الحقيقة الدولية – عمان







سنوات من الضياع اختزلها اصغر مدمن حشيش وحبوب في اعوامه الاثني عشر ، عندما كان في الحادية عشرة ليواصل بها اياما غاب فيها عن عائلته ليعيش خلالها احلاما وهمية صنعها من اجل الوصول إلى "زهزهة" النشوة الزائفة.



فهد الذي انهى علاجه في مركز الصحة النفسية لتأهيل المدمنين هو اليوم طالب في سنته الجامعية الاخيرة الا انه اصر على القول "الحشيش والماريجوانا ادمان ومن يقل غير ذلك فإنه يتستر على المشكلة التي يعاني منها وحلها الوحيد بالمعالجة الصحية وامتلاك ارادة قوية وعزيمة لهزيمة تلك الرغبات الملحة للعودة إلى سيجارة او شمة هيروين".



المركز، الذي كان فهد من بين 197 مدمنا ومدمنة بينهم 10 فتيات عالجهم منذ مطلع العام الجاري وحتى نهاية ايلول الماضي، كان قد عالج منذ انشائه عام 2001 ما يقارب 2791 بينهم 100 فتاة.



بدأت حكاية فهد مع الادمان منذ سن الحادية عشرة حيث كان يدخنها بشكل يومي ويقوم بترويجها وكان وراء ما اصابه اقارب ومجموعة من رفاق السوء كانوا يتعاطون هذه المادة المخدرة . يقول فهد" عندما دخنت السيجارة الاولى لم اكن اعلم بانها ستلازمني إلى 12 سنة" .



ويضيف" كان من يوفرها لنا يقنعنا انها خفيفة فلم يكن ادماني وغيري عليها من اول يوم ، ومع مرور الايام لم تكن السيجارة تصلني إلى ما هو مطلوب من النشوة فكان لا بد من اخذ حبوب الكبتاجون وتأثيرها كان اقوى ..كنت رياضيا وفارسا والمخدرات "دمرتني".



ويقول فهد، وفق "العرب اليوم" "كنت اتعاطى الحشيش من سن 11 سنة وبشكل يومي حتى اني زرعتها وروجت لها من خلال اصدقاء لي ..لم اكن اعلم ان اول سيجارة ستودي بي إلى تهلكة الادمان، فلم تكن تلك السيجارة او اثنتين او ثلاث منها لتكفي بل صرت ابحث عن مخدرات من نوع اخر حتى ادمنت على الحبوب المخدرة التي افهمني من باعني اياها بانها ستنشط ذاكرتي خاصة انني كنت حينها طالب توجيهي وخدعني وعانيت من اثارها خفقانا سريعا بالقلب و عدم قدرة على تناول الطعام باستثناء الماء ".



المأساة كانت في حياة فهد عندما علمت عائلته بادمانه عند اصابته بنوبات "هيجان" واوهام اضطهادية دفعت والديه إلى عرضه على طبيب ليتفاجأ الاب ان ابنه البكر "مدمن مخدرات".

اما والدته وعلى حد تعبيره "انجنت" عندما علمت بامره وربما هو الاصعب في حياته مستذكرا موقفا جمعه مع امه عندما طلبت منه ان يقسم على القران الكريم بان يترك المخدرات ويعود لرشده. ويقول عن ذلك" اضطريت احلف على المصحف غصب عني بس كنت بدي اخلص عشان اتعاطى..كنت احلف على المصحف والمخدرات بجيبي واي شي كانت تطلبه مني والدتي كنت اؤديه من اجل جرعة اتناولها بنهم ".



وعن رحلة علاجه في المركز قال "استغرق علاجي 42 يوما وكنت أنا من طلب من والدي أن يصطحبني للعلاج بعد أن ادمنت نوعا آخر من المخدرات وهو الماريغوانا، استيقظت على نفسي قبل أن يفوت القطار واكتشفت من تجربتي أن التجار هم من يخدعونا من اجل الربح السريع بإقناع أي شاب أو شابة بان السيجارة لا تؤدي إلى الإدمان حتى حبة المخدر لكن بالنهاية نصبح مدمنين .



ولفت فهد إلى معاناة والده معه الذي اخذ يتحدث إليه بالحسنى ليكف عنها حتى- والحديث له- أن والده اشترى له مركبة وسجله بأفضل الجامعات وأضاف "الأمر لم يكن عند هذا الحد بل كان يقول ان فلانا مات من جرعة زائدة وهو صديق لي فلم تكن ترغب بان يكون مصير ابنهم البكر القبر وبجرعة زائدة، لكن بالنهاية الله بمشيئته نجاني مما كنت عليه وأوصل دراستي باجتهاد وتقدمت لفتاة علمت بمشكلتي وساندتني إلى النهاية في مشوار علاجي" .



فهد أراد من لقائه أن يوصل رسالة إلى كل شاب من أبناء جيله بان حقيقة المخدرات هي الإدمان والضياع وليكشف فيها خداع تجار المخدرات وزيفهم وراء بيع السيجارة وا الحبوب أو أي نوع من أنواع المخدرات للتكسب السريع من جانبهم فلا يأبهون مما سيحدث لهذا الإنسان لاحقا سواء مات أو اصبح ضحية لاستغلالهم ومعلنا "ندمان ..اكيد ندمان ".



لكن ندم فهد لحقه ندم آخر ومن نوع مأساوي، إذ دفعت فاجعة أم بمقتل ابنتها من قبل طليقها إلى إدمانها على الحبوب المهدئة وبكميات كبيرة متدرجة بتناول أنواع مختلفة من المخدرات لتستقر على الهيروين الذي ادخلها السجن 3 مرات موصلا إياها إلى فقدان الوعي و الدخول في شبه غيبوبة .



تقول العنود عن مشوار علاجها من الادمان" المخدرات لم تنسيني فاجعتي بابنتي ،فانا مدمنة هيروين منذ 3 سنوات ،قتلت ابنتي وعلى اثر صدمة نفسية تناولت الحبوب المهدئة بوصفة طبية بداية وبدأت بتناول حبتين في اليوم إلى ان اخذت بزيادة الكمية على عاتقي وبدون استشارة طبيب حتى صرت اتناول في اليوم الواحد 20 حبة ،هذا الأمر دفع اقارب لي إلى اعطائي الهيروين كتجربة بـ "القصديرة" ووجدت ذلك افضل من الحبوب لكن لم اكن اعلم النهاية واستمريت إلى ان أصبحت آخذ الجرعة عن طريق الحقن الوريد والرقبة ".



وتتابع العنود "فردست" وهذا مصطلح شائع بين المدمنين، أي تناولت جرعة زائدة ولم استيقظ على نفسي إلا وأنا بالمستشفى لأُنقل بعدها إلى السجن .



في مكاشفة العنود قالت "" سلمتني عائلتي في احدى المرات لمكافحة المخدرات حيث ضبطت تحت وسادتي ابرة وضعتها العائلة من اجل ضمان القاء القبض علي واصطحابي للمكافحة من اجل العلاج ، وكان سبب موقفهم هذا خوفهم علي ومن اجل مساعدتي في العلاج للتخلص من المخدرات فلم يكونوا على دراية بان المدمن ان ذهب بنفسه طلبا للمساعدة لا يتم سجنه ".



"لم تنسيني المخدرات جثة ابنتي التي ما زالت صورتها عالقة في ذاكرتي عندما طلب المحقق ان اتعرف عليها ولم اتمكن من التعرف عليها بسبب بشاعة الجريمة، هذا ما قالته في ردها على سؤال وجه اليها عما اذا كانت ما تناولته من كميات من المهدئات والمخدرات انستها ابنتها لتقول "لم اعمل لبناتي اي شئ بالعكس زدت من همهن ،واريد ان اتعالج لكي اعود اليهن".



وتنصح العنود وهي في مرحلة الشفاء من ادمانها " على كل انسان ان لا يتناول الحبوب المهدئة الا باشراف طبي واذا شعرت اي امرأة او فتاة بضعف وارادت ان تتعاطى ان لا تفعل وان تستذكر الله وان تتعظ من تجربتي ".



العنود عانت من اعراض انسحابية جسدية ونفسية تمت تغطيتها بعلاجات خاصة للتخفيف من هذه الاعراض.



يقول رئيس المركز الوطني لتأهيل المدمنين د. جمال العناني: هنالك نموذجان في العالم فيما يخص الإدمان بشكل عام والمدمن بشكل خاص احدهما الأخلاقي الذي يجرّم المدمن ويعتبره مخالفا للقانون ويستحق العقاب، وهذا يتماشى مع المفهوم والفكرة السائدة لدى معظم المجتمعات، والاخر هو النمودج الطبي، الذي يعتبر المدمن مريضاً.



وعرّف د. العناني الإدمان باعتباره نمطا سلوكيا يقوم على الاعتماد الجسدي أو النفسي أو كليهما على المادة المؤثرة عقلياً، ويكون مصحوباً برغبة داخلية شديدة ( قهرية ) لتوفير وتعاطي هذه المادة، واحتمالية عالية جداً للرجوع لهذا السلوك في حال الانقطاع عنه.



اما المواد المؤثرة عقلياً التي يمكن الإدمان عليها ومن التجربة الأولى إذا وجدت الاستعداد الشخصي يقول العناني : هي أية مادة سواء كانت صلبة أو سائلة أو غازية وتؤدي لمفعول جسدي أو نفسي أو كليهما مشيرا إلى المواد المثبطة، التي تعمل على تثبيط الجهاز العصبي المركزي كـ (الأفيونات، الفاليومات).

اما المواد المنشطة، فتعمل على تنشيط الجهاز العصبي المركزي كـ( الكوكائين والأمفيتامينات والهروين).



وكذلك المواد المهلوسة التي ينتج عنها الهلوسات والتي قد تؤدي إلى فقدان الاتصال بالواقع وبالتالي قد يتسبب عنها إيذاء للنفس أو للآخرين كـ( الكيتاميـن lsd) لافتا" إذا أخذت بجرعات عالية قد تسبب هلوسات وهنا تكمن الخطورة".



وقال " يتم التحويل لهذا المركز وبكافة الطرق فإما أن يأتي المدمن وحده أو مع الأهل أو مع الأصدقاء أو محولاً من الأطباء في القطاع الخاص أو العام".



واشار إلى اجراء المريض مقابلة تحفيزية ومن ثم توضع الخطط العلاجية له كمريض خارجي أو كمريض داخلي وحسب الحالة، كمريض داخلي يتم إدخال المريض ستة أسابيع منها أسبوعان لإزالة السميـة ( حيث الفطام الكامل عن المادة المتعاطاة وتعالج الأعراض الانسحابية الجسدية والنفسية التي قد تظهر بسبب هذا الفطام وحسب أفضل البروتوكولات العالمية المصممة لهذا الغرض)، وكذلك أربعة أسابيع لإعادة التأهيل( حيث الجلسات النفسية الفردية والجمعية وجلسات إطفاء للمفطنات وجلسات تقوية المهارات الحياتية والجلسات الروحية والمحاضرات الطبية حول الإدمان والأمراض المرتبطة بالسلوك الإدماني وطرق الوقاية منها وكذلك النشاطات الترويحية الرياضية).



أما المريض الخارجي فيراجع بواقع مرة كل أسبوع في الشهر الأول ومن ثم مرة كل إسبوعين وهكذا.



واضاف "بعد خروج المريض معافى من المركز يتم إلحاقه ببرنامج الرعاية اللاحقة، حيث المراجعة الاسبوعية لأول شهر ثم كل إسبوعين للشهر الثاني وهكذا، حيث يتم الإطمئنان عليه وبشكل دوري وفي حال الخشية من العودة للتعاطي والانتكاس تتم إعادة إدخاله وتحت مسمى "إدخال لمنع الانتكاسة".



واكد العناني ان هذه الخدمات تقدم مجاناً لكل الأردنيين وبأسعار رمزية للمرضى من الدول العربية الشقيقة، علماً أن المريض الواحد يكلف خزينة الدولة حوالي 350 دينارا في الليلة الواحدة.