احباب الاردن التعليمي

النتائج 1 إلى 9 من 9

الموضوع: القيم الإنسانية في الصوم

  1. #1
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Wed Jul 2008
    الدولة
    IN SKY
    المشاركات
    14,119
    معدل تقييم المستوى
    2147514

    القيم الإنسانية في الصوم

    القيم الإنسانية في الصوم
    بقلم الشيخ محمد وفا هاشم
    المدرس بكلية الشريعة بالجامعة




    الشعور بالوحدة التامة، والمساواة الكاملة بين الإنسان وأخيه الإنسان نراهما واضحين في فريضة الصيام إذ هو تطبيق عملي لهذه المبادئ الإنسانية فالغني الفقير وغيرهما من ذوي الشرف والترف، وأصحاب الجاه والسلطان يشتركون في بداية الصوم ونهايته دون اختيار لواحد منهم. كما يشتركون في الحرمان المشروع طول اليوم فلا الغني الواجد يعصمه غناه عن أداء هذه الفريضة، ولا الفقير المعسر ينقذه إعساره من مشقتها إذ الكل أمام الاختبار الإلهي سواء .
    إن حرمان الغني الموسر من الطعام وهو ميسور لديه ومن الشراب وهو كائن بين يديه يحمله على الشعور بما يقاسيه الفقير طوال العام فتتحرك فيه العاطفة الإنسانية وتضعف في نفسه عوامل الأنانية، وتقوى فيه دوافع الغيرية، فيشعر بالعطف السابغ يغمر قلبه، فتفيض نفسه بالخير، وتمتد يده بالإحسان ليخفف عن إخوانه في الله عبئ الحياة وشظف العيش، ومرارة الجوع، وآلام الحرمان ويسرع إلى نجدة كل محروم، ونصرة كل مظلوم، وإسعاف كل مكلوم، وبذلك يتولد بين الجماعة تراحم بالغ، وود كامل، وترابط قوي، وتكافل في الخير، وتعاون يمتد أثره إلى نواحي الحياة العامة وبهذا يصير المجتمع المؤمن كله كما أراده الله، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا"،وكما قال صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
    الصوم عبادة من ثمراتها أن يملك الإنسان زمام نفسه يكفها عن رغباتها، وكبح جماح شهواته، وتهذيب سلوكها، وكبت عواطفها, وهو بهذا يعد الإنسان إعدادا كاملا للصمود أمام أحداث الزمن، ونوائب الحياة، ويمده بالشحنة التي تهيئه لتحمل الصدمات في المحن والأزمات بقلب مطمئن، ونفس راضية بما يجري به القدر، ويجيء به القضاء.
    الصوم بما فيه من تطهير للروح، وتزكية للنفس، وتهذيب للخلق، وتقويم للسلوك، يربي الإرادة الحرة، ويقوي العزيمة الصادقة، ويشعر الإنسان بمراقبة الله له في خلواته ومجتمعاته لأنه سر خفي بين المرء وربه, ولذا أضافه المولى جل وعلا إلى ذاته كما جاع في حديث قدسي: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به".
    فإذا أيقن الصائم أن الله الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء يطلع عليه ويراقبه في غدواته وروحاته، ويحصي عليه كل تصرفاته، ويسجل له أو عليه كل حسناته وسيئاته في كتاب لا يغادر كبيرة ولا صغيرة إلا أحصاها قويت صفة المراقبة في نفسه, وعدل سلوكه في الحياة طمعا في رحمة الله ورجاء في ثوابه، وخوفا من عقابه، ورغبة في التقوى التي جعلها الله شعار المؤمنين، وثمرة صيام الصائمين حيث قال في كتابه الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.إن التقوى التي جعلها الله سبحانه هدفا من أهداف الصوم، وثمرة من ثماره قدر مشترك بين جميع العبادات. ولكن الصوم أخذ منها نصيبا كبيرا وحظا وافرا أنه جاوز الدائرة التي تقف عندها العبادات الأخرى التي تنم بالكف عن المحرمات وأضاف إليها نوعا جديدا يظهر في الكف عن الحلال والمباح، والامتناع عن مقومات الحياة من طعام شهي، وشراب سائغ.
    فإذا صام المسلم شهرا كاملا صارت التقوى ملكه في نفسه تتحكم في سلوكه، وتسيطر على أحاسيسه، وتوجهه نحو الخير، وتذكره بالرقيب الأعلى فيحيا الضمير الإنساني ويقوى الوازع النفسي، ويحظى المجتمع بالأفراد الصالحين، والمواطنين المخلصين العاملين لوطنهم ومجتمعهم في حزم وعزم يؤدون الواجب, ويحسنون الإنتاج، ويسهمون في الخير ويقاومون الفساد، ويجتنبون الشر، ويبرؤون بأنفسهم عن الخيانة والغش، ويحاربون التبذير والإسراف، ويقفون في وجه المحتكر اللعين، والمستغل الجشع، عندئذ تطيب الحياة وتصفوا الموارد، ويسعد المجتمع أفراد وجماعات.
    إن الصوم الذي فرضه الله علينا بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ},ليس معركة مبهمة ضد الجسم ولكنه خطة واضحة المعالم تهدف إلى تطهير النفس، وتزكية القلب، وتقوية الروح، وتعديل السلوك لتسير في الحياة على نهج قويم، وخلق كريم، وصدر رحيم، ونفس راضية مطمئنة تحب الخير وتصنع المعروف، وتنأى عن الشر، وتقاوم المنكر فيحفظ كل صائم لسانه عن السباب المرذول, ميصونه عن الفاحش من القول والسافل من المجون، ويترفع عن عورات الناس ومثالبهم فلا يبحث عن أسرارهم، ويجري وراء أخبارهم لينشرها بين عامة الناس وخاصتهم حتى تصبح خبرا مشاعا وحديثا مذاعا وبذلك ينال من كرامتهم ويحط من سمعتهم.
    إن الصوم الكامل المقبول المثاب عليه لا يتفق مع الأخلاق الوضيعة، ولا يلائم الأفعال الدنيئة التي لا تصدر إلا عن قلوب مريضة، ولكنه يحتاج إلى صفات مثالية رفيعة، ونفوس شافة بريئة تصنع الخير، وتألف الإحسان تمقت الإثم، وتكره الظلم وتحب العدل، وتجنح إلى السلم وتحارب الشر في مختلف صوره لأنه يقطع الصلة، ويمحق المحبة ويزيل المودة، ويمزق الأسر، ويفرق الجماعة.
    من أجل هذا وذاك حذرنا المربي الأول محمد صلى الله عليه وسلم من كل عمل فيه إساءة للفرد أو اعتداء على حقوق الجماعة حيث قال: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه".
    وقال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: "إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق فإذا سابه أحد أو شاتمه فليقل إني صائم إني صائم".إن رمضان شهر الذكريات التي جمعت النفوس، فألفت بين القلوب، وشدت الجماعة الإنسانية إلى الخالق الأعلى، وأوجدت بين أفرادها الروابط المثالية القوية التي لا تنفصم عراها، ولا تضعف أواصرها .فالقرآن الكريم نزلت أول آية منه على محمد صلى الله عليه وسلم الصادق الأمين في ليلة مباركة من ليالي شهر رمضان. أنزل الله القرآن الكريم لينقذ الإنسانية المعذبة الحائرة من الهوة السحيقة التي تردت فيها، والغور العميق الذي انحدرت إليه، والمصير الغامض المجهول الذي لا تعرف مداه ولا تقدر نهايته بما رسمه لهم من خطط هداية واضحة سليمة، ومن مناهج قويمة، فقد تضمنت آياته كل ما يحتاج إليه البشر في حاضرهم ومستقبلهم، في معاشهم و معادهم من بيان العقيدة الصالحة الواضحة التي ترتاح لها القلوب وتطمئن النفس القلقة بما تسمع من بيان دونه كل بيان، وبما ترى من أحكام وأحكام صالحة لكل زمان ومكان.
    يقول لله سبحانه: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} ويقول سبحانه: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}.وقال تعالى:{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}.جاء القرآن كذلك بالقيم الإنسانية الكفيلة بحفظ نظام المجتمع وتماسك أفراده، وسعادة أبنائه. فوضع العدل وجعله أساسا للحكم، ودعا الناس إلى الأخذ به، وتطبيقه فيما يحدث بينهم من خصومات. قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} وبذلك يطمئن كل فرد في المجتمع الإسلامي على حقوقه المشروعة فلا يسلب الأقوياء حقوق الضعفاء، ولا يستغل الأغنياء جهود الفقراء، ولا يستهتر الحكام بمصالح المحكومين، وبهذا يعيش الناس إخوان متحابين يتعاونون على البر ويتكافلون في الخير، ويتعاطفون في السراء والضراء.
    دعا القرآن الكريم كذلك إلى الصفات المثالية، والسجايا الرفيعة التي تعمق المحبة وتحفظ أواصر المودة كالعفو والإيثار والكرم وفي ذلك يقول الله سبحانه وتعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}, و قال تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}, وقال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً, إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً}.
    فإن كان الناس في حاجة ماسة إلى الأخذ بهذه المبادئ الإنسانية، والتعامل بها فيما بينهم في غير رمضان فهم أشد حاجة إليها فيه، لأن الصيام ربط بينهم، وطهر نفوسهم، وجعلهم يشعرون بما لإخوانهم عليهم من حقوق واجبة الرعاية، والأداء.
    لذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سمحا جوادا كريما لم ياجره في جوده أحد ولم يسبقه فيه إنسان فإذا جاء رمضان بلغ جوده نهاية الجود حتى كان أجود بالخير من الريح المرسلة وقد روى عنه الرواة: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حينما يلقاه جبريل فيدارسه القرآن فرسول الله أجود بالخير من الريح المرسلة".
    وفي رمضان ارتفعت أعلام الجهاد فوق رؤوس المسلمين، وعقدت لهم ألوية النصر إذ خاضوا كثيراً من المعارك التي جاءت فاصلة بين الحق والباطل والخير والشر وفي مقدمتها غزوة بدر الكبرى التي تعتبر غرة في جبين المعارك الإسلامية إذ فيها نصر الله الطائفة القليلة المستضعفة على الكثرة الطاغية الباغية المستبدة المعتزة بعدتها وعددها، والحق الأعزل على الباطل المغرور الأحمق المدجج.
    ونرى القبائل القريبة، والشعوب البعيدة جيش محمد صلى الله عليه وسلم يخرج من معركة متكافئة منتصرا عزيزا كريما فيوقنون أن الأمر بيد الله يعز من يشاء ويذل من يشاء سبحانه {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.وهكذا نرى أن النصر في المعارك لا يرجع إلى قوة الاستحكامات وحدها، ولا يتوقف على براعة الخطط وكثرة العدد ووفرة العدد بقدر ما يتوقف على الإيمان بالله الذي يحيط عباده بالعناية والرعاية، ويمدهم بقوة من عنده، ومدد من جنده وفي ذلك يقول سبحانه:{إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ. بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةُ مُسَوِّمِينَ}, {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}.

  2. #2
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Sat May 2007
    الدولة
    أم الدنيا وارض الكنانه
    العمر
    39
    المشاركات
    120,668
    معدل تقييم المستوى
    21474973
    جزاك الله كل خير

    بارك الله فبك

  3. #3
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Tue Jan 2008
    المشاركات
    5,971
    معدل تقييم المستوى
    22
    بوركت جهودك

  4. #4
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Wed Jul 2008
    الدولة
    IN SKY
    المشاركات
    14,119
    معدل تقييم المستوى
    2147514
    تحياتي لكم صديقاتي ...مشكور تواجدكم الدائم

  5. #5
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Wed Feb 2008
    الدولة
    الأردن - عمـــــان
    المشاركات
    7,471
    معدل تقييم المستوى
    24

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
    جزاك الله خيرا وزاد همتك ...
    اسأل الله أن يجعلنا ممن يستمعون للكلام فيتبعون أحسنه ..
    بوركت جهودك ..
    لك منا .. كل التقدير والود والإحترام
    دمت بحفظ الله ورعـايته...!!

  6. #6
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Wed Jul 2008
    الدولة
    IN SKY
    المشاركات
    14,119
    معدل تقييم المستوى
    2147514
    اخي عدنان ...ومن غيرك اخي ...

    مشكورك من قلبي بوجودك

  7. #7
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Sat Jun 2008
    الدولة
    في عصر المتنبي
    المشاركات
    19,092
    معدل تقييم المستوى
    230634
    جزاك الله كل خير

  8. #8
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Wed Jul 2008
    الدولة
    IN SKY
    المشاركات
    14,119
    معدل تقييم المستوى
    2147514
    مشكورك اخي مشهور

  9. #9
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Wed Jul 2008
    الدولة
    IN SKY
    المشاركات
    14,119
    معدل تقييم المستوى
    2147514

المواضيع المتشابهه

  1. حديث شريف عن الصوم , ايه قرانية عن الصوم
    بواسطة A D M I N في المنتدى السيرة النبوية الشريفة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 08-05-2018, 02:39 PM
  2. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 20-05-2014, 09:56 PM
  3. المصري: الفساد ناجم عن الاستخفاف بكثير من القيم الإنسانية
    بواسطة محمد الدراوشه في المنتدى جريدة الراي
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 25-09-2012, 10:59 AM
  4. احـترقت الإنسانية
    بواسطة Full MooN في المنتدى عذب الاماكن والمشاعر
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 22-11-2008, 11:01 PM
  5. فوائد الصوم بشهر الصوم
    بواسطة الزعيم عيناوي في المنتدى منتدى الطب والصحة
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 24-09-2008, 12:39 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
معجبوا منتدي احباب الاردن على الفايسبوك