عمان - طارق الحميدي-بعد أن كان يسير متفيئا ظلالها, يتنفس هوائها النقي, حرمته يد آثمه من تلك الغابة بعد أن حولتها إلى بقعة سوداء تنبعث منها رائحة تشبه رائحة الموت.
«من المسؤول عن حماية اللون الاخضر
في الاردن من أشجار حرجية وأعشاب وغطاء نباتي, وغاباتنا تتحول للون الاسود واحنا مش عاملين اشي « هكذا بدأ جار الغابة المحترقة احمد الصمادي حديثه عن الحريق الكبير في منطقة الصفصافة في غابات عجلون.
وأضاف وما زال يشيح بنظره نحو اطلال الغابة أو ماتبقى منها «تحولت تلك التلال والجبال من اللون الاخضر إلى اللون الاسود وما زالت رائحة النار التي تشتبه رائحة الموت تنبعث منها».
ويشير الى أن هنالك من يسعى في ظلمات الليل لاحراق الغابات من أجل تحقيق مكاسب مالية.
باحثون عن الكسب الحرام
أكثر من (3200) حادث حريق لإعشاب جافة وأشجار حرجية ومثمرة منذ بداية العام ولا تزال الحوادث تتكرر والثروة الحرجية تتناقص والحلول غائبة بحسب احصائية الدفاع المدني.
السكان المجاورين لتلك الغابات التي بدأت تحرق واحدة تلو أخرى وعاما بعد عام يقولون أن معظم المسببات لهذه الحرائق مقصوده ومفتعله من قبل الباحثين عن المال الحرام من خلال بيع الاشجار حطبا أو تملك الاراضي بعد أن تزول عنها صفة الحرجية.
وبينت إحصائية إدارة العمليات في الدفاع المدني أن حرائق الأعشاب الجافة والأشجار الحرجية والمثمرة كانت النسبة الأكبر بين أنواع الحرائق حيث بلغ عددها (3200) حادث حريق لإعشاب جافة وأشجار حرجية ومثمرة منذ بداية العام.
بشير العياصرة من سكان المنطقة ومدير محمية غابات دبين يقول الغابات تحرق بشكل متعمد وهي ليست حوادث سببها الاهمال مؤكدا أن هناك من يحرقها صيفا ليبيعها حطبا شتاءا.
وأضاف أن ارتفاع أسعار المحروقات مدعوما بضعف تطبيق القانون والرقابة على هذه الغابات شكلت عوامل اغرت اصحاب النفوس المريضة باحراق الغابات .
وبين أن اساليب الرقابة على الاحراج لم تتطور كما تطورات اساليب المخالفات مبينا أن من الخطأ أن تكون كافة غابات واراضي الحراج في الاردن مفتوحة للتنزه ومبينا أن هذا يضعف من القدرة على مراقبة هذه المساحات من الغابات.
جهات متداخلة ومسؤولية حائرة
وأضاف العياصره أن حدود المسؤولية عن هذه الغابات غير واضحة وهناك تداخل كبير في الصلاحيات وبالتالي يجب بداية أن يكون هناك خطط مدروسه لمتابعة الغابات ويجب وضع استراتيجية وطنية للحفاظ على الغابات وتدعيم هذه الاستراتيجية وتقديمها للحكومة لتكون ملزمة وأن تشمل الجوانب القانونية والعقوبات والكثير من الجوانب الاخرى.
الدفاع المدني الذي اعلن عن معلومات في هذا الشأن يؤكد أن اعلى نسبة حرائق العام الماضي كانت في الغابات والتي تجاوزت 3200 حريقا وهو رقم كبير والاعلى خلال الاعوام الماضية.
وكان مدير الإعلام الناطق الإعلامي باسم الدفاع المدني العقيد فريد الشرع أكد أن أغلب هذه الحرائق كانت نتيجة السلوك الشخصي الخاطئ ، الذي يتمثل بالاستهانة بمتطلبات السلامة العامة وعدم إدراك مدى الخطر الناجم عن هذا النوع من الحوادث.
وأشار في تصريحات سابقة عن هذه الحرائق إلى أن حرائق الأعشاب الجافة والأشجار من أكثر الحوادث التي يتعامل معها جهاز الدفاع المدني خصوصاً في فصل الصيف الذي تكثر فيه الرحلات الترفيهية.
وحول العوامل المساعدة في نشوب الحرائق أفاد الشرع أن ارتفاع درجات الحرارة ، وجفاف الأعشاب تعد أسباب أساسية لحدوث الحرائق ، إضافة إلى الاستهانة بمتطلبات السلامة العامة ، وضعف الأخذ بأسباب الحيطة والحذر فضلاً عن بعض الحرائق المفتعلة لا سيما في الغابات بهدف الاتجار ببقايا الأشجار المحترقة.
واعتبر مواطنون من سكان تلك المناطق بالاضافة لخبراء أن سبب هذه الحرائق لا يتحمله وحده الجهل والاستهتار والسلوكيات الخاطئة بل أن هناك باحثين عن رزق يجنوه من قتل هذه الغابات وبيع أغصانها وأشجارها حطبا.

معتدون تحت جنح الظلام
رزق العتوم الذي يقطن في منطقة حرجيه في محافظة جرش يقول أنه يتم العثور على اطارات سيارات في الغابات بعد أن تحترق وهو ما يدل على وجود يد ملوثه باحراق الغابات.
وأضاف العتوم نحن نشاهد الاعتداءات بعيوننا تتم في الليل حيث يقوم البعض إما بالتسلل لتقطيع الاشجار أومحاولة احراقها ونتصدى للكثير من هذه المحاولات إلا أننا نحتاج إلى ما هو أكبر من مجرد هذه المحاولات الفردية.
وأضاف « بدنا حد معنا بدنا شرطة وطوافين احنا لحالنا ما بنكفي حرام هالشجر يموت والكل واقف «.
يحيى خالد مدير عام الجمعية الملكية لحماية الطبية يؤكد ما ذهب إليه المواطنون ويقول أن الكثير من هذه الحرائق مفتعله وبفعل فاعل وأن حجم الحريق يدل على ذلك.
وأضاف يحيى في السابق كانت الحرائق تشب على جنبات الطرق حيث يجلس أو يعبر المواطنون وهو ما يدل على أن وجودهم وسلوكياتهم مثل عدم التعامل مع النار بشكل جيد هي سبب الحرائق أما الان فإن الحرائق تشب في قاع الوديان وأماكن بعيدة عن التنزه وهو ما يدل أنها بفعل فاعل ومقصودة.
وقال إنهم الباحثون عن المال الحرام الذين لا يعتبرون لا للطبيعة ولا للوطن ويجب محاسبتهم والتصدي لهم وتطبيق القانون عليهم حتى يكونوا عبرة لغيرهم.
وقال هناك من يعمل على احراق هذه الغابات لتحويل الارض من حرجيه لجرداء ليتمكن من بيعها والتصرف بها مطالبا الحكومة بسن تشريع يمنع بيع الارض أو التصرف فيها في حال كانت حرجيه وأحرقت.

حرائق الصفصاف
بدوره قال مدير الحراج في وزارة الزراعة المهندس محمد الشرمان في تصريحات سابقه عقب حريق غابات الصفصافه الاسبوع الماضي ان الحريق أتى على أكثر من ألف شجرة حرجية معمرة من أشجار الملول والصنوبر الحلبي والسنديان واللزاب والبطم والقيقب اضافة الى آلاف الاشجار الاخرى التي طالها الشفط.
وأكد مدير الاعلام في وزارة الزراعة الدكتور نمر حدادين ما ذهب اليه المواطنون والخبراء من أن هذه الحرائق تلوثت بها ايدي العابثين والمخربين والباحثين عن مال باسرع واسهل الطرق حتى لو كان على حساب الوطن وثرواته.
وأضاف حدادين في حديث الى الرأي أن هذه الغابات ملك للوطن وأنه يجب أن يكون هناك وازع داخلي للحفاظ على الوطن ولا يمكن الرقابة على كل الاماكن الحرجية في ذات الوقت مبينا أن الوزارة لم تأل جهدا في بث الرسائل من أجل الحفاظ على هذه الثروة الوطنية.

قوانين مكتوبة وغير كافية
تنص المادة 33 من قانون الزراعة المؤقت رقم (44) يحظر إشعال النار في مناطق الحراج الحكومي وفي المناطق المجاورة له حتى مسافة ثلاثمائة متر حوله وللوزير أو الحاكم الإداري عند نشوب حريق في الحراج الحكومي أن يقرر وضع اليد على ما يلزم من آلات ومواد ووسائط نقل خاصة لاستعمالها في أعمال المكافحة شريطة تعويض مالكيها. كما تنص الفقرة (ب) من ذات المادة بمعاقبة «كل من يتسبب في إشعال النار في الحراج الحكومي أو الخاص يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة وبغرامة مقدارها خمسون ديناراً عن كل شجرة أو شجيرة حرجية أتلفها الحريق ويلزم بدفع تكاليف إطفاء الحريق.
القوانين المكتوبة يقول يحيى خالد أنها غير كافية وليست مطبقة بالكامل ويجب اعادة اطلاق استراتيجية كاملة لحماية الغابات والاشجار من ضمنها تطوير القوانين المعمول بها وتغليظ العقوبات والتأكد من تطبيق هذه القوانين.
وبين أن الإدارة الملكية لحماية البيئة ووزارة الزراعة والجمعيات والمجتمعات المحلية والحاكم الاداري في مناطق الغابات يجب أن تنسق العمل حتى لا تتكرر حادثة الصفصافة في كل مكان.
وعلى رغم احراق جزء كبير من غابة افلصفصافه إلا أن أحمد الصمادي ما زال يزور أطلال غابته يوميا يناجي أشجارها المحترقة مستذكرا صباه وشبابه بين اشجارها الخضراء قبل أن تقتلها ايدي العابثين.