رئيس الأساقفة الفخري لواشنطن، والبطريرك مار بشارة بطرس الراعي.
كما أنعم جلالته بوسام الحسين للعطاء المميز من الدرجة الأولى، على كلٍ من القس ريك وارين، والقس الدكتور أولاف تفيت، والأستاذ محمد السمـّاك، والأستاذ الدكتور عارف علي النايض، والمطران منيب يونان.
وأنعم جلالته بوسام الحسين للعطاء المميز من الدرجة الثانية، على كلٍ من القس الدكتور تروند بكفيك، والمطران مارون اللحام، والمطران فينيد كتوس، والمطران فاهان طوبليان، والمطران ياسر العياش، والمطران سهيل دواني.
وكان مندوب جلالة الملك، سمو الأمير غازي بن محمد كبير، مستشاري جلالة الملك للشؤون الدينية والثقافية، والمبعوث الشخصي لجلالته، قد افتتح امس أولى جلسات المؤتمر، بمشاركة شخصيات دينية مرموقة، ورجال دين مسيحيين، ورؤساء كنائس من منطقة الشرق الأوسط والعالم، بهدف مناقشة التحديات التي يواجهها المسيحيون العرب، وتوثيقها وتحديد سبل التعامل معها، حفاظا على الدور المهم لهم بخاصة في الحفاظ على مدينة القدس وتاريخها، وإبراز مساهمتهم الكبيرة في الحضارة العربية والإسلامية.