احباب الاردن التعليمي

النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: تاريخ حدائق العصر الاسلامي

  1. #1
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Wed Oct 2008
    الدولة
    jordan land
    العمر
    33
    المشاركات
    21,612
    معدل تقييم المستوى
    21474873

    تاريخ حدائق العصر الاسلامي

    بإذن الله سنتحدث في هذا الموضوع عن الحدائق في العصر الإسلامي أو الحدائق الإسلامية الطراز.. ونحاول قدر الامكان الاختصار لأن الموضوع طويل جداً .. وعلى قدر طوله تأتي عظمته.. فقبل تحضيري لمادة هذه السلسلة توخيت الحذر لاجمع لكم كل الخطوط الدقيقة في هذا المجال
    وحتى لا أطيل أكثر من ذلك ندخل الآن إلى:

    حدائق العصور الوسطي (بعد الميلاد حتى آخر القرن التاسع عشر):

    حدائق العصر الإسلامي.. أو الحدائق إسلامية الطراز..


    الحدائق في الحضارة الإسلامية:



    في القرن الثاني الهجري (السابع الميلادي) امتدت رقعة الدولة الإسلامية لتشمل بلاد حوض البحر الأبيض المتوسط في شمال أفريقيا وجنوب أوروبا (الأندلس، وجنوب فرنسا).. وما إن تم للمسلمين الاستقرار في هذه المناطق حتى بدءوا يخططون المدن ويقيمون فيها القصور الفخمة.. وغدت الحدائق وتنسيق الأفنية الداخلية في المساكن والمباني العامة - من ذلك الحين - عنصرًا أساسيًا في مباني المدينة الإسلامية..

    وكانت الخصوصية هي أهم ما يميز الحديقة في العصر الإسلامي؛ ولذلك أحيطت الحدائق بالأسوار العالية أو أشجار النخيل لحجب المناظر الداخلية.. وقد غلب على تخطيطها التقسيمات الهندسية، كما اهتم المسلمون في حدائقهم باستخدام المياه بصور متنوعة ومتميزة.

    احتوى التراث العربي بعد الفتح الإسلامي ثقافات الشعوب ، وعرف العرب الأهمية التغذوية والجمالية والاقتصادية والبيئية للنخيل والأعناب بالإضافة إلى أنواع نباتية أخرى ، فجاء خطاب القرآن الكريم يؤكد ما صلح من ثقافات الشعوب من جهة ، ويذكر العرب بثقافتهم النباتية فوصف لهم جنات العالم الآخر من نخيل وأعناب وزيتون ورمان وتين من جهة أخرى ، وفي ذلك تقرير لأهمية لهذه الأنواع في البنية التكوينية لجنات العالم الدنيوي ، إذ تميزت الجزيرة العربية بنماذج مختلفة من الفراغات المشغولة بالنخيل والأعناب ، فحمل أسماء عدة : بستان وحائط وروضة.. وما شابه ، وتختلف من حيث الاستعمال البيئي والاقتصادي ، ومن أجل ذلك كان البحث في التراث العربي ضرورة تشخيصية لأصالة الحدائق العربية .



    قام العرب المسلمون في كافة أرجاء الدولة العربية الإسلامية بإنشاء جنات دنيوية يلمح فيها بريق الفردوس السماوي ونضارته التي وعد بها الله عز وجل عباده الصالحين ، وكأنما أرادوا أن يتخيلوا جنات الخلد وجنات النعيم التي وصفها الله تعالى في كتابه الكريم بعبارات تجذب إليها القلوب بالظل الوارف على الأرائك .. والماء الساري في الجداول .. والثمار الدانية القطوف.. إلى غير ذلك من العناصر التكوينية والجمالية التي تركت أثراً كبيراً في نفوسهم .

    لقد كانت قائمة أسماء المدن ، التي غطتها قبة خضراء ضخمة من الجنائن في العصر الإسلامي ، طويلة حقاً ، ولإعطاء بعض الأمثلة على ذلك نقول:
    إن الجغرافيين والمؤرخين العرب كانوا يصفون دمشق وغوطتها بأنهما جنتان ، وكانت حدائق الطائف ولا زالت مصيفاً لأهل مكة والمملكة .. ووصفت البصرة بأنها فينيسيا الحقيقية تتشابك فيها قنوات المياه وتقطعها الحدائق والبساتين .. في شمال أفريقيا يقرأ الباحث عن عدد كبير من الحدائق التي تحيط بالمدن أو تقع داخلها ، كما في مصر وتونس وتلمسان ومراكش.. وفي الأندلس تذكر المؤلفات الأندلسية دائماً عن الجنان والحدائق في مدن قرطبة والزهراء والزاهرة وإشبيلية وبلنسية وغرناطة





    وعند الوقوف أمام المنشآت المدنية العربية ، وبشكل خاص الدور والقصور والحدائق والمتنزهات ، والتأمل بدقة مظهرها العام ، وهندستها وتنسيقها ، وعناصرها التكوينية ، فإننا نلاحظ فناً له طراز جديد يتمثل في الهندسة والتنسيق وعناصر التكوين ، مما جعل لهذا الطراز شخصية فريدة واضحة أسهمت في تكوينها عدة اعتبارات رئيسة تضافرت مجتمعة لخلق هذا الطراز وهي :

    1- العامل الروحي أو تأثير الدين الإسلامي.

    2- العامل البيئي أو تأثير البيئة الطبيعية.

    3- تأثير الحضارات القديمة بالمنطقة .

    4- العامل العملي التطبيقي .

    5- العامل الإبداعي والجمالي .




    مكانة الحدائق في الدين الإسلامي


    لا تقتصر حكمة خلق النبات والأشجار على الفوائد الحيوية المعروفة من كونها غذاء للإنسان والحيوان، أو رئة تتنفس بها البيئة... بل قد أشار الله عز وجل في كتابه الكريم إلى وظيفة أخرى تؤديها الأشجار والحدائق في حياة الإنسان ووجدانه، فقال تعالى: (أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) (النمل:60) .

    إن تلك الصبغة الجمالية التي تميُّز الطبيعة على اختلاف مكوّناتها ليست إلا تطبيقًا لقاعدة عامة أقرها الله تعالى في كل ملمح من ملامح الكون، كما أحب لعباده أن يتخلقوا بها.. تلك هي قاعدة (الجمال)! وذلك كما روى مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله جميل يحب الجمال»..

    ولعل من اللافت للنظر كثرة الحديث عن الشجر والثمار والجنات في القرآن الكريم.. حيث ورد لفظ شجر بمشتقَّاته في القرآن نحو 26 مرة، كما وردت لفظة ثمر بمشتقَّاته 22 مرة، ونبت بمشتقاته 26 مرات، وذكرت الحدائق 3 مرات.. أما الجنة مفردة ومجموعة فقد وردت 138 مرة!!

    حتى عندما يعرض القرآن الكريم للأشجار والثمار من حيث هي طعام للإنسان والأنعام.. يأتي ذلك العرض في سياق لافت لجمال المنظر!.. قال تعالى: (فلينظر الإنسان إلى طعامه.. أنا صببنا الماء صبًا، ثم شققنا الأرض شقًا، فأنبتنا فيها حبًا، وعنبًا وقضبًا، وزيتونًا ونخلاً، وحدائق غلبًا، وفاكهة وأبًّا، متاعًا لكم ولأنعامكم ..) (سورة عبس 24: 32). وانظر إلى التعبير القرآني الجميل: (متاعًا لكم ولأنعامكم)..

    وإلى جانب إظهار الحكمة الجمالية من وراء خلق الحدائق بأشجارها وثمارها على هذا النحو البديع... فقد كان لتصوير القرآن الكريم والسنَّة المطهرة للجنة، بما تحتويه من متع حسية ومعنوية، إلى جانب محاولة التغلب على الظروف الصحراوية القاسية... كان لتلك العوامل مجتمعة أثر قوي في دفع المسلمين لمحاكاة هذا التصوير المثالي في تصميم وتنسيق الحدائق الإسلامية؛ فالحدائق بصفة عامة تعكس العلاقة بين الإنسان والطبيعة، أما في العالم الإسلامي فتضاف رؤية أخرى لمفهوم الحدائق من حيث كونها صورة تعبر عن الشوق الإسلامي العميق للفردوس أو الجنة..

    وقد تميزت العمارة الإسلامية بما يمكن أن نطلق عليه: (النظرية الفردوسية).. في محاولة لإيجاد حدائق وجنات أرضية داخل بيئات تتسم بظروف مناخية قاسية، بغرض تحسين وتجميل هذه البيئة.

    ومع نمو الفنون والعمارة الإسلامية وتطورها أصبح الاتجاه في تصميم الحدائق يحاول التأنُّق ويبرع فيه لإضفاء تلك البهجة التي وصف بها القرآن حدائق الأرض كما مرَّ منذ قليل.

    والمتأمل للعديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية عن الجنات الأرضية أو الأخروية يندهش من دقة الوصف القرآني الذي استلهم من خلاله المسلمون العناصر الأساسية والجمالية عند تنسيق حدائقهم أو عند اختيار مواقعها..

    فمن الآيات الكريمة التي استوحى منها المسلمون الموضع النموذجي لاختيار الحدائق والجنات الأرضية قوله سبحانه وتعالى: (ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير) (البقرة 265)، فقد التفت المسلمون هنا إلى إشارة دقيقة حيث أوضحت الآية الكريمة أن الموقع الأمثل للحدائق والبساتين إنما يكون بالأماكن المرتفعة من الأرض (الربوة)؛ فهذا يجنِّب الأشجار التقاء جذورها بالمياه الجوفية التي تحد من نموها.. كما أنه يساعد على جودة الصرف والتخلص من المياه الزائدة..


    ولقد أعطت العديد من الآيات القرآنية وصفًا جميلاً للجنة وما بها من متعٍ أعدها الله لعباده الصالحين، كان منها تلك الحدائق والأشجار.. حيث يقول سبحانه: (إن للمتقين مفازًا: حدائق وأعنابًا) ويفسر ابن عباس الحدائق بأنها ما أحيط بالجنة من الأشجار والنخل.. وجاء في تفسير السعدي: البساتين الجامعة لأصناف الأشجار الزاهية... والثمار التي تتفجر خلالها الأنهار.
    وفي موضع آخر يقول تعالى: (وأصحاب اليمين.. ما أصحاب اليمين؟! في سدرٍ مخضود، وطلحٍ منضود، وظلٍ ممدود، وماء مسكوب...) فلم تقتصر الآيات على ذكر هذين النوعين من الأشجار في الجنة (السدر والطلح) بل تعدت ذلك إلى بيان جوانب جمالية في هذه الأشجار:

    فأنت تقرأ وصف السدر بـ (المخضود).. وفي ذلك يقول الطبري: (السدر المخضود: الذي قد خُضِدَ من شوكه؛ فلا أشواك فيه)..
    أما الطلح المنضود فهو شجر الموز متراكم الثمر، قال السُّدّي: (..مَنْضُودٍ): مصفوف، وقال ابن عباس: يشبه طلح الدنيا، ولكن له ثمرًا أحلى من العسل.

    كذلك، فإن الـ (ظل الممدود) صفة جمالية في هذا الشجر، جاء في البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لَا يَقْطَعُهَا.. وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ)، و: (ودَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً) فليس من شك أن هذه الجوانب من مد الظل، وتذليل الثمار كلها جوانب جمالية ، تمزج المنفعة المادية للشجر بالمنفعة المعنوية ..

    ومما عرضته السُنَّة المطهَّرة أيضًا من وصف روعة شجر الجنة ما رواه الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما في الجنة شجرة إلا وساقها من الذهب».. مما حدا ببعض المسلمين أن يبالغوا في محاكاة هذا الأمر، فكسا بعضهم جذوع النخيل والأشجار بالذهب كما فعل خمارويه بن أحمد الذي حكم مصر بين عامي (270 – 282 هـ)!




    العناصر التكوينية للحدائق الإسلامية..
    أو
    مما كانت تتكون الحدائق في العصر الإسلامي

    امتلك المهندس العربي قدرة كبيرة في تفهم أبجدية البيئة ، وتميزت هذه القدرة في إحداث تفاعل بين عنصر الماء وعنصر النبات وعنصر الحجر المتمثل في البنية المعمارية ، وأن يخرج من هذا التفاعل بوسط مريح يحترم الإنسان وعقيدته في العصور الإسلامية . إذ لم تكن البيئة الصعبة عقبة أمام الاستخدام المثالي للفراغات المفتوحة أو عقبة في تحقيق تنمية زراعية واسعة سواء كمصدر للغذاء أو لتوفير أماكن الترويح والاستجمام والتريض . ولعل استخدام المياه كعنصر أساسي هو أحد مميزات الحديقة العربية في الفترة المزدهرة من تاريخ المدينة العربية فعلى سبيل المثال :

    ـ كان استخدام الماء في نافورات مختلفة الأشكال وسيلة لترطيب الجو وتجميل المكان في الوقت نفسه ، كما استخدم ماء النوافير لعدة أغراض منها : إضافة حركة مشوقة في وسط فراغات قد يسودها الصمت والكآبة إذ تركت خاوية بدون معالجة ذكية وجذابة ، واستعمل صوت خرير المياه المتدفقة من مستويات مختلفة كقناع للضوضاء الصادرة من المحيط الخارجي .
    ـ وكان استخدام الماء في الدور القصور والجوامع والميادين العامة لأغراض انتفاعية كالشرب والوضوء وري الأشجار . كما استخدمت المياه لأغراض جمالية مثل تأكيد بعض المباني الرئيسة وضخامتها بانعكاس واجهتها على سطح الماء .

    ولعله من النادر فعلاً أن نجد وعياً متكاملاً بالفوائد الانتفاعية للنباتات المستعملة في تصميم الحدائق كما هو الحال في تصميم الحدائق العربية بفترة الازدهار.


    فأما من ناحية معالجة المناخ المحلي فقد استعمل رجل الحديقة العربي صفاً من أشجار السرو حول حدود حديقته بعد الجدار مباشرة كدرع واق ضد العواصف الرملية طوال العام وتنقية الهواء الذي يهب محملاً بالغبار ، ونظراً لجفاف الهواء المتسرب من خلال الصف الأول من النباتات أضاف صفاً آخر من أشجار الحور الأبيض لترطيب الهواء بعد تنقيته ، وبواسطة هذين الصفين المحيطين بالحديقة تمتع الموقع أغلب ساعات النهار بظل وحماية من أشعة الشمس الحارقة والتي تسبب مشكلات جمة للإنسان والنباتات الأخرى على السواء .





    وقد اهتم المهندس العربي بتخطيط الفناء الداخلي وجعله كحديقة داخلية (جنة مصغرة) لأنه يمثل محور النشاط الرئيسي في المساكن والمباني العربية ، وهو معالجة معمارية تحجب عن الساكن كل عوامل الطبيعة الخارجية وتترك له التمتع المطلق بالسماء وحدها ، وهو استجابة صريحة لمقتضيات مناخنا ، فهو يضمن ميزات عديدة منها : خلق مناخ محلي يحقق انخفاضاً في درجة الحرارة وتهوية جيدة بدون تلوث ، كما أنه يضمن الإنارة السليمة والهدوء والخصوصية ، والعلاقة الجيدة بين الداخل والخارج عن طريق الفناء ، وما يمكن إدخاله من نباتات مختلفة ومياه كالنافورات والبرك .


    ويأتي انخفاض درجة الحرارة داخل الفناء نتيجة الظلال الناتجة عن تقابل أضلاع الفناء والأشجار ووجود المسطحات المائية التي ينتج عنها تبخير يقابله خفض في الحرارة وانعكاس جزء من الأشعة ، ويبقى للأروقة دورها الهام في تعديل الحرارة ، فضلاً عن دور الملاقف في تكييف الهواء ، لأن الهواء يصطدم بالحائط الداخلي للملقف ، مكوناً منطقة ضغط مرتفع ، يبرد فيها الهواء ، وحيث أن الهواء البارد ذو كثافة عالية ، فإنه يهبط إلى القاعات والفناءات . كما استعملت أشجار النخيل وغيرها بجوار الملاقف العلوية لتنظيف الهواء وتلطيفه ، فالأتربة تعلق على الأوراق ، كما تصدر الشجرة الأكسجين وتنظم حالة الرطوبة والحرارة في الجو وتمتص الروائح المؤذية .

    إذاً لم تكن البنية المائية أو البنية النباتية أقل أهمية من البنية المعمارية ، إذ أظهرت البنية المائية رمزاً كونياً وإعجازا هندسياً في نقل الماء من مصادره المختلفة إلى تشكيلات حجرية من برك وأحواض بأشكال عديدة لتحقيق غايات بيئية وجمالية من خلال عقيدة تكفل صحة الماء من التلوث ، وعدم افتقاره إلى عنصر الأوكسجين .

    أما البنية النباتية فكانت أكثر تعقيداً بسبب تعددية الأنواع والأشكال التي تعامل معها رجل الحديقة العربي باستعمال المقص لتشكيل ما يمكن تشكيله لتكون بديلاً عن ثلة من تماثيل حجرية كانت سائدة في حدائق قديمة ، وأخيراً وظف رجل الحديقة العربي كل ما يملك في جعل الحديقة قطعة من الجمال ، فزرع فيها الأسوار والمشايات والمقاعد والشرفات ، وماشابه ، بل استطاع أن يجعل الحديقة في الدار أو القصر أو الجامع ، أو يجعل الدار أو القصر أو الجامع في الحديقة ، بالإضافة إلى أنه جعل الحديقة في الطبيعة أو جعل الطبيعة في الحديقة من خلال احترام فطري للبيئة ، فتعددت الوحدات البيئية ذات المساحة الجغرافية المختلفة خدمة للإنسان العربي أو للإنسانية جمعاء .





    نماذج للحدائق في الحضارة الإسلامية:


    لم تخل حاضرة من حواضر الإسلام في المشرق ولا المغرب من الحدائق الرائعة التي تميز بها الحس المعماري الإسلامي.. منها ما كان في الأندلس وتركيا والشام وفارس ومصر وسمرقند والمغرب وتونس واليمن وعُمان والهند وغيرها...


    الحدائق في الأندلس (الاسبانية)


    ويُطلق عليها أيضاً الحدائق العربية الأسبانية، فأسبانيا تعتبر همزة الوصل ما بين أوربا وما بين الشرق الأوسط خلال العصور التاريخية القديمة لذا فهي جمعت ما بين الحضارة الحدائقية الأوربية والحضارة الإسلامية (حدائق الشرق الأوسط).
    أي أنها جمعت مابين الطابع الغربي والطابع العربي، إلا أن الطابع العربي هو الأكثر سيطرة وبروزاً.
    وكان للحدائق الأسبانية طابعاً مميزاً الذي يعكس فلسفة الفن العربي، وخير مثال على ذلك: حدائق الهمبرا (Alhambra) حيث صحب المسلمون معهم إلى أسبانيا حب الطبيعة التي تمثل حياة البادية لديهم بما فيها حب المناظر الطبيعية والاستمتاع بالماء والهواء.




    فعلى سبيل المثال لوحظ في الأندلس أن العمارة الإسلامية هناك كانت تدمج العناصر الطبيعية (من الماء والنبات) في كل مبانيها، خاصة القصور، وتميزت الحديقة الأندلسية باستخدام النباتات دائمة الخضرة، والنباتات والأشجار ذات الروائح الزكية وباستخدام الزهور الجميلة كالبنفسج والياسمين.
    وتعتبر حدائق قصر الحمراء في غرناطة من أجمل الأمثلة التي يمكن الاستشهاد بها للدلالة على جمال الحدائق الإسلامية وتكاملها، وانسجامها الطبيعي مع الأفنية الداخلية.. وكانت هذه الحدائق متكررة بشكل متنوع في الأفنية المختلفة للقصر.. كما كانت مليئة بالنباتات ذات الروائح العطرة كالريحان..




    وكانت فكرة الدهليز مقدمة فى الحديقة الأسبانية التي نُقلت عن الرومان، وبكل حديقة توجد نقطة مركزية متمثلة غالباً فى نافورة تلفت النظر إليها، وينتهي الدهليز عادة بما يحتويه من زهور وأشجار ونافورات بصالة كبيرة مفتوحة للهواء والشمس وقد يتواجد فى الحديقة أكثر من دهليز واحد.

    كانت الجدران تُدهن باللون الأبيض أو بالألوان الفاتحة، وهناك استخدام للأصص المزروعة فيها النباتات والتي تعتبر جزء من تصميم الحديقة، المدهونة أيضاً بنفس ألوان طلاء الحديقة لكي يتكامل الإطار النهائي الجذاب لها.

    اعتنى الأسبان ببناء الشرفات والنوافذ المطلة على الحديقة لكي تكون همزة وصل بين المنزل والحديقة، كما أن ممرات المنازل والحجرات الداخلية كانت تملأها أصص النباتات المحبة للظل وتوضع بجوار المنشآت البنائية.

    وحيث أن العرب أكنوا يقدرون الماء نظراً لندرته فى حياة البادية عندهم، فُوجه إليه اهتماماً كبيراً كعنصر من عناصر الحديقة، فخرجت النافورات يندفع منه الماء إلى قنوات فى شكل هدير أمواج، وكان الاهتمام بذلك حتى لا تركد المياه التي يستخدمونها فى الوضوء.

    كما قام العرب بتزويد الحدائق ببعض الأعمال التنسيقية مثل الأسيجة الإطارية (Boxing hedges) التي تحيط بأحواض الزرع والطرقات ونافورات المياه، كما اهتموا بالأقواس المعمارية فبُنيت الأقواس الرخامية فى نهايات الدهاليز.




    وفي غرناطة كذلك نجد (جنـة العريف) التي أقيمت على سفح ربوة، وصممها المسلمون على هيئة مدرجات لا يتعدى عرض أوسعها ثلاثة عشر مترًا، ولا يزيد عددها على ستة مستويات، ويلعب الماء دورًا أساسيًا فيها، إذ ينهمر من أعلى الحديقة من عيون تصب في قنوات تمر عبر الأشجار.. (لعلنا نلاحظ هنا هذا الاستخدام الجمالي للماء "المسكوب" الذي مرَّ بنا منذ قليل أنه من مكونات الحسن في جنة الآخرة التي لم تفارق خيال المعماري المسلم وهو يشيد القصور والحدائق على الأرض!)
    وفي الأندلس أيضًا أنشأ عبدالرحمن الداخل – رحمه الله – (الرصافة)، و التي تعد من كبرى الحدائق في الإسلام.. وكان قد أنشأها على غرار الرصافة التي كانت بالشام، وأسسها جده هشام بن عبد الملك وقد أتى لها بالنباتات العجيبة من كل بلاد العالم.. والتي ما إن تنجح زراعتها حتى تنتشر في كل بلاد الأندلس..!!

    ولم يقتصر وجود الحدائق في الأندلس على أفنية المساكن أو القصور فقط، بل امتدت إلى أفنية العديد من المساجد؛ فمن الملامح التي تميز بها مسجد قرطبة أن صحنه كان مغروسًا بالعديد من الأشجار (كأشجار البرتقال) وقد تكرر ذلك فيما بعد في جامع (مالقة) المزروع بأشجار النارنج البديعة، وجامع (ألمرية) المغروس بأشجار الليمون والنارنج، وجامع القصبة الكبير بأشبيلية، وغيرها

    الحدائق في العصر العثماني


    فإذا يممنا شطر المشرق الإسلامي الأوسط؛ لنصل إلى تركيا.. فسنجد أنه بمجرد دخول الإسلام إليها أخذت الحدائق التركية في الانتشار في ربوع البلاد بصورة ملحوظة، ولوحظ على الحدائق الأناضولية أنها لم تكن للترفيه والتجميل فقط، وإنما كانت للإقامة أيضًا!!.. وقد تميزت الحديقة في تركيا بأنها كانت تُخطَّط أولاً ثم يُبنى عليها بعد ذلك؛ ولذلك فقد كانت قصور اسطنبول تسمى بـ (الحدائق) على الرغم من وجود القصور داخلها!.. وكانت هذه الحدائق تُستعمل للتسلية أو الحفلات الرسمية، كما كانت تُطل غالبًا على ساحل البحر كما في إسطنبول..

    وقد أُدخلت المسطحات الخضراء على التكوين المعماري للمساجد في العصر العثماني بهدف وقايتها من أخطار الحرائق (مثل مسجد السليمانية بإسطنبول)؛ فقد جرى التعارف على أن النار تشتعل في المنازل التي كانت تُبنى بالخشب، ثم تمتد منها إلى المساجد المجاورة، مما حدا بالمعمار(سنان) أن يحيط الجامع وملحقاته بسور خارجي، بينه وبين التكوين الداخلي للمسجد مساحات كبيرة خالية غرست بها أشجار باسقة، وأنواع من زهور مختلفة تعزل المسجد عن المنازل المجاورة، وتُحقق في الوقت ذاته قيمة جمالية رائعة.

    وقد كثر في العهد العثماني أن تُزرع الأشجار في صحن المساجد الكبرى، ومن أمثلة تلك المساجد صحن المسجد النبوي الشريف، مسجد (با يزيد) بتركيا..

    ويعتبر قصر (توب كابي) من أشهر القصور المعروفة بإسطنبول، وقد بدأ بناؤه في عهد السلطان ( محمد الفاتح) ، وكان مقرًا للسلاطين العثمانيين ما بين القرن العاشر والثالث عشر الهجريين (من السادس عشر إلى التاسع عشر ميلاديًّا)، وكان القصر بحدائقه يغطي مساحة 69 ألف متر مربع بمحيط 5 كيلومترات.. وقد خُطِّطت الحدائق فيه على شكل ممرات مكشوفة تحيط بالقصر من الشمال والغرب والشرق، وكان فيها حدائق للفاكهة والخضروات، ومساحة واسعة تُركت للصيد..




    يقول الأستاذ سيد قطب في كتابه «في ظلال القرآن»: « ..إن منظر الحدائق يبعث في القلب البهجة والنشاط والحيوية، وتأمل هذه البهجة والجمال الناضر الحي الذي يبعثها كفيل بإحياء القلوب... وإن تلوين زهرة واحدة وتنسيقها ليعجز عنه أعظم رجال الفنون من البشر، كما أن تموُّج الألوان وتداخل الخطوط وتنظيم الوريقات في الزهرة الواحدة ليبدو معجزة تتقاصر دونها عبقرية الفن في القديم والحديث.. فضلاً عن معجزة الحياة النامية في الشجر، وهي السر الأكبر الذي يعجز عن فهمه البشر...».

    وأخيرًا.. فلا تزيدنا تلك الرحلة الممتعة مع الحدائق في الحضارة الإسلامية إلا يقينًا بعظمة تلك الحضارة، وعظمة ما تركته – إلى اليوم – من معالم للرقي الإنساني والبيئي.. الأمر الذي يدل دلالة أكيدة على ذلك الانسجام الكامل بين دين الإسلام وفطرة الإنسان التي تسكن بطبيعتها إلى اللون الأخضر وتناسق الأشجار والثمار..

    وقبل الختام .. سأل الله أن يُعيد للأمة الإسلامية بهاء حضارتها، وللإنسانية جمعاء صفاء فطرتها.

    وفي الختام.. أعتذرعن طول الحلقة.. وبإذن الله في الحلقة القادمة سنتحدث عن نموذج آخر من نماذج الحدائق في القرون الوسطى.. وهو نموذج الحدائق المغولية أو الهندية..

    جزاكم الله خيراً

    بتصرف
    بقلمي just smile

  2. #2
    الاداره
    تاريخ التسجيل
    Tue May 2009
    الدولة
    الرايه الهاشميه حفظها الله
    المشاركات
    212,599
    معدل تقييم المستوى
    21475063
    شاكرين جهود الرائعه
    معلومات وافيه كافيه
    يثبت
    يعطيكي الف عافيه
    ليس من الصعب ان تصنع الف صديق فى سنة
    لكن من الصعب ان تصنع صديقا لألف سنة
    يكفيني فخرا انني ابن الرايه الهاشميه

  3. #3
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Wed Oct 2008
    الدولة
    jordan land
    العمر
    33
    المشاركات
    21,612
    معدل تقييم المستوى
    21474873
    [align=center][tabletext="width:70%;"][cell="filter:;"][align=center]الله يعافيك يا رب
    الف شكر لمرورك الكريم
    تحياتي
    [/align]
    [/cell][/tabletext][/align]

  4. #4
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Tue Jul 2012
    المشاركات
    90
    معدل تقييم المستوى
    12
    مشكووووووره
    والله يعطيكي الف عافيه

  5. #5
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Wed Oct 2008
    الدولة
    jordan land
    العمر
    33
    المشاركات
    21,612
    معدل تقييم المستوى
    21474873
    [align=center][tabletext="width:70%;"][cell="filter:;"][align=center] الف شكر على المرور
    تحياتي [/align]
    [/cell][/tabletext][/align]

المواضيع المتشابهه

  1. خطط فيزياء صف الثاني ثانوي توجيهي 2018 الفصل الاول
    بواسطة A D M I N في المنتدى خطط وتحاليل توجيهي واول ثانوي 2022/2021
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 27-06-2018, 11:25 PM
  2. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04-08-2016, 05:52 AM
  3. الطيران الإسرائيلي يشن غارات على غزة
    بواسطة ملكة الاحزان في المنتدى منتدى الاخبار العربية والمحلية
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 20-08-2010, 01:08 AM
  4. الحوار المثالي بين الشباب والبنات!!!
    بواسطة الأمل المشرق في المنتدى الحوار الجاد - حوار الاحباب الساخن
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 10-01-2009, 10:21 PM
  5. خنساء هذا العصر
    بواسطة 3adoush في المنتدى المنتدى الاسلامي العام
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 10-01-2009, 03:26 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
معجبوا منتدي احباب الاردن على الفايسبوك