تحقيق: أمل أبو صبح- تصوير: نادر الداوود - «فتى وحيد لأهله اسمه كرم الشطرات، عمره ستة عشر ربيعاً، وصفه من عرفوه بأنه يشبه القمر، قبّل يدي أمه فجراً، مغادراً إلى المستشفى لاستئصال الزائدة الدودية، انتظرته أمه خمسة أيام أمام بيت من صفيح في مخيم البقعة فعاد ميتاً»، بخطأ طبي بحسب تقارير رسمية أولية.
«كرم» ليس سوى واحد من مئات ضحايا الأخطاء الطبية في الأردن، والغريب أنه رغم الشكوى المتكررة من حدوثها إلا أنه «لا توجد إحصائيات رسمية لأعدادها، بسبب استمرار حدوثها»، وفقاً لمدير مديرية الرقابة الداخلية في وزارة الصحة الدكتور حكمت أبو الفول.
ويقول أبو الفول: «ترد يومياً إلى الوزارة (30) شكوى ضد أطباء تتهمهم بارتكاب أخطاء طبية». وبمعنى آخر فإنها تصل سنوياً قرابة عشرة آلاف شكوى.
ويفيد أبو الفول إن «النائب العام أوقف خلال العامين الماضيين (15) طبيباً عن ممارسة المهنة من اختصاصات عدة». فيما صرحت نقابة الأطباء أنها استقبلت (150) شكوى.
الاحصاءات غير الرسمية تشير الى وفاة أكثر من ألف مريض سنويا نتيجة الإهمال الطبي علاوة على العاهات وتفاقم المرض الذي يتجاوز خمسة آلاف حالة، وفقا لدراسة أجراها الخبير القانوني والمستشار في الاخطاء الطبية الدكتور خالد الدويري.
نماذج كثيرة للأخطاء الطبية بعامة أبرزها «بتر العضو التناسلي لطفل عمره أربعة شهور»، وهو ما أثبتته المحكمة بقرار قطعي أدان طبيبين عاملين في وزارة الصحة عام 2007، وقضت المحكمة بتعويض ذوي الطفل «م، ح» بـ(282) ألف دينار وفقا لمحاميه عمر النجداوي، وحاولت «كاتبة التحقيق» لقاء الطفل ووالديه لكنهما اعتذرا عن اللقاء.
ضحايا الأخطاء الطبية في عمليات جراحية مختلفة صورة حية لهذه الأخطاء التي سببت غالبا «الوفاة، تلف الدماغ، استئصال الرحم، فقدان البصر، بتر العضو التناسلي، الفشل الكلوي... الى اخره، من الامراض والعاهات المستعصية».
وجميع ما سبق هي بعض من آثار سلبية ناتجة من أخطاء لعمليات جراحية اجريت لمواطنين، وسجلتها «الرأي» بالكلمة والصورة.

زائدة دودية
تتحول إلى غرغرينا
وبحسب الوثائق التي حصلت عليها «كاتبة التحقيق» فإن «كرم الشطرات» دخل الى مستشفى حكومي لاجراء عملية استئصال الزائدة الدودية في السابع من كانون الأول من العام الماضي، ومكث تحت التخدير ثماني ساعات فحدث نزيف أثناء العملية من «مساريقي» الأمعاء الدقيقة التي كانت ملتصقة بالزائدة الدودية، ومع ذلك مكث في المستشفى خمسة أيام متتالية إلى أن نقل إلى مستشفى آخر».
وتظهر نتيجة تقرير الطب الشرعي لتشريح الجثة الصادر في الأول من كانون الثاني العام الحالي، أن «الجثة وجدت مصابة بتداخلات طبية في البطن متعددة» إثر اجراء عملية لاستئصال الزائدة الدودية وكذلك تم «استئصال جزء كبير من الأمعاء الدقيقة» التي وجدت بحالة «غرغرينا» مع وجود «انثقابات متعددة فيها». وخلصت اللجنة إلى أن سبب الوفاة «انسمام (تسمم) الدم نتيجة التهاب في الأمعاء».
وما يؤشر على وجود خطأ طبي تأكيد وزير الصحة الدكتور عبداللطيف وريكات في كتاب رسمي مرسل لوزير الداخلية غالب الزعبي في الرابع من آذار العام الحالي يطلب فيه منع احد الأطباء الذين شاركوا في العملية من السفر لأن «النتائج الأولية للجنة التحقيق أظهرت أن هناك خطأ طبيا في آلية المعالجة»، وبالفعل عممت الأجهزة المتخصصة على الحدود والمعابر قرار منع الطبيب من السفر.
قصة وفاة «كرم» تحولت الى قضية رأي عام، بعد توقيف المدعي العام للأطباء الأربعة الذين ضلعوا بمعالجة «كرم»، ويقول عبدالرحمن الشطرات والد كرم «واحد من الأطباء متدرب جراحة ومقيم سنة أولى، والآخر متدرب مقيم سنة رابعة ويحمل الجنسية العراقية»، ويوضح أن الأطباء الذين أجروا الجراحة «قطعوا الشريان الذي يغذي الأمعاء بالدم، مما سبب نزيفاً هائلاً».
ويشير إلى أنه «مكث ولدي كرم خمسة أيام تحت المراقبة في العناية الحثيثة، وكان يشرف على حالته الدكتور العراقي (م.م.)! واثناء مراقبته حالة كرم الحرجة كان يسمح له بالتدخين وشرب المياه، علما بأن الدكتور المتخصص (ع.ص.) كان قد منع كرم من تناول أي شيء وسمح له بالمضمضة فقط».
وحول كرم إلى مستشفى آخر علما بأن المستشفى الأصيل الذي أجرى العملية كان قد أخبر أهل كرم بأنه يعاني من انفجار بالزائدة، ولم يأت على ذكر قطع الشريان، أو الغرغرينا وأجريت له عمليتان جراحيتان، استئصل فيهما جزء كبير من الأمعاء التي «لم يتبق منها سوى 70سم»، وتوفي كرم «بعد مكوثه 20 يوما في المستشفى المحول عليه».
أما والدة كرم المكلومة بوفاة ابنها الوحيد، والتي التقيناها في منزلها في مخيم البقعة، فلم تنطق بأي حرف، هي فقط الدموع وحدها لا تفارق عينيها. ويقول زوجها الشطرات «أصيبت بصدمة عصبية عند سماع نبأ وفاة ابنها، وما زالت تعاني هذه الصدمة وتعيش على المهدئات، وتنتظر عودة ابنها كرم بفارغ الصبر، معتقدة انه يخضع لعلاج في احد المستشفيات ويمنع أي احد من زيارته».
توقيف الأطباء الأربعة لم يستمر طويلا، وسمح بإخلاء سبيلهم بعد تكفيلهم، ولا تزال التحقيقات جارية والقضية منظورة أمام القضاء.
ويطالب المحامي خالد الضلاعين الموكل بالقضية من أهل كرم «بتسريع المحاكمة واصدار قرار قطعي فيها خشية الدخول في العطلة القضائية التي تبدأ نهاية شهر تموز». وحاولت «كاتبة التحقيق» الوصول إلى الأطباء المتهمين لكنها لم تستطع ذلك رغم الزيارات المتكررة للمستشفى المذكور الذي اجرى العملية.
وسألت «كاتبة التحقيق» نقيب الأطباء الدكتور احمد العرموطي ومدير المستشفى الذي أجريت فيه العملية الدكتور «ر.ا.» عن رأيهما فيما حدث مع «الشطرات» من خطأ طبي، فأجابا «القضية منظورة أمام القضاء ولا نستطيع الحديث حولها احتراما للقضاء».

أخطاء التشخيص تقود للوفاة
و«كرم» ليس الوحيد فثمة حالات أخرى وقعت ضحية لأخطاء، ومحمود حسن أبو شمط واحد ممن توفوا نتيجة التشخيص الطبي الخاطئ لحالته من طبيب قلب شخص حالته على أنها «وذمة رئوية دموية حادة»، وبحسب قرار الظن رقم 2422/2010 فإن «أبو شمط توفي بتوقف القلب والرئتين نتيجة جلطة قلبية حادة ناجمة عن احتشاء في عضلة القلب».
ويظهر القرار أنه «تبين أن هناك خطأ في تشخيص حالة المتوفى عند ادخاله المستشفى وبالتالي خطأ في التعامل مع حالته أدى الى تدهور وسوء في حالته ومن ثم وفاته بتاريخ السابع من تشرين الثاني العام 2009 باعتبار أن المستشفى غير مجهز فنيا لاستقبال ومعالجة هذه الحالات».
وبحسب نجل المتوفى «وليد محمود حسن أبو شمط والوثائق التي حصلت عليها «كاتبة التحقيق» فإن «نجل أبو شمط لجأ إلى نقابة الأطباء ووزارة الصحة إلا انه لم يصدر عنهما أي قرار للآن، وتمثل موقف النقابة بإحالة الطبيب مرتكب خطأ التشخيص المؤدي الى الوفاة إلى مجلس تأديبي في الثامن والعشرين من حزيران العام 2010. وهو ما اضطره إلى تحريك قضية في محكمة شمال عمان التي صدر منها قرار الظن «بجنحة التسبب بالوفاة وفقا لاحكام المادة (343) من قانون العقوبات ولزوم محاكمة الطبيب والمستشفى امام محكمة بداية جزاء شمال عمان» لكن واثناء سير مجريات التحقيقات صدر قرار العفو العام واسقطت القضية.
ويقول وليد ابو شمط، (39 عاما) «توفي والدي اثر خطأ طبي وتركني انا وشقيقتي من ذوي الاحتياجات الخاصة دون معيل، بعد ان كان معيلنا الوحيد».
وبصوت متحشرج وحسرة شديدة يقول: «لقد انتظرنا تحقيق العدالة بفارغ الصبر حتى نحصل على حق والدي تحت التراب.. لكن للاسف الشديد سقطت القضية بالعفو العام ، مؤكدا انه رفع قضية بالحق الشخصي ولا زالت منظورة منذ عشرة اشهر، ولم يتخذ فيها قرار!
والمحزن في الأمر أن «وليد شمط» اكبر الأبناء ويعاني من إعاقة تدعى «محدودية وانكماش في معظم الاطراف مع قصر القامة وقصر بالاطراف العلوية والسفلية، فضلا عن مرض سوء التصنيع الغضروفي وهو مرض خلقي منذ الولادة» ولا يمكن تأهيله للعمل وبحاجة للمتابعة والعلاج بحسب التقارير الطبية وبناء عليه حصل على نسبة عجز 75 %.
ويبدو أن ابتلاء هذه العائلة طال غالبية أفرادها، فشقيقته هند عمرها (32 عاما) وتعاني من تشوه في عظام العامود الفقري والاطراف السفلية، وتستعمل جهازا للمساعدة على الحركة، ونسبة العجز التقريبي لديها 85% وهي بحاجة لعملية تركيب مفاصل صناعية «بلاتين».

وفاة طفل
وفي الثامن عشر من حزيران الحالي أصدرت محكمة بداية حقوق عمان حكما قضائيا يقضي بدفع التعويض المدني لوالد الطفل المرحوم «ي.ف.» بعد «ثبوت الخطأ والتقصير» من قبل المدعى عليهم، المستشفى والطبيب والممرضة..
وحكاية الطفل (ي.ف.) وعمره سنتان.. أدخل الى قسم الطوارئ ومن ثم الى العناية المركزة للأطفال في أحد المسشتفيات وهو يعاني من ثعلبة في طرف انفه بناء على استشارة الاطباء وذوي الاختصاص بتاريخ 8/1/2004، الا ان طبيب الاطفال المقيم (ا.ت.) والممرضة المقيمة (ن.ا.) قاما باخراج الطفل (ي) من قسم العناية المركزة وهو لا يزال بحاجة الى العناية الطبية المتمثلة بضرورة استخدام جهاز التنفس الاصطناعي، وأدخلاه الى غرفة لا تتوافر فيها ادنى مستويات الرعاية الصحية، ودون تزويده بالاجهزة اللازمة.. ودون وجود سبب او مبرر طبي لذلك التحويل الا وجود حالة طارئة اخرى، فلم يجدوا احدا سوى الطفل يوسف لاخراجه وادخال طفل آخر.
وبحسب القرار القضائي فإنه «نتيجة اهمال وتقصير وخطأ الطبيب والممرضة ولعدم وجود جهاز لتزويد الاوكسجين ولعدم وجود مرافقين معه وعدم مرافقته طبيا، وفي تمام الساعة الثالثة صباحا من اليوم نفسه وبعد بكاء الطفل يوسف لمدة ساعة كاملة دون وجود أي اشراف اصيب الطفل بشلل دماغي كامل نتيجة موت الدماغ لنقص الاوكسجين فتوفي الطفل».

اعتصام لمدة 18 يوماً
ولرئيس الجمعية الأردنية للحماية من الأخطاء الطبية المهندس مصطفى مناصرة حكاية اخرى فهو نفسه لم ينج من هذه الأخطاء «تسبب أحدها بفقدانه للبصر بعينه اليمنى، وضعف العين اليسرى بنسبة 85% في التاسع عشر من كانون الثاني العام 2009» على حد قوله.
والمناصرة (72 عاما) تقدم بشكوى للنقابة في الثامن من آذار من العام نفسه إلا أنها لم تتخذ أي اجراء، ولدى سؤال «كاتبة التحقيق» للنقابة عن عدم اتخاذ أي اجراء بشأن عدد من شكاوى الأخطاء الطبية، أجاب العرموطي «نعم يوجد هناك قضايا منظورة أمام مجلس النقابة منذ العام 2009 ولا تزال تنتظر البت فيها». ويؤكد العرموطي أنه «لا تسقط القضايا المنظورة أمام مجلس النقابة».
المناصرة رفض الصمت على ما جرى له، فقرر إسماع صوته لجهات رسمية فاعتصم امام رئاسة الوزراء (18 يوما) دون جدوى. فلجأ للقضاء عله يحصل على حكم ينصفه ولاتزال القضية منظورة امام القضاء.
وحكاية المناصرة شكلت له دافعا قويا ليبدأ رحلة جديدة في حياته لمواجهة الأخطاء الطبية بعد أن قضى حياته في العمل الهندسي ويقول «قمت بتأسيس جمعية خاصة بالحماية من الاخطاء الطبية لمساعدة الضحايا».
ويضيف «لا يحق لنقابة الاطباء الاعتراض على هذا المشروع الذي نعتقد بانه يقبل التعديل ولكنه لا يقبل الرفض».
ويشدد على أنه «بما أنني من ضحايا الاخطاء الطبية، فانني لا يمكن ان اقبل ان تكون نقابة الاطباء هي الخصم والحكم، فلا بد من قانون ينصف اطراف المعادلة الصحية».

إغلاق عيادات
وتسعى نقابة الأطباء على نحو دائم إلى البرهنة على أنها لا تتغاضى عن الأخطاء، وبحسب نقيبها الدكتور العرموطي فإن «النقابة اغلقت 18 مركزا صحيا وعيادات طبية خلال الشهور الستة الأخيرة».
ويشير الى ان النقابة استقبلت ومنذ بداية العام اكثر من (150) شكوى، انجزت منها (25) قضية، وناقشت (60) شكوى. و(40) قضية منظورة الان امام مجلس النقابة.

حقوق ذهبت أدراج الرياح
وفي الوقت الذي انتظر فيه ضحايا الأخطاء الطبية لسنوات قرارات قطعية من المحاكم، تشير سجلات القضايا في المحاكم الى ان قانون العفو العام الصادر في العشرين من حزيران العام 2011 شمل قضايا المسؤولية الطبية فتم إسقاط حوالي 160 قضية كانت منظورة أمام المحاكم المختلفة في المملكة.
المحامي نايف الشوابكة والمتخصص بالدفاع عن ضحايا الأخطاء الطبية يقول إن «هناك العديد من قضايا الأخطاء الطبية منظورة الآن أمام المحاكم..». وسجلت قضايا عديدة لدى الاستئناف بعد صدور العفو العام».
وعن رأيه بإسقاط (160) قضية في العفو العام، يقول المحامي نايف الشوابكة المتخصص بقضايا الاخطاء الطبية: «اسقاط قضايا الاخطاء الطبية في العفو العام يعتبر اجحافا بحق ضحايا الاخطاء».

«سلامتك» تحل القضايا بالتوافق
من جانبها قالت رئيسة الجمعية الوطنية للسلامة العلاجية (سلامتك) يسرى نصوح عبد الهادي، إن «الجمعية تلقت العام الماضي وهذا العام ما يقارب 120 شكوى حول اﻷخطاء الطبية واستطاعت الجمعية أن تحل الكثير منها بالتوافق بين المريض والطبيب وأحيل بعض منها إلى القضاء».

النقابة تعارض
وعن رأيه بمسودة قانون المساءلة الطبية يقول نقيب الأطباء العرموطي: «هناك نصوص قانونية تجيز محاكمة الطبيب على الخطأ الطبي في القانون الجزائي والمدني». ويضيف «هذا ما يقوم به القضاء الاردني حاليا ومنذ سنوات طويلة وقام القضاء بإصدار احكام ضد اطباء، إما بالسجن او التعويض بالضرر المادي الذي لحق بالمريض».
ويتابع.. إن «هناك مساءلة تأديبية في قانون نقابة الاطباء ويخضع لها الطبيب، فبالتالي مضمون قانون المساءلة الطبية موجود ضمن القوانين والانظمة المعمول بها».
ويشير إلى أنه من أهم الملاحظات على مسودة مشروع قانون المساءلة الطبية الموجود في ديوان التشريع «لا بد من وضع دليل اجراءات طبية يحدد الاجراءات المطلوبة من الطبيب في كل حالة مرضية حتى يتم تقييم عمل الطبيب، وهل هناك تقصير او اهمال او خطأ طبي وهذا الامر غير متوفر في الاردن». ويشير إلى أن «المسؤولية الطبية ليست مسؤولية فرد وانما مسؤولية فريق خاصة في العمليات الجراحية والولادة ولا بد من تحديد مسؤولية كل طرف».
ويؤكد العرموطي «إننا مع المساءلة الطبية، على أن تكون المرجعية هي القضاء من خلال لجنة فنية، تعطي رأيها الفني للقضاء»، مشددا على ضرورة «ألا يتم توقيف أي طبيب الا بعد ثبوت الخطأ الطبي أوالتقصير والإهمال، وبعد صدور قرار قضائي قطعي».

القانون أُعطي صفة الاستعجال
وكان رئيس المجلس الصحي العالي الدكتور طاهر أبو السمن، اكد في تصريحات سابقة أن مشروع قانون المساءلة الطبية أعطي صفة الاستعجال في ديوان التشريع ليتم إقراره بالسرعة الممكنة.
وأشار الى استفتاء بينت نتائجه أن 88% من المشاركين فيه من كافة الشرائح أكدوا ضرورة شمول كل من له علاقة بالخدمة الطبية في القانون اضافة الى 77% أكدوا ضرورة فض مثل هذه النزاعات عن طريق لجنة مشتركة من الخبراء والقضاء وضرورة وجود سقف مالي لمثل هذه الاخطاء في حال ثبوتها تصل من 57 ألفا الى 100 ألف دينار.

إضرار بالسياحة العلاجية
ويقول وزير الصحة الدكتور عبداللطيف وريكات «إن الوزارة تعمل على تذليل الصعاب والاسراع في اقرار القانون، واخراجه بصيغة توافقية ترضي جميع الاطراف».
ويشدد الوزير على ان الحكومة تتجه الى الاسراع في اقرار قانون المساءلة الطبية، بعد توافق جميع اطراف المعادلة الطبية حوله، واعطائه صفة الاستعجال لإقراره، والسير به دستوريا، ليصبح نافذا العام الحالي.
وأكد الوزير وريكات أن عددا كبيرا من مقدمي الرعاية الصحية والطبية «يجدون ضرورة حتمية في ايجاد قانون للمسؤولية الطبية، لفتح آفاق اوسع في السياحة العلاجية، حيث تشترط العديد من الدول الاجنبية اقرار هذا القانون، قبل إرسال رعاياها للعلاج في الأردن»، ما يعني ان تعثر هذا القانون لأكثر من عشر سنوات «حرم قطاع السياحة العلاجية الكثير من المليارات». ويشدد على أنه «لا بد من قضاء متخصص بالأخطاء الطبية».
وبين الوزير ان مسودة القانون، الموجودة حاليا، تركز على ضرورة الالتزام بالبروتوكولات العالمية الخاصة بتقديم الرعاية الصحية والرعاية الاولية، اضافة الى ان القانون يركز على ضرورة قيام الطبيب او مقدم الخدمة بوضع المريض بصورة الاجراءات الطبية، التي يحتاج اليها، وعرض المراحل التي يمر بها القانون.
ومن أبرز التعديلات الموجودة في مشروع القانون، الذي سحب من ديوان التشريع 8 مرات سابقا، عدم جواز توقيف مقدم الخدمة، المشتكى عليه بالتسبب بالايذاء او الوفاة نتيجة لعمل قام به خلال النظر بالشكوى الجزائية المقدمة ضده، إضافة الى إعطاء الحق للنقابات المهنية بإنشاء صناديق تكافلية لمواجهة مخاطر المهنة.

إحصاءات غير رسمية
وعلى الرغم من عدم وجود إحصاءات رسمية للاخطاء الطبية إلا أن الإحصائيات غير الرسمية تشير الى أنه يتوفى سنوياً أكثر من 1000 مريض نتيجة الإهمال الطبي علاوة على العاهات وتفاقم المرض لدى خمسة آلاف حالة، وذلك بحسب دراسة للخبير القانوني والمستشار في الاخطاء الطبية والحاصل على الدكتوراه في الاخطاء الطبية، الدكتور خالد الدويري.
ويؤكد الدويري في دراسته التي استغرقت ثماني سنوات لانجازها على «ضرورة وجود قانون للمسؤولية الطبية، اسوة بإقراره في العديد من الدول العربية والعالم».
ويقول «من الضروري وضع القوانين والتشريعات الخاصة المتعلقة بالعمل الطبي في الاردن بشكل واضح، لمعرفة كيفية المساءلة الطبية من ناحية قانونية (بشقيها المدني والجزائي)».
ويؤكد «إن التكتم الرسمي الشديد على احصائيات الأخطاء الطبية، يعود لكثرة الأخطاء الطبية ولعدم وجود عقوبات رادعة وصارمة لمرتكبي الخطأ وضعف رقابة الدولة على المنشآت الصحية وعدم معاملة المريض كمريض وخاصة في المستشفيات الخاصة حيث يعاملونه كزبون ويقدمون له خدمة».
ويطالب «بسن قانون المساءلة الطبية أسوة بالدول المتقدمة».
وعن أسباب كثرة الأخطاء الطبية في الأردن، يقول الدويري «يعود ذلك لأسباب عدة من بينها ضعف كفاءة البعض في الكادر الطبي، عدم وجود عقوبات رادعة وصارمة لمرتكبي الخطأ، وضعف الرقابة الإدارية من الدولة على المنشأة الصحية».
ويشير الدويري «قد يجبر المريض أو ولي أمره على توقيع مستندات بأن الطبيب غير مسؤول عن نتيجة تدخله الطبي وذلك قبل إجراء العملية على سبيل المثال، وهنا يأتي الرأي القانوني بذلك، ويعتبر هذا التوقيع باطلا من الناحية القانونية، فلا يمكن إعفاء الطبيب مسبقاً قبل وقوع الضرر في المسؤولية العقدية وهذا مخالف».

خبراء قانونيون
ويدعو الخبير القانوني المحامي أيمن أبو شرخ إلى ضرورة انجاز قانون المساءلة الطبية، مشيرا إلى أن قانوني العقوبات والمدني غير كافيين للنظر في قضايا الأخطاء الطبية «فالنصوص فيهما عامة بعكس قانون المساءلة الذي تدخل فيه تقاليد مهنية طبية وتدخل فيه لجان طبية تتشكل قبل اقامة الدعوى لتبت في وجود خطأ طبي من عدمه قبل نظر القضاء في القضية».
ويرى الخبير القانوني الدكتور صخر خصاونة ان الاشكالية فيما يتعلق بالاخطاء الطبية هي ان مهنة الطب والمهن المساعدة اليها، تحتوي على نسبة خطورة عالية، فالشفاء والمرض بيد رب العالمين، لذلك فان اثبات الخطأ الطبي يتم من خلال خبراء اطباء ونفي الخطأ الطبي كذلك يتم من خلال خبراء اطباء، حيث ان اصول مهنة الطب تختلف من مدرسة الى أخرى.
ويتابع «غالبا ما تكون قرارات المحاكم بعدم مسؤولية الطبيب في القضية.. والمشكلة في الاردن ان الاطباء يتم توقيفهم بمجرد تقديم الشكوى للمدعي العام، وبعد مدة يحكم بعدم المسؤولية..».
ويقول «أنا مع صدور قانون المساءلة الطبية وهذا يعني بأن صدور قرار من المحكمة بتجريم الطبيب سوف يطبق عليه القانون».
ويشدد على ان «القانون يجب ان يكفل عدم توقيف الطبيب دون حكم قضائي وان يتضمن ايضا المساهمة بإيجاد صندوق تأميني او الزام الاطباء بالتأمين عن الاخطاء الفنية او المهنية التي يقومون بها لجبر الضرر بالاخطاء التي تحدث للمريض».