هل تنبأ (أودن) بأحداث 11 سبتمبر؟
يوسف ضمرة - عنوان القصيدة (الأول من سبتمبر). والقصيدة تتألف من تسعة مقاطع -لاحظ 9-، وكل مقطع يتألف من أحد عشر بيتا -لاحظ 11-.
ولكن، هل هذا يكفي للقول إن القصيدة كانت تتنبأ بأحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر في نيويورك؟
القصيدة كتبت إبان الغزو الألماني لبولندا 1939، وتأتي على ذكر الدكتاتوريات وناطحات السحاب، والمصير الأسود الذي ينتظر البشرية. كان ذلك منطقيا في ظل اجتياح النازية المرعب لأوروبا، وإسقاط أنظمتها وتدمير بنيتها، سعيا لفرض هيمنة أيديولوجية ذات لون واحد، وطبيعة واحدة.
الأول من سبتمبر، لأن بولندا سقطت بيد النازيين حول هذا التاريخ. والمقاطع التسعة ربما لها علاقة بسبتمبر الذي حدث فيه جنون الرعب الأوروبي. أما أحد عشر مقطعا، فهي ليست مرتبطة -ربما- بأي شيء، هذا إن لم يكن ثمة تاريخ يتعلق بمناسبة ما.
ليس من الحكمة في شيء، أن نقرأ إبداعات الماضي، بوصفها نبوءات لما حدث فيما بعد أو ما سيحدث بالتفصيل.
ثمة رؤية إبداعية عند كبار الكتاب والمبدعين، تتمكن من رؤية الغيوم السود مقبلة كقطعان برية موحشة. ولكن هذه الرؤية ليست مقدسة أو موثوقة أو مرتبطة بحدث محدد بعينه.
فماذا نقول عن الأرض اليباب و البشر الجوف لإليوت إذاً؟ هل إلقاء قنبلة نووية يوما ما، وهو ما سيؤدي إلى إحراق الأرض وقطع نسلها، سيعني أن إليوت كان يتنبأ بهذا الحدث قبل وقوعه؟
كانت أوروبا تعاني أزمة اقتصادية خانقة في ذلك الوقت، فقد وظفت الرأسمالية كل جهودها آنذاك للوقوف في وجه المد الشيوعي الذي اكتسح الشعوب، ولم يكن غريبا أن يكون شاعر مثل أودن شيوعيا، لأن إنقاذ الناس لا يتم إلا في خلال تطبيق العدالة الاجتماعية. وهذا أمر قديم وجديد، وسوف يظل هو الحل الوحيد لإنقاذ البشرية، بدلا من تكديس الثروة في أيدي حفنة من الغيلان التي تتحكم في رقاب العباد ومصائرهم.
كان أودن مؤمنا بهذه العدالة، وداعيا إلى تحقيقها. وكان يدرك أن الجوع كافر، حتى من دون أن يقرأ قول الإمام علي بن أبي طالب في الفقر، أو قول أبي ذر الغفاري: عجبت لمن لا يجد قوت يومه، كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه! .
من هذه القناعة انطلق أودن في كتابته قصيدته، وهو يرى الناس يزدادون جوعا وفقرا، ويرى ناطحات السحاب تتسابق لاختراق السماء.
في الإطار العام، تصبح هذه القصيدة نبوءة بأحداث الحادي عشر من سبتمبر، ولكنها أيضا صالحة للتعميم على كثير من الأحداث التي حدثت وسوف تحدث. فلا يظنن أحد أن تجويع الناس سوف يمر في سهولة تصل إلى حد القناعة والقبول.
وإذا قيل قديما إن القناعة كنز لا يفنى، فهو من الأقاويل التي روجتها البرجوازية للحفاظ على تفوقها وثرائها وهيمنتها، ولتزيين الرضا من قبل الآخرين، بوصفه كنزا. ولا يخفى أن اختيار كلمة كنز لم يكن اعتباطيا، فالثراء الفاحش يقابله كنز القناعة! وإذا كان لدى الأغنياء كنز فلدى الفقراء كنز مضمون البقاء والخلود!
لا لم يكن أودن مؤمنا بذلك، ولست ممن يؤمنون به. وفي كل يوم يمر بالبشرية في هذه الطريق، يثبت لنا أن ثورة الجياع قادمة لا محالة.
وهو ما لحظه أودن في قصيدته، حيث يتحدث عن موت الأحلام والأمنيات، وحيث تسود القتامة أجواء الكون كلها، في ظل بشاعة الواقع المهيمن، الأمر الذي ترفضه البشرية غريزيا وعقليا، ويخلف مشاعر غضب ساخطة قادرة على إطاحة هذا الراهن المعتم.
* كاتب أردني
رد مع اقتباس
المفضلات