دبي - رمضان بلعمري، وكالات

دخل الرئيس الجزائري الأسبق الشاذلي بن جديد في حالة غيبوبة، وهو يرقد بقسم الإنعاش في المستشفى العسكري بعين النعجة بالعاصمة، في وقت تمر اليوم الجمعة، 24 سنة على أحداث "الربيع الجزائري"، المعروفة باسم أحداث أكتوبر/تشرين الأول، التي كان خلالها الرئيس بن جديد، بيده مقاليد الأمور.

الشاذلي بن جديد، الذي يصارع الموت، بحسب مصادر "العربية.نت"، كان هو صاحب قرار تعديل الدستور الجزائري في فبراير/شباط 1989، وتنسب له قرارات سياسية كبيرة جدا، منها تمكين الإسلاميين من الفوز بالانتخابات البرلمانية نهاية عام 1991.

وعلى إثرها، تدخل الجيش لإلغاء نتائج الانتخابات، وسرعان ما أعلن الرئيس بن جديد تنحيه من السلطة يوم 11 يناير/كانون الثاني 1992، وتقول مصادر أخرى أن بن جديد أجبر على الاستقالة، عقب توقيع جنرالات في الجيش على وثيقة تدعوه للتنحي.

واليوم، وفي ذكرى أحداث أكتوبر، انتشرت عناصر من الأمن الجزائري، بالزي المدني خصوصا، في شوارع العاصمة وأزقتها بمناسبة مرور ربع قرن على هذه الأحداث، التي قتل فيها ما لايقل عن 120 شخصا كأرقام رسمية، دفعت السلطة الحاكمة في الجزائر وقتها إلى تعديل دستور للبلاد وللسماح بإنشاء أحزاب سياسية، وتنظيم أول انتخابات حرة، فازت جبهة الإنقاذ الإسلامية، قبل أن يتم توقيف المسار الانتخابي عام 1991 لتدخل الجزائر بعدها في أزمة أمنية مطلع 1992 لم تنته إلا مع مطلع عام 2000.
اعتقال ياسين زايد
الناشط الحقوقي ياسين زايد
الناشط الحقوقي ياسين زايد

ويوجد الناشط الحقوقي الجزائري ياسين زايد رهن الاعتقال بتهمة سياسية، وتضامنا معه فقد نظم العشرات من النشطاء الحقوقيين الخميس اعتصاما أمام مقر وزارة العدل بالعاصمة، رافعين شعارات منددة بالظلم واستغلال النفوذ، وداعية إلى قضاء مستقل عن الإدارة، كما طالبوا بالإفراج الفوري عن ياسين زايد المعتقل منذ عدة أيام.

وينتظر أن يتم عرض الموقوف على محكمة مدينة ورقلة الواقعة جنوب الجزائر الاثنين المقبل لمحاكمته، بتهمة إهانة هيئة نظامية والاعتداء على رجال الأمن.

وذكرت مصادر صحافية وحقوقية جزائرية أن زايد تم اعتقاله عندما كان أمام مدخل مدينة حاسي مسعود الغنية بالنفط التابعة لولاية ورقلة الواقعة، جنوب شرق العاصمة حيث قام رجال الأمن بإنزاله من حافلة، كان يستقلها، وتم نقله بعد ذلك إلى مركز أمني ووجهوا له تهمة إهانة هيئة نظامية والاعتداء على رجال الأمن أثناء تأدية مهامهم.

وأشارت الصحف إلى أن مجموعة من المنظمات الحقوقية أصدرت بيانات تنديد بتوقيف الناشط الحقوقي ياسين زايد، مطالبة السلطات بالإسراع في الإفراج عنه.
إنهاء حكم الحزب الواحد
أحداث أكتوبر 1988 بالجزائر
أحداث أكتوبر 1988 بالجزائر

وكانت تلك المظاهرات وراء إنهاء حكم الحزب الواحد والتوجه الاشتراكي للدولة، غير أن الصدام الدامي بين النظام والإسلاميين أجهض ما سمي مؤخرا بـ "الربيع الجزائري" تأثرا بالوصف الذي أطلق على الثورات العربية الأخيرة المطالبة بتحقيق الديمقراطية؛ حيث خرجت مظاهرات 1988 لنفس المطلب.

ففي صبيحة الخامس من أكتوبر/تشرين الأول عام 1988، خرج الجزائريون في مظاهرات عمت كل أرجاء البلاد وبصفة خاصة العاصمة للمطالبة بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، واستهدف الشباب الغاضب كل ما يرمز للدولة من مؤسسات ومقرات لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم لتخلف تلك الأحداث حسب حصيلة رسمية 144 قتيلاً، فيما قالت منظمات حقوقية إن عدد الضحايا وصل إلى 500 قتيل وآلاف الجرحى.

وعاشت الجزائر نهاية الثمانينيات من القرن الماضي أزمة اقتصادية بعد انهيار أسعار النفط الذي يعد أهم مصدر للدخل القومي بشكل أثّر على القدرة الشرائية للمواطن وأدى إلى نقمة على نظام الحكم المبني على حكم الحزب الواحد بحسب محللين.

واختلفت التحليلات السياسية حتى اليوم بالجزائر حول خلفيات انفجار الوضع في البلاد، وهل الأحداث كانت مفتعلة من النظام أم عفوية رغم التقائها عند نقطة واحدة أن الوضع الذي كان سائداً هو عنصر هام في ما حدث بحكم تردي الوضع الاقتصادي واستشراء الفساد في مفاصل الدولة.

وأكد الصحافي والمحلل السياسي عابد شارف لوكالة الأناضول أن "نظام الحكم في ذلك الوقت كان يعيش صراعاً محتدماً بين أجنحته الفاعلة حول توجهات البلاد وهذا الصراع خرج إلى الشارع الذي أعطاه بعداً آخر وأضحى عنصراً فاعلاً في المنحى الذي أخذته الأحداث".

وأوضح شارف الذي ألّف كتابًا حول تلك الأحداث بعنوان "شغب أطفال" أن "النقطة الأهم التي لم تبرز في التحاليل التي تناولت الأحداث في ذلك الوقت أن السلطة كانت تبحث عن مخرج من الأزمة وقد بدأت فعلاً في إصلاحات لتغيير الوضع بفعل السخط الشعبي ضدها وحول شخص رئيس الجمهورية آنذاك الشاذلي بن جديد" قبل أن ينفجر الوضع في الشارع.

وتابع المتحدث الذي غلّب نظرية المؤامرة في كتابه "ذكرت في مؤلفي أن أهم القوانين التي تمهّد لإصلاح اقتصادي شامل تبناها البرلمان شهر يناير عام 1988 فيما اندلعت الأحداث شهوراً بعد ذلك بشكل يطرح استفهامات حول سبب حجب هذه الحقيقة في التحليلات".

والتفسير الوحيد لذلك، حسب رأيه، هو أن "أجهزة في السلطة كانت ضد التفتح الديمقراطي هي من حاولت حجب إرادة الإصلاح قبل أحداث أكتوبر".

وبعد يومين من اندلاع الأحداث، خرج الرئيس الجزائري آنذاك الشاذلي بن جديد الذي حكم البلاد منذ عام 1979 في خطاب تلفزيوني دعا فيه المواطنين للتعقل ووعدهم بغد أفضل، وبإصلاحات في جميع المجالات السياسية والاقتصادية وكانت الأوضاع قد هدأت في أغلب مناطق البلاد.

وتسارعت الأحداث في الجزائر بعد هذا الخطاب حيث صدر في 23 فبراير/شباط دستور جديد للبلاد بعد استفتاء شعبي، أقر لأول مرة التعددية السياسية والإعلامية والتحول نحو اقتصاد السوق بشكل أدى إلى ظهور عشرات الأحزاب والصحف المستقلة.

وكان إجراء أول انتخابات برلمانية تعددية في البلاد في 26 ديسمبر/كانون الأول 1991 منعرجًا آخر في تاريخ البلاد بعد أن اكتسحها حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ في دورها الأول ثم جاء قرار قادة الجيش بإلغاء نتائجها، كما أجبروا الرئيس الشاذلي بن جديد على الرحيل في يناير/كانون الثاني 1992 لتدخل البلاد في دوامة عنف مسلح استمرت لسنوات خلفت بحسب أرقام رسمية 200 ألف قتيل.
النظام استعمل الإسلاميين
المحلل السياسي عابد شارف
المحلل السياسي عابد شارف

ويرى المحلل عابد شارف، في حديثه لوكالة الأناضول، أن "النظام الحاكم آنذاك استعمل الإسلاميين لإجهاض هذا التحول الديمقراطي" بدعوى أنهم خطر على البلاد والمحيط الإقليمي والدولي.

ومع اندلاع ثورات الربيع العربي مطلع العام 2011 والتي ظلت بعيدة عن الجزائر تبرر السلطة الحاكمة في الجزائر والأحزاب المحسوبة عليها هذا "الاستثناء الجزائري" بالقول إن "الجزائريين صنعوا ثورتهم عام 1988" في إشارة إلى أحداث 5 أكتوبر/تشرين الأول التي دفعت نحو تغيير نمط الحكم في البلاد.

وبرأي عابد شارف فإن "الجزائر لم تسبق دول الربيع العربي بثورتها ولكنها أضحت نموذجاً لفشل الثورات في تحقيق أهدافها".

وأوضح: "التجربة الجزائرية لا بد أن يقتدى بها من ناحية السلبيات والأخطاء التي يتوجب تفاديها بالنسبة للدول التي عرفت الثورة حديثا".

وبشأن صحة الطرح الرسمي القائل بأن الجزائر "استثناء" في موجة الربيع العربي، يقول محدثنا: "أعتقد أن الجزائر بعيدة عن هذه الموجة من الثورات لسبب بسيط هو أن الجزائري عانى وضحى طيلة السنوات التي أعقبت أحداث 1988 ولكن النتيجة لم تكن في مستوى آماله والفشل مشترك بين السلطة والمجتمع".

وتابع: "الحل الأمثل لهذا الوضع هو أن السلطة لابد أن تستبق مثل هذه الأحداث بإجراء إصلاحات عميقة قبل وقوع أي كارثة".