احباب الاردن التعليمي

النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: دور الفلسفة في منهج آينشتاين

  1. #1
    الاداره
    تاريخ التسجيل
    Tue May 2009
    الدولة
    الرايه الهاشميه حفظها الله
    المشاركات
    212,599
    معدل تقييم المستوى
    21475063

    دور الفلسفة في منهج آينشتاين

    هل كان آينشتاين فيلسوفا؟ هل كان رياضيا؟.
    إن الجواب هو بالنفي عن السؤالين كليهما. إنه بالتأكيد لم يكن رياضيا. لقد استعمل الرياضيات العادية في التعبير عن نظرية النسبية الخاصة، واستعمل الهندسة التفاضلية في بناء نظرية النسبية العامة. لكنه لم يسهم في تطوير الرياضيات كما سبق أن فعل نيوتن.
    كما إنه لم يتمتع بمهارات رياضية متميزة أو خارقة، بدليل أنه اضطر إلى الاستعانة بصديقه الرياضي مارسيل غروسمان في التعامل مع الهندسة التفاضلية. ولا يصمد في هذا الشأن أمام معاصريه أنري بوانكاريه الفرنسي وديفد هلبرت الألماني، الرياضيين الفذين اللذين قدما إسهامات مهمة في مجال نظرية النسبية.
    كما إن آينشتاين لم يكن فيلسوفا، وإن ترك أثرا كبيرا في الفكر الفلسفي وتأثر بعمق بالفيلسوف الأسكتلندي ديفد هيوم والفيلسوف النمساوي إرنست ماخ والكتابات الفلسفية للرياضي الفرنسي أنري بوانكاريه. فهو لم يصل إلى نتائجه الغرائبية المذهلة بالتأمل الفلسفي أو بالتحليل الرياضي، وإنما بطرائق الفيزياء النظرية بالعلاقة مع التجارب الفيزيائية الفعلية والفكرية.
    صحيح أنه أظهر أصالة غير مسبوقة في اتباعه هذه الطرائق. لكنها كانت بالفعل طرائق فيزيائية حقيقية، وإن استفاد من بعض التصورات الفلسفية في الوصول إلى نظرية النسبية الخاصة ومن الهندسة التفاضلية في الوصول إلى نظرية النسبية العامة. لقد كان ألبرت آينشتاين فيزيائيا بحق. إذ توصل إلى نتائجه الغرائبية بطرائق فيزيائية جديدة وخلاقة.
    ظهر آينشتاين بصورة مفاجئة على مسرح الفيزياء في العام 1905، وكان آنذاك في السادسة والعشرين من عمره ويعمل خبيرا فنيا من الدرجة الثالثة في مكتب براءة الاختراع في مدينة بيرن في سويسرا. ففي ذلك العام المعجزة ، فاجأ آينشتاين العالم بنشره ستة أبحاث: أطروحته للدكتوراه في جامعة زيورخ، وخمس أوراق نشرت في مجلة (Annalen der Physik).
    ففي 17 آذار، أكمل ورقته عن فرضيته في كمات الضوء؛ وفي 30 نيسان، أكمل أطروحته حول تحديد جديد لأبعاد الجزيئات؛ وفي 11 أيار، أكمل ورقته عن الحركة البراونية؛ وفي 30 حزيران، أكمل ورقته عن النسبية الخاصة بعنوان حول إلكتروديناميكا الأجسام المتحركة ؛ وفي 19 أيلول، أكمل ورقته عن تكافؤ الكتلة والطاقة،؛ وفي 19 كانون الأول، أكمل ورقة ثانية حول الحركة البراونية.
    هذه الأوراق دشنت ثلاث ثورات كبرى في تاريخ العلم: ثورة النسبية الخاصة، التي شكلت منطلقا لثورة النسبية العامة، وثورة الكونتم، والنظرية الذرية والجزيئية الحديثة.
    وتحتوي ورقة 30 حزيران على جوهر نظرية النسبية الخاصة، وهي ورقة مذهلة ومدهشة ومحيرة. إنها تتسم بنضج علمي ووضوح فكري وشمول وعمق قل نظيره في تاريخ العلم.
    فكيف يصدر مثل هذا العمل عن شاب لم يتجاوز السادسة والعشرين من عمره، يعمل بعيدا عن الأوساط الجامعية كاتبا من الدرجة الثالثة في مكتب براءة اختراع في مدينة بيرن السويسرية؟ وكيف يقبل عمل غريب من هذا النوع صادر عن نكرة علمية لا يعمل في جامعة في أعظم مجلة فيزيائية في العالم آنذاك (Annalen der Physik)؟ أضف إلى ذلك أن هذا البحث بدا وكأنه برز رأسا من العدم كاملا متكاملا، أي ولد ناضجا من رحم عقل آينشتاين، فلم يسبقه أي عمل آخر منشور لآينشتاين في هذا المجال من قبل.
    صحيح أن آينشتاين سبق أن نشر ورقتين، لكنهما كانتا عاديتين جدا وتتعلقان بالميكانيكا الإحصائية والجزيئات، ولم تمتا بصلة إلى إلكتروديناميكا الأجسام المتحركة. لم يكن هناك أي عمل منشور أشار إلى ما كان يجول في عقل آينشتاين في هذا الصدد.
    فكيف انبثقت هذه النظرية الغريبة، هذا السحر الصافي، من قلب عقل آينشتاين؟ وفوق ذلك كله، لم يأت آينشتاين في ورقته مطلقا على ذكر أهم تجربة ارتبطت بنظرية النسبية الخاصة، أي تجربة ميكلسون ومورلي الشهيرة، التي أجريت العام 1887، ولا على أفكار الرياضي الفرنسي الكبير أنري بوابكاريه، مع أن هذا الأخير سبق أن أشار إلى الأفكار الرئيسية، التي شكلت قوام نظرية النسبية الخاصة (نسبية الزمن، مبدأ النسبية الخاصة، تكافؤ الكتلة والطاقة، زمرة تحولات النسبية الخاصة).
    لماذا صمت آينشتاين عن ذلك هذا الصمت المطبق ؟ بل حتى لورنتس، الذي سبق أن توصل إلى ما أخذ يعرف ب تحولات لورنتس لاحقا، لم يحظ إلا بإشارات عابرة غير ذات بال في ورقة آينشتاين هذه. كيف يمكن تفسير ذلك كله؟.
    لقد قادت هذه التساؤلات بعض الباحثين إلى الظن أن آينشتاين سرق أفكاره من غيره، أو أن غيره قد كتب هذه الورقة وألصقها بآينشتاين. فهناك من نسب هذه الورقة إلى زوجة آينشتاين الأولى، ميليفا ميليتش، الصربية. وهناك من ذهب إلى القول إن العلماء الألمان كانوا يراقبون أنري بوانكاريه الفرنسي بتوجس، ويخشون أن يسبقهم إلى فتوحات جديدة في الفيزياء بعبقريته الفذة. وبصورة خاصة، فقد أدرك الرياضيان الألمانيان ديفد هلبرت وهيرمان منكوفسكي أن بوانكاريه كان قاب قوسين أو أدنى من التوصل إلى نظرية جديدة تتخطى النظرية الكلاسيكية، فما كان من هلبرت تحديدا إلا أن سطا على أفكار بوانكاريه وصاغها بصورة متماسكة في ورقة النسبية الخاصة، لكنه خشي أن يكتب اسمه أو اسم زميله منكوفسكي عليها، كي لا تكتشف السرقة وتدمر سمعتيهما ومكانتيها، وهما الرياضيان المعروفان آنذاك.
    فما كان من هلبرت إلا أن اتفق مع آينشتاين على وضع اسمه عليها، حيث إن آينشتاين كان فيزيائيا مغمورا آنذاك، ولم يكن ليخسر شيئا لو اكتشف أمره، لكنه كان ليكسب كل شيء لو لم يكتشف أمره. وهذا يفسر جميع التساؤلات السابقة، بما في ذلك تجاهل الورقة لبوانكاريه ولتجربة ميكلسون ومورلي، التي ارتبطت بصورة وثيقة بعملي لورنتس وبوانكاريه. وهناك من يعزز هذه المزاعم بالقول إن اليهودية العالمية والعصبية اليهودية ساعدت آينشتاين في كل خطوة خطاها في الصعود على حساب غيره من العلماء.
    لكن هذه الفرضيات تبدو غير صحيحة للأسباب الآتية:
    - إن الذي يدقق في مسيرة آينشتاين العلمية بعد العام 1905 يلاحظ أن ورقة النسبية الخاصة لم تكن نسيج وحدها في هذه المسيرة. كما إنها لم تشكل عملا منفردا معزولا عن عمله اللاحق، وإنما شكلت نقطة انطلاق لسلسة من الأوراق العظيمة، التي توجت بورقة النسبية العامة العام 1915، وورقة علم الكون الآينشتايني العام 1917. بتعبير آخر، فقد شكلت قاعدة انطلاق مشروع بحثي فكري فيزيائي توج بالنسبية العامة، لكنه استمر حتى نهاية حياة آينشتاين العام 1955، واتخذ في آخر ثلاثين عاما من عمره شكل بحثه المحموم عن نظرية مجال موحد شاملة. إنه لمن الصعب التصديق أن ناسخا لعمل غيره أو سارقا له يمكن أن ينفذ مشروعا علميا بهذه الضخامة والعمق والشمول.
    - صحيح أن آينشتاين لم ينشر شيئا في مجال إلكتروديناميكا الأجسام المتحركة قبل 1905، لكن الدلائل تشير إلى أنه بدأ يشتغل على معضلات إلكتروديناميكا الأجسام المتحركة بجدية كبيرة منذ العام 1898، أي قبل سبع سنوات من نشره ورقة النسبية الخاصة، أثناء دراسته بكالوريوس الفيزياء في (ETH) بولتكنيك زيورخ، وأنه بدأ التفكير في هذه المعضلات عشر سنوات قبل نشره ورقته المذكورة. يتضح ذلك من بعض رسائله آنذاك إلى زوجته الأولى وبعض رفاقه. كما إن ذكرياته اللاحقة تكشف عن بعض الخطوات المعقولة التي قادته لاحقا إلى نظرية النسبية الخاصة. ومع ذلك، فلا بد من الاعتراف بشح مصادر تلك الفترة من مسيرته العلمية مقارنة بما هو متوافر من مصادر في فترة تكوينه نظرية النسبية العامة (1905-1915).
    - من ينعم النظر في ورقة النسبية الخاصة ويقارنها بأوراق لورنتس وبوانكاريه، يلحظ من دون عناء أن ورقة آينشتاين لا يمكن أن تعد نسخا أو تقلا لهذه الأوراق. سيلحظ أن ورقة آينشتاين لا تختلف عن تلك الأوراق في عناصرها، وإنما في تنظيمها هذه العناصر وربطها بعضها ببعض، ووضوح الرؤية التي توحدها معا. هذه العناصر موجودة في أوراق لورنتس وبوانكاريه، لكنها مبعثرة هنا وهناك فيها ضمن إطار كلاسيكي تقليدي. أما في ورقة آينشتاين، فهي منظمة ومرتبطة معا في إطار جديد يشكل قطعا مع الإطار الكلاسيكي التقليدي. إن آينشتاين يلجأ إلى استعمال هذه العناصر من أجل خلق رؤية نظرية جديدة بديلة للرؤية الكلاسيكية. أما لورنتس وبوانكاريه، فهما يبتكران هذه العناصر من دون التخلي عن نقائضها الكلاسيكية، فيتركانها ملجومة ومقيدة ضمن الإطار الكلاسيكي، غير قادرة على تحقيق إمكاناتها الكامنة.
    وبالمقابل، فإن آينشتاين يخلق بها نظاما جديدا بديلا للنظام القديم ويقطع معه. وينبع وضوح رؤية آينشتاين من هذا القطع وهذا الربط تحديدا. وهذا أبعد ما يكون عن النسخ والنقل. إنه إبداع وخلق في أنصع صورهما.
    وهنا يبرز سؤال لا بد من طرحه: لئن كانت المصادر المتوافرة بصدد الخطوات التي اتبعها آينشتاين في بناء نظرية النسبية الخاصة شحيحة جدا، فهل من سبيل إلى معرفة ذلك؟.
    بالفعل، لقد حاول بعض الباحثين بناء تصور لذلك على أساس هذه القاهدة الهشة، لكن محاولاتهم جاءت هشة وغير مقنعة. لذلك، فإن السبيل إلى معرفة كيف ركب آينشتاين نظرية النسبية لا بد أن يرتكز في المقام الأول على ورقة آينشتاين حول إلكتروديناميكا الأجسام المتحركة نفسها، ويلجأ إلى قراءة هذه الورقة من هذا المنظور.
    لقد بذل كاتب هذه السطور جهودا مضنية في التنقيب عن مصادر موثوقة بصدد عمل آينشتاين في الإلكتروديناميكا قبل العام 1905، لكنها قادت إلى طريق مسدودة وضبابية، إلى أن لمع التبصر في الذهن بأن أكثر ما يلقي الضوء على بناء نظرية النسبية الخاصة هي ورقة 1905 نفسها. فما الذي تقوله هذه الورقة، وكيف يتبدى منهج البناء النظري الآينشتايني فيها؟.
    يبدأ آينشتاين ورقته حول إلكتروديناميكا الأجسام المتحركة بالتعليق على تجربة بسيطة مألوفة منذ أربعينيات القرن التاسع عشر: تجربة مايكل فرادي في الحث الكهربائي. لكنه يحللها بطريقة جديدة غير مسبوقة. وهنا يلفت النظر أن أكثر ما يميز آينشتاين عن غيره من الفيزيائيين هو قدرته على ملاحظة التجارب ذات المغزى النظري العميق، وطرقه الجديدة غير التقليدية في تأويلها. أضف إلى ذلك أنه لم يكن ينساق وراء الجماعة العلمية المعاصرة له في الاهتمام بتجربة ما.
    ففي الوقت الذي ركز فيه فويغت وفتزجيرالد ولارمر ولورنتس وبوانكاريه على تجربة مايكلسون ومورلي، فقد أهملها آينشتاين وركز على تجارب فيزو وفرينل الأقدم منها والأقل دقة منها، وعلى تجربة فرادي المذكورة. وبعكس العلماء الآخرين، فلم يكن يركز اهتمامه على أحدث تجارب عصره، وإنما كان يعد الموروث المعرفي برمته مسرحا لفعله النظري، ولم يكن يقبل نهائيا التأويلات السائدة في هذا الموروث، وإنما كان مستعدا دائما لاستئناف النظر في التجارب الراسخة وإعطائها تأويلات جديدة غير مألوفة.
    هكذا فعل بالتجارب المذكورة، وهكذا فعل بتجارب تساوي الكتلة القصورية والكتلة الجاذبية، التي قاده تأويلها الجديد إلى مبدأ التكافؤ فنظرية النسبية العامة.
    تتمثل تجربة فرادي في أنه إذا تم تحريك مغناطيسا أفقيا على محور حلقة موصلة عمودية، سرى تيار كهربائي معين في الحلقة. وإذا أبقينا المغناطيس ثابتا وحركنا الحلقة صوب المغناطيس بالسرعة نفسها، ولكن في الاتجاه المعاكس، سرى التيار نفسه في الحلقة. والذي حير آينشتاين في الأمر هو أن الحركتين تختلفان جوهريا وفق التأويل السائد آنذاك، ومع ذلك فإنها تقودان إلى النتيجة نفسها.
    ذلك أن التأويل السائد كان يقسم المادة إلى نوعين: المادة الملموسة والأثير. وكان يعد المجال الكهرمغناطيسي والضوء ظاهرة أثيرية. وفق هذه النظرة، فإن المغناطيس يولد مجالا كهربائيا حين يتحرك في الأثير بتأثير تفاعل مجاله المغناطيسي مع الأثير. أما حين يبقى ثابتا وتتحرك الحلقة صوبه، فلا يكون هناك مجال كهربائي. لكن تيارا كهربائيا ينشأ في الحلقة بفعل قوة لورنتس التي تنشأ عن حركة الإلكترونات في المجال المغناطيسي.
    هنا ثمة عمليتان فيزيائيتان مختلفتان تماما عن بعضهما بعضا، لكنهما تقودان إلى التيار نفسه. أليس ذلك مصادفة غريبة؟ لذلك رفض آينشتاين هذا التأويل التقليدي. وبدلا من أن ينطلق من افتراضات شبه ميتافيزيقية كوجود الأثير، نظر إلى الوقائع التجريبية في حد ذاتها، وفي مقدمتها حقيقة أن ظاهرة الحث الكهرمغناطيسي تعتمد على السرعة النسبية بين الموصل والمغناطيس، لا على السرعة المطلقة بالنسبة إلى الأثير المزعوم، وأن المجال الكهربائي ينشأ بفعل تغيير المنظور أو مرجع الإسناد، لا عن تفاعل مادي حقيقي بين المغناطيس والأثير.
    النقطة الجوهرية هنا، أن المجال الكهرمغناطيسي يتحول أو يتغير، إذ ننتقل من مرجع إسناد إلى آخر. فما يبدو مجالا مغناطيسيا بحتا من مرجع إسناد، يبدو خليطا من مجال مغناطيسي وآخر كهربائي من مرجع إسناد آخر يتحرك بالنسبة إلى المرجع الأول. وعلى ذلك كله، فإن تجربة فرادي وفق آينشتاين لا تعبر عن تفاعل المغانط مع الأثير المزعوم، وإنما تعبر عن حقيقة أن الظاهرات الكهرمغناطيسية تطيع مبدأ النسبية، كما هي الحال مع الظاهرات الميكانيكية.
    وللتذكير، فإن مبدأ النسبية في صورته الأصلية الغاليلية ينص على أن قوانين الميكانيكا لا تتغير، إذ ننتقل من مرجع إسناد قصوري إلى آخر، الأمر الذي يفسر لماذا لا نشعر بحركة الأرض ولا بأي حركة منتظمة. وقد برز الظن في النصف الثاني من القرن التاسع عشر بأن الظاهرات الكهرمغناطيسية والضوئية لا تطيع هذا المبدأ، وإنما تكشف عن الحركات المنتظمة بالنسبة إلى المكان المطلق أو الأثير.
    ها هو ذا آينشتاين يضع تأويلا جديدا لتجربة فرادي يقود إلى فكرة أن مبدأ النسبية مبدأ كوني ينطبق على جميع الظاهرات الطبيعية، ميكانيكية كانت أو كهرمغناطيسية أو ضوئية. إن قوانين الطبيعة لا تتغير من مرجع إسناد قصوري إلى آخر، بصرف النظر عن صنفها، ميكانيكية كانت أو كهرمغناطيسية أو ضوئية. لقد رفع آينشتاين فكرة النسبية من مجرد فكرة أو اقتراح جزئي إلى مسلمة نظرية أو منطلق لنظرية جديدة.
    وبعد تناوله هذه التجربة، يعرج آينشتاين على تجارب فرينل وفيزو للكشف عن حركات الأجسام بالنسبة إلى الأثير. لكنه لا يؤولها بدلالة الأثير وكيفية تفاعله مع الأجسام المادية، وإنما بدلالة انطباق مبدأ النسبية على الظاهرات الضوئية.
    ماذا يستشف من هذه التأويلات بصدد منهج آينشتاين في بناء نظرية النسبية؟.
    أولا: تلاحظ نزعة وضعية في منهج آينشتاين تعطي الأولوية إلى العناصر التجريبية والمشاهدة على حساب الافتراضات شبه الميتافيزيقية وغير الملموسة كالأثير. فهذه النزعة تمكن آينشتاين من رؤية الظاهرات على حقيقتها مطهرة مما يعلق فيها من افتراضات خفية شبه ميتافيزيقية. وقد اتبع هيزنبرغ نهجا مشابها في العام 1925 قاده إلى ميكانيك الكونتم.
    ثانيا: يلاحظ في منهج آينشتاين أيضا نزعة أفلاطونية تتمثل في تركيب صورة العالم من مبادئ كونية، وعد بعض التجارب المنتقاة تجسيدات لهذه المبادئ.
    ثالثا: وتتمثل هذه النزعة الأفلاطونية أيضا في عد هذه المبادئ الجوهر الثابت الحقيقي للكون، وعد كل ما عداها عرضيا ومتغيرا. وبالتحديد، فإن هناك عددا لانهائيا من المنظورات المتساوية معا من حيث المشروعية، وأن الأشياء وخصائصها تتغير بتغير هذه المنظورات، بما في ذلك المجالات والأطوال والأزمان.
    والكيانات الوحيدة التي لا تتغير إذ تتغير هذه المنظورات هي المبادئ الكونية. فهي ثابتة راسخة مطلقة الموضوعية. إن المبادئ الكونية تذكر بمثالات أفلاطون، كما إن الأشياء تذكر بظلال كهف أفلاطون.
    رابعا: إن هذه المبادئ الكونية لا تحكم ظاهرات الكون حسب، وإنما تحدد وتحكم طبيعة قوانين الطبيعة وصورها. فالقانون لا يكون قانونا موضوعيا بحق إذا لم يخضع لهذه المبادئ العامة.
    وبالفعل، فإن آينشتاين ينطلق من مبدأين كونيين هما مبدأ النسبية السابق ذكره، ومبدأ أن سرعة الضوء هي نفسها في أي مرجع إسناد قصوري، بصرف النظر عن سرعة مصدر الضوء. وقد اشتق آينشتاين هذا المبدأ الأخير من معادلات ماكسويل في الكهرمغناطيسية، لكنه حوله من نتيجة من نتائج نظرية ماكسويل إلى منطلق ومبدأ كوني.
    وقد حاول آينشتاين قبل العام 1905 أن يتفادى هذا المبدأ ويعدل نظرية ماكسويل تباعا، لكنه أخفق في ذلك، فما كان منه إلا أن أقنع نفسه بأنه لا مفر من هذه النظرية وهذا المبدأ. وبعد أن أعلن تخليه عن فكرة الأثير، أشار إلى أن هناك تناقضا ظاهريا بين المبدأين، وأن الحل يكمن في إعادة النظر في مفهوم الزمن بالطريقة نفسها التي أعاد بها النظر في تجارب غاليليو وفرادي وفيزو، أي تدبر هذا المفهوم في مضمونه التجريبي مطهرا مما يعلق فيه من افتراضات شبه ميتافيزيقية لا ترتبط بصورة مباشرة وواضحة بالتجربة. وقد قاده ذلك إلى مفهومي المكان والزمان النسبيين وإلى ما يسمى علاقات لورنتس التحويلية ، ومن ثم إلى كينماتيكا النسبية الخاصة وإلى ديناميكا النسبية الخاصة.
    هكذا ركب آينشتاين نظرية النسبية الخاصة، وهكذا أرسى أرضية تركيب نظرية النسبية العامة. أما كيف ركب هذه الأخيرة، فلتلك قصة أخرى. ويكفي القول هنا إن آينشتاين دشن بحثه عن نظرية النسبية العامة بورقته عن مبدأ التكافؤ (Equivalence Principle) في العام 1907. وقد توصل إلى هذا المبدأ المهم بوضع تأويل جديد غير مسبوق لحقيقة تجريبية كانت معروفة ومألوفة منذ غاليليو في الثلث الأول من القرن السابع عشر، وهي أن الكتلة القصورية التي تظهر في قانون نيوتن الثاني في الحركة تساوي إلى حد كبير من الدقة كتلة الجاذيبة التي تظهر في قانون نيوتن في الجاذبية.
    وقد حار آينشتاين في أمر هذا التساوي المذهل، وأوله بطريقة جديدة تذكر كثيرا بالطريقة المبدعة التي أول بها تجربة فرادي. إذ إنه عدها تعبيرا عن أن الجاذبية والقوى القصورية الناجمة عن التسارع تنتميان إلى المجال نفسه. وبدلا من أن يعد القوى القصورية تعبيرا عن التسارع بالنسبة إلى المكان المطلق، فقد عدها تعبيرا عن تغير المجال الجاذبي، إذ نتحول من مرجع إسناد إلى آخر يتسارع بالنسبة إلى الأول. أي أنه عد جاذبية نيوتن وقواه القصورية تعبيرات جزئية عن قانون شامل للجاذبية غير معروف. فانبرى للبحث عنه دامجا مبدأ التكافؤ مع فضاء منكوفسكي الرباعي مع الهندسة التفاضلية، الأمر الذي قاده في العام 1915 إلى اكتشاف هذا القانون الشامل.
    ليس من الصعب ان تصنع الف صديق فى سنة
    لكن من الصعب ان تصنع صديقا لألف سنة
    يكفيني فخرا انني ابن الرايه الهاشميه

  2. #2
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Wed Jun 2008
    الدولة
    صانعة رجال البواسل رجال الهيه المملكة الهاشمية
    المشاركات
    146,552
    معدل تقييم المستوى
    11586669

    رد: دور الفلسفة في منهج آينشتاين




    يعطيك الف الف عافية
    تقديرى واحترامي


    اختكم بالله



  3. #3
    الاداره
    تاريخ التسجيل
    Tue May 2009
    الدولة
    الرايه الهاشميه حفظها الله
    المشاركات
    212,599
    معدل تقييم المستوى
    21475063

    رد: دور الفلسفة في منهج آينشتاين

    ليس من الصعب ان تصنع الف صديق فى سنة
    لكن من الصعب ان تصنع صديقا لألف سنة
    يكفيني فخرا انني ابن الرايه الهاشميه

المواضيع المتشابهه

  1. مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 09-12-2011, 08:32 PM
  2. تصدير سعف النخيل إلى "إسرائيل"!.
    بواسطة الاسطورة في المنتدى منتدى الاخبار العربية والمحلية
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 30-08-2010, 12:33 AM
  3. جيش رجال الطريقة النقشبندية الاصدار الثامن والثلاثون
    بواسطة زئير الرجال في المنتدى المنتدى الاسلامي العام
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 09-07-2009, 09:54 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
معجبوا منتدي احباب الاردن على الفايسبوك