المفرق - فريق الرأي - بالرغم من النشاط الكبير الذي يبديه الحراكيون في المفرق على الشبكة العنكبوتية الا انهم يترددون كثيرا في النزول الى الشارع للتعبير عن موقفهم السياسي وحجة القوم تبدو منطقية او على الاقل فيها من الوجاهة الكثير اذ ان التركيبة السكانية للمدينة تحمل في ثناياها ما يشكل عائقا طبيعيا ازاء القوى الجديدة فالبنية المنقسمة بين تكتل عشائري محافظ وتنويعة سكانية تشكل في مجموعها اغلبية قوامها اقليات مناطقية او دينية من شانها ان تتردد كثيرا كي لا يسجل على حراكها السياسي انه موجه ضد عشائر كبرى.
البنية العشائرية المغذاة بالتنقيط السياسي على جذورها مباشرة تمنع مياه الدولة من ان تسقي الاشجار المجاورة بل والاعشاب المجاورة ايضا.


حراكيون غادروا الاحزاب الكلاسيكية ليس الى العراء بل الى حاضنة افتراضية وفرتها التقنيات الحديثة لذلك يمكن القول اننا بصدد معارضة محوسبة ومفترضة لكنها تحوي جل مثقفي المدينة الذين وان منعتهم الظروف الموضوعية من النزول الى شوارع المفرق لكنك لا تكاد تفتقدهم في أي اعتصام سواء في العاصمة او في المدن المجاورة.
لقد تطور الخطاب الحراكي سقفا ومفردات وتم انتاج لغة سياسية جديدة قوامها الضغط من اجل ما يصفونه بـ»استرداد الدولة» التي تغيرت ملامحها بفعل تلازم ثلاثة عوامل: الخصخصة والفساد وغياب المشاركة وما افضت اليه من تهميش وتغييب مقصود للتنمية.
وحين يشتكي حراكيو المفرق من وطأة القيادات التقليدية التي تختزل الوطن بالعشيرة وتختزل العشيرة بذواتهم وبالتالي يصبحون الممثل الشرعي والوحيد للمصالح الوطنية في منطق اقصائي مبرمج ومدعوم رسميا فانهم -أي قادة الحراك-يؤكدون انهم يحفرون في الصخر لتغيير هذا الواقع.
ليس هناك بنية بلا امراض وللحراك امراضه وللحراك المفرقي امراضه ايضا التي تبدأ بالتشرذم اذ ان هناك ما يزيد عن 21 اطارا يتجانس بالاهداف بل ويتطابق في حين يرفض الاعضاء فيه أي صيغة للتوحد في الاطر الاخرى.
كما انه هناك عرض لمرض وطني وهو غياب البرنامج السياسي المتماسك الذي يمكن ان يكون اطارا لتحشيد الناس خلفه لكن الاجابة الحراكية الجاهزة هي: اننا لسنا حزبا ولا بديل عن الاحزاب بل نحن حالة شعبية تشكل ضغطا من اجل التسريع في الاصلاح.
وان كان الأردن على مفترق طرق، كما يقول ممثل «الهيئة الوطنية للملكية الدستورية» محمد السبعاوي، فإن حراك المفرق نفسه على مفترق حاد يواجه فيه خطر التلاشي ان لم تستطع القواسم المشتركة ومطالب الاصلاح ومحاربة الفساد التي تجمعه من التغلب على عوامل التنافس الشخصية والتنازع على المكاسب الآنية. وهذا ما يعبر عنه اعضاء فاعلون في حراكات المدينة نفسها.
الى جانب الانقسام حد التشظي تعاني حراكات المفرق من ضبابية الرؤيا. فهي بقدر ما تبرع بتوصيف الواقع وتحديد مشاكله ومعضلاته تعجز عن صياغة البدائل والحلول وهو ما يفسر غياب البرامج السياسية الواضحة. وهذا ما يعبر عنه فوزي الدغمي المطالب بتوحيد الحركات حين يؤكد ان غالبية الحراكات بلا حركة وليس لها رؤيا.
كذلك يشدد فارس الشديفات المنسق العام لتنسيقية الحراكات على ان لا افق سياسيا للحراكات دون الانخراط في برامج سياسية والانتقال من حالة الاعتراض الى المعارضة السياسية البرامجية.
في المقابل يرى باسم تليلان عضو تجمع ابناء قبيلة بني صخر للاصلاح انه ليس مطلوبا من الحراك ان يكون تنظيماً سياسياً, موضحاً ان الحراك هو أداة ضغط سياسي تسعى للاصلاح واعادة السلطة للشعب.
وهذا ما يؤيده عودة الزبيدي الذي يقول إن الحراك ليس حزباً سياسياً، وقوامه مجموعة من النشطاء هدفهم الضغط من أجل التسريع في عملية الإصلاح الشامل التي لا بديل عنها.
وفيما يشير فراس السهاونة الى ان عدم خروج حراك المفرق الى الشارع مرده الخوف على التركيبة السكانية المختلطة للمدينة، يتهم امجد ابو زهرة من ملتقى المفرق الوطني للاصلاح تنظيماً سياسياً باختطاف الحراك وعقد صفقات مع الحكومة من خلف ظهره.
وهذا ما يؤشر عليه بوضوح الدكتور نايف الشواقفة بالقول ان «جماعة الاخوان المسلمون» خرجوا من الحراكات منذ حوالي سبعة اشهر قبل ان نفاجأ بانهم انتجوا حوالي 17 حراكا لتكون مخزوناً لهم يحركونها عندما يريدون».
ويحدد د. الشواقفة عدة اسباب تقف وراء ضعف الحراكات منها: الحالة الامنية وغياب الوعي وخوف الناس حين يتم رفع سقوف المطالب الى جانب الاحوال السائدة في دول «الربيع العربي» وحجم الثمن الذي يدفع فيها.
ويلفت شاهر الزبيدي الانتباه الى ان غياب الاداة السياسية الفاعلة عن الحراكات يضعها بمواجهة القوى الحزبية المنظمة من جهة وبمواجهة السلطة من جهة اخرى. وهو الامر الذي يعبر عنه فارس شديفات بلغة اكثر قسوة قائلاً ان الحراك واقع بين مطرقة «الجماعة» وسندات «العصابة».
الحالة التي يعيشها حراك المفرق دفعت بعض رموزه الى ما يسميه احمد الشديفات عضو التجمع السياسي لابناء بني حسن «جلد الذات». فهو يرى ان النقد الموجه للحراك من ابنائه انفسهم غير محق. لان مطالب الاصلاح اصبحت متجذرة في كل بيت بفضل نشاط الحراك.
وهذا ما يذهب اليه ايضاً اسامة تليلان بالقول ان عدم الخروج الى الشارع لا يعني ان غالبية الناس لا تريد الاصلاح محذراً من ان تمدد العشيرة سياسياً على حساب الاحزاب لا يخدم حالة الاصلاح.
في حين يقول باسم شواقفة إن نشطاء الحراك كانوا في طليعة المشاركين خلال الفعاليات الشعبية، سواء في العاصمة أو في المدن المجاورة، لذلك من الظلم القول إن أنشطة الحراك المفرقي هي أنشطة افتراضية على الشبكة العنكبوتية.
اما مطالب الحراك فيختصرها الوزير الاسبق وعضو ملتقى المفرق للاصلاح سليمان ابو عليم بانتخابات نزيهة تحقق التمثيل الحقيقي للشعب. فيما يحددها الدكتور نايف الشواقفة بتعديلات دستورية عميقة تدخلنا الى الدولة المدينة. وهذا ما يتفق معه فوزي الدغمي الذي يطالب اضافة الى التعديلات الدستورية باصلاحات اجتماعية واقتصادية. فالاصلاح بالنسبة للدغمي يبدأ من القواعد الاجتماعية والثقافية وليس ضرورة ان يبدأ من السياسي.
اما المحامي محمد الحرفوشي عضو حركة ابناء العشائر فيعتبر المطالبة بالاصلاح هي الفطرة الطبيعية للانسان محددا المشكلة بالاستئثار بالسلطة والثروة. ويوضح الحرفوشي ان تحقيق الحياة الكريمة للانسان الأردني يجب ان تكون هدفاً لمجمل حركة الاصلاح.
وحول الموقف من العملية الإصلاحية الجارية حاليا، يشكك معظم الحراكيين بجديتها ويشكون من بطئها.
فمن جهته يقول محمد السبعاوي التالا: نلمس نية حقيقية للإصلاح، حيث يتم التعامل بعدم جدية مع مطالب الحراك الإصلاحي.
كذلك يرى اشتيوي الخوالدة عدم جدية الإصلاح من باب فقدان الثقة بمجلس النواب الذي سيشرع القوانين الإصلاحية الناظمة للحياة السياسية.
فقدان الثقة هذا يؤكد عليه السبعاوي أيضاً حين يصف تصويت مجلس النواب مؤخراً على إغلاق ملفات فساد بأنه أكبر عملية احتيال سياسي تعرض لها الشعب في التاريخ.