وداعـــا ً لن نلتقـــي
وداعـــا ً لن نلتقـــي
بفوضى الحواس أكتبُ بعض الحروف والكلمات المترنحة من خمر الذكرى, فأنا وبرغم علو قامتي أجد السطور تحاصرني كثوبٍ فضفاض..
بصمتٍ شديد , ساقتني قدماي نحو بقعةٍ أنت فيها. الليلُ كان عجوزا ً, خرِفا ً يمضي برتابة وكســـل. الذكرى أياديّ صلبه تصفعُ الأفكار,وبخاصة ً في مثل هذا الصمت ,أحداق ُ النجوم وأنتِ وجهان لنفس المعنى.
عيناك وتفاصيلُ أنفك, وشفتا ثغرك الدامي, كلها مــُضعفاتٌ للنفوس. شعركِ حربٌ بين موج ٍ همجيٌّ وصخره.. الإنسيابُ يمزق جسد الهواء بإرتياح, والخــُصلُ التي تستريحُ فوق أهداب عينيكِ تحملُ نقوشاً تـــُرسمُ كالحناء...
عند هذا الإنعطاف أوقفتُ أقدامي وترجلتْ.
عيناي أثقلها الالق , فأغلقتُ الأبواب , وأنزلتُ الستار..
الإشتهاءُ يــُمرجحُ بـِـي حــدّ النوافذ والأعصاب..
الشـــوقُ كائنٌ مرتبك , سيقانه أطول من جدار , همجيةُ اللامعنى في تفكيره تدفعه الى التهور..
سأقــُصُ عليــكِ حكايــه..
قبل عشـــر سنوات ٍ مضتْ من هذه اللحظه.
نفسُ ملامح المكان تقريبا ً.
الشجرة ُ ذاتها تتكئيــن عليها ..هناك أسقطتِ آخر دمعة وداعٍ لشخص ٍ جاوركِ الحدث, هناك إبتعدتِ عنهُ مودعة, بل إقتلعتِ نفسكِ من عالمه هناك حيث لا يراكما أحدٌ سوى من أسكنهُ الله السماء قلت: وداعا ً لن نلتقي..
هناك تحت هذه الشجره, سقطتْ ورقه, تهادتْ بينكما, قبّـلتْ قدماكِ كرأس ِ أمها, أقسمتْ عليكِ البقاء.
هناك تحت هذه الشجره, صمت َ كل شئ, ومات كل شئ, حتى الورقه تكســـرتْ تحت خطوات الرحيل..
منذ ُ متى كنت ِ قاسية ً هكذا على الطبيعه؟!!
هناك.. من عند هذه الشجره إبتعدتِ ..
أسقطتِ صوت النداء خلفكِ كحـُمولة ً تــُثقلُ عليكِ الرحله. الشجرة تنادي, وذاك الشخصُ تحتها ينادي, والورقة الكسيرة ُ تحت قدميه رفعة رأسها تستغيثُ بكِ وتنادي..
لا إجابة منكِ سوى الإبتعاد.. سخونة ُ المكان إفتقدتْ شخصاً مؤثرا ً في الأحداث, بل إفتقدتْ معنى التواجد في الارجاء, لذا هربتْ في إتجاهكِ..
هناك..
حــلّ الشــــتاء بعد رحيلك,أوتعلمين معنى الشتاء؟!
مهـلا ً قليـلا ً.. لـما لـم تلتفـِـتي حـينها؟!!
الجوّ ُ تقمــس وجه الجمودِ ونطــحَ من تركتهِ هناك بقوه. البردُ والوحدة ُ صديقان إفترقا منذ ُالأزل. إفترقا منذ أن عرفتْ الشمسُ سبيلها نحو الأرض فماذا لو إلتقيا؟!!
الآن تخيلــي..
البردُ جسد ٌ قاس ٍ, والوحدة ُ رداء ٌخانق, وكلاهـُما يسعى للإنتقام.
لو إلتــفتِ ساعتها, لكــُنتِ عــُدتِ أدراجكِ دونما تفكير-أوبلغ العنادُ عندكِ مـُبتغاهُ حتى إرتضيتِ لنفسكِ الصمّم؟!- لو تعلمين.. معنى الشتاء هناك.. تحت هذه الشجرة بالذاتْ.. تركتِ بقاياكِ ترتعش..
البردُ راقصٌ بارعٌ حينما يرتدي هذا المعنى بالتفصيل..
لحاءُ الشجرة ثوبُ عروس ٍ في غرفة مضاءة ً بالشموع.
في ليلة التنفيذ يبدو الثوب أرق ُمن أن يصمد أمام النسيم.. ينتظرُ الإشارة ليسقط, تاركا ً مكانهُ عاريا ً في إستقبال الصقيع..
الإختباءُ فكرة ٌكللها الفشل, والشتاء ُطقسٌ ينتصرُ في كل عام..
هناك أيتها الراحله, تحت هذه الشجره, سقط الرجُل..
رُكبتـــاهُ تقتربُ من آثار إبتعادكِ, عيناهُ مـُسافرٌ لا يعرفُ الطريق, لا يشعـُرُ بالمكان..
البردُ إفترس الجسد,ووضع توقيعهُ فوق المسام..
أيتها الراحله..
لو تعلمين معنى الشتاء حينْ يصفعُ قلب الرجُل.
البردُ حينها يصبحُ حــارقا ً كاللهيب, والنظرُ يصبحُ تحديــقا ً عبر زُجاج ٍ مكسور..
لا مجــال للصمتِ الآن..
مرّتْ عشــرُسنوات أو يزيد, ومازلتِ تحملين الروعة بكل أشكالها كالأمس..
جمالـُك ورث َالعناد منكِ, فأبــى أن يزول أو أن تبهتَ ألوانهُ..
قبل ساعة ٍ من الآن..
إقتربتِ من هذه الشجره, وقفتِ مسافة ًتسمحُ بالحديث, وعيناكِ كأسين يُملآن بالماء حدّ ُالغرق وقدماكِ أشبهُ بعاجز ٍلا يجدُ ما يتكئُ عليه للوقوف.
قبل ساعةٍ من الآن..
وبجانبِ هذه الشجره, إستأذنتِ للإقترابْ بإستحاء.
الذكرى قاتلٌ يُعشعـِشُ في الأعصاب, يمنحُ الأمس لذة ً وحسره..
الحنينُ كان أم الندم ؟! أيُهما جعلك تركعين الآن؟!
سقطتِ..
مشهدُ الإنهيارُ مؤلم لو رأيته.
شارفتْ رُكبتاكِ على الخنوع, في نفس المكان تقريبا ً, ببعض الزوايا تبتعدين عن موقع الإنكسار القديم..
آه ٍ يا زمان..
يالآ سـُخرية الأقدار!!!
التاريخ ُ مريضٌ مهووس, يهوى نسخ الصفحات بكل مآسيها..
يداكِ تتحسسان المكان..
لا أثر لخطوات الأمس, لا إشارات, لا علامات تُوضحُ إتجاه الرحيل..
ما الذي أعــادكِ يا تــرى؟!!
الورقــه؟؟!!
أوتذكرينـها؟!
أصبحتْ الآن ذراعا ً يمتدُ من جُرح ٍ في الأرض يخدِشُ صفو المكان بذكرى موجعة ً كالماضي..
أدركتِ ســاعتها معنى الشــــتاء, إرتميتِ ساعتها في أحضان الصقيع..
قبل ســـاعة ً من الآن..
كُنـتُ أقفُ هناك خلف نفس هذه الشجره.
أرقـُبُ عبث الأقدار بحياتنا من ثــُقبٍ أصغرُ من شريان, أنظـُرُ إليكِ لكأننـي أنظـُرُ إلى نافذةٍ تُحدقُ الى الوراء..
الهواءُ يدخلُ الى صدري لكأنه يدخلُ الى جوفِ بئرٍ مـُتصدع..
الأنفاسُ تُصدِرُ أصواتا ً أشبهُ بأزيز الأسره يوم الزفاف, الذكرى عندي ظلٌ أطول ُمن الاجل وأعرضُ من النسيان..
تقدمتْ بي قدماي بصمتٍ شديد نحو بقعة ٍ أنتِ فيها.. شعركِ بدأ يُصارعُ الريح كفتاةٍ تُحاولُ منع الأشقياء من رفع ِ ثوبها..
قبل دقائق من هذه اللحظه..
إقتربتُ من هلاكي..
وقفتُ خلفكِ كما أنا الآن, يُمرجحُ بــي إشتهائي حدُّ النوافذ والأعصاب..
وقفتُ كغصنِ شجره, غاضبٌ كرجلٍ وقور, حنونٌ كأبٍ عاشق..
أبتلعُ المرارة كغـُصةً في حلقي, وأمنعُ عيني من البكاء..
الشوقُ كائنٌ مُرتبك يُربِكُنــي قبل أن أبدأ بالحديث, سيقانه أطولُ من جدار, همجيةُ اللامعنى في تفكيره تدفعه الى التهور..
قبل دقائق من الآن..
قلتُ لك : سأقُصً عليكِ حكايه.
قبل عشرِ سنوات مضتْ من هذه اللحظه
قلتِ لــي: وداعــا ً لن نلتقي.
قبل عشرِ سنوات مضتْ من هذه اللحظه, طويتِ الخطوات خلفكِ ورحلتِ..
الأرضُ بها علاماتٌ تحت قدميكِ الآن خفيةٌ كبصمةِ إصبع, تلتصقُ في أي شئ ولا تتركُ أثراً لها..
فقط أجيبيــني..فقط أريحيــني..
لماذا لم تلتفــتي حينها ؟!!
رد مع اقتباس
المفضلات