"يتشرف آل سالم بدعوتكم لحضور حفل زفاف ابنهم العريس أحمد على الحور العين، وذلك صباح يوم الأحد الموافق 11 مارس 2012، في منزل والد العريس الكائن بحي الشيخ رضوان بمدينة غزة"، هو نص دعوة وجهتها عائلة الشهيد العريس أحمد سالم الذي استشهد خلال التصعيد الأخير على القطاع.

مراسم العرس بدأت بصف الكراسي وترتيب بيت الفرح واستقبال المهنئين، وسط أصوات الأناشيد الوطنية التي تعالت في المكان، وصور الشهيد المزينة لجدران الشارع، إلى جانب باقات أزهار التهنئة.

"الرسالت نت" جلست بجانب والدة العريس -التي حبست دمعتها بعينيها طوال اللقاء- لتتحدث إلينا عن لحظات ما قبل استشهاد ابنها العريس الشهيد أحمد نافذ سالم صاحب الـ23 ربيعاً، وتجهيزات الفرح بالجنة إلى جانب الحور العين.

علامات حزن ممزوجة بالفرح بدت في عيني أم محمد سالم والدة الشهيد العريس، فرحاً برفاف ابنها على الحور العين بالجنة من جهة، وحزناً على رائحته التي تناثرت في أرجاء المنزل وبين أخوته من جهة أخرى.

رقص مع أمه

وتقول أم محمد إنه قبل استشهاده بثلاثة أيام وتحديداً مساء الخميس، كان أحد المشاركين في العرس الجماعي الذي أقيم على أرض ملعب فلسطين بمدينة غزة إلى جانب 500 عريس، وارتسمت على ملامح وجهه صورة لفرحته لا مثيل لها.

وتضيف أنه في صباح الجمعة استقيظ مبكراً مسرعاً إلى جهاز الكمبيوتر، ليملأ البيت بأصوات الأناشيد، قبل أن يقتحم غرفتها ويجبرها على ترك أعمال بيتها، ويقتادها إلى مكان احتفاله المتواضع "غصباً عنها"، مما استدعى لسانها إلى إطلاق الزغاريد رغم أنها لا تجيدها.

تشابكت يديها بأصابع ابنها العريس وقد اعتصرتها، وبدأت تتراقص معه على أنغام أناشيد الأعراس، وهي تتابع تمتة شفتاه مردداً كلمات الأفراح، ويغازل وجهها بنظرات عينيه كأنه يحمل رسالة تناثرت حروفها في ثنايا تفكيرها.

العريس محمد كان يقف لساعات طويلة أمام مرآته، مرتدياً بدلة عرسه لأكثر من مرة في اليوم، في محاولة لاقناع نفسه بأنها مناسبة له، لكنه يأبى إلا وأن يأتي بواحدة غيرها في يوم زفافه الأكبر.

العناقُ الأخير

وتروي أم العريس لحظات ما قبل الاستشهاد فتقول إن أحمد خرج قبل ساعات إلى منزل خطيبته واصطحبها لتلبية دعوة عشاء عند خالته، وما إن انتهيا من مشوارهما الاخير رجع بها إلى بيتها، عائداً إلى الدار ليبدل ملابسه ويرتدي بدلة عرسه الجهادية.

وتصف مشهد مغادرته الأخير الذي بدأ بعناق بعث فيها شعوراً غريباً اجتاحها، مما أثار مشاعرها وأفاض عينيها؛ إحساساً منها بأنها لن تراه مجدداً، فأحكمت الاغلاق عليه بين ذراعيها، قبل أن يرجوها بشيء من المزاح والضحك أن اتركيني، ليعود للبيت صورة تزين جدران المنزل.

وتشير أم محمد والابتسامة ترتسم على شفتيها، أن الشهيد رفض الذهاب لتلبية واجبه الوطني ليلة استشهاده ، قبل أن يسمع كلمة "الله يرضى عليك" التي اعتادت أذنه على سماعها، كإذن يسمح له بالانطلاق.

عند الواحدة والنصف بعد منتصف ليلة الاثنين جاء نبأ زفاف أحمد إلى الحور العين بجوار ربه، يوم كانت أم العريس تنتظره وتعد له، الأمر الذي لم يثر استغرابها لخبر استشهاده، إلا أن دموعها بدأت تتساقط حزناً وفرحاً على فراقه.

وتشير أم محمد أنه وقبل استشهاده بلحظات، هاتف محمد الابن البكر والأخ الأكبر للشهيد العريس؛ مستفسراً عن مكان تواجده فأجاب: "سأعود عند الثانية عشر، وإذا ما رجعت سلّم على أمي وأبي، وسلام خاص لخطيبتي تهاني واحكيلها تسامحني".

ولحظة رؤية جثمانه للوهلة الأولى استحضرت أم محمد صورته في "بدلة العرس"، مما دفعها إلى الذهاب لغرفته واحضارها كي تزين فيها جسد ولدها العريس، أملاً بأن يصل إلى عروسه من الحور العين في جاهزاً.

وتتابع والحزن المفرح يسيطر على ملامح وجهها "جلست بصحبته على شرفة البيت، أتأمل ملامحه بصورة غريبة وأشعة الشمس تنعكس في عينيه؛ لتجعل منهم برقياً أشاهده للمرة الأولى سرق أنظاري غيره منهم".

ولفتت والدة العريس إلى أنه قبل استشهاده بيوم واحد، استهدفته طائرات الاستطلاع بصاروخ، لكن ساعاتٍ قليلة لا زالت متبقية من حياته، منعت ملائكة الموت أخذ روحه قبل الموعد المقرر لذهابه إلى الأعلى.

حِلمٌ بالشهادة

"الشهيد سالم واحد من عائلة مناضلة قدمت لفلسطين أربعة وعشرون شهيداً، جلهم من الشباب، كلمات أصرت بها زوجة عم العريس -التي هي أم لشهيد آخر- على قطع حديثنا، متفاخرةً بعدد أنبائها الشهداء.

وتقول زوجه عم الشهيد إن أحمد كان رفيقاً وأخاً لابني الذي نال الشهادة واستبقه إلى الجنة قبل عامين من استشهاد العريس، إذ كانا صديقين على طريق الشهادة منذ بلوغهما سن السادسة عشر من العمر.

وتتابع: "قبل عامين استشهد ابني ويدعى أحمد، وفي اللحظات الاولى لاستشهاده كان أحمد العريس برفقته حاملاً إياه وقد غرقت ملابسه بالدماء قبل أن يواري جسده الثرى، مما دفعه إلى معاهدة نفسه اللحاق به إلى الجنة".

وتشير زوجة عمه –والدهشة تخترق عينيها- إلى أن القدر شاء دفن الشهيد أحمد إلى جانب ابن عمه، قائلاً "عاشا رفيقان ومجاهدين على طريق الشهادة في الدنيا قبل أن ينتقلا شهيدان بجوار الرسول في الآخرة".







المصدر: الحقيقة الدولية – الرسالة نت