بحثاً عن "الكيف" يستغل شباب ثقة أهلهم وتشريعات "صيدلانية" لدى استخدامهم أدوية مسكنات الألم "البارستامول" مع النرجيلة في المنازل والمقاهي، بدون إدراك مخاطرها الصحية الجسيمة، التي يمكن أن تصل حد الموت.

وكون هذه المسكنات للصداع والإنفلونزا، وأدوية أخرى متوفرة في صيدلية المنزل، ما لا يتطلب شراؤها وصفة طبية مختومة، حسب قانون نقابة الصيادلة الأردني، بات من اليسير أن يلجأ شباب إلى "طحن هذه الأدوية وخلطها بالمعسل متعدد النكهات وحرقها بالفحم ليولد سموما تصل حد الدماغ والأعصاب لتحقيق النشوة".

ورغم أن إدارة مكافحة المخدرات، حسب مديرها العقيد مهند العطار، لم يتم تبليغها رسميا عن أية حالات تسيء استخدام الأدوية بهذه الطريقة، إلا أنه أكد إلى أن "التحذير واجب".

ودعا العقيد العطار الأسر إلى مراقبة أبنائهم عند تناولهم أي أصناف دوائية بكثرة، وخصوصا مسكنات الصداع أو الألم والأدوية التي تؤدي إلى الإدمان خوفا من انجرافهم نحو طريق الإدمان.

ولم يتردد الطالب الجامعي لؤي البالغ من العمر 20 عاما من طحن نصف شريط أدوية من البارستامول المتوفر بكثرة في منزله ومن ثم حرقه مع معسل الأرجيلة، ساعيا الى تحقيق "النشوة والسعادة".
"أحببت أن اجرب ولكني نادم"، حسب قول عدي، الذي لفت الى انه فقد وعيه بعد تناوله النرجيلة "الملغومة" وتم نقله إلى اقرب مركز صحي في منطقته بخلدا.

تفاجأ الوالدان، وبخاصة والدته الطبيبة، من استغلال ابنهما عدي لثقتها واستخدام أدوية خصصت لعلاجات تحسن من الوضع الصحي للمرضى وليس لتدميرهم.

البرفيسورة مها التوتنجي أستاذة الكيمياء في الجامعة الأردنية أكدت أن الفحم السام المحترق يساعد الأدوية المسكنة في تسريع تفاعلاتها، وبالتالي تحويل هذه التركيبات الداخلة في الصناعة الدوائية للمسكنات إلى مركبات أخرى تفرز سموما خطرة.

وأضافت البرفيسورة التوتنجي "لم يتم إجراء دراسات علمية حول هذا الموضوع الجديد على مجتمعنا، الذي يستحق الدراسة، إلا أن هذه بعض الأدوية المسكنة إذا خلطت بأصناف أخرى تعطي مركبات تعمل لعمل مشابه للكوكائيين والهيروين"، داعية جميع الجهات إلى "تثقيف الشباب بمضار هذه التجارب الكيميائية التي تجرى على أجسامهم طواعية".

ويتفق علميا برأيه مع التوتنجي مدير دائرة الامراض الصدرية والتنفسية وصحة الوافدين في وزارة الصحة الدكتور خالد ابورمان، من حيث أن رفع درجة حرارة جزيئيات الأدوية، واستنشاقها لتتحول إلى مواد سامة وخطرة، محذرا من احتمالية الوفاة وفقا لعدد الجرعات وكمياتها.

ولم يغفل الدكتور أبورمان الحديث عن مضار النرجيلة التي باتت منتشرة بين الفئات الشبابية، من حيث انتقال مرض السل الساري عبر أنبوب النرجيلة، فضلا عن الأمراض التنفسية المعروفة مثل الأنفلونزا.

لم يعرف الشاب رائد (18 عاما)، أن استخدام الأدوية المسكنة مع خلطة "التنباك" وهو أحد أصناف التبغ بلا نكهة، واستبدال الماء بمشروبات الطاقة، سيتسبب بألم شديد في "خاصرته" وصداع شديد في رأسه وصدره حتى استفاق في المستشفى ليتلقى العلاج.

ولن تتمكن نقابة الصيادلة الأردنية من منع بيع هذه الأدوية كون قانونها "لا يشترط وصفة طبية مختومة"، حسب أمين سرها الدكتور زيد الكيلاني، الذي عول على وعي ونباهة الصيادلة في طرح الأسئلة على المشتري، إذا شعر الصيدلي بأنه "يبالغ بالكميات المطلوبة، وهنا يجب عليه عدم بيعه حرصا على سلامته".

وأضاف الدكتور الكيلاني أن "هذا الإدمان موضعي أو لحظي يسعى إليه الشباب كونه متاحا بين أيديهم"، محذرا من استخدامه مع أدوية أخرى ذات أضرار جانبية أخرى من الصعب إدراك مضاره الصحية.

وكانت وزارة الصحة أطلقت عدة حملات تثقيفية ضد تدخين النرجيلة، تستهدف الأمهات والآباء بشكل خاص، بعد أن كشفت إحدى الدراسات الوطنية أن 22 % من طلبة المدارس يدخنون النرجيلة نصفهم في منازلهم، و6 % في الأماكن العامة.

وتهدف الحملة الاتصالية الموجهة لفئة الأمهات والآباء في المنازل إلى رفع مستوى الوعي لديهم حول مضار النرجيلة، وتأثيراتها السلبية على صحة أبنائهم، حيث خلصت الدراسة إلى أن بعض الآباء يطلبون من أبنائهم تحضير النرجيلة بدون الالتفات إلى قبول فكرة عادة التدخين لديهم، حيث يتحولون إلى مدخنين.

وتستقبل الدكتورة الصيدلانية حنين البخيت مسؤولة المحتوى في موقع الطبي الإلكتروني، استفسارات شبابية عديدة حول مضار استخدام مسكنات الألم مع النرجيلة وخلطها بمادة المعسل بنكهات مختلفة، مؤكدة أن "حجم الاستفسار يدل على انتشار هذه الظاهرة بين المدخنين".

وقالت البخيت "بشكل عام للتدخين آثار سلبية كبيرة على الرئتين والكبد وعلى جميع أعضاء الجسم، كما أن الباراسيتامول دواء يستخدم كمسكن عام يُستقلب بصورة أساسية في الكبد وعند وصول جرعات كبيرة منه إلى الدم، فإن هذا يؤدي إلى تسمم الكبد، ويؤدي إلى حدوث أمراض خطيرة فيه.

وأضافت "عند تدخين الباراسيتامول، يصل غالبا بجرعات عالية إلى الدم عن طريق الاستنشاق، ويصل مع السموم الناتجة من التدخين، ما يؤدي إلى إجهاد الكبد ومن ثم فشل عمله في الجسم".

وبينت أن "تدخين الباراسيتامول يزيد الفرصة بشكل كبير لحدوث سمية بسبب وصول جرعات عالية منه إلى الدم ما يؤثر على الكبد والكلى وعلى أعضاء الجسم كافة".

وبحسب مؤشرات منظمة الصحة العالمية، فإن خمسة ملايين شخص "يتوفون سنويا جراء التدخين"، بيد أن هذا الرقم مرشح للزيادة ليرتفع إلى 10 ملايين سنوياً بحلول العام 2020.

من جانبه، دعا مدير جمعية العفاف الخيرية مفيد سرحان جميع الجهات الرسمية وغير الرسمية التعامل مع هذا الموضوع بـ"جدية"، محذرا من عواقبه الوخيمة على الشباب من الناحيتين الجسدية والنفسية.

ولفت سرحان استشاري الأسرة والشباب، إلى انعكاساته السلبية الأخرى في حال إدمان الشباب على الأدوية والنرجيلة معا، لتطال التحصيل الأكاديمي، معتبرا أن "الإدمان بهذه الطريقة المبتكرة المستوحاة من وسائل الاتصال الإلكترونية طريق الانحراف وارتكاب الجرائم".

وطالب الأهالي مراقبة سلوكيات أبنائهم وأصدقائهم في المنزل ومن ثم المقاهي والنوادي، لافتا إلى ضرورة تقليص الفجوة بين الأهل والأبناء الناتج عن ضعف الحوار والتواصل، بالمقابل تجد أن تواصل الأبناء مع الإنترنت من خلال شبكة التواصل الاجتماعي أكبر وأيسر.

واعتبر أن مهمة الآباء في التربية واستخدام القوانين الوقائية وتحصين الجيل لمواجهة الأحداث قبل وقوعها "ليست سهلة".




المصدر: الحقيقة الدولية - الغد