الحقيقة الدولية – عمان



كتب الدكتور محمد حسن العمري مقالا خلص فيه ان في الشارع الاردني لم يعد متناغما لا مع طبول الحراك ولا سيمفونية الدولة، وفيما يلي نص مقال الدكتور العمري:



يعود الاردن اليوم الى مربع الصفر، الى حيث البدايات، الى الواجهات العشائرية المنتفعة بذاتها، الى صراع القوى العشائرية والاقليمية المتخلفة، لم تحم العشائر الاردنية والفلسطينية نظام الحكم كما تزعم، بل كانت تدافع طوال الوقت عن مكتسباتها المرتبطة به ، يشعر النظام القائم انه وقد نقل الاردن طفرة نوعية، قوبل عليه برد الجميل بخروج القوى السياسية والعشائر عليه، فيما ضجر الشارع والعوام من جانب اخر ، يدفعه ان ينسف كل ما بناه خلال عقود من المدنية وحكم الدولة، وهو استحقاق ما يحدث في الجامعات الاردنية الراهن والمدفوع من داخل قوى في نظام الحكم، كلها فريسة صراع الدولة وقوى الحراك السياسي، في تحالف ضد الشارع العام و مزيد من الازمات!!



العشائر التي تصبح مكونا من مكونات الحراك السياسي تؤلبه على الدولة، وفي المساء تصير ضده، وتؤلب الدولة عليه، لم تكن ببعيدة عن التصريحات " الساخنة " للملك عبدالله الثاني الذي ظل حديثه عنها بالديناصورات خارج النفي والاثبات، ،!!



-2-



اكثر من عامين و قوى الحراك السياسي بأطيافها الاسلامية واليسارية والوطنية و" العشائرية " و المناطقية ، مع الدولة الاردنية، والاخيرة بأجهزتها الامنية والسياسية وماكنتها الاعلامية، يتبادلون العزف المنفرد والجماعي، اسوة بما جرى ويجري في العالم العربي، ليكتشف كلا الطرفين ،انهما بقوائم النخب " العاجية"، فلا الدولة ولا الحراك بقادر على ان يطرب الشارع بما يتولاه من مواقف,!!



-3-



يخيم على الشارع الاردني وجوم كبير جراء حزم اقتصادية تطال كل مرافق حياة المواطن العادي، تدافع الحكومة عن مواقفها بالإصلاحات الاقتصادية التي هي نتيجة لتغول سنوات طويلة من " التسيب" و ترحيل الازمات الاقتصادية دون حلها، فيما يجد الحراك السياسي انها الفرصة السانحة لتحقيق اهدافه التي تتراوح و تتباين في ظروف مختلفة ما بين اسقاط الحكومة و اجراء سلسلة اصلاحات تشريعية وسياسية و اقتصادية دستورية وبين من ينادي بإصلاح النظام او اسقاطه في الظروف التي تبلغ اشدها عند الازمات، وعلى كل الاحوال نجح الحراك السياسي بالإبقاء على نفسه موجودا طوال فترة عامين، موجودا وليس اكثر من موجودٍ، بصرف النظر عن حجمه، لكن الدولة نجحت اكثر في صناعة " برلمان " غير مؤدلج يضمن لها السير في الإجراءات التي تنتهجها دونما "عصيان!"، ونجحت الدولة كذلك في اشغال الشارع الاردني بحالته الاقتصادية المتأزمة، وعزله في غالب الاحيان عن الانخراط في الحراك السياسي، و نجحت اكثر في انتاج سلسلة من الحكومات والبرلمانات التي كانت تحمل كل منها عنوانا مختلفا، لكنها لم تخرج في مجموعها عن زمرة " المحافظين" و رجال الاعمال الذين يقودون البلد في اصعب ظروفه، ولسان حالهم انهم يريدون " مصالحهم "!!



-4-



الشارع الاردني كأي شارع عربي ينحاز الى السلبية في اكثره، وتتولى فئة قليلة تهّيج الشارع على الحكومة والنظام، وهو الامر الذي حصل في معظم الدول العربية، يختلف الامر اردنيا ان نسبة القائمين بالحراك السياسي اقل بكثير مما حصل في مصر و تونس واليمن، ولأسباب نوعية كثيرة، فالدولة التي يحكمها نظام ملكي، منذ انتهاء الانتداب البريطاني، ابقت على علاقات متوازنة مع الغرب، يفرض ذلك موقعها الساخن على حدود المواجهة مع اسرائيل، كان هذا ينعكس ايجابا في غالب الامر على التنمية في البلد، و لذلك كانت تتجه الدولة في مدخلات التنمية الى منافسة الدول العربية المستقرة سياسيا كالخليج وليس الدول المأزومة سياسيا كنتاج الجمهوريات الغارقة في الفقر والتخلف، لم تكن الاردن المحدودة المصادر يوما كجارتها سوريا التي كانت شبه محاصرة و معزولة دوليا و تعتمد على اقتصادها الداخلي، وغارقة في الفساد في كل مرافقها حتى العسكرية منها، الاردن لم يكن كذلك وكان الفساد فيه مقتصر على النخب السياسية المسؤولة نتيجة بنية عشائرية، انتهازية اكثر مما هي موالية للدولة والنظام حسب تسويقها لذاتها، لم يمتد الفساد كثيرا الى بنى المجتمع والحكومة، وكانت المساعدات الدولية كفيلة بتكوين بنية تحتية تتفوق على امكانيات الدولة المالية، ومن نافلة القول انه وقبل عام 1989 م، لم يكن الشارع الاردني يشعر بوجود ازمة مالية في الدولة وكان الملك حسين يتولى وفق علاقاته العربية والدولية تسوية كل ذلك، الى حين حدثت الهبة الشعبية التي لم يرعاها الحراك السياسي المنظم و انما حركها العامل الاقتصادي وليس غيره، فيما دخلت المعارضة المنظمة الحلبة السياسية وساهمت بتأزيم الوضع الاقتصادي بسبب مواقفها السياسية، ثالثة الاثافي عام 1990 بتحالف المعارضة مع النظام السياسي الاردني وتأييد العراق في حرب الخليج الثانية، والذي نجم عنه ازمة اقتصادية اكبر من الاولى بتراجع العمالة الاردنية في الخليج و غياب الدعم الخليجي المنتظم ابان الثمانينات وموقف الاردن من حرب الخليج الاولى، العراق-ايران، التي رعتها دول الخليج نفسها، حتى هذه الاحداث الجسام والتي انعشت الاخوان المسلمين والمعارضة الاخرى لم تكن تعني للشارع العام غير الصوت الانتخابي الذي يمنح حال الانتخابات التشريعية ثم يغيب الى الابد ويعاود الشارع ينشغل في ازماته الاقتصادية تترى منذ عام 1989 الى اليوم!



-5-



لا يمكن القول اليوم ان النظام هو ضمير الشارع ولا هي كذلك المعارضة المنظمة، فالشارع الاردني لديه ازمة مع الطرفين، ازمته مع النظام الذي يقدمه اليوم كفداء لحل ازمات البلد الاقتصادية، وللمعارضة المنقسمة في سقفها على ما تريده من الدولة، ففي الوقت الذي تبدو فيه معارضة الحركة الاسلامية معتدلة احيانا، تتجابه بأخرى مع قواعدها التي تطالب بسقف اعلى من التغير، اما المعارضة الوطنية اليسارية التي تتولى " نظريا!" مقاومة مشروع الوطن البديل والتجنيس فقد منيت بهزيمة مذلة في الانتخابات الاخيرة، حيث دفعتها الدولة للمشاركة منفردة ثم كشفت للشارع غيابها عن الوجود، لم يكن ذلك بأفضل حال من المعارضة القومية والليبرالية والاسلامية " الوسط" التي حصدت ربع مقاعد مجلس النواب تحت قوائم "مقنّعة" و تجارية و اقليمية اهلتها لان تكون شاهد عيان على فساد قانون الانتخاب المطبق منذ 20 سنة بالتمام، ويؤجج الشارع الاردني بأكمله دون الخروج حتى اليوم بحل مرضٍ سوى وجبات خفيفة تقدمها الدولة كل حين ليس اكثرها سخفا قانون الدوائر الوهمية بعهد الحكومة التي رأسها سمير زيد سمير الرفاعي، رئيس وزراء اسقطه الملك بعد ان " تأهل " بروتوكوليا من البرلمان، وكان الشارع الاردني اسقط والده قبل اكثر من 20 سنة و البرلمان الاردني اسقط جده قبل 20 سنة اخرى، ولا كذلك قانون " القوائم الوهمية" التي اقرت انتخابات المجلس الراهن بعهد الرئيس النسور.



النظام يفر بالشارع الاردني من حكومة الى حكومة، والمعارضة المؤدلجة المقاطعة منها والمشارك تفر به من خيار الى خيار اصعب، ليس غير ارتفاع الاسعار و تدفق اللاجئين والوافدين من سوريا والعراق وغيرهما و العمالة من مصر واسيا وغيرها، تتدافع الازمات تترى وتزيد من تضيق الجدران على الشارع الاردني، لم يعد متناغما لا مع طبول الحراك "المثقوبة" ولا سيمفونية الدولة " الفوضى" وهذا الشارع صار مؤهلا بكل قواعده الى الانفجار بأية لحظة!!