عدسة: اسامة العقاربة
سامح المحاريق - سوق واقف في العاصمة القطرية هو رئة المدينة من الناحية الترفيهية والسياحية، ولعل زيارة الدوحة دون الذهاب إلى ذلك المكان المتسع والممتلئ بالمقاهي والمطاعم والمحلات التي تبيع المنتجات التراثية تعتبر ناقصة وغير مكتملة، وللسوق قصة تستحق أن تروى، فهو أحد الأسواق التقليدية في الدوحة، وكان قبل اكتشاف النفط مركزا للمدينة، ومع الفورة النفطية والتحول بالدوحة إلى مدينة عصرية، أتخذ قرار بهدم السوق من أجل التوسع في المدينة واستغلال الموقع المميز له، ولكن قرارا أتخذ قبل تسع سنوات باستعادة السوق كان صائبا تماما، فتم جمع الصور التي تبقت من السوق القديم، وبناء التصميم بالاعتماد عليها، وتوظيف المواد القديمة المستخدمة مثل سعف النخيل والطين، مع المواد المعاصرة، وجرى افتتاح السوق ليتحول إلى أحد المعالم البارزة في العاصمة القطرية، وكادت البحرين أن تقوم بهدم مجموعة من الأسواق القديمة، إلا أن تجربة سوق واقف، على ما يبدو، استوقفت البحرينيين لتجعلهم يفكرون في مسألة التخلص من المواقع التراثية القديمة من أجل التوسع في البناء الحديث، وهذه دروس يجب أن نستفيد منها في الأردن.

مدينة دون رئة
عمان مدينة دون رئة، بمعنى أن الطبيعة الجبلية للمدينة جعلت فكرة الميادين مستبعدة لما تستهلكه من مساحة وتتطلبه من امتداد، وتوجد محاولات حقيقية لأن تمنح المدينة رئة معاصرة، يمكن أن تكون حدائق الحسين أحد معالمها البارزة، وهي تحتاج إلى عناية مستمرة ومتواصلة، ولكن في المقابل، جرت العديد من المحاولات العشوائية والتي تفتقد للحكمة وبعد النظر لخنق عمان في أكثر من موقع، ففي الوقت الذي كانت تستقبل فيه الساحة الهاشمية جانبا من الحياة والحركة السياحية، وبدلا من تطويرها، جرى التضييق عليها، ومحاصرتها بأعمال صيانة بدت غير منتهية، وغير واضحة المعالم، وكانت قضية التعدي على روح المدينة القديمة تجري لولا أن تمت مسألة الالتفات إلى عدم الجدوى وعدم الصوابية في القرارات التي تتخذ، ولكنه في المقابل لم تتم عملية التحديث والاستغلال الصحيح بالصورة المرجوة.
قديم وجديد
مناسبة الحديث اليوم، عن مطار الملكة علياء القديم، صحيح أن عمان كانت تحتاج إلى مطار أكثر حداثية، وأوسع في قدرته الاستيعابية، ولكن ذلك لم يكن مبررا على الإطلاق لهدم المطار القديم الذي اتخذ تصميمه من مخالطة بين الجماليات الشرقية والحداثة الغربية، فكان مطارا متميزا في تصميمه، بينما تتشابه المطارات الأخرى في المنطقة بصورة تجعلها مجرد نسخ عن مطارات عالمية، وكان يمكن أن تجري الاستفادة من المطار بالعديد من الطرق، فما الذي كان يمنع أن يتم بناء المطار الجديد بعيدا عن موقعه الحالي ببعض مئات الأمتار، وبحيث يصبح المطار مكونا من مبنيين، قديم وجديد، شأن مطار القاهرة حاليا، خاصة أنه ليست جميع شركات الطيران تستطيع أن تدفع رسوما أعلى في المطار الجديد، وسيكون الحل أمامها للتعامل مع تكلفة المطار الجديد أن تلغي عمان من شبكتها الجوية، ومطار ماركا كما هو معروف يبقى مطارا اقليميا صغيرا، وليس مطارا دوليا يمكن الاعتماد عليه في هذه الحالة.
متحف
ثم ما الذي كان يمنع أن يتحول المطار القديم إلى متحف يمكن أن يقضي مسافري الترانزيت بعضا من وقتهم في التجول بين جنباته، أو أن يتحول إلى فندق ملتصق بالمطار، وأن يتم منح إدارته لواحدة من الشركات العالمية، أفكار كثيرة كان يمكن أن يتم من خلالها الاحتفاظ بمباني المطار القديم، وجعلها مصدرا للاستفادة والدخل، بدلا من العمل على تقويضها بهذه الصورة التي تعبر عن الاستعجال والعداء مع الذاكرة الوطنية، أو الفهم الخاطئ لفكرة الحداثة والتطوير.

الهدم والتبديد
توجد في عمان العديد من المعالم التي يمكن أن تمتد لها يد الهدم والتبديد، مثل محطة الحديد الحجازي، ومباني وسط البلد، وأسواق البخارية والبلبيسية واليمنية، وكل ذلك لا يعني شيئا سوى عملية التبديد لما هو قائم دون وجود بديل حقيقي، وبالمناسبة، فإن السياح يأتون إلى الأردن من أجل أن يشاهدوا المباني القديمة والتراثية أكثر من عنايتهم بمشاهدة المباني الحديثة التي لا تنقصهم، ففي مدينة فرانكفورت يشتمل برنامج التعرف على المدينة مشيا، وهو يكلف مبلغا يزيد عن خمسين دينارا لساعتين، الذهاب إلى كنيسة بنيت في القرن السادس عشر، وتعتبر أقدم معالم المدينة، وكان ذلك مدعاة لسخرية بعض السياح المصريين والأردنيين وقتها، ذلك أن المرشدة لم تتفهم أنهم قادمين من حضارات تمتد لآلاف السنين، وأن ما أمامهم لا يدعو للدهشة على الإطلاق، وهم يفضلون أن يقضوا الوقت بين الأسواق في موسم التنزيلات، وعلينا أن نتفهم في المقابل ما الذي يبحث عنه القادمون لزيارة عمان، فبالتأكيد هم لا يفعلون ذلك من أجل مشاهدة الأبراج الزجاجية، فيمكنهم أن يقوموا بمشاهدة ذلك في مدنهم الأصلية، أو أن يحصلوا على تذاكر سفر إلى هونج كونج أو دبي.
عمان مدينة تشهد جدلية بين الأصالة والحداثة، والأردن بشماله وجنوبه كذلك، ويتوجب الإبقاء على هذه الجدلية لأنها جاذبة في حد ذاتها، أما الانحياز الصريح والمفرط لأحد جانبيها، فذلك يبعد المدينة والبلد عن ميزتها التنافسية في المجال السياحي، ويجعلها نسخة مكررة لا يمكن أن تنافس مدنا أخرى على مرمى ساعتين أو أكثر قليلا بالطائرة.