المفرق - حسين الشرعة - في عمر الثالثة عشرة .. وجد نفسه مسؤولا عن عائلة مكونة من خمسة أفراد، ليعمل في إحد ورش الميكانيك في المدينة الصناعية في مدينة المفرق، والده متعطل عن العمل، وهو المعيل الوحيد للأسرة،التي تواجه ظروفا إقتصادية قاهرة.
عبدالله، طفل يافع ترك المدرسة مرغما ليؤمن قوته وعائلته منذ نحو 18 شهرا، يحصّل يومية لا تزيد على 20 دينارا إسبوعيا، لكنه رغم ذلك يمضي ساعات طويلة من يومه أسفل السيارات والشاحنات، لفك «البراغي» وتغيير «البناشر»،وإصلاح الاعطال البسيطة التي يمكنه القيام بها في مثل هذا العمر.

ويضيف، عبدالله :» امثالي ممن يواجهون البؤس والعوز ليس امامهم، إلا الانخراط في سوق العمل، مهما كانت طبيعته، لكسب الرزق على الرغم من عدم ملائمته في هذا السن المبكر».
عبدالله، ليس الوحيد في المفرق الذي يمارس مثل هذا العمل الشاق، يقول طفل آخر، رفض ذكر اسمه، يعمل في احد كراجات التصليح، أنه فضل التوجه الى العمل على مواصلة التعليم الاكاديمي ، رافضا الالتحاق بالمدارس المهنية لاختصار الوقت على حد تعبيره ، مثلما ادى تدني مستوى تحصيل آخر الى عدم قدرته على تقّبل الدراسة ومواصلة التعليم، مشيرا الى ان الحالة هذه دعته الى تفضيل العمل على ان يكون «عالة» على أحد.
وفي بعض الاحيان يجبر الاباء ابناءهم على الانخراط في سوق العمل مبكرا، نايف علي، ولي أمر عائلة متعطل آخر عن العمل منذ فترة طويلة، يقول انه «اجبر ابناءه الخمسة على ترك المدارس وهم يعملون الان في بعض المجمعات والكراجات باجور زهيدة لا تكاد في مجموعها سد رمق العائلة».
ويوضح، ان الجانب الاقتصادي الصعب لبعض الاسر في المدينة، إستدعت اولياء امور الى توجيه ابنائهم الى سوق العمل لـ»تعلم مهنة» الى جانب المساهمة في المصاريف اليومية للاسرة ، معتبرا في ذات الوقت ان الاصل ذهاب الابناء دون سن الثامنة عشرة الى المدارس .
وتشهد بعض الساحات العامة والورش الصناعية والاسواق في المفرق، تواجدا لأطفال يعملون في مهن مختلفة سعيا وراء لقمة العيش،رغم ان بعض هذه الاعمال لا تتناسب وقدراتهم الجسدية والذهنية لقاء اجور زهيدة.
مدير العمل في محافظة المفرق عبد الحميد الحراحشة، قلل من حجم الظاهرة بقوله:» ان توجه الاطفال الى سوق العمل لا تشكل ظاهرة»، مشيرا الى ان المديرية غير مسؤولة عن الاطفال ممن يقومون بالبيع في الساحات العامة.
ويلفت الى ان المديرية لم تتمكن حتى اللحظة من اجراء دراسات علمية لتحديد اسباب عمالة الاطفال في المحافظة وخلفياتها الاجتماعية لعدم توفر كوادر ادارية مؤهلة.
ويضيف:» معظم الحالات تعمل بناء على طلب من الاهالي لما يعانون من فقر ، فيدفعون ابنائهم لتحمل مسؤوليات فوق طاقتهم الجسدية والعقلية وتضيّع عليهم فرص التعليم».
ويبين الحراحشة ان قانون العمل يمنع تشغيل الاحداث دون السابعة عشرة من عمرهم في الاعمال الخطرة او المرهقة او المضرة، ما لم يقرها وزير العمل بعد الاستئناس برأي الجهات المختصة .
ويوضح ان موظفي المديرية يقومون بجولات ميدانية يومية لمناطق العمل للتاكد من هذه الحالات، مشيرا الى انه يتم ارشاد وتوجيه اصحاب العمل بداية الى عدم استخدام الاطفال.
ويشير الى انه يتم تحرير مخالفات بحق ارباب العمل الذين يشغلون اطفالا ، وفي حال عدم التزامهم يتم توجيه مخالفات يحولون بموجبها الى المحاكم المختصة .
ويتابع بالقول:» كوادر المديرية قامت بعدما جالت على بعض المحال المخالفة قامت بتوجيه النصح والارشاد الى (6) من ارباب العمل يشغلون اطفالا»، لافتا الى انه وحال تكرارهم سيصار الى مخالفتهم واغلاق محالهم الى جانب تحويلهم الى المحاكم المختصة لاتخاذ الاجراءات القانونية التي تمنع تشغيل الاطفال.
ويدعو اصحاب العمل الى عدم تشغيل الاحداث تحت أي ظرف لما تنطوي عليه هذه المخالفة الصريحة للقانون من مسؤوليات على ارباب العمل وما ينجم عنها من آثار سلبية على الاطفال ، مثلما دعاهم الى التنسيق مع المديرية في هذا المجال .
اما مدير التنمية الاجتماعية في المحافظة، عادل كنعان، يؤكد ان المديرية من خلال قسم الدفاع الاجتماعي تقوم بجولات ميدانية منتظمة لمتابعة هذه الحالات ودراستها وتحويل عوائل الاطفال الذين يخرجون للعمل بسبب الظروف الاقتصادية واسرهم المادية الى صندوق المعونة الوطنية، مثلما تقوم بالتعاون مع الاجهزة الامنية والمحافظة بمراقبة المقاهي كيلا يرتادها الاطفال وتحويل المخالفين منهم الجهات المختصة .
ويضيف كنعان :»القسم يعنى بمتابعة المتشردين ومراقبتهم والتحقق من جميع الظروف المحيطة بهم ويرسلون من بعد الى مؤسسات التنمية الاجتماعية لتقويم سلوكهم».
وفي هذا الصدد، بدعو الاهالي الى عدم السماح لاطفالهم بالعمل ومراقبتهم ،مؤكدا ضررورة استمرارهم في الدراسة.
وكانت دراسة رسمية حذرت من تحول مشكلة عمالة الأطفال في المملكة إلى «ظاهرة يصعب علاجها» ،في حال لم تضع الجهات المعنية برامج مدروسة لـ»منع تفاقم المشكلة».
وتطرقت الدراسة ، التي أعدها مدير مديرية العاملين في المنازل التابعة لوزارة العمل الخبير الدولي حمادة أبو نجمة، عام 2010 ، الى اسباب عمالة الاطفال والتي تتمثل بالفقر والبطالة وتدني دخل الأسرة .
وخلصت الدراسة الى أن حوالي 70 % من أسر الأطفال العاملين تقع تحت خط الفقر، وأن 40% من ذويهم عاطلون عن العمل.
وفيما قالت الدراسة أن مشكلة عمل الأطفال في الأردن «محدودة نسبيا»، من حيث حجمها وطبيعة وظروف عمل الأطفال العاملين، فقد اشارت الى وجود مؤشرات مقلقة تدلل على أن المشكلة قد تتحول إلى ظاهرة يصعب علاجها، حال لم تضع الجهات المعنية البرامج المدروسة لمنع تفاقمها.
وتشير نتائج مسح عمالة الأطفال 2007، الذي أجرته دائرة الإحصاءات العامة بالتعاون مع منظمة العمل الدولية، إلى أن عدد الأطفال العاملين في المملكة يبلغ حوالي 32 ألف طفل، يتركز معظمهم في المحافظات ذات الكثافة السكانية العالية وتحديدا في كل من عمان والزرقاء وإربد.
وأوضحت أن هؤلاء الأطفال يعملون في قطاعات الميكانيك (40 %)، الحدادة (11 %)، النجارة (10 %)، البيع (7 %)، مطاعم ومخابز (6.7 %)، وأعمال تجارية أخرى (17 %).
ويفضل أصحاب عمل تشغيل الأطفال، لأسباب تتعلق بانخفاض أجورهم، فضلا عن إمكانية تشغيلهم ساعات طويلة، وسهولة إدارة عملهم وتوجيههم وسهولة خدماتهم من دون الدخول معهم في نزاعات عمل، بحسب الدراسة.