الحقيقة الدولية - سيناء – محمد الحر
هنا سيناء.. حيث تمر ساعات النهار الصيفية وأشعة الشمس تلقي بوهجها القائظ على الأرض التي تتحول إلى رمضاء تكوي إقدام العابرين عليها ، بينما تتساقط حبات العرق الساخنة على جبين وهامات جنود الجيش المرابطون فوق ظهور الدبابات المنتشرة بمختلف ربوع شمال سيناء وخاص على الكمائن المتمركزة بطول الطرق الدولي القنطرة شرق – العريش – رفح أو المرابطة في ميادين المدن وخاصة بالعريش والشيخ زويد ورفح ، وما أن تغرب الشمس وتتوارى أشعتها خلف ستار الليل الذي أصبح نذير شؤم على وات الجيش والشرطة في سيناء ، حتى تحبس الأنفاس ، ويردد الجنود قبل الضباط الشهادة ،وهم ينتظرون مصيرهم المجهول مع هجمات الغدر التي تتدافع علهم من كل حدب وصوب تحصد أرواحهم وتدمر معداتهم ومنشاتهم بواسطة الأسلحة المتطورة التي يستخدمها طيور الظلام التي أصبحت تتم بصفة يومية منذ عزل الرئيس السابق محمد مرسي.
ما أن يرتفع صوت المنادي فجرا " الله اكبر ..الله اكبر " حتى يتزامن معه صوت إطلاق الرصاص المتتالي ، خلال هجمات منتظمة ومتتابعة على كمائن عسكرية وشرطية ومقرات أمنية في مختلف ربوع شمال سيناء وخاصة بمدن الحدود الشرقية الشيخ زويد وفح ، حتى يواصل نهر الدم تدفقه ورائحة الموت المجاني تنتشر في إرجاء المكان من أجساد خير أجناد الأرض ،ولم يكن المدنيين الأبرياء بمعزل عن أهداف الإرهاب الذي روع الآمنين في بيوتهم وفي معسكراتهم ، حتى بات الرعب يسكن البيوت والخوف ممتزجا بأنفاس الناس في سيناء ارض القمر التي ظلت لسنوات طويلة حصنا أمينا وآمنا ، ودارا للكرم والشهامة العربية على مر قرونا خلت ، حيث واصلت الجماعات الإرهابية هجماتها على الأكمنة الأمنية في شمال سيناء، بينما الجيش مصاب بالارتباك وطائراته تحلق ليلا في سماء مسكونة بطيور سوداء تعشق الظلام ولا تجيد السباحة سوى في برك من دماء الأبرياء.
وكانت بداية نزيف الدم بطعن ملثم بسلاح ابيض لضابط بالقوات المسلحة يدعى أحمد محمد أحمد محجوب، 39 عاماً، من محافظة المنوفية، بآلة حادة بالقرب من ميدان الحرية، وفر هارباً مستقلاً دراجة بخارية، وتم تحويل الضابط لمستشفى العريش العام، بعد إصابته بطعنات نافذة بالبطن والصدر ، ومع ذلك قامت جماعات جهادية بتنظيم مؤتمر أمس الأول، بميدان الرفاعى وسط العريش، تحت حراسة عناصر ملثمة ومسلحة، حرضوا فيه بشكل مباشر وصريح على قوات الجيش، وتلقى عدد من قوات الشرطة تهديدات من الجماعات الجهادية على أجهزة اللاسلكي الخاصة بهم وطالبهم الجهاديون بمغادرة سيناء فوراً وإلا سيتعرضون للاغتيال.
وأكد مصدر أمنى بشمال سيناء أن وصول التهديدات على أجهزة اللاسلكي يعنى تمكن العناصر التي أطلقت التهديدات من فك الشفرات الخاصة بالأجهزة، الأمر الذي يهدد أرواح ضباط وأفراد الشرطة، لإمكانية تتبعهم واستهدافهم عن طريق أجهزة اللاسلكي،وهاجم مسلحون يستقلون سيارة دفع رباعي نقطة أمنية تابعة للقوات المسلحة بمنطقة "الماسورة" التي تقع على بعد كيلومتر واحد من الحدود مع غزة، ولاذوا بالفرار بعد قيام القوات بمبادلتهم إطلاق النيران، دون وقوع أي خسائر، كما هاجم مسلحون مدرعة مكلفة بتأمين محطة الكهرباء بمنطقة الوحشي بالشيخ زويد.
ورغ قيام قوات الجيش بتمشيط كامل لمدينتي العريش والشيخ زويد، للبحث عن العناصر الجهادية المسلحة، التي تستهدف النقاط الأمنية للجيش والشرطة، واستخدمت القوات الطلقات المضيئة، مع تحليق مكثف لطائرة "أباتشى" على ارتفاع منخفض، إلا أنها لم تعثر على احد وكأنهم مجرد أشباح يرتكبون جرائمهم م يصبحون نسيا منسيا ، وسط حيرة وارتباك قوات الجيش والشرطة التي باتت تفقد عناصر تابعه لها بصفة يومية ، سواء بالاستهداف المباشر خلال سير افرد وضباط الشرطة بالشوارع أو بالمعسكرات والكمائن الثابتة خاص في إحياء العريش المختلفة وخاصة بالمناطق الأشد وعورة وظلاما على إطراف المدينة بالطريق الدائري لمنطقة المزرعة أو بطريق المطار أو بمدخل العريش الغربي.
ومع ذلك فقد قامت جماعات جهادية بالعريش، والتي تعتبر المتهم الأول فيما تتعرض له سيناء من أعمال عنف، بتنظيم مؤتمر جماهيري، بميدان الرفاعى وسط المدينة، نظمته "السلفية الجهادية" وجمعية أنصار الشريعة التابعة لها فى حضور عدد كبير من العناصر الجهادية التابعة لجماعة التوحيد والجهاد، وعلى رأسهم هاني أبوشيتة المتهم السابق في تفجيرات طابا، وشقيق حمادة أبو شيتة المتهم فى الهجوم على قسم شرطة العريش ثان، وشهد المؤتمر تحريضاً واضحاً على القوات المسلحة، وتوزيع بيان يطالب بتحكيم "الشريعة الإسلامية" ورفع معظم الحضور رايات الجهاد السوداء. وأكد شهود عيان من المنطقة أن المؤتمر تم تنظيمه تحت حراسة مجموعات ملثمة تحمل الأسلحة الآلية، وبعضهم أعتلى أسطح المنازل، مؤكدين أنهم عاشوا ساعات رعب حقيقية، برؤيتهم لتلك العناصر وبعض الوجوه الغريبة عن المنطقة.
في حين اتهمت جماعة السلفية الجهادية في سيناء القوات المسلحة بإطلاق النار على مؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي أثناء اعتصامهم، الجمعة، أمام مبنى محافظة شمال سيناء بمدينة العريش، قبل ايام ، وقالت الجماعة في بيان لها،: قامت قوات الجيش بفتح نيران أسلحتها على أهالي العريش المتجمعين والمعتصمين أمام مبنى المحافظة بالعريش أثناء تأديتهم لصلاة عصر يوم أمس الجمعة 26 شوال 1434هـ ، مما خلف 21 مصاباً بالطلقات النارية المباشرة، عدد منهم في حالة خطيرة وتم نقل الجميع لمستشفى العريش العام".وأضاف البيان أن هذه الواقعة تؤكد استحالة تطبيق شرع الله عبر الطرق الديمقراطية، موضحا: "الديمقراطية طريق كُفري يجعل الحكم للبشر وعقيدتنا أن لله تعالي الحكم وحده (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) وأن هذا الطريق، طريق الديمقراطية، لا يمكن أن يوصل لتطبيق شرع الله أبدا، فالطهر لا يأتي من الدنس، فالطريق لتطبيق الشريعة هو الانتفاضة الشاملة للتطبيق الفوري للشريعة الإسلامية كاملة غير منقوصة ولا مشروطة فوق كل قانون ودستور وإعداد العدة والتضحية بالغالي والنفيس في سبيل تحقيق ذلك فصححوا نياتكم عباد الله واجعلوها خالصة لوجهه الكريم".
ودعت "السلفية الجهادية" في بيانها "المسلمين في مصر عموماً وسيناء خصوصاً إلى نصرة شريعة رب العالمين بالطرق والوسائل الشرعية بعيداً عن دنس الديمقراطية" ضد "الحرب التي أعلنها أعداء الإسلام في مصر على الإسلام وشريعة الرحمن واشترك فيها الشرطة والجيش مع العلمانيين والنصارى الذين يريدون طمس هوية هذا البلد الإسلامي" ، وكان فيديو بثته قناة تابعة لجماعة الإخوان المسلمين على موقع "يوتيوب"، بعد واقعة اطلاق النار، قد أوضح إطلاق نار على مصلين في مدينة العريش بسيناء، وعلى مدرعات تابعة للقوات المسلحة وعدد من الجنود، فيما اتهمت الجماعة قوات الجيش باستهداف المصلين قبل أن تتراجع عن تسمية الفيديو ،وأطلقت قناة "إخوان سيناء" على "يوتيوب" على الفيديو اسم "اعتداء قوات الجيش على المصلين وهم يؤدون صلاة العصر في العريش"، قبل أن تغيّر اسمه إلى "إطلاق نار كثيف بجوار المتظاهرين وهم يؤدون صلاة العصر بالعريش" ،وفي الثانية (34) من الفيديو الذي تبلغ مدته ست دقائق ونصف الدقيقة، يعلو صوت طلقات نارية متقطعة لا يبدو واضحًا مصدره، قبل أن يستدير الجنود في أقصى يسار الفيديو، معطين ظهورهم للمصلين ويبدءون في الرد على طلقات النار التي أصبحت أكثر كثافة قبل أن تنتشر الفوضى مع محاولات المصلين الابتعاد عن مصدر النيران ،وانتقد معظم مستخدمي موقع "يوتيوب"، الذين علقوا على الفيديو، اتهام الجيش باستهداف المتظاهرين، وهو ما يوضحه الفيديو، إذ عندما بدأ إطلاق النار على المصلين، استدار جميع الجنود إلى الجانب المعاكس الذي يبدو أن إطلاق النار كان قادمًا منه بعكس ما تصور "الإخوان".
وشهدت شمال سيناء إضافة إلى الهجمات الإرهابية على المعسكرات والمقرات الأمنية عدة حوادث تصفية لمواطن من أبناء القبائل وقتل رجل دين مسيحي اعترض مسلحان يستقلان دراجة نارية سيارته بحي المساعيد بالعريش وأطلقا عليه النار حتى لفظ أنفاسه الأخيرة فيما تم اختطاف تاجر مسيحي بالشيخ زويد قبل نحو أسبوع ومن ثم عثر الأهالي على جثته ملقاة بجانب المقابر وقد فصلت رأسه عن جسده تماما ، كما لقي شخصان من أبناء إحدى القبائل مصرعهما، الخميس، بالقرب من الطريق الشيخ زويد - العريش، على يد مسلحين أطلقوا الرصاص عليهما بعد اقتيادهما إلى تلك المنطقة، حيث لقيا مصرعهما في الحال، فيما تعرضت 5 حواجز أمنية بالشيخ زويد لهجمات بالرصاص، قبل وقت قصير من تفجير أنبوب الغاز ، فجر الأحد الماضي، حيث هاجمت مجموعات مسلحة كمائن ارتكاز الجيش عند مدخل مدينة الشيخ زويد، وحاجز قرب مستشفى الشيخ زويد المركزي، وحاجز أبو طويلة، وارتكاز الزهور، وارتكاز الخروبة على الطريق الدولي، وقد ردت عليهم قوات الأمن بتبادل لإطلاق النيران، ولم يبلغ عن وقوع إصابات، مما دعا السلطات الأمنية إلى فرض حظر التجوال بمدينتي الشيخ زويد ورفح ، وقضى الأهالي ليليتي حظر التجوال بشكل اختياري، نظرا لاستشعارهم خطورة الأوضاع ومنح فرصة لقوات الأمن للتعامل مع أي تحركات مشبوهة دون إلحاق ضرر بالمواطنين.
وحلقت طائرات "أباتشى" بصورة مستمرة على المنطقة الحدودية برفح مع قطاع غزة طوال الأسبوع الماضي، بعد إن وردت معلومات إلى الأجهزة الأمنية تفيد بتسلل عناصر من حركة حماس الفلسطينية إلى الأراضي المصرية عبر الأنفاق والاختباء في مدينة رفح المصرية للمشاركة فى عمليات العنف، التي تشهدها سيناء فى الفترة الأخيرة ، مما دعا الأجهزة الأمنية والمخابرات لإجراء عملية تمشيط واسعة، في محاولة لضبط العناصر الفلسطينية التي وصلت إلى سيناء عبر الأنفاق، من خلال كمائن متحركة للأجهزة الأمنية وعمليات تفتيش واسعة النطاق.
وقد كان آخر ضحايا الهجمات الإرهابية التي وقعت فجر الجمعة مقدم الشرطة احمد محمود أبو العينين – 40 عاما – الذي استشهد بعد إن أطلق الإرهابيون قذيفة "أر بي جي " على مدرعة كان بداخلها لتامين كمين منطقة المرحلة الرابعة بالعريش ليصاب ببتر في الساقين ويلفظ أنفاسه الأخيرة متأثرا بإصابته، كما اصب مجند كان برفقته يدعى السيد شحاتة - عام – بجروح شديدة بالرأس وتهتك في عظام الجمجمة وجروح بمختلف أنحاء الجسم ورقد حاليا بغرفة العناية المركزة بمستشفى العريش العام وحالته الصحية خطرة جدا.
.jpg)
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة اردنيه اربداويه
المفضلات