بعد موسم محلي محبط هو الاسوأ له في الدوري الانجليزي خلال عشر سنوات ، حقق فريق تشيلسي مساء اليوم الإنجاز الافضل في تاريخه ، حيث إنتزع للمرة الأولى لقب دوري الابطال الاوروبي لكرة القدم ليرسم إسمه بحروف من ذهب في تاريخ هذه البطولة العريقة التي تعود إلى 57 عاما ، بعد أن تغلب على بايرن ميونيخ الالماني في المباراة النهائية التي أقيمت على استاد آليانزا آرينا في عقر دار الفريق الالماني العريق .

ولأن كرة القدم ليست اللعبة العادلة او التي تكافيء الفريق الافضل او الأكثر سيطرة فقد خسر الفريق الافضل ، وجاء فوز الفريق الانجليزي بركلات الترجيح بعد ان انتهى الوقتين الاصلي والإضافي بالتعادل 1/1 بعد مباراة مثيرة ظهر فيها جليا تحالف الحظ مع الفريق اللندني الذي لعب معظم وقت المباراة مدافعا واستمات وكافح بطريقة واقعية ، لإنه كان في مواجهة منافس كبير يسانده مايقرب من 70 ألف متفرج ، وفي غيبة أربعة من أفضل لاعبيه الاساسيين الموقوفين على رأسهم قائده جون تيري .


** أما بايرن ميونيخ ، فقد تخلي عنه الحظ ، فلم ينفعه تفوقه الميداني او مبادرته بالتهديف او ضربة الجزاء المحتسبة في الوقت الاضافي والتي كانت تكفي لترجيح كفته ، وكان الإحتكام إلى ركلات الترجيح التي ابتسم خلالها الحظ للبلوز ، الذين أضاع لهم خوان ماتا الضربة الاولى ، ولكن اوليتش وشفاشتيجر أضاعا ركلتين للبايرن ، ليسجل دروجبا الركلة الحاسمة للبلوز ويعلن فوز فريقه باللقب الكبير بعد موسم مثير للجدل تراجع خلاله مستواه محليا ، ولكنه تعملق أروربيا ويكفيه تفوقه من قبل على برشلونة وإسقاطه من الدور قبل النهائي، ولعل انتهاج الفريق للاسلوب الدفاعي الذي أجاده مع مدربه الايطالي المجتهد دي ماتيو كان السر وراء تفوقه على البارسا ثم البايرن، فالفريق يتراجع بكامل لاعبيه ويتكتل للدفاع ثم يخطف هدفا من هنا او هناك عن طريقة هجمة مرتدة خاطفة ،أو كرة ثابتة او ركلة ركنية أو يفوز بالركلات الترجيحية وربما كان ذلك الاداء المفتقر للحيوية الهجومية واللعب الجميل او حتى المتوازن ، موجة جديدة ستسيطر على الكرة الاوروبية ي الفترة القادمة بعد سنوات من الكرة الهجومية الممتعة التي كان آخر ضحاياها البارسا والبايرن على يد البلوز!

** لم يكن لدى تشيلسي ما يخسره ، ورصيده خال من الالقاب الاوروبية وإن كان لديه ما يطمح إليه وهو اللقب الكبيرفي دوري الأبطال الاوروبي الذي يفتقر إليه في دولاب بطولاته ، أما الإيطالي روبرتو دي ماتيو المدرب المؤقت للفريق، فقد قال قبل المباراة :أنه لا يوجد ما يقلقه من خوض النهائي على أرض منافسه بايرن موينخ الألماني وعبر عن ذلك بقوله "نعم البايرن يلعب على أرضه ويعرف ملعبه جيدا ولكن ماذا بعد؟، فنحن نمتلك الخبرة الكافية يجب أن تبذل قصارى جهدك في الملعب ولكنك أيضا في حاجة للحظ".. وكم كانت هذه الكلمة السحرية في فوز الفريق اللندني الذي يستحق ان يوجه الشكر للحظ !!

** أحداث المباراة في وقتها الاصلي شهدت تفوقاً وسيطرة من أصحاب الارض معظم الوقت ، ولكنهم لم يتمكنوا من استثمار استحواذهم او الفرص الخطرة التي لاحت لهم على مدي المباراة التي ادخرت قمة الإثارة فيها للدقائق السبع الاخيرة ، حيث سجل توماس مولر الهدف الاول لبايرن في الدقيقة 83 ، وبينما كان الالمان يتأهبون لنهاية المباراة قبل دقيقتين من الختام خطف الايفواري دروجبا هدف التعادل من ضربة ركنية ، وامتدت الاثارة إلى الوقت الإضافي حيث أهدر روبن ضربة جزاء بعد عرقلة دروجبا لفرانك ريبيري من الخلف، ليخسر البايرن فرصة التسجيل ويخسر مهاجمه الخطير الذي خرج مصاباً ويكتفي دروجبا المحظوظ بإنذار، في تكرار لما حدث منه في مباراة برشلونة ، حينما عرقل فابريجاس وتسبب في ضربة جزاء أهدرها ميسي !


** بدأ بايرن ميونيخ المباراة بطريقة 4/4/2 و بتشكيل مكون من الحارس مانويل نوير، ومعه فيليب لام وجيروم بواتينج واناتولي تيموشوك و كونتينتو في خط الدفاع وباستيان شفاينشتايجر وتوني كروس وتوماس مولر وارين روبن في خط الوسط وفرانك ريبيري وماريو جوميز في الهجوم.. وقد أحسن هاينكز قيادة فريقه لتحقيق الشق الهجوم لطريقة 4/4/2 ، التي تتحول إلى 4/2/3/1 بمشاركة لاعبو الوسط والظهيرين في الزخم الهجومي وإن كان انطلاقهما أحيانا بطريقة غير محسوبة قد تسبب في المجازفة بوصول مرتدات خطرة ، مع تفرغ جوميز في مركز رأس الحربة وخلفه الثلاثي روبن ومولر وريبيري الذين كونوا الكتلة الهجومية للفريق معظم الوقت .

أما تشيلسي فقد بدأ المبارة أيضا بطريقة 4/4/2 و بتشكيل مكون من الحارس بيتر شيك معه كل من : جوزيه بوسينجوا وديفيد لويس وجاري كاهيل واشلي كول للدفاع وفرانك لامبارد وجون اوبي ميكل وبيرتراند وكالو لخط الوسط و خوان ماتا وديدييه دروجبا للهجوم.. وبالطبع ولان تشيلسي يلعب خارج الديار وفي مواجهة فريق متحمس ، فقد لعب دي ماتيو بطريقة 4/4/2 الدفاعية بتقهقر رباعي الوسط مع المدافعين وكان يتراجع أحيانا رأسي الحربة لمساندة زملائهم ولكن ذلك اختلف على مدي وقت المباراة ، وفي غضون ذلك اختفى صانع اللعب لامبارد وكذلك زميليه بيرتراند وميكل ، لإنهم ببساطة تحولوا إلى مدافعين أمام منطقة جزاء فريقهم.


** البداية كانت حماسية سريعة على حساب الدقة والمستوى الفني من الفريقين ، ولكن بالطبع كان التفوق والسيطرة النسبية لاصحاب الارض ، بلا فرص نستطيع وصفها بالخطورة ، ومنها تسديدة كروس في الدقيقة الثالثة بجوار قائم تشيك حارس تشيلسي، ولم يلجأ الفريق الانجليزي للتكتل الدفاعي داخل منطقته وإن كان أكثر حذرا ، ومع مرور الوقت وبمساندة الحضور الجماهيري في اليانزا آرينا ، يضغط الفريق الالماني ويسيطر ويبدأ عملية محاصرة لتشيلسي في نصف ملعبه تتخللها بعض المرتدات النادرة عديمة الجدوى من دروجبا او ماتا .


** في ظل الهجمات الالمانية والسيطرة شبه المطلقة ، تظهر الثغرات في دفاعات تشيلسي المتأثر بالغيابات الكبيرة في صفوفه من نجومه الموقوفين وأبرزها لقائد الدفاع جون تيري وقلب الدفاع ايفانوفيتش وصانع اللعب المهاجم راميريز ولاعب الوسط ميريليش، وتلوح الفرص الخطرة للالمان خاصة من ناحية الجناحين الأيمن آرين روبن والأيسر فرانك ريبيري اللذين تلاعبا بالظهيرين بوسينجوا وآشلي كول ، وظهر بوسينجوا مهزوزا .. ومن ناحيته كان أغلب الهجوم الالماني من البايرن .. وشهدت الدقائق من 15 وحتى 18 حصاراً مكثفاً ، كاد الالمان خلالها أن يسجلوا أكثر من مرة وتبارى مدافعو تشيلسي في الإطاحة بالكرة في أي اتجاه ، وبعد عدة ركنيات يهدرها الالمان ، يتقدم روبن ويرواغ ويسدد كرة أرضية يتصدى لها تشيك بقدمه ، فتصطدم بالقائم الذي أنقذ هدفاً مؤكداً للبايرن ، وبعدها يسدد فرانك ريبيري بجوار القائم ، ويواصل جوميز التفريط في الكرات التي وصلته داخل الست ياردات .


** وبعد طول حصار ، وبعد مرور 35 دقيقة ، يحاول تشيلسي التخفيف عن خط دفاعه المحاصر بنقل كرات طويلة خلف الدفاع لدروجبا وخوان ماتا الذين كانت لهما عدة محاولات وسط مراقبة دقيقة ، ولكنهما حصلا على عدة ركلات حرة مباشرة لم تستغل ومن إحدى الكرات يسدد كالو الكرة الوحيدة لتشيلسي في يد الحارس الالماني مانويل نوير.. ويرد الالمان بهجمات مرتدة سريعة ويدخلون منطقة الجزاء ، بلا استغلال للفرص الخطرة التي يمكن أن يتوجوا بها تفوقهم ، حيث رفض جوميز تسجيل هدف سهل من علامة منطقة الجزاء بعد تمريرة قصيرة وأطاح بالكرة في سماء الاستاد لينتهي شوط كان لصالح البايرن لعباً بلا نتيجة.


** بايرن ميونيخ بادر منذ صافرة بداية الشوط الثاني بمباشرة ضغطه الهجومي ، تعبيراً عن قلق مدربه هاينكز من إضاعة الفرص والخوف من مرتدات تشيلسي ، وتضيع الكرة الاولى من جوميز، ويرفع روبن كرة عرضية ترتد من الدفاع ويسدد كروس كرة قوية تتصدى لها رأس لويس قلب الدفاع .. وفي المقابل ظهر تشيلسي أفضل انتشاراً وخاصة بالنسبة لخط وسطه الذي بدأ يتقدم قليلاً ليقوم بدور الربط ودعم رأسي الحربة الذين يلعبان تحت بعضهما ففي الامام ماتا وخلفه دروجبا ، وبدأ سالمون كالو في المساندة وأحيانا لامبارد أو ميكل ، ويبدو أن دي ماتيو مدرب البلوز طلب من لاعبيه تحسين طريقتهم في الدفاع بشكل متقدم وزيادة مبادراتهم الهجومية


** ويظهر إصرار الفريق البافاري على تأكيد جدارته بالتفوق في النتيجة مثلما هو الافضل في الأداء والسيطرة ،وفي الدقيقة 53 تصل الاثارة ذروتها ويسدد جوميز من داخل منطقة الجزاء فتصطدم بقدم المدافع بوسينجوا، وترتد إلى ريبيري الذي يسجل منها هدفاً ولكن يلغيه الحكم البرتغالي بوينكا للتسلل.. وتستمر المحاولات الالمانية ، ويجبر الفريق البافاري منافسه إلى التراجع والدفاع مرة أخرى من داخل منطقة الجزاء ، وأصبح الزحام طابع اللعب ، وفشلت مهارات ريبيري وروبن في التغلب على تكتل الاجساد ، فاصطدمت تسديداتهما بأقدام لاعبي البلوز المتكتلين ، ومع تكرار المحاولات الالمانية وفشلها يشن البلوز بعض الهجمات المرتدة التي تشكل بعض ملامح الخطورة، ويدعم دي ماتيو فريقه بالمخضرم مالودا بدلاً من بيرتراند


** وفي الدقيقة 83 ، يأتي التتويج الالماني أخيرا ، من خلال هجمة من الجناح الايسر ، حينما يقترب كروس من حافة منطقة الجزاء ويرفع كرة عالية يقفز لها لاعب الوسط المهاجم مولر ويضربها برأسه في الارض ، فتخدع تشيك حارس تشيلسي وتسكن مرماه هدفا ثمينا ، بدا وكأنه الحل المثالي لمشكلة اختراق الدفاع المغلق للبلوز.


** فريق البلوز العنيد لم يستسلم ، ودفع دي ماتيو بفرناندو توريس بدلا من كالو ، لمحاولة إدراك التعادل ، وفي المقابل ورغم ضغط البايرن يدفع هايكنز بالمدافع فان بويتن بدلا من صاحب الهدف توماس مولر لتأمين الدفاع ، ولكن تحمل الدقيقة 88 مفاجأة مثيرة لصاحب الارض ، فقد حصل البلوز على ركلة ركنية ربما هي الاولى لهم في الشوط ، ومنها يرفع خوان ماتا الكرة على رأس الفيل الايفواري دروجبا الذي قفز كالفراشة ولسع الكرة كالنحلة داخل مرمى نوير مسجلا هدف التعادل الذي أعاد المباراة إلى حافة البداية مرة أخرى ، لتمتد المباراة إلى وقت إضافي .


** وتتواصل الإثارة في الوقت الإضافي ، حيث يتبادل الفريقان الهجمات بشكل مفتوح ، وبعد 3 دقائق يعرقل دروجبا المرتد للدفاع فرانك ريبيري من الخلف داخل منطقة الجزاء ،ليخرج ريبيري مصاباً من المباراة ، ويتصدى آرين روبن لضربة الجزاء ولكنها يسددها برعونة لينقذها بيتر تشيك ببراعة ، ليمنح الأمل مرة أخرى لفريقه، ويحاول أوليتش بديل ريبيري مساندة جوميز وروبن دون جدوى ، خاصة مع المعنويات المرتفعة للاعبي البلوز ، الذي شعروا أن الحظ كان يساندهم بقوة ، وينتهي الوقت الإضافي بالتعادل ، وتمتد مساندة الحظ للبلوز في ركلات الترجيح التي بدأت وكأنه ستهدي اللقب للالمان ، ولكن الحارس تشيك وزملاءه يتفوقون على أنفسهم ويحسمون اللقب الاول في تاريخهم في واحدة من أكثر المباريات إثارة في تاريخ المسابقة .