الحقيقة الدولية – عمان – محرر الشؤون المحلية

حتمت الجغرافيا على الاردنيين ان يعيشوا في وسط ملتهب، ففي الشرق تتطاير الاشلاء يوميا بفعل حرب طائفية خطط لها وتم تنفيذها بعناية، وفي الغرب يقبع اشرس عدو اهلك النسل والزرع، وفي الجنوب مملكة الصمت، وأوضاع مرشحة للانفجار في اية لحظة، وفي شمالنا قتل بالجملة حيث لا يدري القاتل فيما قَتل ولا المقتول فيما قُتل.

في هذه الاجواء ينظر الاردنيين الى المستقبل بقلق وتخوف، ويشعرون ان امرهم ليس في ايديهم وان البلاد اصبحت على حافة بركان مرشح للانفجار بسبب حادثة هنا او هناك، ويستذكرون المشاهد التي تبثها الفضائيات لمشاهد الدم والقتل في بعض البلاد العربية التي مر عليها "الربيع العربي"، خائفون من التغيير ويتوقون اليه.

هناك بعض "المفاصل" في الدولة الاردنية غذت هذا الشعور، وتلاعبت بمزاج الشارع الأردني وبدلا من تهدئة روع المواطن، واتخاذ خطوات نحو اصلاح سياسي جاد، يتوافق مع الرؤية الملكية بإفراز حكومات منتخبة، وعملت هذه "المفاصل" على "تخويف" المواطن، وان البديل عن الوضع القائم هو الفوضى، والدم، بل تجرأت على العبث بالوحدة الوطنية، ومحاولة خلخلة النسيج الاجتماعي.

الاردنيون اذكياء ومسيسون ويعلمون ان الفاسد لا دين له ولا اصل ولا وطن، والفقر كذلك، والفاسدون هم من شتى الاصول والمنابت، يعملون على "مص" دماء الفقراء الذين هم ايضا من كافة الاصول والمنابت.

فجأة اصبحت حكوماتنا شفافة فيما يتعلق بالشأن الاقتصادي، فمن تصريح الى ان الاقتصاد الاردني في "غرفة الإنعاش الى تصريحات باننا في وضع اقتصادي "استثنائي ودقيق"، وبينهما عشرات التصريحات التي تدب الرعب في قلوب الأردنيين، وهنا لا ندعو الى اتباع سياسة النعامة في مواجهة الأحداث الخطيرة، بل الى عدم ابتزاز الشعب، ونسأل لماذا لم تكن الحكومات شفافة، عندما ولغ الفاسدون بأموال الاردنيين وحولوهم الى متسولين على ابواب حكام الخليج والبيت الابيض.

ونسأل ايضا، اين ذهبت الاموال التي استدانتها حكوماتنا الرشيدة، ووضعتنا رهينة لدى البنك الدولي، ولا زلنا غير قادرين على اطفاء عطش المواطنين، او على الاقل جميع النفايات من مدنهم وقراهم.

اذا ارادت الحكومات ان تصارحنا وتعيد بناء الثقة مع مواطنيها، وتعتبره شريكا، وليس فقط محكوما، فلتكن المصارحة كاملة والشراكة تكون بالغنم والغرم، لكن ان يأكلوا هم "حلوتها" والشعب يتجرع المرارة، فهذا ليس العدل، الذي هو اساس المُلك.

وبدلا من "تشنيف" مسامعنا يوميا بعشرات الدعايات حول توفير الطاقة، لماذا لا يحاكم المسؤولين الذين اوصلونا الى سكب ماء وجوهنا واستجداء النفط.

ما رأي رئيس الوزراء لو اكتفى بمركبة واحدة في حله وترحاله، بدلا من الضجيج الذي يرافقه والذي يدفع الاردنيين ثمنه، وما رأي نوابنا الاكارم الذين احلوا لنفسهم ما حرموه على غيرهم، ومنحوا انفسهم آلافا مؤلفة واستكثروا على المتقاعدين دنانير قليلة، لا تسمن ولا تغني من جوع.

ويتحدثون عن هيبة الدولة، وهم يعلمون ان هيبة الدولة لن تأتي لا بأمن ناعم او خشن، هيبة الدولة تأتي عندما يشعر المواطن انه يعيش في وطنه عزيزا مكرما، لا يشعر بالظلم، ولا يشقى لينعم غيره.

الاردنيون قلقون، ويحتاجون الى من يطمئنهم على مستقبلهم ومستقبل أبنائهم، ويطالبون بالعدالة، وبأقل من ذلك لا نتوقع ان تسير الرياح بما تشتهي سفن القوى التي تريد ان تبقى الاحوال على ما هي عليه، وسنبقى ندفع الثمن بالأحداث التي نعايشها يوميا .