كتبت - سهير بشناق - أدركتُ معالم الحياة داخل أسوار دور الرعاية فكانت لسنوات طويلة بيتي, وخلف أبوابها الموصدة لطالما حلمت بان ثمة حياة اخرى غير تلك التي الفتها... لكن كل احلامي تبددت بعد زوال بهجة مغادرة «الدار» إذ ثمة واقع آخر للعالم الخارجي تعدى احلامي الصغيرة .... « تمنيت في لحظة ما ان اعود إلى « الدار» ...اعود إلى بطن امي بعد ان اكتشفت الوجه القاسي للعالم الخارجي.
تقول ريم كان قدرنا ان ندفع الثمن مرتين او مرات عدة من فقدان الأهل والأسرة إلى فقدان الامل بالتعويض عن الحرمان الذي عشناه بمستقبل افضل إلى ان جاء صندوق ألامان لمستقبل الايتام الذي شكل ملجأ ساعدني لاستكمال تعليمي فأنار حياتي.
نورا واحمد ومصطفى وغيرهم يجسدون قصص نجاح تدمع العين لها بعد معاناة حقيقية , حياة بدأت بدور الرعاية بما تحمله من مشاعر فقدان الاسرة ووجوه الاباء والامهات لتصل بهم الى لحظة مغادرة هذه الدور ايضا بلا امل بالمستقبل وبلا دعم نفسي ومساعدة لاختيار حياتهم فالاباء والامهات هم وحدهم من يساعدون ويتفهمون ويقدون النصيحة لابنائهم لاختيار الطريق الصحيح بحياتهم.
قصص نجاحهم قدموها الاسبوع الماضي امام جلالة الملكة رانيا العبدالله التي عملت على تأسيس صندوق الامان لمستقبل الايتام لايمانها بان التعليم هو الغاية والوسيلة لنجاح الانسان وخاصة للذين عاشوا في دور الرعاية وفقدوا الاسرة لاسباب عديدة فكان الصندوق بمثابة منارة امل لكل يتيم انهى الثامنة عشرة وغادر دور الرعاية ليبدأ حياته الحقيقية والتي ان تسلحت بالعلم فإن النجاح سيكون حليفها .
فكرة الصندوق الذي تأسس في عام 2006 قدم فرصا حقيقية للأيتام لاستكمال تعليمهم حيث وصل عدد المنتفعين التراكمي ممن استفادوا من البرامج التعليمية الجامعية وكليات المجتمع 1664 منتفعا ومنتفعة، في حين بلغ عدد خريجي البرامج التعليمية التراكمي 805 ايتام .
احمد – احد المنتفعين من صندوق الامان على مقاعد الدراسة الجامعية – عانى الكثير عند خروجه من دور الرعاية فقد درس للصف العاشر فقط فكيف سيكون حاله وهو في عمر الثامنة عشرة ولا يملك لا شهادة ولا عمل حاول ان ينخرط بالحياة وان يبدأ من الصفر لكن حتى مرحلة الصفر تحتاج الى من يدعمها لتنتقل الى منزلة حقيقية بالحياة .
وقد عبر احمد امام جلالة الملكة رانيا العبدالله في لقائها مع عدد من المنتفعين من الصندوق عن مدى امتنانه لصندوق الامان الذي طرق ابوابه فوجد من يساعده ويتفهم وضعه ويشجعه على البدء من جديد تقدم لامتحان الثانوية العامة واجتازه وهو الان على مقاعد الدراسة الجامعية .
شاب واثق من ذاته لم تعد تجربة دور الرعاية تؤثر فيه فلم تسحبه للخلف لانه وجد الطريق الصحيح والامن بالعلم فقط يمكن تحدي الصعاب ولو كانت بحجم هذا العمر .
وبنت الكرك التي لم تتمالك نفسها امام جلالة الملكة والحضور فبكت عندما تحدثت عن حياتها فهي يتيمة الاب في عمر صغير حرصت والدتها على تربيتها هي واشقائها وشقيقاتها بعد وفاة والدهم لم تتنازل عنهم فوجدت الامل بصندوق الامان رغم عدم وصوله اهدافه وفكرته الى كثير من المحافظات انذاك وانهت تعليمها وها هي اليوم تبحث عن عمل من خلاله ترد ولو جزءا مما قدمته لها والدتها وتساعدها في تربية اشقائها .
جميع المتتفعين من الصندوق الذين تحدثوا في هذا اللقاء بمنتهى الشفافية هم لوحات حقيقية من النجاح الذي يعني بالنسبة لهم الكثير فلم يجدوه امامهم ولم تكن الخيارات في ايامهم متاحة فكان صندوق الامان ومبادرة جلالتها عنوان الامل لهم
جلالة الملكة التي تساقطت دموعها على ما سمعته تارة وعلى حجم الانجاز الذي قام به الصندوق تارة اخرى قالت لهؤلاء المنتفعين :» قبل عدة سنوات أطلقت صندوق الأمان لإيماني بأن اليتيم يجب أن لا يُيَتم مرتين. مرة يُتمُ السند العائلي؛ وبعدها يُتمُ المجتمع.لأن يُتمَ الأبوين أو ظروفهما قضاء وقدر، لكن يُتم َالمُجتمع هو مسؤولية كل فرد فيه.»
وعبرت جلالتها عن فخرها بما سمعته قائلة « «كلي فخر بالأرقام التي سمعتها، وبتَزايُد عدد المستفيدين من مئة إلى أكثر من 1600، وبتزايد عدد الداعمين أيضا، كما ان أكثر الأشياء التي أسعدتني هو تكرار السماع بأن صندوق الأمان أعطى الشباب والشابات دافعا للعمل الجاد والدراسة.»
مديرة الصندوق مها السقا اشارت الى ان الصندوق تأسس عام 2006، وبدأ كحملة أطلقتها جلالة الملكة رانيا العبدالله في رمضان عام 2003، لضمان مستقبل الأيتام بعد وصولهم الى السن القانونية وخروجهم من دور الرعاية.
ويستفيد من الصندوق وهو مؤسسة غير هادفة للربح، مستقلة وغير حكومية، مجموعة الشباب والشابات الأيتام الفقراء في أنحاء المملكة ممن يعيشون ضمن أسرة ممتدة ويتلقون الدعم من إحدى جمعيات رعاية الأيتام لمدة سنة على الأقل
, اذ بلغ عدد الايتام المستفيدين من خدمات الارشاد وورش العمل التي يقدمها الصندوق نحو 4537 يتيما ويتيمة .
ويبقى صندوق الامان لمستقبل الايتام نافذة امل لكثير من الايتام ليس بسبب توفير فرص تعليم لهم فحسب بل لانهم يتفهمون اليتيم ووضعه وحاجته للأمن النفسي قبل كل شي وهو مؤسسة تهدف الى تعليم اليتيم الاعتماد على الذات بعد ان ترافقه طيلة سنوات دراسته فتوفر له المسكن والتأمين الصحي وكل ما يحتاجه وبعد ان ينهي دراسته الجامعية لا تتركه مباشرة بل تستمر في دعمه لايجاد فرصة عمل .
فهل يكون الصندوق خيار الايتام الحقيقي بعد دور الرعاية ليكون التعليم والشهادة الجامعية خيارهم الافضل ؟
ففي الوقت الذي يحتضن الصندوق مئات الايتام الناجحين ويساعدهم فان خيار النجاح هو بايدي الايتام انفسهم والرغبة بالاعتماد على الذات بعد ان يحصلوا على الشهادة الجامعية لايمانهم بانه بالعلم وحده يتمكنون من تحدي الصعاب مهما بلغت .
فجلالة الملكة بتأسيسها صندوق الامان وبمتابعتها المستمرة لاوضاعهم وللنجاحات الحقيقية التي حققوها مع الصندوق تكون قد اسهمت في وضع اللبنة الاولى بحياتهم بعد عمر الثامنة عشرة واشعلت شمعة انارت مئات الدروب لايتام كانوا يحلمون بها لتنار ايامهم فإشعال شمعة واحدة افضل من ان نبقى نلعن الظلام ولا نخطو خطوة واحدة نحو نور الشمس .
رد مع اقتباس
المفضلات