دبي - رمضان بلعمري
يعتقد الباحث الجزائري في شؤون الجماعات الجهادية، محمد بغداد، أن إعدام الدبلوماسي الجزائري الطاهر تواتي، جاء وفق "قاعدة الدم المسفوح"، أي "القتل من أجل القتل"، كما يعكس من جهة أخرى حرجاً لدى الجماعات الجهادية من صعود تيار الإسلام السياسي المعتدل الذي حقق مكاسب في الشارع بأسلوب مغاير، في إشارة إلى ثورات ما يعرف بـ"الربيع العربي".
واعتبر محمد بغداد الذي صدر له كتاب جديد بعنوان "دماء الصحراء: حروب القاعدة في الساحل الإفريقي"، في مقابلة مع "العربية.نت" أن "مقتل الدبلوماسي الجزائري الطاهر تواتي يمثل تضحية كبيرة كونه يعلم أن الفضاء الإفريقي هو العمق الاستراتيجي للجزائر، الذي أسس له منذ قرون العالم الكبير محمد بن عبد الكريم المغيلي".
وخلص بغداد إلى أن "النخبة الحاكمة في الجزائر مدعوة للاعتراف بفشلها في تسيير أزمة مالي، وعليها أن تدرك أيضاً أن الأمر لا يتعلق بإجراءات أمنية ولا ترتيبات عسكرية، وإنما الأزمة أعمق بكثير مما تتصور هذه النخب".
وبالنسبة للباحث في شؤون الجماعات الجهادية، فإن المعروف عن كل الجماعات المسلحة في شمال مالي، أنها تهدف إلى ممارسة ضغط كبير على الجزائر، ودفعها للتورط في الانخراط في حروب لا تعرف نهايتها، ولا تتوقع تكاليفها، زيادة على إحراجها من خلال دفع الفدية، والدخول في مفاوضات مجهولة المراحل، والحقيقة أن هذا الهدف ليس للجماعات المسلحة فقط، بل هو أيضاً هدف للعديد من الأطراف الإقليمية والدولية، التي لها مصالح في الساحل الإفريقي.
قاعدة "الدم المسفوح"
الباحث الجزائري محمد بغداد
ويعتقد محمد بغداد أن الجماعات الجهادية تمارس القتل وفق قاعدة "الدم المسفوح" من دون أهداف واضحة، في المنظور السياسي، وهذا يعني حسبه أن "هذه الجماعات تسعى إلى ممارسة التهديم وتدمير القائم من الأنظمة السياسية، دون أن يكون لديها ما يجعلها تبنى أنظمة بديلة، وحتى على المستوى الاجتماعي، فهي تتوغل في نشر الرعب في نفوس مختلف الفئات الاجتماعية، ويزداد هذا السلوك بروزاً، كلما تلقت ضربات من طرف الجيوش والقوات الأمنية لدول المنطقة، ما جعلها مجرد جماعة تمارس القتل، وتدفع عناصرها إلى الموت وعنوانها الأساسي أن تسيل الدماء بأكبر قدر معين، دون أن يكون لهذه الدماء هدف سياسي، أو اجتماعي أو حتى أخلاقي".
ويذهب الباحث محمد بغداد، بعيداً في شرح طريقة تفكير هذه الجماعات عندما يقول إن "الجماعات المسلحة تجد نفسها في حرج شديد اليوم بسبب بداية صعود الإسلاميين المعتدلين إلى السلطة، وهي الأهداف التي تتحقق من دون سلاح ومن دون دماء، ولكن الايديولوجية المغلقة وانتعاش خط الموت والدماء، لا يزال يفعل فعله في العديد من المناطق، التي لم تتوفر على فرص الأساليب الأخرى".
أسباب نزوح الجهاديين إلى منطقة الصحراء
وفي تفسيره لأسباب نزوح الجماعات الجهادية إلى منطقة الصحراء الإفريقية، يرى محمد بغداد أولاً أن "الأزمة ليست محصورة فقط في شمال مالي وإنما تمتد جغرافياً على مساحة من الصومال شرقاً إلى نيجريا على المحيط الأطلسي غرباً، وهي المنطقة التي تعتبر أكبر موقع للفقر والأمراض والمجاعات والتخلف في العالم".
ويواصل بقوله "أسفرت حروب الأنظمة السياسية، مع تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، وبقية الجماعات الإسلامية الأخرى في السنوات العشرين الأخيرة، عن خسائر كبيرة تكبدتها هذه الجماعات، وكذا خسرانها للتأييد الشعبي، وجفاف منابع الغنائم، الأمر الذي جعلها تتخذ من منطقة الساحل الإفريقي، الملاذ الذهبي لما يختزنه من غنائم كبيرة، بسبب أموال الفدية من الدول الغربية، وعدم قدرة الأنظمة الحاكمة على الوصول إليها لصعوبة تضاريس المنطقة، فضلاً عن تخلف المؤسسات العسكرية والأمنية هنا، أما السبب الآخر فهو حصول هذه الجماعات على تأييد السكان المحليين المتضررين من غياب التنمية في هذه المناطق".
ووفق هذا المنطق، يصبح شمال مالي نموذجاً لافتاً للانفلات الأمني في منطقة الصحراء الإفريقية، حيث تغيب حكومة مالي المركزية، وحيث ظهرت تيارات دينية متصارعة، أبرزها جماعة أنصار الدين، وجماعة التوحيد والجهاد، وحركة تحرير الأزواد، وهي حركة ذات مرجعية صوفية، وتستند إلى نفوذ الزوايا والطرقية، وهي ليست حركة إسلامية.
واستبعد الباحث في شؤون هذه الجماعات، محمد بغداد، نجاح حركة أزواد في بناء كيان سياسي مستقل في شمال مالي، بل يرى أن الأمور تتجه إلى ما هو أسوأ، والمتوقع حسبه هو أن "يغرق الساحل الإفريقي في مستنقعات الاضطراب، وانعدام الأمن، ويفتح على فضاءات بارونات تهريب السلاح والمخدرات، وهو الأمر ينعش الجماعات المسلحة، ويكون المشهد أقرب إلى النموذج الصومالي، وسيكون الخاسر الأكبر في العملية هي دول المنطقة، التي ستدفع الثمن باهظاً بسبب ضعفها الداخلي، ورؤيتها الساذجة للأزمة، وتقييمها الخاطئ لأسبابها".
رد مع اقتباس
المفضلات