ويليام فاف - كاتب ومحلل سياسي أميركي

انتهت سياسة محاربة التمرد، وبدأت سياسة الطائرات بدون طيار، وفرق القتل، وعمليات الاغتيال، وقوات العمليات الخاصة.. حيث تحدث تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز»، في السابع والعشرين من مايو الماضي، عن «نقاش وجودي» يجري حالياً في أكاديمية «ويست بوينت» العسكرية الوطنية. ومعلوم أن عقيدة محاربة التمرد المأخوذة من حرب فيتنام، و»تمرد» الفلبين بين عامي 1899 و1902، جُددت من قبل الجنرال ديفيد بترايوس خلال المرحلة الأخيرة من حرب العراق، وهي التي ينسب إليها الفضل، إلى جانب الزيادة الكبيرة في عديد الجنود «الزيادة»، في إنهاء الحرب هناك عبر تثبيت حكومة نوري المالكي الشيعية، على نحو غير ثابت.
وبعد توليه الرئاسة، بحث باراك أوباما عن نجاح مماثل في أفغانستان. وبعد مشاورات في واشنطن، ومع بترايوس، والقائد الجديد للقوات الأميركية والمتحالفة في أفغانستان، الجنرال ستانلي ماكريستل، رخص الرئيس لـ»الزيادة» الجديدة، وذلك وفق نموذج ما بدا أنه كان ناجحاً في العراق. غير أنه أضاف بنداً هاماً: أن تعزيزات الجنود الأميركيين سيتم سحبها في غضون 18 شهراً. وهذا ما يفسر تطمينه لقادة «الناتو» الذين اجتمعوا في شيكاغو الأسبوع الماضي بأن القوات المحاربة التابعة للولايات المتحدة (والناتو) هي في طريقها إلى الخروج من أفغانستان.
الرئيس قدم تقييماً واقعياً لما بات يبدو الآن واضحاً للجميع تقريباً. ذلك أن حرب أفغانستان لن «تُكسب» من خلال قرار أميركي «فتنمتها» (نسبة إلى حرب فيتنام)، لكن ذلك لا يعني أن الحرب ضد «طالبان» ستنتهي، وإنما قد يعني أنه إذا كانت القوات البرية الأجنبية المحاربة ستخرج من أفغانستان، فإن العمليات الجوية والخاصة الأميركية، التي تتميز بوجود «قوة صغيرة» على الأرض، ستتواصل (بموافقة الحكومة الأفغانية أو بدونها). فالحرب لا تنتهي إلا حين تنتهي.
ويمكن أن تكون ثمة حربان أو شبه حربين، واحدة ضد «طالبان» في أفغانستان، والأخرى ضد المتشددين في باكستان وأنصارهم. وهذا يعني ضمناً استمرار الترهيب والابتزاز المادي للسلطات في إسلام آباد، وربما توسيعاً لحملة الاغتيالات بواسطة الهجمات التي تنفذها طائرات بدون طيار، التي تنفذ أصلاً في أفغانستان وفي المناطق القبلية لباكستان.
والواقع أن هدف الإدارة الأميركية لم يتغير. ذلك أنه مازال يتمثل في الهيمنة الاستراتيجية الأميركية على آسيا الوسطى، والتي من المرتقب أن تتحقق الآن بواسطة أشكال جديدة من المراقبة الجوية والإلكترونية والاقتصادية والإقناع والسيطرة السياسيين، وكذلك من خلال العنف المستهدف.
«بروس أو. ريدل» هو أحد المستشارين المهمين لأوباما منذ بداية هذه الإدارة، وقد كان «ريدل» ضابطاً في وكالة الاستخبارات المركزية «سي آي إيه» مهتماً بالمنطقة لسنوات. وبعيد تولي أوباما الرئاسة، كتب «ريدل» في دورية «ناشيونال إنترست» الصادرة في واشنطن، يقول إن باكستان، وهي دولة معقدة سياسياً، تمتلك أسلحة نووية (والقاعدة الصناعية والتكنولوجية التي تجعل ذلك ممكناً)، هي تهديد أكبر بكثير للولايات المتحدة ومصالحها في المنطقة من أفغانستان (الدولة المعزولة والمتخلفة) أو مما يمكن أن تشكله في يوم من الأيام.
إن أفغانستان هي المدخل إلى باكستان النووية، التي يعتقد أنها قادرة على حشد سنّة العالم. لكن حكومتها معرضة للتهديد من قبل المتطرفين الداخليين. ووفق ريدل (الذي كتب مقالاً في 2009)، فإنها تستطيع أن تشكل، تحت تأثير جهادي، تهديداً «كبيراً جداً تقريباً»، ينطوي على «عواقب مدمرة.. ومحسوسة عبر العالم». والواقع أنني لا أعرف ما هو بالضبط هذا التهديد، مثلما أنني لا أؤمن به، تماماً مثلما لا أصدق أن إيران تشكل تهديداً عالمياً بطريقة ما- لكن أشخاصاً آخرين يصدقون هذه الأشياء ويبدو أن لديهم إمكانية الوصول إلى البيت الأبيض.
وحالياً يوجد في دوائر السياسة الخارجية في واشنطن، والأهم من ذلك، في اعتقاد البنتاجون، عقيدة صاعدة، وتصور جديد للمكانة الأميركية في العالم، يقللان من أهمية الأسلحة الكلاسيكية والحرب التقليدية، وكذلك من أهمية الحلفاء وحدود السيادة الوطنية.
ومثلما يقال في البنتاجون، فإن ذلك يعني ضمنياً سيطرة الولايات المتحدة على موارد العالم الأساسية، ربما في تنافس مع الصين ، وعبر خوض حرب ضد الإرهاب الإسلامي في الوقت نفسه.
لقد تطور التفكير الاستراتيجي الأميركي منذ ثمانية عقود من حيث الصراع الأيديولوجي أو العسكري العالمي، وضد النازية، ثم ضد الشيوعية.
ومع قول صامويل هانتينجتون الخاطئ والمؤثر على نحو ضار في الوقت نفسه، بأن الحرب العالمية المقبلة ستقع بين الحضارات، انتقلنا نحو بعد جديد. فقد قام بن لادن بنصيبه فيما يتعلق بتنفيذ ادعاءاته وترجمتها على أرض الواقع. واليوم، يعتقد الكثير من الأميركيين أن الولايات المتحدة منخرطة في حرب دينية عالمية. وهذا واضح حتى في السياسة المحلية الأميركية وفي الخطاب السياسي الشعبي. ويمكن سماع مثل هذه المشاعر في الكونجرس الأميركي، وفي البنتاجون، وفي البيت الأبيض أيضاً على ما يبدو.
«الاتحاد الإماراتية»