المزار الشمالي - ناصر الشريدة- تزداد معاناة «ام عاكف» من بلدة دير يوسف في لواء المزار الشمالي، حين تجد ابنتيها خولة (35 عاما) وهناء (33 عاما)،اللتين تعانيان من الصم والعمى،حبيستا المنزل، لا تقويان على خدمة انفسهما، في ظل غياب مركز متخصص في المنطقة يساعدهما على التدريب والتعليم معا.
«أم عاكف» ليست الوحيدة في اللواء التي تعاني من هذه المشكلة، إذ تنعكس أحيانا نتائج هذه الاعاقات على إستقرار الاسر نتيجة للضغوط المختلفة التي تحدث على أفراد الاسرة، ولعل قصة إحدى سيدات اللواء وهي ام لثلاث فتيات في بلدة المزار الشمالي، والتي طلبت عدم ذكر اسمها، ماثلة للعيان بعد ان أوصلت إعاقات بناتها الثلاثة الى حد القطيعة بين رب الاسرة وبين بناته اللواتي يعانين من شلل دماغي شديد، وتتراوح اعمارهن بين (32-35) عاما، نتيجة الاعباء الثقيلة التي وقعت على كاهله، في ظل عدم وجود مراكز ايواء، تحمل جزءا من المعاناة اليومية التي يعيشونها.
وفي الحالتين، يصرف صندوق المعونة الوطنية معونات شهرية رمزية، تساهم في سد جزء من إحتياجات تلك الاسر،إذ تحصل اسرة ام عاكف على معونة شهرية متكررة قيمتها (50 دينارا)،فيما تحصل الأسرة الثانية على (75 دينارا).
مأمون العمري «ابو مجاهد»، والد مجاهد (19عاما) والياس (16عاما ) المعاقين من بلدة دير يوسف يقول:»إن التنمية الاجتماعية لم تسعفه الا براتب معونة شهرية لمجاهد بقيمة (20) دينارا، ولا بوضع ابنائه بمراكز تربية خاصة، لكونه يتقاضى راتبا يبلغ (400) دينار»، موضحا ان حالة ابنائه في التخلف العقلي المتوسط تسوء يوميا، ولا يقدر على فعل شيء لهم، رغم مراجعته لكل الجهات المعنية بحالتهم.
ويتساءل «ابو مجاهد» وهو معلم مدرسة، بقلق عن مستقبل ابنائه ،حيث انهم اميون، لا يعرفون الكتابة ولا القراءة، بسبب عدم وجود مراكز تربية خاصة في اللواء الى الآن، فاقامة مثل هذا المركز، ستخفف من معاناتنا، اضافة الى اكسابهم مهارات وسلوكيات تحسن من معيشتهم .
هذه مشاهد وحكايات واقعية تعيشها اسر، تئن تحت وطأة الفقر، تحتضن بين جدران منازلها اطفالا وشبابا في مقتبل العمر من ذوي الاحتياجات الخاصة في لواء المزار الشمالي في محافظة اربد، لا يجدون من يرعاهم، ولا حتى من يتابع قضاياهم، ويتحسس طموحاتهم، وآمالهم، بسبب عدم وجود مركز للتربية الخاصة و هم يطالبون باستمرار بمركز ايواء يلفهم تحت جناحية، بدل تشردهم في الازقة وكروم الزيتون وشقوق الصخور .
ويقول مدير التنمية الاجتماعية في اللواء فيصل عبيدات:إن اقامة مركز للتربية الخاصة في اللواء بات قريبا، ومدرج على مشاريع المحافظات الا انه لم يحدد موعد لتنفيذه، مشيرا الى ان وزارة التنمية على علم بصورة المخاطبات والمطالبات بهذا الصدد .
وحسب رئيس جمعية الحنان للتربية الخاصة في دير يوسف كفاح العمري، فان عدد حالات الاعاقة بشتى صنوفها واعمارها، يتجاوز (600) حالة، وان معظمهم لا يتقاضون مساعدات من صندوق المعونة الوطنية، اواية جهات خيرية، وان أغلبهم يحصل على معونة نقدية متكررة من الصندوق لا تتجاوز الـ(25) دينارا في الشهر.
ويفتقر لواء المزار الشمالي الى مراكز للتربية الخاصة والايواء حكومية كان ام خاصة، بعد ان الغت وزارة التنمية الاجتماعية منذ (10) سنوات مركز المنار للتنمية الفكرية في بلدة المزار الشمالي، بسبب قرار اتخذ آنذاك، بالحاق مدارس التربية الخاصة لوزارة التربية والتعليم، وتخفيض الكلف التشغيلية لمراكز ذوي الاحتياجات الخاصة .
وبحسب دراسات رسمية، فان نسبة الفقر في اللواء تبلغ (25.3%)، ونسبة البطالة (16.6%)، وهي اعلى من النسب المعتمدة محليا، ومعدل حجم الاسرة (5.9)، و غالبية السكان تعتمد على الزراعة، والوظائف الحكومية.
واناطت وزارة التنمية الاجتماعية خدمات مركز المنار ـ تحت الضغط الشعبي آنذاك ـ الى عدد من الجمعيات الخيرية، والسماح لها باستحداث صفوف للمعاقين المنتفعين من المركز باعداد قليلة، وبصلاحيات، وخدمات، ودعم مالي محدود، في جمعيات ابو عبيدة وارحابا وديريوسف.
وقال رئيس جمعية ابوعبيدة محمود مفلح الجراح:إن الكلف التشغيلية لذوي الاحتياجات الخاصة في الجمعية مرتفعة، وان اتفاق شراء الخدمات المبرم بيننا والمجلس الاعلى للاشخاص المعوقين لا يسدد تلك الكلف، مؤكدا ان اللواء بحاجة الى مركز متخصص لذوي الاحتياجات الخاصة، يستوعب اعدادا اكبر من الفئة المستهدفة، حيث ان قدرة الجمعيات الاستيعابية في هذه الايام محدودة .
وطالب اهالي ذوي الاحتياجات الخاصة في اللواء وزارة التنمية الاجتماعية، باقامة مركز متخصص للتربية الخاصة، يساعد فلذات اكبادهم في تنمية مهاراتهم ويصقل سلوكهم، بما يضمن لهم اندماجا سلسا داخل اسرهم ومجتمعهم، اضافة الى تقديم المشورة والتدريب للقائمين على صفوف الاعاقات في الجمعيات الخيرية، مشيرين ان السبب وراء تراجع مستوى ابنائهم الصحي والتدريبي، ولجوئهم الى الشوارع، هو عدم وجود المركز وغياب التأهيل والتدريب لاسرهم؟! .
وأكد الاهالي على أن استمرار هذا الواقع المؤلم، يعرض ابناءهم ومجتمعهم الى تداعيات واخطار هم في اغنى عنها، وان اقامة المركز على وجه السرعة، سوف يحقق رسالة ورؤية وزارة التنمية في التعامل مع ابنائنا ذوي الاحتياجات الخاصة.
واكدت مديرة جمعية الحنان اقبال الشرمان، ان حاجة قطاع ذوي الاحتياجات الخاصة، يتطلب اقامة مركز متخصص، يُعنى بشؤون هذه الفئة المحرومة، وان الكوادر المدربة من ابناء المزار الشمالي كثيرة، وهي قادرة على ادارة مثل هذه المرافق الانسانية.
بدوره اكد مدير التنمية الاجتماعية في اللواء فيصل عبيدات، ان عدد المنتفعين من صندوق المعونة الوطنية من ذوي الاحتياجات الخاصة، يبلغ زهاء (140) حالة، وهذا العدد مرشح للارتفاع باستمرار، وان اللواء ما زال يفتقر لمركز للتربية الخاصة يؤويهم، وما تقوم به بعض الجمعيات من توفير صفوف صغيرة، يعتبر نوعا من الخدمة السريعة لحين توفير مركز متخصص.
وقال:إن هناك مخاطبات مع الوزارة بهذا الشأن، تنطلق من مطالبة اهالي اللواء بضرورة وجود مركز يخدم ابناءهم، و الوزارة تبذل جهودا كبيرة في اقامة المركز،والموضوع مرتبط بتوفر المخصصات المالية، حيث ان تكلفة انشاء المركز تبلغ حوالي (300) الف دينار حسب آخر الدراسات الهندسية .
الا ان براءة محمد العمري (22) عاما المصابة بالشلل، كانت اكثر الحاحا بضرورة وجود مركز للتربية الخاصة، يجمع اقرانها من كافة مناطق اللواء، وان التأخير سيؤدي الى تفاقم مشكلتها اسوة بزميلاتها، مبدية اشتياقها لتعلم القراءة والكتابة، وممارسة حياتها في عصر التكنولوجيا بسهولة ويسر.
رد مع اقتباس
المفضلات