احباب الاردن التعليمي

النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: الاخوان المسلمون ونشر الفوضى ........ حقائق

  1. #1
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Mon Feb 2011
    المشاركات
    631
    معدل تقييم المستوى
    15201

    الاخوان المسلمون ونشر الفوضى ........ حقائق

    دعاة العولمة والإسلاميون:

    التحريض على "صراع الحضارات" لإقامة نظام عالمي جديد

    الفهرس

    الجزء الثالث:

    الإخوان المسلمون؟ السلاح السري لدعاة العولمة

    1- جذور الإرهاب الإسلامي

    2- تشكيل "قوس الأزمة"

    3- توسع الإخوان المسلمون

    4- أسامة بن لادن: السنوات الأولى

    5- بن لادن في المنفى

    6- مركز التجارة العالمية عام 1993

    7- مشاكل أموال بن لادن/ المشاكل المالية لابن لادن

    8- استمرار ثورة الإخوان

    9- جذور الإرهاب الإسلامي

    على مدى نصف القرن المنصرم كان الدين آخذاً في التراجع في الطرف الغربي من العالم و كذلك في معظم أرجاء الشرق. إذ استبدلت المادية بالروحانية مع ارتفاع مستويات المعيشة، وكادت الثقافة الرائجة أن تنقلب إلى علمانية تامة. فلم كان الوضع مختلفا إذن ضمن الشرق الأوسط؟ وكيف تداعت الأخلاق اليهودية- المسيحية، بينما شهدت الأخلاق الإسلامية انبعاثا جليا؟ ستسعى هذه الدراسة لتفسير كيف أن هذا الوضع لم يأت من قبيل المصادفة و ستقدم البرهان على أن الإسلام العسكري كان عبارة عن بطاقة لعبت بها النخبة العالمية للمؤسسة الأنجلو_أمريكية ذات الهيمنة لكي تحقق هدفها طويل الأمد بحكومة عالمية.

    وقبل أن نتناول أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر علينا أن ننظر بداية إلى جماعة صغيرة من المفكرين المسلمين الذين طوروا الإيديولوجية، ومن ثم مع مواصلتنا لذلك سيتضح كيف أن هذه الحركة تشكل في ترابطها عروة وثقى لا انفصام لها. على الرغم من أنها حركة صغيرة ضمن الدين الإسلامي، إلا أنها ذات تأثير كبير، وينبغي قياس فعاليتها بطرق لا تقتصرعلى مجرد إحصاء عدد أنصار فلسفتها.

    كما أشرنا في الجزء الأول، استخدم البريطانيون الإسلام لإضفاء صفة الشرعية على قادتها الصوريين في الأردن والعراق والمملكة العربية السعودية وفلسطين بعد الاستيلاء على الشرق الأوسط في الحرب العالمية الأولى. فبسبب هذا نظر السواد الأعظم من العرب إلى الإسلام على أنه مجرد جزء آخر من المؤسسة الاستعمارية الفاسدة. ولهذا اتسمت طبيعة الحركات الشرعية المناهضة للاستعمار، كحركات ناصر ومصدق وبوتو، بالعلمانية. وعندما أخذت هذه الحركات الوطنية بالنجاح خارج فلك النفوذ البريطاني، يمم البريطانيون وجوههم نحوحلفائهم المسلمين لتقويض أركان هذه الأنظمة المستقلة. برز الإخوان المسلمون كأهم الحركات المناهضة للثورة في هذه الفترة في الشرق الأوسط، وكأهم الأصول الإستراتيجية اليوم لدعاة العولمة الذين يرتكزون على الفكر البريطاني.

    نشأ الإخوان المسلمون في مصر عام 1928 ليتطوروا ويصبحوا "المنظمة السنية الإحيائية الأكبر والأوسع نفوذا في القرن العشرين." أسسها حسن البنّا، وهو الابن البكر لشيخ محترم الذي كان مؤلفاً وإمام مسجد محلي. ولد حسن عام 1906 وأُنشئ على التربية الإسلامية الخالصة تحت وصاية والده. حفظ القرآن الكريم وفي سن الثانية عشرة أسس منظمة تدعى جمعية الأخلاق الأدبية. بعد ذلك بوقت قصير أنشأ مجموعة أخرى تدعى جمعية منع المحرمات. كان مسلما ملتزما مخلصا لدينه وفي سن السادسة عشرة سجل في مدرسة إسلامية في القاهرة ليتلقى الإعداد اللازم ليصبح مدرسا. كما أصبح حسن البنّا في سن المراهقة عضوا في جماعة صوفية،جماعة الإخوان الحصافية. كان ناشطا في تلك الجماعة، يقرأ كل ما يقع تحت يديه من إرث الصوفية، ومن ثم أنشأ جماعة صوفية، الجمعية الحصافية الخيرية.(1)

    في الجزء الأول من هذه الدراسة أتينا على ذكر ادعاءات عديدة تقول إن الاستخبارات البريطانية مع/أو الماسونية قد أنشأت الإخوان المسلمين، واخترقت صفوفهم أو على الأقل دعمتهم. ويزعم الدكتور جون كولمان بأنها أنشأت على يد "عظماء الاستخبارات البريطانية في الشرق الأوسط..." ويكتب ستيفن دوريل عن أن الإخوان كانوا مرتبطين بالاستخبارات البريطانية عن طريق السيدة فريا ستارك قبيل الحرب العالمية الثانية، و أن الشاه في إيران عدهم أداة للماسونية البريطانية.

    قد يجد بعض المسلمين صعوبة في تصديق هذه الإدعاءات لكن لا ينبغي رفضها جملة وتفصيلا. ففي حين كان حسن البنّا مسلماً ملتزماً يضع الإسلام أولا، لا ينبغي أن يعد تأثره بالإخوان الماسونيين البريطانيين أمرا لا يصدق، أو حتى قبوله لمعونات بريطانية لتطوير حركته، على الأقل في المراحل الأولى. إذا كان البريطانيون يستخدمون الإسلام بفعالية خارج مصر، فلم لا يحاولوا أن يستخدموه داخل مصر أيضا؟

    سرعان ما ظهرت الماسونية في مصر بعد فتح نابليون عام 1798 عندما قام الجنرال كليبر الماسوني الفرنسي والقائد الأعلى في جيش نابليون بتأسيس محفل إيزيس. هيمنت الماسونية الفرنسية على مصر حتى بدأت المحافل البريطانية بالظهور بعد الاحتلال البريطاني عام 1882. تمتعت الماسونية بشعبية واسعة أثناء النصف الأول من القرن العشرين، وكانت العديد من الشخصيات المصرية المهمة ماسونية إلى جانب الحكام والأرستقراطيين البريطانيين الذين كانوا محتلين للبلد. وفي الواقع إن ملوك مصر بدءا من الخديوي إسماعيل إلى الملك فؤاد قد نصبوا رؤساء فخريين للمحفل الماسوني في بداية حكمهم. وما بين عامي 1940 و 1957 كان هنالك ما يقارب على سبعين محفل ماسوني مرخصة في أرجاء مصر. في فترة ما من الماضي كان رؤساء حزبي الوطني والوفد ماسونيين وكذلك أعضاء كثر من البرلمان المصري حيث اختلطوا مع القادة العسكريين و الأرستقراطيين للاحتلال البريطاني الحاكم. (2)

    كان اثنان من أهم القادة المسلمين في مصر وهما جمال الدين الأفغاني و محمد عبده ماسونيين أيضا. فكان الأفغاني أجنبيا تولى منصب رئيس الوزراء في أفغانستان قبل أن يصبح ناشطا في إيران وروسيا قبيل ظهوره في مصر. ويعد "مؤسس حركة الوحدة الإسلامية السياسية،" وتعرف حركته بالحركة السلفية. وفي حين أنه حرض ضد الإمبريالية البريطانية، ناصر تجديد/ إضفاء طابع العصرية على العالم الإسلامي. وقبل نفيه من مصر أصبح شخصية مهمة في جامعة الأزهر في القاهرة وكان أهم تلامذته/أتباعه محمد عبده. كان طوال حياته ناشطا من أجل حق المسلمين بتقرير المصير، لكنه زار لندن عدة مرات حيث قام ، بحسب أحد كتاب السيرة، "بإعادة تأسيس الروابط مع أعضاء محفله." عندما توفي الأفغاني عام 1897ترك خلفه إرثا كبيرا من المؤلفات السياسية والدينية التي ستشكل إحدى لبنات الحركات الإسلامية اللاحقة.(3)

    بعد نفي الأفغاني من مصر عام 1879، واصل محمد عبده نشر رسالته الإصلاحية. مماتسبب في نفيه عام 1882. عندما كان في المنفى التقى مع الأفغاني حيث تعاونا على نشر جريدة إسلامية، وقاما بتوسيع دائرة معارفهما ضمن الأخوية الماسونية. بعد ذلك بأربع سنوات تغير موقف البريطانيين و سمحوا لعبده بالعودة. فأصبح أستاذا في جامعة الأزهر حيث ركز على إصلاح المؤسسة الإسلامية العريقة. في الوقت ذاته نجح في الوصول إلى منصب قاض في المحاكم الوطنية. وبعد إحدى عشرة سنة فقط من عودته من المنفى الذي فرضته عليه بريطانيا عين المندوب السامي البريطاني، اللورد كرومر، الشيخ محمد عبده في منصب المفتي عام1899. فبات الآن بمثابة بابا الإسلام.(4) وفي الوقت ذاته الخبير الأعظم للمحفل الماسوني المصري المتحد. (5)

    بالطبع كان لدى كرومر دافعا خفيا وراء جعل عبده أكثر الشخصيات نفوذا في العالم الإسلامي. إذ تجد أنه في عام 1898 أعاد المجلس الحاكم لجامعة الأزهر الشريف تأكيد أن الربا، وبالتالي الصيرفة بحسب النموذج الغربي، كان حراما وفق الشريعة الإسلامية. وكان هذا أمرا مرفوضا بالنسبة للورد كرومرلأنه يتصادف أن يكون اسمه الأول إيفيلن بارنغ- وهو فرد مهم في عائلة بارنغ الإنكليزية للصيرفة التي جمعت ثروتها من تجارة الأفيون في الهند والصين. فاستخدم اللورد كرومر صديقه الشيخ عبده لتغير التشريع الذي يحرم الصيرفة، وبمجرد أن أصبح كبير المفتين لجأ إلى تفسير ليبرالي وخلاق جدا للقرآن الكريم ليختلق منفذا يسمح بالربا المحرم شرعا. عندها بات للبنوك البريطانية مطلق الصلاحية في الهيمنة على مصر. يقول اللورد كرومر في كتاباته، "أشك أن يكون صديقي عبده في الحقيقة ممن يعتقدون أن وجود الله أمر لا سبيل إلى معرفته،" وعلق على حركة عبده السلفية قائلا، "إنهم الحلفاء الطبيعيون للإصلاح الأوروبي." فحتى كرومر وجد أن الحركة الإسلامية يمكن توظيفها لصالح بريطانيا. (6)

    كان للشيخ محمد عبده طالبان كان لهما دور مهم في استمرار الحركة السلفية بعد وفاته عام 1905. كان أحدهما الشيخ أحمد عبد الرحمن البنّا الذي كان والد حسن البنّا. وكان الآخر محمد راشد رضا، رجل ماسوني أصبح الصديق المقرب من الشيخ عبده و ناشر المجلة الشهرية، المنارة. نشر هذا الناطق بلسان الحركة السلفية لأول مرة عام 1897، وتولى رضا منصب الناشر لسبعة وثلاثين عاما. كما وجد رضا ضمن دائرة النفوذ البريطاني، وعكست منشوراته وجهة النظر البريطانية من خلال التحريض ضد الإمبراطورية العثمانية. لقد أثنى على حركة الشباب الأتراك الماسونية، لكنه بعد الحرب العالمية الأولى انتقد ثورة تركيا الوطنية تحت حكم أتاتورك.(7)

    تأثر حسن البنّا في شبابه بكل تلك العوامل: بالحركة الإسلامية، بالاحتلال البريطاني، بوالده، بأهم مرشديه محمد راشد رضا. إذ نشأ البنّا على قراءة مؤلفات رضا ومن خلال صلات عائلته أصبحا أصدقاء مقربين. عند وفاته عام 1935 وضع رضا كل آماله بولادة إسلامية جديدة في الإخوان المسلمين التي أسسها البنّا. أما العامل الآخر في حياة حسن البنّا كان الماسونية. اختبر البنّا الشاب عدة طوائف دينية ومجموعات سياسية، وأصبح أيضا عضوا في الأخوية الماسونية. وكان هذا أمرا طبيعيا لشخص نشأ في كنف علية القوم من المجتمع المصري في ذاك الوقت ولم تكن تعد عضويته خيانة للقيم الإسلامية كما هو الحال اليوم. (8)

    في عام 1927، وفي سن الحادية والعشرين بعد ان تخرج في جامعته، عين ليدرس اللغة العربية في مدرسة في الإسماعيلية. وتصادف أن كانت هذه البلدة عاصمة منطقة القناة التي تحتلها بريطانيا ومقر شركة قناة السويس البريطانية. فأسس حسن البنّا هناك بعد عام الإخوان المسلمين. وساعدت شركة قناة السويس بتأمين الموارد المالية لأول مسجد للإخوان المسلمين الذي بني في الإسماعيلية عام 1930. (a8)

    لكن يبقى السؤال المهم هو كيف قام الإخوان المسلمون، مع كثرة المنظمات الإسلامية المتنافسة، أن يتوسعوا بمثل هذه القفزات الواسعة وأن يتجاوز عدد أعضائها الناشطين 500,000 خلال عقد واحد فقط؟ كان البنّا في الثانية والعشرين وحسب عندما بدأت، وكانت تقع في قلب الأراضي المحتلة من قبل بريطانيا للسنوات الأربع الأولى. تعزو السجلات التاريخية الفضل بنجاح الإخوان مباشرة إلى المهارات التنظيمية للبنا:

    كان العامل الأهم والوحيد الذي جعل من هذا التوسع الدراماتيكي أمرا ممكنا هو القيادة التنظيمية والإيديولوجية التي أظهرها البنّا. فقد سعى لتحقيق التغيير الذي طمح له من خلال البنّاء المؤسساتي، و مذهب الفاعلية الذي لا يلين على مستوى العوام و الاعتماد على التواصل مع الحشود. وواصل بناء حركة جماهيرية مركبة التي تتميز بها الهيكليات الحاكمة المتحضرة؛ الأقسام المسؤولة عن الارتقاء بقيم المجتمع في أوساط الفلاحين والعمال والحرفيين؛ وحدات يعهد إليها مهام أساسية، بما في ذلك نشر الرسالة والترويج لها، والاتصال المتبادل ما بين العالم الإسلامي و الصحافة وحركة الترجمة؛ ولجان متخصصة بالشؤون المالية والقانونية. في إرساء قواعد هذه المنظمة في شاطئ المجتمع المصري، اعتمد البنّا بحنكة على شبكات التواصل الاجتماعي الموجودة مسبقا ولا سيما تلك المبنية حول المساجد والمؤسسات الخيرية الإسلامية ومجموعات الجوار. إن هذا النسيج من الروابط التقليدية ضمن البنّاء المعاصر المتميز شكل جذور نجاحه. (9(

    يكمن المغزى في أن نجاح الإخوان المسلمين ما كان ليتحقق دون موافقة المؤسسة الحاكمة البريطانية، وتذهب مؤسسة البنّا مع الأخوية الماسونية بعيدا في تفسير مدى فعالية تنظيمها ومدى ملاءمتها للمجتمع المصري. فكحال الأخوية الماسونية أسست بداية كمنظمة خيرية. على الرغم من أن الماسونية كانت ليبرالية وسمحت لكل الطوائف بالانضمام إلى صفوفها، لم يركز الإخوان المسلمون إلا على الإسلام. فكانت ماسونية للمسلمين وحسب. وكالماسونية التزمت بالسرية وأديرت بحسب هيكلية هرمية من الأوامر. فالجنود المشاة في القاعدة لم يكن لديهم أدنى فكرة عن الأهداف الحقيقية للقادة في القمة.

    تم تأسيس حركة الإخوان المسلمين بموافقة ودعم المؤسسة البريطانية، إلا أن مثل هذه الحركة الشعبية الحاشدة أثبتت مدى صعوبة السيطرة عليها. فالشعب المصري كان يخفي مقتا متأصلا ضد بريطانيا، وهيمن هذا الشعور بشكل حتمي على الإخوان المسلمين. و لم تعد منظمة خيرية بل أصبحت منظمة سياسية في أواخر الثلاثينيات من القرن العشرين عندما دخلت دنيا السياسة لدعم العرب الفلسطينيين بالإنتفاض ضد البريطانيين و التدفق المتزايد من المهاجرين اليهود. وسرعان ما بدأ النشاط المناهض لبريطانيا بمجاراة الركب ضمن حركة الإخوان في الوطن، وفي بدايات الحرب العالمية الثانية اعتقل النظام البريطاني البنّا لوقت قصير لسماحه لمنظمته بالخروج عن السيطرة.

    بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وجد البنّا نفسه أحد أكثر القادة نفوذا في مصر. ووجد نفسه في صراع على السلطة ضد الملكية وحزب الوفد العلماني، وكان ينظر إلى منظمته على أنها الأكثر تسلحا وراديكالية وخطرا. في عام 1948 كان أعضاء من الإخوان المسلمين متورطين في عملية اغتيال لقائد شرطة القاهرة، فردت الحكومة عندما أصدر رئيس الوزراء نقرشي باشا قرارا في كانون الأول/ ديسمبر من عام 1948 يقضي بحل جماعة الإخوان المسلمين. فأغلقت مراكزها وفروعها وحجز على أصولها ومصادر تمويلها. كما اعتقل مئات من أعضائها وسجنوا مما اضطر جماعة الإخوان المسلمين للتراجع إلى الأقبية. بعد ذلك بأسابيع اغتيل نقرشي باشا على يد الإخوان، وثم في شباط/فبراير من عام 1949 اغتيل حسن البنّا نفسه على يد الشرطة السرية المصرية.

    في أيار/ مايو من عام 1950 حااولت الحكومة التصالح مع الإخوان فأطلقت سراح معظم الأعضاء المحتجزين من السجون. وفي العام التالي أبطل الحظر على جماعة الإخوان، إلا أنها أجبرت على إبقاء نفسها تحت قانون جديد مرر لينظم مختلف المؤسسات والجماعات والمنظمات المصرية.

    مع استمرار تراجع شعبية الملكية، وإفساح المجال ببطئ شديد للإنعتاق من بريطانيا من أجل رغبة العامة، خططت مجموعتان تخريبيتان من وراء الستار للسيطرة على مصير مصر: الضباط الأحرار والإخوان المسلمون، الجيش والأصوليون. أثبت الجيش أن له اليد العليا ولا سيما بعد وفاة البنّا، وظهر جمال عبد الناصر أخيرا على أنه الرجل الذي سيقود مصر على درب الاستقلال. في البداية دعم الإخوان الجيش، وكان هنالك محاولات لإدخالهم في الحكومة الجديدة، إلا أن الجماعة بالغت في تقدير قوتها ونفوذها وطالبت بأكثر مما يجب. ثم بعد فوز ناصر في صراع القوى مع الجنرال نجيب، عرف الإخوان أنهم سيواجهون مستقبلا قاسيا. كان عبد الناصر أقل تفهما بكثير للأصوليين من نجيب واكتمل الشقاق بعد محاولة الإخوان اغتيال ناصر في تشرين الأول/ أكتوبر من عام 1954. بعد ذلك بسنوات، ادعى الجنرال المعزول والساخط نجيب في مذكراته بأن عملية الاغتيال كانت عبارة عن خطة سرية محكمة حبكها ناصر لخلق عذر للتخلص من جماعة الإخوان المثيرة للمشاكل نهائيا.(10)

    على أية حال، مع نهاية عام 1954 اعتقل الآلاف من أعضاء جماعة الإخوان، بمعظم قادتها، وأعدم ستة منهم. كان هذا هو الشقاق الذي مهد الطريق لعلاقة جديدة بين الإخوان المسلمين وأجهزة الإستخبارات البريطانية والأمريكية لأن ما وحهم كان كرههم لناصر. لسوء حظ الغرب ظل الإخوان غير مؤثرين على نحو كبير داخل مصر طوال فترة حكم ناصر، على الرغم من أنهم كانوا متورطين بمحاولات عديدة للقضاء على حياته. وفي هذا الوقت وجد كثير من الأعضاء الهاربين الترحيب في لندن، حيث سجلوا حضورا مايزال حيا حتى اليوم، كما انتقل عدد منهم إلى سوريا والأردن والمملكة السعودية.

    أوجد حسن البنّا منظمة وصفها المؤرخون العرب على أنها "أعظم حركة إسلامية معاصرة." وكان يشتهر البنّا بقوله،

    "نحن بحاجة ثلاثة أجيال لمخططنا- جيل ليستمع، جيل ليحارب، وجيل لينتصر."(11)

    مات شابا عن عمر الثالثة و الأربعين. كان جيله الجيل "المستمع"، لكنه كان المتحدث. وبعد موته السابق لأوانه ظهر عدة قادة آخرون لمواصلة توجيه المؤمنين تحت راية إسلام أصولي عسكري.

    كان أحدهم رجلا يدعى باسم سيد قطب. وبات يعرف لاحقا "بالإيديولوجي الرئيس" للإخوان المسلمين بعد البنّا، وتبرر كتاباته المكثفة معتقدات الإسلاميين الراديكاليين اليوم. فنادرا ما يتبع المسلمون النهج الراديكالي للإسلام دون قراءة شيئ ألفه قطب.

    كان سيد قطب في سن البنّا، وكان أيضا ماسونيا، لكنه لم ينضم للجماعة إلا بعد وفاة البنّا. وبات نزاعا إلى انتقاد الغرب بعد أن عاش في الولايات المتحدة لفترة وعندما عاد إلى مصر اعتنق الأصولية. وتقدم في صفوف الإخوان بسرعة كبيرة وعمل كسفير لهم في سوريا و الأردن قبل أن يصبح محرر دورية الإخوان الرسمية في عام 1954. على أية حال، تم اعتقاله على إثر "محاولة اغتيال" ناصر مع الكثير من رفاقه، فعذبوا بوحشية ومن ثم حكم عليه بخمسة عشر عاما من الأشغال الشاقة. بعد ذلك بعام عرض عليه ممثل من ناصر العفو إذا ما طلب الغفران وحسب. لكن قطب رفض وظل قابعا في السجن، يدرس ويؤلف االكتب حول دور اللإسلام في العالم الحديث. فطور المذهب القائل بأن الدول العربية المعاصرة، بحسب الإسلام، تطغى عليها الجاهلية، وهو مصطلح يترجم إلى بربرية، ولا سيما فيما يتعلق بتأثير الثقافة الغربية والأنظمة السياسية. فكتب قطب،

    "لا يتجلى دور الإسلام بإيجاد حل وسط مع مفاهيم الجاهلية السائدة في العالم حالياً، ولا أن يتعايش على الأرض ذاتها وجنباً إلى جنب مع نظام جاهلي... فهو يستقي نظامه وقوانينه وتشرعاته وعاداته ومعاييره وقيمه من مصدر آخر غير الله. ومن جهة أخرى، الإسلام هو الخضوع لله ووظيفته هي إبعاد الناس عن الجاهلية وجذبهم نحو الإسلام. فالجاهلية هي عبادة أشخاص لآخرين، أي أن بعض الناس يسيطرون ويضعون القوانين للآخرين بغض النظر عما إذا كانت تلك القوانين مخالفة لشرع الله ودون الاكتراث بالاستخدام الصحيح أو المغلوط لسلطتهم. أما الإسلام فهو عبادة الناس لله وحده، واستقاء المفاهيم والمعتقدات والقوانين والتشريعات من سلطة الله عز وجل، محررين نفوسهم من العبودية لعباد الله، وهذا هو جوهر الإسلام وطبيعة دوره على الأرض. إذ لا يمكن للإسلام أن يقبل أي اختلاط للإسلام مع الجاهلية. إما أن يبقى الإسلام أو أن تبقى الجاهلية فلا وجود لحلٍ وسطٍ بينهما.إما أن يكون الأمر لله أو أن يكون للجاهلية، أي إما أن تسود شريعة الله أو شهوات الناس ..." (12)

    اعتقد قطب بأن الدول العربية يحكمها أي شيئ باستثناء الشريعة الإسلامية واستعيض عنها بالجاهلية، ولقد ناصر الاستخدام المفرط للقوة في سبيل الإطاحة بالأنظمة السياسية، ولا سيما نظام ناصر في مصر، لكي يبيد الجاهلية. كتب قطب، إن واجب الإسلام الأكبر هو الإطاحة بالجاهلية من قيادة الإنسان. (13)

    تمّ العفو عن قطب وإطلاق سراحه عام 1964 إثر إصرار الرئيس العراقي الذي كان في زيارة آنذاك، وأصدر قطب في ذلك الوقت ما يعتقد أنه أكثر أعماله أهمية ً وهو كتابٌ بعنوان معالم في الطريق. تذرع عبد الناصر باللغة النضالية المستخدمة في الكتاب لاحتجاز قطب مجدداً وفي ذات الوقت قام عبد الناصر بسجن 20.000 شخص يشتبه بانتمائهم للإخوان المسلمين خوفاً من مكيدةٍ جديدة قد ترتب من جديد ضد نظامه. وفي 29 من آب عام 1966 جعل عبد الناصر من سيد قطب عبرةً لمن يعتبر بإعدمه شنقا ً.

    نشر سيد قطب في خلال مسيرة حياته 24 كتاباً و تفسيراً للقرآن مكوناً من 30 جزءاً، واليوم تلهم كتاباته المسلمين الأصوليين في مصر وحول العالم كما تعتبر حياته أفضل مثالٍ إسلامي في مواجهة الاضهاد والصعوبات.

    مصطفى السباعي كان "متحدثاً" آخر عن جيل الإسلاميين الثوريين المناضلين الأول. ولد في سوريا وتلقى تعليمه في جامعة الأزهر الإسلامية البارزة في القاهرة في مصر، وهناك انخرط في جماعة الإخوان المسلمين. سجنه البريطانيون لفترة، وبعدها عند عودته إلى سوريا اعتقل وسجن مجدداً لنشاطاته الثورية المستمرة ولكن على يد الفرنسيين هذه المرة. وفي عام 1946 بعد قضائه لمحكوميته، أسس مصطفى السباعي جماعة الإخوان المسلمين السورية بوصفها فرعاً تابعاً للأساس المصري.

    كانت سيرة السباعي في سوريا ناجحة ً إلى أبعد الحدود، إذ أنهى الدكتواره في الشريعة الإسلامية وبدأ بتدريس اللغة العربية و الدين في دمشق، وفي عام 1951 تزوج من عائلةٍ ذات نفوذ. كما سافر عبر الغرب وقام بنشر كتب ٍ و ألقى محاضراتٍ ساعدت على توجيه الإخوان المسلمين حتى وفاته عام 1964. (14) كان السباعي واحد من أفصح المتحدثين باسم الحركة الإسلامية وكان لديه فهم كبيرٌ لما كان يحدث في الشرق الأوسط ، ففي واحدةٍ من مقالاته العديدة كتب عن المصالح التجارية الغربية في الأراضي العربية:

    إنها السبب المباشر للتدخل الأجنبي في الشؤون المحلية للبلاد وهي العقبة الأكبر في وجه تحقيقنا للاستقلال والكرامة، فالامتيازات [النفطية] هي إرث ٌ خلفه الأتراك لنا من جهة، ومن جهة أخرى تم منح الامتيازات تحت ستار أنها ستكون ذات فائدةٍ اقتصادية للبلاد والعباد، ولكن التاريخ قد أظهر لنا بأن شركاتٍ كهذه تشكل بداءات الاستعمار.(15(

    يعد أبو الأعلى المودودي أب الحركة الإسلامية في باكستان. ولد عام 1903 وأول نفوذٍ له كان عام 1937 عندما تبوأ منصب مدير مركز الأبحاث الإسلامية في لاهور. وعندما أعلنت باكستان دولةً في عام 1948 اعترض على الطبيعة العلمانية للحكومة المدعومة بريطانياً وبسبب هذا الاعتراض ضى وقتاً في السجن عام 1948 وعام 1952 مرة أخرى. إن إنجاز المودودي الباقٍ إضافةً إلى كتبه الثمانين وأبحاثه الموجزة المنشورة هو منظمته جماعت إسلامي أو الجمعية الإسلامية. حافظ المودودي وجماعته على صلاتٍ مقربة من الإخوان المسلمين، وكتب ديتل في هذا: " ما تزال كلا المنظمتان تعتبران نفسيهما جزءاً من الحركة ذاتها وفي بعض الحالاات اعترفت جماعة الإخوان المسلمين بالمودودي على أنه خلف لمفكريها البنّا وسيد قطب." (16)

    يُعرف المودودي بتبيينه للدولة الإسلامية المثالية وقد تم قبول تعريفه من قبل أغلبية المسلمين ضمن الحركات الإسلامية النضالية. ويعلق في المقطع الآتي عن الديموقراطية:

    إن الاختلاف بين الديموقراطية الإسلامية و الديموقراطية الغربية هو بالطبع ما يلي: بينما ترتكز الأخيرة على سيادة الناس، ترتكز الأولى على مبدأ الخليفة (القيادة) من قبل الناس. في الديموقراطية الغربية الناس هم أصحاب السيادة أما في الإسلام فإن السيادة تكون لله والناس هم خلفاؤه أو أتباعه. في الغرب يقوم الناس أنفسهم بوضع القانون أما في الإسلام فعلى الناس اتباع وطاعة القوانين التي بلغها إياهم على لسان أنبيائه. في أحدهما تنفذ الحكومة رغبة الناس، وفي الآخر تقوم الحكومة والناس مع بعضهم البعض بترجمة مقاصد الإله إلى أفعال. وقصارى القول أن الديموقراطية الغربية هي نوع من السلطة المطلقة التي تمارس قواها بحرية وبطريقة غير موجهة بينما تخضع الديموقراطية الإسلامية إلى القانون الإلهي وتمارس سلطتها بتناغمٍ مع تعاليم الله وضمن إطار حدده الله." (17)

    آخر المفكرين الثوريين الإسلاميين ممن سنركز عليهم هو شخص إيرانيٌ اسمه علي شريعتي. وهنا لدينا صلة وثيقة بين الحركة الإسلامية والماسونية لأن على شريعتي نفسه كان ماسونياً. وأبوه محمد تقي شريعتي الذي كان ماسونياً أيضاً— لمرة واحدة على الأقل – كان عميلاً لقسم الشرق الأقصى في الاستخبارات البريطانية.(18(

    ولد علي شريعتي عام 1934 والتحق بالمدرسة في مشاد وترعرع في كنف والده الذي ترأس مركزاً ثورياُ إسلامياً يدعى بـ مركز نشر الحقيقة الإسلامية. وبعد الإطاحة برئيس الوزراء موساديغ واستلام الشاه انضم على الشريعتي إلى حركة المقاومة الوطنية وفي عام 1957 تم اعتقاله مع والده وبعض الناشطين وقضى ستة أشهر في السجن.

    كان لعائلة شريعتي أصدقاء نافذون يشغلون مناصب رفيعة وقد تم قبول علي في جامعة السوربون المرموقة في فرنسا إذ بدأ دراسته هناك عام 1960 وحصل على دكتوراه في علم الاجتماع والتاريخ الإسلامي. وفي أثناء وجوده في فرنسا انفتح على مجموعة من نخب المثقفين — وافتتن بها— هؤلاء الذين يعرفون بالوجوديين. كانت مجموعة من الكتّاب المعادين للرأسمالية والمادية وضمت هذه المجموعة كلاً من جان بول سارتر و فرانتز فانون و ألبير كامو و جاك بيرك و لويس ماسينون وجان كوكتو. كما أصبح شريعتي يكن إعجاباً للعديد من الأفكار الماركسية.

    عاد شريعتي إلى إيران عام 1965 واعتقل مباشرةً فقد كان معروفاً بتورطه مع الجماعات التي حاولت الإطاحة بنظام الشاه عندما كان في فرنسا، وكان قد ساعد على إنشاء الجبهة الإيرانية الوطنية في أوروربا.ومع ذلك تم الإفراج عنه على الفور وعمل بعد ذلك في التدريس بالقرب من مشاد. وركز في السنوات الخمس التي تلت على الكتابة وعلى ترويج نظرته للإسلام وعلى تعزيز الروابط مع جماعة الإخوان المسلمين وجماعات المقاومة الأخرى.

    وفي مطلع السبعينيات بدأ الدكتور شريعتي بإعطاء محاضرات عن السياسة والدين وبدأ يروج علناً لكتاباته و يحاول الإقناع بوجهات نظره التي كانت معاكسةً تماماً لوجهات نظر الشاه الذي كان يطور بنيةً تحتيةً صناعيةً ويحسن التنمية الاقتصادية و يدافع عن التعليم العلماني الحديث. كتب شريعتي: "تعالوا يا أصدقاء ، دعونا نهجر أوروبا ودعونا نتوقف عن هذا التقليد الأحمق والمقرف لأوروبا. لنترك أوروبا هذه وراء ظهورنا فهي التي تتكلم دائماً عن الإنسانية إلا أنها تدمر البشر حيث تجدهم." (19)

    لم يكن آية الله خامنئي لينجح قط لولا تحريض شريعتي المستمر ضد الشاه الذي جرى تحت غطاء فكري وركز على الطلاب والأصوليين الإيرانيين. ومرت فترة اعتبر فيها شريعتي الخطيب الأكثر تأصيراً في منتديات طهران. يكتب ديتل:
    تبين لنا أهمية شريعتي أن الثورة الإيرانية تحتضن من قبل الملالي المتقدمين في السن ولا من قبل آيات الله فحسب، بل احتضنها الشباب الثائر أيضاً الذي تأثر إلى حدٍ ما بنماذج أخرى.

    كان تعداد المستمعين الذين يحضرون المحاضرات العامة التي كان شريعتي يلقيها يصل إلى 5.000 وكانت كتاباته توزع بمئات الآلاف رغم كثرة الاعتقال والتعذيب لمن تضبط في حوزته. وغالباً ما كان شريعتي المتواضع والهادئ يتحدث طوال اليوم وبعدها كان يفتح النقاشات في وقتٍ متأخرٍ من الليل. وبعد إلقائه لما يزيد عن 100 محاضرة حاول السافاك (الشرطة السرية) اعتقاله لكن شريعتي نجح في الهروب وقد سلم نفسه للشرطة بعد أن احتجزوا والده كرهينة. استمر تعذيبه على نحوٍ مريع لمدة سنتين في سجن كوميته وبعد إطلاق سراحه لم يسمح له بالمشاركة في أي نشاطاتٍ تدريسية أو أن يبقى على اتصالٍ بأية جهاتٍ تآمرية فقد لاحقت الشرطة السرية كلَّ حركاته وسكناته. (20(

    وأخيراً في عام 1976 تمكن علي شريعتي من الهرب إلى لندن وبينما كان في انتظار طائرةٍ لتقله إلى الولايات المتحدة حيث كان سيجتمع بأفراد أسرته توفي إثر انصمامٍ في الدماغ. الزعم المعتاد الذي يعتبر الآن مقبولاً عالمياً هو أن عملاء السافاك هم من اغتال شريعتي باستخدام سهمٍ ذو إبرةٍ مسمومة بسمِّ الكوبرا. وتبقى الحقيقة أنه رغم كراهية الشاه للدكتور شريعتي ورغم الفلسفات القمعية التي دافع عنها، فإن سبب انصمام دماغ شريعتي لم يثبت أبداً.

    تنبأ حسن البنّا قبل ثلاثة أجيالٍ أن الحركة الإسلامية ستعم الشرق الأوسط إذ قال أن الجيل الأول سيطالب بمستمعين وكان هو وسيد قطب ومصطفى السباعي و أبو الأعلى المودودي وعلى شريعتي بعضاً من أبرز الاستراتيجيين الذين وضعوا الأسس الأيديولوجية للحركة الإسلامية الحديثة. أما الجيل التالي الذي تنبأ به البنّا فكان جيلاً "للمحاربة".

    ملاحظات ومراجع القسم

    تشكيل "قوس الأزمة"

    بحلول السبعينيات قامت مؤسسات مثقفي النخبة ودعاة العولمة بالتركيز على النمو السكاني و التطور الصناعي بوصفهما أكثر عدوين لدودين للعرق البشري. وبدأت مؤسسات الأمم المتحدة ونادي روما و تافيستوك و آسبن جميعها إضافة ً إلى العديد من المنظمات الناطقة بلسان النخب الحاكمة بالحديث عن أن البيئة تُدمّر وأن التصنيع بدأ يصبح تهديداً مروعاً. وكانت التكنولوجيا والعلوم والتقدم البشري جميعها تفقد شعبيتها. فقد اعتبرت النخب موارد الأرض ملكاً لها ولم ترد مشاركتها مع عالمٍ ثالثٍ صاعدٍ وآخذٍ في النمو.

    كان اللورد بيتراند راسل أحد أهم "المدافعين عن حقوق الانسان "المناهضين للانسان" وكان ممن أيدوا العودة إلى القرون الوسطى وكان يؤمن بأن: "سكان العالم البيض سينقرضون قريباً والعروق الآسيوية ستدوم أكثر أما الزنوج فسيدومون أكثر من سابقيهم إلى أن تهبط معدلات الولادة بما يكفي لتجعل أعدادهم ثابتةً دون مساعدة الحرب أو الوباء، وحتى يحدث هذا فالفوائد المرجوة من الاشتراكية لايمكن تحقيقها إلا جزئياً وبأن الأعراق الأقل توالدا سيتوجب عليها الدفاع عن نفسها بطرقٍ مثيرةٍ للاشمئزاز إن دعت الحاجة."

    كان راسل مؤيداُ للحكومة العالمية أيضاً: "لقد أسلفت بالحديث عن مشكلة السكان لكن يجب إضافة بعض الكلمات فيما يتعلق بالجانب السياسي. ... سيكون من المستحيل علينا أن نشعر بأن العالم بحالة مرضية إلى أن تتحقق درجة ٌ معينة ٌ من المساواة ودرجةٌ معينةٌ من الانصياع إلى قوة الحكومة العالمية ولن يكون هذا ممكناً حتى تكون الأمم الأفقر في العالم قد أصبحت ... أكثر أو أقل ثباتاً في تعداد السكان. والنتيجة التي تقودنا إليها الحقائق التي كنا نراعيها هي أنه في حين عدم قدرتنا على تجنب الحروب الكبرى حتى تتشكل حكومة عالمية، لن تكون الحكومة العالمية مستقرةً حتى يكون لكل بلادٍ ذات أهمية تعدادٌ سكانيٌ ثابت." من وجهة نظر راسل فإن التحكم بالتعداد السكاني كان متطلباً أساسياً لقيام حكومةٍ عالمية.(1(

    بعودتنا في الماضي وصولاً لعام 1947 حيث كان عالمٌ أستراليٌ مهم يقترح –في تقريرٍ سري لوزارة الدفاع الأسترالية — أن: " ... الهجوم المعاكس الأنجع ضد الغزو الذي يهددنا من قبل البلدان الآسيوية المكتظة سكانياً سيتم توجيهه نحو تدمير المحاصيل الغذائية الإستوائية عبر طرقٍ بيولوجية أو كيميائية وعبر نشر مرضٍ معدٍ قادرٍ على الانتشار في الشروط الإستوائية ولكن في غير أستراليا." هذا النمط العريق من العلماء المجانين هو السير فرانك ماكفارلين برنيت الذي تم إعلان فروسيته من قبل التاج البريطاني عام 1951 وهو الحائز على جائزة نوبل عام 1960.(2(

    في عام 1968 كتب عالم الأحياء بول إيرليش المتخرج من ستانفورد والمعجب بـبيرتراند راسل الكتاب الأكثر مبيعاً القنبلة السكانية، وجاء فيه: "إن السرطان هو عبارة عن تضاعفٍ غير مضبوط للخلايا والانفجار السكاني هو تضاعف غير مضبوط للناس ... يجب علينا إعادة توجيه جهودنا من معالجة الأعراض إلى استئصال السرطان. وستحتاج العملية إلى العديد من القرارات الوحشية واللارحيمة ظاهرياً." ويؤيد في كتابه هذا وضع مواد كيميائية للتحكم بالولادات في مخزون العالم الغذائي.(3(

    كان السير جوليان هاكسلي العالم البريطاني والمثقف الذي أدى دوراً ريادياً في إنشاء منظمة العلم والتربية والثقافة التابعةالأمم المتحدة (اليونيسكو) يحمل الأفكار ذاتها. فقد رأى التقدم العلمي كالبنسلين ومبيدات الحشرات وتنقية المياه على أنه سيفٌ ذو حدين. إذ كتب قائلاً: "بإمكاننا وعلينا أن نكرّس أنفسنا بإخلاصٍ ديني صادق لقضية التأكد من تحقيق رضاً أكبر للبشرية في قدرها المستقبلي، وهذا يتضمن هجمة ً عنيفة ً ومشتركةً على مشكلة السكان وذلك لأن التحكم بالتعداد السكاني هو متطلبٌ أساسي لأي تحسين جذري في أي جماعة إنسانية."(4)

    بقيت أفكار هاكسلي المتطرفة داخل الأمم المتحدة وقد بدت جلياً عند انعقاد قمة الأرض الأولى في مؤتمر ستوكهولم حول البيئة البشرية عام 1972، وقد تم اختيار موريس سترونغ للتحضير لهذا المؤتمر من قبل الأمين العام للأمم المتحدة يو تانت وفي السنة التالية تم تعيين سترونغ كمسؤول عن برنامج الأمم المتحدة البيئي المنشأ حديثاً.

    وكان عام 1972 أيضاً العام الذي نشر فيه نادي روما تقريره الشائن حدود النمو. وكان هذا التقرير مدعوماً بأبحاث قام بها معهد مساشوستس للتكنولوجيا الذي استنتج أن التصنيع يجب أن يُوقف لحماية الكوكب من كارثةٍ بيئية. ومنذ ذلك الحين أقرّ أكثر الأنصار ولاءً للنادي من أمثال موريس سترونغ بأن التقرير كان "سابقاً لأوانه" ولم يأخذ بالحسبان التقدم التكنولوجي."(5)

    كان نادي روما واحداً من أكثر الجماعات المؤثرة التي تروج للحكومة العالمية منذ تأسيسه عام 1970 على يد كلٍ من الدكتور ألكسندر كينغ وهو عالمٌ بريطانيٌ ودبلوماسي و أرليو بيتشي الصناعي الإيطالي. وفي عان 1973 نشر النادي تقريراً بعنوان نموذج إقليمي ومكَيف للنظام العام العالمي. وقدم هذا التقرير نموذجاً لنظام حكومةٍ عالميةٍ واحدةٍ مقسمة إلى عشر مناطق.

    يعد معهد آسبن مركز أبحاثٍ هاماً آخر لدعاة العولمة. تم إنشاؤه عام 1949 من قبل ثلاثة من سكان شيكاغو هم: رجل أعمالٍ و رئيس جامعة شيكاغو وأحد الأساتذة ممن معه. أنشأت جامعة شيكاغو بنقود روكفيلر ولذلك فمعهد آسبن موجود دوماً ضمن نطاق سيطرة روكفيلر. أحد أهم النقاط الحاسمة في تاريخ معهد آسبن كانت مؤتمراً عن: "التكنولوجيا: الأهداف الاجتماعية والخيارات الثقافية" عام 1970 الذي عبّد الطريق لانعقاد القمة الأرضية التابعة للأمم المتحدة في ستوكهولم عام 1972.

    صندوق دعم الحياة البرية العالمي هو أيضاً مؤسسة نخبوية عنصرية تتنكر على أنها منظمة ٌ إنسانية ٌ بيئة. تم تأسيسها على يد الأمير فيليب أمير انكلترا وهو زوج الملكة وقد قال على الملأ أنه لو استطاع أن يتقمص روحاً جديدة لاختار أن يكون فيروساً قاتلاً ليساعد في حلّ مشكلة الازدياد السكاني. ومنذ ذلك الوقت صرح مسؤولون آخرون في هذه المؤسسة مداعي قلقهم حيال الازدياد السكاني.(6(

    وقد قال الدكتور آرن شيوتز وهو مديرٌ في صندوق دعم الحياة البرية العالمي: " لقد تمت تبرأة مالثوس والواقع أخيراً يأخذ المجرى الذي تنبأ به مالثوس فالعالم الثالث قد أصبح مكتظاً بالسكان وهو الآن في فوضى اقتصادية وليس هناك أي فرصةٍ بأنهم سينجون منها على هذا المنوال من الازدياد السكاني. فلسفتنا الآن هي: العودة إلى القرية."

    كما حذر السير بيتر سكوت الرئيس الأسبق لصندوق دعم الحياة البرية العالمي: " إن نظرنا للأمور بمنظارٍ سببي فسنرى أن المشكلة الأكبر في العالم هي المشكلة السكانية. يجب علينا أن نضع سقفاً للأعداد البشرية و يجب أن نجعل جميع وسائل دعم التقدم معتمدة ً على وجود برامج فعالة لتنظيم الأسرة."

    أما توماس لوفجوي نائب الرئيس الأسبق لصندوق دعم الحياة البرية العالمي فقد صاغها بخشونة: " أكبر المشاكل هي القطاعات المحلية الملعونة لهذي الدول النامية، فهذه الدول تظن أن لها الحق في تطوير مواردها كما تشاء.وهم يريدون أن يصبحوا دولاً قوية."

    يؤمن بوجهات النظر القمعية هذه بعض أهم المدراء في مؤسسات العالم المالية. فريتز لوتفيلر حاكم مصرف التسويات الدولية (المقر الرئيسي لأعمال الصيرفة العالمية) قد قال: "هذا يعني تقليل الدخل الحقيقي في الدول التي يعيش فيها أغلب اسكان على الحد الأدنى للمعيشة أو حتى تحته. هذا أمرٌ صعب لكن الواحد منا لا يمكنه أن يجنب الدول الشديدة المديونية هذا الطريق إذ لايمكن تجنبه."(7)

    وقال روبرت ماكنامارا رئيس البنك الدولي محذراً: " هناك طريقتان فقط لتمكين عالمٍ يحوي 10 مليار شخصٍ حماية نفسه. إما أن تهبط معدلات الولادة الحالية بنحوٍ أسرع، أو أن يرتفع معدل الوفيات الحالي، ليست هناك طريقة ٌ أخرى. وبكل تأكيد هناك طرقٌ عدة من شأنها أن ترفع معدلات الوفيات، ففي العصر النووي الحراري يمكن للحرب تحقيق هذا بسرعةٍ كبيرةٍ وبحزم. أما المجاعة والمرض فهما كابحان طبيعيان للنمو السكاني ولم يختف أيٌ منهما من المشهد ... ولأصوغها ببساطة: النمو السكاني المفرط هو العقبة الوحيدة في وجه التقدم الاقتصادي والاجتماعي لأغلب المجتمعات في العالم النامي."(8)

    أما عالمياً فقد أصبحت هذه الأفكار مقبولة ً ضمن مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية ففي عام 1974 أرسل وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر مذكرة دارسة الأمن القومي رقم 200 (NSSM 200) التي حملت عنوان: " تداعيات النمو السكاني العالمي على الأمي القومي الأمريكي وعلى المصالح الخارجية" والنتيجة كانت:

    "إن التزايد السكاني العالمي مقرٌ به على نحوٍ كبير في الحكومة على أنه خطرحالي على أعلى المستويات يستدعي القيام بإجراءاتٍ طارئة ... هناك خطورة رئيسية ذات ضرر جسيم [من النمو السكاني المتسارع والمستمر] على أنظمة العالم الاقتصادية والسياسية والبيئية –وبما أن هذه الأنظمة بدأت تضعف— فهناك خطرٌ على قيمنا الإنسانية."

    كان من المفترض لهذه المذكرة أن تنشر في عام 1979 لكنها أبقيت سرية ً بنجاح حتى عام 1989. في أثناء مسيرته حرص كيسنجر على أن يبقى ضبط التزايد السكاني أحد أحجار الزاوية لاستراتيجيته المتبعة في السياسة الخارجية وحتى بعده قام شريكه بالإيديولوجية زبيغنيو برزيزنسكي بتطبيق جدول الأعمال ذاته في ظل قيادة كارتر. فالاثنان كانا مرتبطين ارتباطاً وثيقاً مع عائلة روكفيلر وكلاهما قد درسا بإشراف أستاذ هارفارد ويليام ياندل إيليوت وهو البروفسور المتدرب في أوكسفورد ذو التحالف البريطاني.

    تأسس معهد المراقبة العالمية عام 1974 خلال الفترة نفسها التي تم الترويج فيها لمذكرة دراسة الأمن الوطني الأمريكي (NSSM 200) في مؤسسة السياسة الأمريكية الخارجية مع منحة من صندوق الإخوة روكفيلر، ومنذ عام 1984 يتم تسليط الضوء على منشورها السنوي "حالة العالم" في وسائل الإعلام وعلى المئات من الأوراق والتقاريرالمثيرة للمخاوف التي توصف زيفاً بأنها علمية والتي تم استخدامها كذخيرة في الحرب اليسارية والنخبوية ضد التصنيع من حينها.

    كما أشرنا في الجزء الأول من هذه الدراسة فإن الهجمة الأولى على العالم الثالث جاءت على شكل ارتفاعٍ هائلٍ متعمدٍ في أسعار النفط فيما يتعلق بحرب يوم كيبور التي جرت عام 1973. إذ أن الاقتصادات لا يمكن أن تتطور دون تزويد بالطاقة وتضاعف أسعار الطاقة لأربعة أضعاف كان نكسة ً رئيسية ً لبعض الدول مثل الهند والبرازيل وباكستان والمكسيك. وبعد ذلك عندما حاول رئيس الباكستان بوتو بأن يحل الموقف عبر تطوير الطاقة الذرية هدده كيسنجر قائلا ً: " سنجعل منك عبرةً لمن يعتبر!"(9) وعلى الرغم من أن بلاد شاه إيران كانت تمتلك مخزون وافراً من النفط لكنه بدأ برنامجاً لتطوير الطاقة النووية أيضاً إلا أن كلا القائدين تم القضاء عليهما على وجه السرعة.

    مع ارتفاع أسعار الطاقة تم وقف تطور العالم الثالث لكن الشرق الأوسط العربي أصبح غنياً على نحو كبير وهنا قام دعاة العولمة بالالتفات إلى حلفائهم الإسلاميين لمعالجة الوضع. إذ سيستخدم الإسلام لمهاجمة التصنيع والعصرنة باستخدام الكذبة القائلة أن التطور الإنساني لم يكن إسلامياً وبأن هناك مكيدةً غربيةً ضد عباد الله. أما المكيدة الحقيقة فكانت تحاك ضد الجموع السمراء في الشرق الأوسط الذين كانوا يخوضون تغييراً إيجابياً طفيفاً في جودة حياتهم وفيما يتعلق بالتعليم و التوظيف والمأوى والنظام الصحي والتغذية. إلا أن الدعاة المتدينين والمثقفين للجهل والفحشاء والعنف قد انضموا إلى القوى الهادفة إلى إعادة الشرق الأوسط المزدهر إلى العصور الوسطى.

    أما في إنكلترا فقد تم إنشاء المؤسسة الإسلامية كفرعٍ لـ جماعت إسلامي من قبل البروفسور خورشيد أحمد في ليستر عام 1973. وعند استلام الجنرال ضياء لمقاليد الحكم في باكستان قام بتعيين أحمد ليكون وزيره في الشؤون الاقتصادية.(10) وفي عام 1973 أيضاً تم تأسيس المجلس الإسلامي الأوروبي وتم اختيار لندن لتكون مقره الأساسي. أما أمين عام المجلس الذي شغل هذا المنصب لأطول فترة فكان عضواً بارزاً في جماعة الإخوان المسلمين واسمه سالم عزام وسنعود إليه لاحقاً. (11(

    مشروعٌ آخر كان "الإسلام والغرب" الذي بدأ في كامبريدج عام 1977 مع عضو الإخوان وهو رئيس الوزراء السوري الأسبق معروف دواليبي بالتعاون مع نادي روما لمؤسسيه بيتشي والبريطاني لورد كارادون جنباً إلى جنب مع الاتحاد الدولي للدراسات المتقدمة ومؤسسه الدكتور ألكسندر كينغ. عمل "الإسلام والغرب" على تجميع خطة فعالة لتعريف الإسلام على أنه دين رجعي في صراعٍ مع العلم والتكنولوجيا. كان دعاة العولمة مصممين على ترويج نسخة عن الإسلام تمثلها الأقلية القمعية المناهضة للغرب وكانت جماعة الإخوان المسلمين المفتاح لتسويق هذه الفكرة للعالم. (12(

    وفي إيران كان أعضاء معهد آسبن و نادي روما مرتبطين مباشرة ً مع خصومهم الإيديولوجيين في نظام الشاه الإيراني. وقد تم استقطاب كلٍ من على شريعتي وأبو الحسن بني صدر والعديد من المربيين المهمين في جامعات إيران إلى دائرة نفوذهم. ونجد حملة ضرب الاستقرار التي قادها دعاة العولمة ضد نظام الشاه موثقة ً في كتاب رهينة للخميني لروبرت دريفاس وبإمكانكم قراءة جزء منه هنا في موقعٍ مخصص لرئيس الوزراء الإيراني الأسبق أمير عباس هوفيدا.

    كان للفرع الإيراني للإخوان المسلمين المعروف بـ فدائيين الإسلام الذي تم إنشاؤه في الأربعينيات دورٌ جوهريٌ في الإطاحة بالشاه. كان هذا الفرع تحت قيادة المتعصب آية الله خالخالي وآية الله خميني الذي كان عضواً لوقت طويل. والطلاب الذين استولوا على السفارة الأمريكية في طهران بعد سقوط الشاه آخذين العشرات من الرهائن الأمريكين كانوا أيضاً أعضاءً في فدائيين الإسلام. كان خالخالي شخصياً قادراً على ممارسة قوته السياسية في خلال الثورة الإيرانية عندما ترأس كقاضٍ محاكمات الآلاف من السجناء السياسيين حاكماً على الأغلبية منهم بالموت. (12a)

    كما تحكمت حركة فدائيين الإسلام بإنتاج الأفيون وبشبكة تهريب المخدرات التي كانت قد أصبحت – قبيل نهاية حكم الشاه - مهددة ً على نحوٍ متزايد من قبل حملة الشاه المضادة للمخدرات التي لاقت نجاحاً كبيراً. وبعد تولي الخميني للسلطة وللسخرية تم تعيين الخالخالي رئيساً لبرنامج مكافحة المخدرات الإيراني وخلال رقابته ازداد إنتاج الأفيون ازدياداً خيالياً. فوفقاً لأحكام الخميني –بما أنها جمعت وترجما إلى الانكليزية— إن "الخمر وجميع المشروبات المسكرة هي رجسٌ لكن الأفيون والحشيش ليسا كذلك." (12b)

    أما في باكستان فقد دعمت جماعة الإخوان المسلمين التي أخذت شكل جماعتي إسلامي الإطاحة برئيس الوزراء ذو الفقار علي بوتو من قبل الجنرال ضياء الحق. كان بوتو مكروهاً من قبل دعاة العولمة البريطانيين لسحبه باكستان من دول الكومونويلث البريطانية ولتطبيق السياسات القومية ولميوله تجاه السوفيتيين وطلبه تطوير الطاقة النووية. وعندما أعلن الجنرال ضياء حكم الإعدام بحق السجين بوتو قوبل إعلانه هذا رسمياً بالاحتجاج من رؤساء أربعةٍ وخمسين دولة إلا أن ضياء مضى وأعدم بوتو عام 1979 بعد تلقيه تطميناتٍ من رئيس جماعت إسلامي أن هذا الإعدام لن يؤدي إلى اضطراب داخلي.(13) وفي السنوات التي تلت أصبحت جماعت إسلامي الداعم الأهم لضياء وأجبرت الأمة على خوض عملية وحشية من الأسلمة.

    أما في أفغانستان فقد بدأت السي آي إي— بتحريضٍ من الاستخبارات البريطانية— بتمويل خصوم الإسلاميين من النظام الموالي للسوفييت حتى بعد الغزو السوفييتي. إذ أيّد زبينيو بريزينسكي مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس كارتر المراقبة من أجل التحريض على الغزو السوفيتي الذي حدث في 24 كانون الأول عام 1979.(14) كان كلٌ من الجنرال ضياء وجماعت إسلامي في باكستان عنصرين أساسيين أسهما في نجاح حركة المجاهدين في أفعانستان، واستلامهم لباكستان كان جزءاً ضرورياً من الخطة لجر السوفيت إلى صراعات الأفغان. وكما أشرنا في الجزء الأول فإن قائداً عسكرياً أفغانياً تابعاً للإخوان المسلمين اسمه قلب الدين حكمتيار الذي برز بوصفه متلقي المساعدات العسكرية الأمريكية، على الرغم من أنه مشهور بأفكاره المعادية للغرب وبنظرته الراديكالية للإسلام.

    (عندما تحرك الكونغرس الأمريكي أخيراً لوضع حدٍ لهذه المساعدات كان الأوان قد فات، فقد كان حكمتيار قد وصل إلى أوج انتصاره في الأعوام 1993-1994 وأيضاً في عام 1996 عندما عمل رئيساً للوزاء في أفغانستان. وكان أخيراً قد سيق إلى خارج أفغانستان على يد طالبان إلا لكنه قد عاد اليوم وهو يحرض ضد حكومة حميد كرزاي الجديدة. في أيار عام 2002 تولى البريطانيون خفر القاعدة التي ارتكز فيها حكمتيار في عملية بوزارد. والهدف المحدد كان إخماد قوات حكمتيار لكن حكمتيار بقي عموماً وقد كان قواته موضع اشتباهٍ في تفجيراتٍ إرهابيةٍ حدثت مؤخراً في كابل. وربما لم يكن الهدف المحدد لعملية بوزارد هو الهدف الحقيقي).

    في مصر شهدت جماعة الإخوان المسلمين انتعاشاً بعد أن بدء الرئيس السادات يخفف من القيود ضد المنظمة في مستهل السبعينيات. كما حاولت الجماعة تحسين صورتها لتصبح منظمة إسلامية "معتدلة" لكن وراء الكواليس فقد أنتجت عدداً من الجماعات العنيفة المتطرفة . كلٌ من الجهاد الإسلامي و الجماعة الإسلامية والتكفير والهجرة هي بعضٌ من الجماعات الإرهابية المتصلة فيما بينها والتي بدأت بالتحريض جهاراً نهاراً ضد السادات بعد توقيعه لمعاهدة السلام التاريخية "كامب ديفيد" مع إسرائيل عام 1978. وقام المسلحون المرتبطون مع هذه الجماعات باغتيال السادات عام 1981 وقد تم إعلان القوانين العرفية إثر شن القائد الجديد حسني مبارك حملة قمع عنيفة على الإسلاميين.

    أما في سوريا فقد ثارت جماعة الإخوان المسلمين ضد نظام الأسد واستولت على مدينة حماة. واستمر حصار الحكومة السورية المفروض على معقل الإخوان المسلمين لمدة ثلاثة أسابيع وقد سقط 6.000 جندي و 24.000 مدني إثر الاقتتال العنيف ونتيجة لهذا تم اعتقال 10.000 من سكان المدينة وزجوا في معسكرات الاعتقال القسري وبعد ذلك عرضت الحكومة السورية دلائلاً أن قوات الإخوان قد تم تسليحها من الغرب.

    لقد أشار زبينو بريزيزنسكي إلى انفجار العنف في الشرق الأوسط في السبعينيات والثمانينيات بـ "قوس الأزمة". لم يكن شيئاً قد حدث بالصدفة لكنه في الحقيقة نتاج الخطة المتعمدة التي طورتها استراتيجيات دعاة العولمة مثل الدكتور ألكساندر كينغ وهنري كيسنجر و زبينو بريزيزنسكي والعميل البريطاني السري الدكتور بيرنارد لويس. لم يكن "قوس الأزمة" في الشرق الأوسط حريقاً داخلياً هائلاً عفوياً بل كان أمراً حدث كنتيجةٍ للسياسة الغربية بالتحالف مع الإخوان المسلمين فدون المساعدة الغربية كان الإسلام الراديكالي ليبقى غير شرعي ولكانت بقيت حركة أقليات قمعية كما هي دائماً ولكان الشرق الأوسط قد بقي مستقراً ومزدهراً.

    الإخوان المسلمون يوسعون نشاطاتهم

    في بداية الحرب العالمية الثانية حظيت جماعة الإخوان المسلمين بنفوذ واسع عند انضمام أعضاءٍ متنفذين إليها من عائلة عزام المصرية. كان عبد الرحمن أكثر أفراد هذه العائلة شهرةً وقد كانت طوال حياته شخصاً خدوماً للامبراطورية البريطانية. أما بعد الحرب العالمية الأولى كان قد عمل مع الاستخبارات البريطانية للمساعدة في تنظيم العمل السياسي للإخوان التابعين للسنوسي في ليبيا. (1) وكان عمله في غاية النجاح إذ نودي بالسنوسي ملكاً لليبيا في احتفالٍأقامته الأمم المتحدة عام 1951. (في بادئ الأمر قاد محبوب الامبراطورية البريطانية الملك إدريس الأول ليبيا حتى تمت الإطاحة به من قبل معمر القذافي عام 1969. وقد أنشأت مؤسسة ثورية خاصة بالقذافي في لندن عام 1966 (2) لكن سرعان ما أصبح نظامه مكروها من قبل البريطانيين.)

    بعد الحرب العالمية الثانية أصبح عبد الرحمن عزام الأمين العام الأول لجامعة الدول العربية التي تدعمها بريطانيا. وتوطد نفوذ عزام بواقع أن ابنته منى كانت متزوجة من محمد الابن البكر للملك فيصل ملك المملكة العربية السعودية.

    في عام1955 وبعد أن قمع الجنرال عبد الناصر الإخوان المسلمين، نقلت المنظمة قاعدة عملياتها إلى لندن وجنيف. كانت قاعدة جنيف تحت قيادة سيد رمضان الذي كان متزوجا من ابنة حسن البنّا. أسس رمضان معهد الدراسات الإسلامية وتحت قيادته تحولت جنيف إلى قاعدة إسلامية كبرى في أوروبا. وهي تشكل اليوم الملاذ الذي يفر إليه الملك فهد ملك المملكة العربية السعودية يشعر بأن هنالك خطر يتهدد حياته في الممكلة. وتظهر القصة التالية صلات رمضان الوثيقة مع القاعدة الإسلامية على مستوى العالم:

    بعد الثورة الإيرانية سرعان ما أصبح رجل يدعى علي أكبر تاباتاباي الصوت الأهم للمعارضة لنظام آية الله. تحت حكم الشاه، كان مستشار المعلومات في السفارة الإيرانية في واشنطن العاصمة، وبعد سقوط الشاه أنشأ مؤسسة حرية إيران. في تموز/ يوليو من عام 1980 قتل على يد ديفد بيلفيلد المعروف أيضا باسم داوود صلاح الدين. كان بيلفيلد مسلما أسود ينتمي لعصابة متصلة ببهرام ناهديان الذي يشاع بأنه رئيس المخابرات السرية لآية الله في واشنطن والتي تعرف باسم(سافاما). بعد أقل من ساعتين من عملية القتل أجرى بيلفيلد اتصالاً شخصياً مع سيد رمضان في جنيف، ومن ثم باستخدام عدة جوازات سفر هرب من الولايات المتحدة إلى سويسرا.

    لطالما كانت جنيف قاعدة مهمة للإخوان المسلمين لكن مقرهم في لندن غدا الأكثر أهمية. وكان الرجل المسؤول هناك هو سالم عزام، أحد أقرباء عبد الرحمن عزام. وكما سبق وذكر، أصبح رئيس المجلس الإسلامي في أوروبا الذي كان قد شكل في لندن عام 1973 من خلال تعاون وثيق مع سيد رمضان. يفسر دريفوس دور المجلس بقوله،

    "إن (المجلس) يدير الإخوان من المغرب إلى باكستان والهند، ويتحكم بمئات المراكز ’الدينية’ عبر أوروبا الغربية، ومن خلالهم، بآلاف الطلاب الأصوليين ورجال الدين المسلمين في كل من الشرق الأوسط وأوروبا."(5)

    في عام 1978 أنشئ المعهد الإسلامي لتكنولوجيا الدفاع لدعم ثورة "قوس الأزمة" الإسلامية. عقد المنتدى الأول في لندن في شباط عام 1979. وكان يهدف للعمل يدا بيد مع الناتو، وكان يقوده سالم عزام وأعضاء من المجلس الإسلامي في أوروبا. كانت باكستان وأفغانستان على رأس جدول الأعمال وأسهم المعهد الإسلامي لتكنولوجيا الدفاع في تنسيق شحنات الأسلحة الهائلة التي كانت لدعم صراعات الإخوان المسلمين هناك وعبر الشرق الأوسط. (6(

    نجحت جماعة الإخوان المسلمين خارج مصر بإيجاد واجهة لها من خلال عدد من المنظمات المحترمة وأخذ ينظر إليها على نحو واسع كمؤسسة معتدلة عزفت عن العنف. لكن داخل مصر ظل الإخوان المسلمون عاكفين على الإطاحة بالنظام وتأسيس دولة إسلامية "نقية" ولجؤوا للإرهاب كوسيلة لتحقيق غايتهم.

    عندما أصبح أنور السادات رئيسا لمصر عام 1970 بدأ حملة لإبعاد بلاده عن سياسات ناصر المؤيدة للسوفييت وينتظم مرة أخرى في صفوف الغرب. كان أحد أشد خصومه في هذه المهمة حزب الوحدة الاشتراكي العربي. بدأ السادات بمحاولة إنهاء الخلاف مع الإخوان المسلمين كطريقة للضغط على الاشتراكيين العرب ولإرساء دعائم نظامه، فأطلق سراح مئات من الإخوان المسلمين خلال السنوات الأولى لتوليه المنصب.

    وعبر تاريخ الإخوان المسلمين كان هنالك ستة رجال تولوا منصب المرشد العام. تولى البنّا القيادة حتى وفاته عام 1949. وخلفه حسن الهضيبي بعد فترة وجيزة من الفوضى عام 1951الذي تولى المنصب بدوره حتى وفاته عام 1976، وعانى من فترات سجن فيها خلال فترة حكم ناصر. ومن ثم خلفه عمر التلمساني الذي توفي عام 1987 ليخلفه حامد عبد الناصر. غيب كل من التلمساني وناصر في غياهب السجون عام 1954 خلال حملة عبد الناصر التطهيرية ضد الإخوان. أخرج السادات التلمساني من السجن عام 1971 وناصر عام 1972. كان المرشد العام الأخير هو مصطفى مشهور الذي تولى المنصب عام 1996 وحتى وفاته في الرابع عشر من تشرين الثاني /نوفمبر، 2002. إن المرشد العام الحالي هو مأمون الهضيبي صاحب الأعوام الثلاثة والثمانين وهو ابن المرشد العام الثاني حسن الهضيبي. يبقي المرشد العام على مكان إقامته ومكاتبه في مصر، على الرغم من أن الغالبية العظمى من الأعضاء وقيادتها متمركزة في الخارج. إن الدور الأكبر للمرشد العام هو أن يكون مجرد رئيس صوري بينما تدار العمليات السرية للإخوان المسلمين من لندن وجنيف.

    وسعى السادات لحل الخلاف مع الإسلاميين لكنه علم أنهم سيشكلون دوما تهديدا، ولم يرفع أبدا حظر الحكومة على الإخوان كجماعة سياسية. وعلى الرغم من ذلك سرعان ما ظهر الإخوان كقوة سياسية. أمام العلن حاول الإخوان الحفاظ على الموقف "المعتدل"، لكن خلف الستار كانوا يولدون عددا من المجموعات المتطرفة العنيفة إنما ليست متصلة على نحو محكم.

    كانت جماعة التكفير والهجرة إحدى أهم تلك الجماعات، يقودها عضو سابق في الإخوان المسلمين وهو شكري أحمد مصطفى، ونشأت في أوائل السبعينيات. وقد كشف أمرها على العلن عام1975 من قبل جريدة الهرم المصرية اليومية بعد أن تعرض عدد من أعضائها للاعتقال. في عام 1977 اختطفت هذه الجماعة وزير الإفتاء السابق الشيخ محمد حسين الذهبي وطالبوا بإطلاق سراح ستين معتقلا و مبلغ 200,000 جنيه مصري لإطلاق سراحه. رفضت المطالب فرد الشيخ جثة هامدة، وتلا ذلك عدة تفجيرات مستهدفة. في الثامن من تموز/يوليو من عام 1977، ألقى القبض على مصطفى قائد الجماعة إلى جانب عدد من أتباعه. أعدم مصطفى وأربعة من زعماء الفتنة في التاسع عشر من آذار/ مارس من عام 1978، إلا أن منظمته الإرهابية استمرت من بعده. (7)

    كانت منظمة التحرير الإسلامي عبارة عن خلية إرهابية أخرى أوجدها عضو سابق في الإخوان المسلمين ويدعى الدكتور صالح سرية. في عام 1974 حاول أعضاء من هذه الجماعة أن يستولوا على الأكاديمية العسكرية، وعلى الأسلحة ومن ثم يتحركوا نحو مجموعة كان السادات يخطب فيها، إلا أن الخطة فشلت ولقي أحد عشر شخصا مصرعهم وألقي القبض على سرية ليعدم لاحقا. (8)

    في عام 1974، كشفت قوى الأمن النقاب عن جماعة أخرى وهي حزب التحرير الإسلامي التي أنشأت في الأردن في الخمسينيات على يد الشيخ تقي الدين نبهاني وهو عضو في الإخوان المسلمين وقاض ينحدر أساسا من حيفا. ركزت هذه الجماعة نشاطها على مناهضة إسرائيل إلا أن السادات اعتقل واستجوب أعضاء من الجماعة ممن عاشوا في مصر. (9)

    إن أهم منظمتين إرهابيتين مصريتين واللتان كانتا عبارة عن تفرعين عن جماعة الإخوان المسلمين التي ماتزال حاضرة حتى يومنا هذا هما جماعة الإسلامية والجهاد الإسلامي المصري الذي يعرف أيضا باختصار بجهاد أو الجهاد. كلاهما كان متورطا باغتيال الرئيس أنور السادات.

    أنشأت جماعة الإسلامية في عام 1971 لتحرض ضد السادات لتعاونه مع الزعيم الليبي معمر القذافي. كان يترأسها عضو الإخوان المسلمين الدكتور حلمي الجزار، عزفت في البداية عن العنف وركزت على مذهب التفاعلية داخل الجامعات، لكن سرعان ما تغير هذا. إذ ظهر لاحقا شيخ ضرير باسم الدكتور أحمد محمد عبد الرحمن ليصبح قائد هذه المنظمة.(10(

    خرجت الجماعة البارزة الأخرى أي الجهاد الإسلامي إلى العلن عام 1977 عندما نشرت جريدة الأهرام أن ثمانين عضوا من هذه الجماعة المقاتلة قد تعرضوا للاعتقال. كان أيمن الظواهري في ذلك الوقت أحد أعضاء الجهاد الإسلامي. شاب مسلم من الطبقة العليا تربطه صلة قرابة بآل عزام. جدته هي أخت الشهير عبد الرحمن عزام الذي ذكر مسبقا، وخاله هو سالم عزام من المجلس الإسلامي لأوروبا. اعتقل الظواهري لأول مرة عام 1966 في سن السادسة عشرة بسبب انتسابه إلى الإخوان المسلمين وآرائه العسكرية استمرت بالنمو مع مرور السنوات.

    في بداية عام 1980تعرض الجهاد الإسلامي للاستهداف مجددا عندما قامت الحكومة باعتقال سبعين عضوا آخرين منه. وصف النائب العام المصري المنظمة بأنها "منظمة إرهابية متعصبة" وقال بأنها كانت "تتلقى التمويل من الخارج، ومتسلحة بأسلحة ومتفجرات ومعدات فنية." (11) على أية حال، فشلت الاعتقالات والاستجواب من الحيلولة دون الهجوم الإرهابي الكبير. يصفه دايتل بقوله،

    "تصدرت جماعة الجهاد العناوين مجددا في السادس من تشرين الأول/ أكتوبر، 1981 عندما قامت فرقة مغاوير تحت إمرة خالد إسلامبولي بإطلاق النار على الرئيس أنور السادات. إثر تحقيقات مكثفة خلال صيف عام 1982، بات من المعروف في القاهرة أن جماعة الجهاد الإسلامي كانت جزءا من العائلة الكبيرة لمشروع الإخوان المسلمين. وعندما كنت أسأل، كان الإخوان المسلمون يعترفون بذلك. في غضون ذلك، وفي تصريح بالإجماع، جماعة الجهاد "حكمت بالإعدام" على مبارك خليفة السادات. وفي أيلول، 1982 تعرض القادة الثلاثة الأهم في جماعة الجهاد للملاحقة والاعتقال."(12)

    قبل عامين فقط من اغتيال السادات عقدت اللجنة الدولية للإخوان المسلمين اجتماع قمة في لندن. فالتقى قادة الإخوان من مصر والسودان والأردن وباكستان وأفغانستان مع رئيس إدارة المخابرات السرية للمملكة السعودية لمناقشة الإنجازات الأخيرة في باكستان وإيران، ولمناقشة مستقبل كل من أفغانستان وسوريا ومصر. (13)

    أما في مصر فقد واصل السادات محاولته لإنهاء الخلاف مع الإخوان المسلمين. فسمح في عام 1978 لمنشورات الإخوان المسلمين الدعوة لتوزع مجددا. بل حتى أنه التقى عام 1979 بالمرشد الأعلى عمر التلمساني في مناسبتين، لكن لم يثمر الحوار عن شيء وواصل الإخوان المسلمون هجماتهم العدوانية على السادات في مطبوعاتهم والمساجد كذلك. أخيرا، وقبيل اغتيال السادات بأسابيع، تمكن من اعتقال التلمساني وطبق حظر على توزيع الدعوة.

    عندما قتل السادات إثر طلق ناري كان كامل السنانيري الممثل الأبرز للإخوان المسلمين في مصر. ولقد اعتقل واستجوب وتوفي في السجن بعد ذلك بأسابيع. قامت الحكومة بإدعاء واه بأنه انتحر، لكن زوجته آمنة رفضت هذا التفسير. وكانت ابنة سيد قطب.

    كما اعتقل أيضا، لكنه برئ لاحقا، الشيخ الضرير عمر عبد الرحمن. فقد شجع مرتكبي عملية الاغتيال من خلال حكمه أن من يدير الحكومة هم مجموعة من الملحدين والمهرطقين. كما أجاز لهم السرقة كوسيلة لتمويل غايتهم بل حتى أنه أجاز لهم حرية التصرف مع زوجات المسؤولين الحكوميين إذا ما نجحوا في الإطاحة بالحكومة. (14) بعد ذلك بسنوات أشير إلى تورطه بتفجير عام 1993 لمركز التجارة العالمي، فقدم للمحاكمة وأدين وحكم عليه بالسجن حيث يقبع الآن. يواصل ابناه الآن الجهاد كعضوين في القاعدة وأتباع مقربين من أسامة بن لادن. لقد برزا في أشرطة الفيديو لمخبأ القاعدة التي عرضت مؤخرا على شاشة السي إن إن (شاهد المقطع المصور جذور الكراهية/Roots of Hatred) ما يزال ينظر إلى الشيخ عبد الرحمن على أنه القائد الروحي للجماعة الإسلامية، ولقد تعهد أعضاؤها بأخذ الثأر له من أمريكا إذا ما توفي الشيخ المصاب بالسكري في سجنه الأمريكي.

    كما اعتقل أيمن الظاهري إثر علاقته بعملية الاغتيال. وبعد ثلاثة أعوام قضاها في السجن أطلق سراحه حيث سرعان ما تربع على قمة الجهاد الإسلامي، بعملية 1993، ومن ثم الاتصال بأسامة بن لادن في السودان. وبعد أن فر من مصر، جعل من جنيف، سويسرا مركزا لعملياته، فعمل تحت غطاء المركز الإسلامي الذي يسيطر عليه الإخوان المسلمين ويترأسه سيد رمضان.(15) )الذي معه كان مالكوم إكس قد أجرى مراسلاته الشهيرة قبيل اغتياله على يد جماعة الإيجا محمد للمسلمين السود. احتل الظواهري منصب "الرجل رقم 2" المزعوم في منظمة القاعدة. حيث كان شقيقه محمد الظواهري حالياً في البلقان يعمل على توجيه هجمات المسلمين ضد صربيا ومقدونية. حيث تشير التقارير أنه كان ينشط في منطقة داخل كوسوفو لا تخضع لسيطرة حلف شمال الأطلسي (الناتو). (16) ولطالما حافظ هاذان الشقيقان من (عائلة عزام) على اتصالاتهم مع الإخوان المسلمين، على الرغم من انتقاد أيمن العلني للإخوان حول قلة دعمهم للثورة في مصر. وقد شكل انتقاده هذا غطاء جيداً للإخوان الذين حاولوا المحافظة على موقفهم "المعتدل".

    من بين الشخصيات الهامة أيضاً في تنظيم القاعدة ذات الصلة باغتيال السادات شقيق القاتل خالد إسلامبولي الذي أُعدم بتاريخ 15 أبريل 1982. غادر أحمد شوقي الإسلامبولي مصر ليظهر في كراتشي، باكستان حيث ساعد في إنشاء شبكة للتهريب. بعد ذلك، عمل إسلامبولي بالتعاون مع بن لادن على إنشاء قاعدة عسكرية في الصومال وأصبح بعدها عضواً في الجبهة الإسلامية العالمية للجهاد ضد اليهود والمسيحيين التابعة لبن لادن في عام 1998. (17)

    وتعتبر جماعة الفلسطينيين حماس حالياً أحد أبرز الفروع الإرهابية لجماعة الإخوان المسلمين والتي ظهرت كجماعة منفصلة في عام 1988 حين أصدرت "الميثاق الإسلامي" من خلال الشيخ أحمد ياسين. والذي كان رئيس جماعة الإخوان المسلمين في غزة لعدة سنوات وتعود جذور جماعته للعام 1978 حين تم تسجيلها كمنظمة إسلامية باسم المجمع الإسلامي. وقد وصفت الجماعة نفسها صراحة في ميثاقها الإسلامي الصادر في عام 1988 بأنها: "الفرع الفلسطيني للإخوان المسلمين". (18)

    ويلخص روبيرت دريفوس في الفقرات المذكورة أدناه طبيعة منظمة الإخوان المسلمين حيث كتب هذه الكلمات في عام 1980 وهي صحيحة كما لو كتبها اليوم،

    "إن جماعة الإخوان المسلمين الحقيقية لا تتمثل في الشيخ أو أتباعه المتعصبين، كما أنها ليست الملة أو أيات الله الذين يقودون حركات هؤلاء الرجال المجانين؛ فالخميني والقذافي والجنرال زيا هم مجرد دمى متقنة الصنع.

    إن الإخوان المسلمون الحقيقون هم أولئك الذين لم تتلطخ أيديهم بأعمال القتل والحرق. إنهم أصحاب المصارف والممولون السرّيون الذين يقفون خلف الستار، إنهم أعضاء العائلات العربية والتركية والفارسية القديمة ممن تضعهم سلالتهم ضمن النخبة الأوليغاركية وتربطهم علاقات تجارية سلسة وشراكات استخباراتية مع طبقة النبلاء الأوروبية المعادية وخاصة الأوليغاركية البريطانية.

    إن جماعة الإخوان المسلمين هي المال. وفي نفس الوقت، يتحكم الإخوان ربّما بعشراات مليارات الدولارات في السيولة الفورية كما يسيطرون أيضاً على مليارات أخرى في التعاملات التجارية اليومية في كافة المجالات من تجارة البترول والمصارف إلى تجارة المخدرات وتجارة السلاح غير المشروعة بالإضافة إلى تهريب الذهب والألماس. ونتيجة التحالف مع الإخوان المسلمين، لا يشتري الأنجلو-أمريكيين مهنة استئجار الإرهابيين فحسب، بل هم شركاء أيضاً في الامبراطورية المالية حول العالم والتي تمتد من عدة حسابات مصرفية في سويسرا إلى موانئ الأوفشور في دبي والكويت وهونج كونج." (19)

    نأمل أن يبدأ القارئ في فهم مدى صُغر حجم الحركة الإسلامية المتطرفة ومدى ترابطها الداخلي وكيف تبدو جميعها متصلة في الأساس بجماعة الإخوان المسلمين. وتتضح الصورة أكثر حين نتفحص حياة بن لادن المهنية عن قُرب.

    55- أسامة بن لادن: السنوات الأولى:

    ولد أسامة حوالي عام 1957، وهو الابن السابع عشر للشيخ محمد بن عود بن لادن أحد أقطاب الإعمار في اليمن. وخلال السنوات أقام محمد نفسه كصديق موثوق للملك عبد العزيز ومن ثم الملك فيصل، ملك المملكة العربية السعودية وتم استخدام شركة البنّاء الخاصة به في ترميم الأماكن المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة، بما فيها الحرم المكي. كما أبرم أيضاً عقد لترميم المسجد الأقصى في القدس في عام 1969.

    وخلال الفترة التي أعقبت وفاة محمد بن لادن في عام 1972، أصبحت عائلته ربّما إحدى أثرى العائلات غير الملكية في المملكة العربية السعودية وسُلمت ممتلكاته إلى أبنائه الخمس والأربعين. حيث تسلم ابنه سالم رئاسة الشركة وكان لكل من بكر وعبد العزيز وعلي ويسلام ويحيى دوراً رئيسياً في إدارة امبراطورية بن لادن. ولطالما حظي هؤلاء الورثة بعلاقة قوية مع العائلة الملكية السعودية وكانوا مسؤولين عن تدريب العديد من الأمراء اليافعين في السعودية حول المسائل المعقدة في التمويل الدولي والصناعة. ويعد كل من محمد بن فهد وسعود بن نايف اثنين من الأمراء الذين يدينون بالفضل في وضعهم الحالي بصفتهم من زعماء المال إلى الأخوة بن لادن. (1) لطالما ارتبطت العائلة الملكية في السعودية بعلاقة قريبة مع صفوة عائلة بن لادن ولكن في الوقت نفسه لا ينطبق ذلك على عدد من أبناء بن لادن صغار السن.

    وبتاريخ 20 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1979، قام مئات المقاتلين بالاستيلاء على الحرم المكي. حيث قُتل الإمام وفي خضم الفوضى دهس آلاف المصلين بالأقدام حتى الموت. ومن ثم قام المقاتلون بأسر مئات الرهائن والتمركز في أقبية واسعة تحت الحرم. جاء رد القوات السعودية سريعاً وشنوا هجوماً معاكساً ضد المتمردين لكن المقاتلين المسلحين والمتحصنين بشكل جيد صدّوا ذلك الهجوم بسهولة. استمر القتال بين المتمردين والقوات الحكومية لعدة أيام وقاموا بتدمير عدد من الدبابات بالإضافة إلى طائرة عامودية (هيليكوبتر) كانت تحلق على علو منخفض واصطدمت بالمئذنة. وفي النهاية، توجه الملك خالد إلى الحكومة الفرنسية التي أرسلت بدورها القوات الفرنسية الخاصة مجهزةً بالأسلحة الكيميائية لإجبار المتمردين على الخروج بواسطة الدخان. وتم تحرير الحرم المكي أخيراً بتاريخ 4 ديسمبر (تشرين الثاني). وعلى مدى أسبوعين خضع بيت المسلمين الحرام لسلطة الأصوليين المتطرفين. كانت الحصيلة النهائية لذلك مقتل المئات من الجنود الحكوميين وأكثر من مائة متمرد كما لقي معظم الرهائن حتفهم. وفي التاسع من يناير (كانون الثاني)، أُخرج ثلاثة وستون من المتمردين المقبوض عليهم في موكب جاب الساحات الرئيسية للعديد من المدن العربية وأعدموا بقطع رؤوسهم على مرأى من العامة. كما أعتقل مئات غيرهم وتم استجوابهم خلال تحقيقات لاحقة. (2)

    كان محروس بن لادن، ابن الشيخ محمد بن لادن وشقيق أسامة من ضمن المعتقلين. وفي كتابه سيرة حياة بن لادن، كتب جاكار مايلي:

    "بدأ الارهابيون بالتواصل مع محروس قبل عدة سنوات عندما كان الأخير يدرس في لندن وحين أعلن نفسه بين أصدقائه كأحد أبناء عائلة مرموقة من اليمن الجنوبي وقائد جماعة أصولية مجاهدة. وبعد هذه الاتصالات الجامعية، انضم محروس بن لادن لمجموعة نشطاء سوريين من الإخوان المسلمين يعيشون في المنفى في السعودية. وفي النهاية، أعلن فريق التحقيقات السعودية السرية براءة محروس. حيث أثبت التحقيق تكمن الإرهابيين من الوصول إلى شاحنات جماعة بن لادن لتنظيم هجومهم من خلال استخدام شبكة الأصدقاء السابقين لمحروس دون معرفة الفتى الشاب بذلك." (3) ص 13-14.

    كانت شركة بن لادن مسؤولة عن عمليات ترميم الحرم المكي حيث كان يسمح لشاحناتها بالدخول والخروج بحرية دون تعرضها للتفتيش. وقد استخدم الإرهابيون هذه الشاحنات لمساعدتهم على تهريب الأسلحة وتخبئتها داخل الحرم قبل الاستيلاء عليه. أُعلن محروس بريئاً من التورط في هذه المكيدة لكن سمعته تلطخت للأبد وكان يعلم علم اليقين أنه لم يعد بإمكانه أن يحقق المكانة التي وصل إليها أشقاؤه الأكبر سناً. ولو كان محروس أحد أفراد أي عائلة أخرى لكان على الأرجح واجه حكم الإعدام فقط لمجرد صلته ببعض الأصوليين المرتبطين بالإرهابيين. وفي النهاية إذاً، كانت عائلة بن لادن هي التي أنقذت الموقف حين قدمت مخطط الحرم الذي ساعد في وضع خطة الهجمات الأخيرة الناجحة ضد المتمردين. وخرجت عائلة بن لادن في نهاية المطاف من كل المسألة دون أي أذى يذكر ودون المساس بكرامتهم أو صلتهم الوثيقة مع الأسرة الملكية في السعودية. (4)

    أما أسامة بن لادن، أحد الأبناء الصغار في عائلة بن لادن، فقد كبُر وفي داخله شعور باللانتماء واتجه مثل أخيه محروس إلى الإسلام الأصولي. يقول الراوي آدم روبينسون أن أسامة الشاب عاش خلال سنين مراهقته حياة الملذات وكان بعيداً عن الدين خاصة خلال دراسته الثانوية في بيروت بين عامي 1973 و 1975. بينما يذهب آخرون ومنهم رولان جاكار إلى الحديث عن غير ذلك. ولكن، أياً كانت الحقيقة في أيام شبابه، فإنه من الواضح أن أسامة اعتنق الإسلام قلباً وقالباً حين كان يدرس في جامعة الملك عبد العزيز في جدة.

    التحق أسامة بالجامعة في عام 1976 ثم في عام 1977 قام برحلة المسلمين المقدسة لمدة أسبوعين لأداء مناسك الحج في مكة المكرمة. يكتب روبينسون أنه بعد هذه التجربة، بدأ أسامة بإطلاق لحيته وبدا جلياً إخلاصه للدين الإسلامي. لكن روبنسون أخفى حقيقة أن اختلاط أسامة مع الإخوان المسلمين في ذلك الوقت ساعد على هذا التحول.

    هاجر محمد قطب، شقيق سعيد قطب "الزعيم الفكري" للإخوان المسلمين والذي أعدم في عام 1966 إلى المملكة العربية السعودية نتيجة قمع ناصر للإخوان المسلمين. حيث تسلم في الستينيات عدة مناصب رسمية في الجامعات السعودية منها التدريس وتنفيذ مهمة الإخوان المسلمين. أنشأ محمد قطب في السعودية منظمة تُعرف الآن باسم الندوة العالمية للشباب الاسلامي، والتي أصبحت حقيقة قائمة في عام 1972 ويعود الفضل في ذلك للتبرعات الضخمة من عائلة بن لادن. كان عمر، شقيق أسامة، في فترة من الفترات المدير التنفيذي للمنظمة كما عمل شقيق آخر له، عبدالله بمنصب مدير. (5) أجريت العديد من التحقيقات حول الندوة العالمية للشباب الإسلامي كمصدر لتمويل الإرهاب لكن إدارة بوش أوقفت تحريات مكتب التحقيقات الفيدرالية مع بداية ولايته في 2001.

    إن وجهة نظر الندوة العالمية للشباب الإسلامي حول الإسلام هي وجهة النظر المألوفة لدى الإخوان المسلمين والتي يحبذها دعاة العولمة كثيراً وهي أن الإسلام مهدد بواسطة الغرب وأنه يجب أن يبقى متحفظاً تجاه العلم والتكنولوجيا ويرجع إلى جذوره الأولى. يقع مقر الندوة العالمية للشباب الإسلامي اليوم في الرياض وتملك مكاتب رئيسية في كل من فالز تشرش في ولاية فيرجينيا ولندن، إنجلترا. ووفقاً للمراسل الصحفي جريج بالاست فإن أكثر من عشرين منظمة مناصرة للندوة العالمية للشباب الإسلامي تقع مقراتها في بريطانيا. (6)

    وخلال فترة دراسته في جامعة الملك عبد العزيز في جدة، أصبح أسامة بن لادن مقرباً من محمد قطب وأصبح عضواً في جماعة الإخوان المسلمين. ويكتب ماليس روثفين، مؤلف كتاب الإسلام في العالم ورئيس تحرير سابق في إذاعة بي بي سي العربية أن قطب كان "المعلم الناصح" لأسامة خلال تلك الفترة. (7)

    ويعتبر البروفسور الشيخ عبدالله يوسف عزام شخصية هامة أخرى في الحياة الجامعية لأسامة. وُلد عبدالله في عائلة فلسطينية لا صلة لها بآل عزام في مصر، كان يدرس التربية الدينية وعضواً فعالاً في الإخوان المسلمين في الضفة الغربية. تابع دراسته لاحقاً في الأردن ودمشق قبل حصوله على شهادة الدكتوراة في الفقه الإسلامي من جامعة الأزهر في القاهرة عام 1973. وخلال وجوده في القاهرة، قابل عبدالله عائلة سعيد قطب "وتم إدخاله في صفوف الإسلاميين المصريين المقاتلين". (8) وبعد فترة قصيرة، انتقل إلى المملكة العربية السعودية بعد دعوته ليدرّس في جامعة الملك عبدالعزيز حيث عمل سويةً مع محمد قطب. حضر أسامة دروس عزام وسيطرت عليه الإيدلوجية القتالية التي كان يتبناها. كان شعار عزام المشهور يقول:

    "الجهاد والبندقية فقط: لا مفاوضات، لا مؤتمرات، ولا محادثات." (9)

    في عام 1979، غادر د. عزام السعودية وكان من أوائل العرب الذين التحقوا بجماعة الجهاد الأفغانية. حيث كان الممثل السعودي/الفلسطيني البارز لجماعة الإخوان المسلمين.

    لحق أسامة بن لادن ذو الاثنين والعشرين عاماً بعزام بعد فترة قصيرة وقاما معاً بتأسيس مكتب الخدمات أو مكتب خدمات المجاهدين ومقره بيشاور، أفغانستان. حيث كان لمنظمتهم اتصالات مع منظمة الإخوان المسلمين الباكستانية، الجماعات الإسلامية. عمل مكتب الخدمات على تجنيد المقاتلين للانضمام إلى المجاهدين وفي نهاية الثمانينات تعددت فروع مكتب الخدمات والمعروفة أيضاً بمنظمة الكفاح في خمسين دولة حول العالم. وبذلك مكنت شبكة الإخوان المسلمين وأموال عائلة بن لادن من تحقيق نجاح باهر لمكتب الخدمات.

    يتبع..................

  2. #2
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Mon Feb 2011
    المشاركات
    631
    معدل تقييم المستوى
    15201
    تدفق المقاتلون من أنحاء العالم إلى أفغانستان، وكان يدرك كل من عزام وبن لادن أن العديد من المجاهدين المحتملين كان ينقصهم التدريب اللازم والتجهيزات للحملة الأفغانية. ولتعويض ذلك، قاموا بتأسيس مصدة الأنصار في بيشاور كقاعدة مركزية ومعسكر تدريب ومخزن لخدمة العرب القادمين للقتال. (10) بودونسكي ص 12. كانت تلك القاعدة مركزاً للآلاف المتدفقين للقتال (الجهاد). كان الدكتور سعد الفاجح من السعوديين الكثر الذين زاروا قاعدة بيشاور، وقد صرح في مقابلة مع محطة بي بي إس كيف تشكلت القاعدة لكنها لم تكن تعني أبداً الإشارة إلى منظمة بن لادن الإرهابية،

    "في الحقيقة، أشعر برغبة في الضحك (بالفعل) حين أسمع مكتب التحقيقات الفيدرالية يتحدث عن القاعدة بأنها منظمة تابعة لبن لادن .... (إنها في الواقع) قصة بسيطة للغاية. ولو كان بن لادن يستقبل العرب من السعودية والكويت، وغيرها من المناطق، فإنه يستقبلهم في دار الضيافة في بيشاور. لقد اعتادوا الذهاب إلى أرض المعركة ومن ثم العودة دون أي توثيق... حيث لا وجود لأي دليل حول من وصل ومن غادر أو الوقت الذي قضاه. هناك فقط استقبال عام. إذاً تذهب إلى هناك وتنضم إلى ساحة المعركة. والآن، كان يشعر بالحرج تجاه العديد من العائلات حين يدعونه لسؤاله عما حل بابننا. إنه لا يعرف. نظراً لعدم وجود دليل أو توثيق. طلب حالياً من بعض زملائه البدء في توثيق تحركات كل عربي يقبع تحت إمرته... كأن يتم تسجيل أنهم وصلوا في تاريخ كذا واجتمعوا في المنزل كذا... بقي العديد منهم لمدة أسبوعين فقط، ثلاثة أسابيع ومن ثم اختفوا. كان ذلك التسجيل أو التوثيق يسمى سجل القاعدة. إذاً كانت تلك القاعدة. لا يوجد أي نذير شؤوم بخصوص القاعدة. إنها ليست منظمة... لا أعتقد أنه استخدم أي تسمية لمجموعته السرية. وإذا أردتم تسميتها، يمكننا القول أنها "جماعة بن لادن" ولكن إذا استخدموا مصطلح القاعدة، فإن القاعدة هي مجرد سجل للأفراد القادمين لبيشاور الذين ينتقلون جيئة وذهاباً إلى دار الضيافة. ومن ثم يعودون إلى بلادهم." (11)

    قضى بن لادن معظم سنوات قتاله في الحرب الأفغانية في باكستان حيث تمحور عمله بشكل رئيسي في جمع الأموال (التبرعات) وكونه العقل المدبر، وعلى الرغم من عديد المرات التي سافر فيها إلى أفغانستان برفقة مستشاره الشيخ عزام، والمعروف بلقب "أمير الجهاد" والذي اعتاد إلقاء الخطب النارية لرفع معنويات المقاتلين المجاهدين. ومن الجدير بالذكر قيام بن لادن باستخدام موارده المالية المتمخضة عن عمله كمقاول في جلب معدات ثقيلة في مناسبات عديدة سعياً منه لتحصين معاقل المجاهدين فضلاً عن ترميم وإصلاح طرق الإمدادات. لم تتوصل الجدالات والمناقشات إلى حقيقة صحة مشاركة بن لادن أو عزام شخصياً من عدمها في أي قتال أو مواجهات حقيقية في الجبهة، إلا أن كلا الشخصيتين تم تصويرهما كأسطورة تروي قصة محاربين شجاعين لا يشق لهما غبار.

    وأثناء فترة مشاركة بن لادن في الحرب الأفغانية، أقام مكتب الخدمات علاقات وطيدة مع قائد عسكري (زعيم حرب) بشتوني بالإضافة إلى أحد أعضاء الإخوان المسلمين المعروف باسم قلب الدين حكمت يار واللذان يتشاركان آراء معادية لأمريكا، بيد أن حكمت يار كان أكثر صراحة في الإعلان عن آرائه تلك على الرغم من التقديرات التي تشير إلى استلام جماعته، الحزب الإسلامي، حوالي 40% من المساعدات الأمريكية الموجهة للمجاهدين بواسطة وكالة الاستخبارات المركزية ووكالة الاستخبارات الباكستانية. (12) خلال ثمانينيات القرن العشرين سافر عزام أيضاً ليجوب أرجاء الولايات المتحدة الأمريكية ويعقد اجتماعاته مع الجماعات الإسلامية الأمريكية، في مسعىً منه لجمع الأموال وتجنيد المزيد من المقاتلين للجهاد. حيث أنشأ مراكز الكفاح الرئيسية في أتلانتا، بوسطن، شيكاغو، بروكلين، جيرسي سيتي، بيتسبورغ وتوسن، بالإضافة إلى فروع الكفاح الصغرى في ثلاثين مدينة أمريكية أخرى. (13) وبهذه الطريقة انتشرت رسالة ميليشيات الإخوان المسلمين في أرجاء الولايات المتحدة الأمريكية وتم نقل أولئك المنتسبين إلى مرحلة الجهاد.

    وفقاً للصحفي الباكستاني أحمد راشد المختص في الشؤون الأفغانية، تصاعدت وتيرة الحرب الأفغانية في عام 1986 على خلفية اتخاذ وكالة الاستخبارات المركزية ثلاثة قرارات استراتيجية. (14) في مقدمتها تزويد المجاهدين بصواريخ ستينجر الأمريكية الصنع. وعندما بلغت الحرب ذروتها كان متوسط ما سقط على أيدي المجاهدين بحوالي 1.5 من الطائرات السوفييتية والشيوعية يومياً. القرار الثاني والذي أيدته المخابرات البريطانية ووكالة الاستخبارات الباكستانية، تمثّل في شن هجمات بطريقة حرب العصابات على المناطق السوفييتية في طاجكستان وأوزباكستان. وكما كان متوقعاً تولت قوات حكمت يار العملية، والذي تمكن من تحقيق نجاح رمزي، وجاء الرد سريعاً من قبل السوفييتيين بقصف جميع القرى المجاورة بالقنابل الحارقة. أوقفت وكالة الاستخبارات المركزية هذه العملية على الفور نظراً لنتائجها العكسية. ثالثاً، بدأت وكالة الاستخبارات المركزية في المصادقة على المبادرة العربية بتجنيد مقاتلي الجهاد حول العالم. حيث يصف راشد فيما يلي كيف جرت حملة التجنيد،

    "أصدرت باكستان تعليمات واضحة ومستديمة إلى جميع سفاراتها في الخارج لمنح تأشيرات دخول، على الفور (دونما سؤال)، لكل من يرغب في القدوم والقتال إلى جانب المجاهدين. في الشرق الأوسط قام الإخوان المسلمون (الإخوان المسلمون)، رابطة مسلمي العالم ومقرها السعودية، والمسلمين الفلسطينيين المتطرفين (الراديكاليين) بتنظيم أولئك المتطوعين ووضعهم في اتصال مباشر مع وكالة الاستخبارات الباكستانية. حيث قامت الأخيرة بالإضافة إلى حزب الجماعة الإسلامية الباكستانية بتشكيل لجان استقبال وذلك لاستقبال وإيواء وتدريب تلك الميليشيات الأجنبية. حيث ورد الكثير من التمويل لهذا المشروع بشكل مباشر من قبل المخابرات السعودية، والتي تم توجيهها جزئياً بواسطة السعودي المتطرف أسامة بن لادن، الذي استقر فيما بعد في بيشاور. في ذلك الوقت وصف الباحث الفرنسي أوليفر روي المشروع بأنه "مشروع مشترك بين السعوديين والإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية، برعاية وتنظيم من قبل وكالة الاستخبارات الباكستانية." (15)

    تسببت هذه القرارات الثلاث في تصعيد وتيرة الحرب في أفغانستان وبات واضحاً لمايكل كورباتشيف بأن دولته تخوض معركة لن تظفر بها أبداً. في 14 أبريل 1988 تم توقيع اتفاقية جنيف والتي تنص على الانسحاب السوفييتي من أفغانستان. في بداية عام 1989 استكملت القوات السوفييتية انسحابها من أفغانستان، إلا أن الشيوعيين الأوفياء والأفغان المسلحين بشكل جيد كانوا لا يزالون يحكمون من كابل.

    انتهت المساعدات الأمريكية للمجاهدين وبشكل دقيق تماماً لحظة توقيع اتفاقية جنيف. غادر السوفييتيين وراح الغرب يتبادل التهنئات ابتهاجاً بتحقيق النصر. بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأمريكية كانت الحرب قد انتهت، ولم ترغب وكالة الاستخبارات المركزية في المشاركة في تأسيس نظام إسلامي في أفغانستان سيكون دون أدنى شك معادٍ لأمريكا. نتيجة لذلك تم التخلي عن حكمت يار وعزام وبن لادن والقادة الإسلاميين يشعرون بما تم من خيانة واستغلال لهم.

    كما تلقى المجاهدون أيضاً ضربة موجعة في 17 أغسطس 1988 وذلك بوفاة محمد ضياء الدين وهو الحاكم الديكتاتور والمستشار المخلص للمجاهدين وذلك إثر تحطم طائرته من نوع C-130 بعد دقائق من إقلاعها من مطار بهاوالبور. فضلاً عن مقتل عدد من القادة العسكريين بالإضافة إلى السفير الأمريكي. في نوفمبر من عام 1988 تم انتخاب بناظير بوتو، ابنة زولفيكار بوتو الذي تم إعدامه على يد الجنرال ضياء، كرئيسة للوزراء. حيث شرعت في تقديم سياساتها والتي شكلت تهديداً للأصوليين وقادة الحرب بما في ذلك القانون الذي يحظر تهريب المخدرات.

    في مارس من عام 1989 تم إقناع المجاهدين بواسطة المستشارين السعوديين واستشاريي وكالة الاستخبارات الباكستانية بشن هجوم واسع النطاق على مدينة جلال آباد التي يتحصن ضمنها الشيوعيون. حيث كان محل جدل بأن سقوط مدينة جلال آباد سيمهد الطريق سريعاً لقوات الرئيس نجيب الله وبالتالي سيتم تحرير أفغانستان بشكل سريع. انقلب الهجوم إلى واحدة من أكبر الكوارث التي ألمت بالمجاهدين نظراً لأن مدينة جلال آباد كانت محصنة ومحمية بشكل جيد من قبل جيش محنك ومتمرس بما في ذلك فرقة سلاح المدفعية التي كان لها تأثيرها في رد الهجوم الذي راح ضحيته الآلاف من المجاهدين.

    بالعودة إلى بيشاور رد عزام وبن لادن بضراوة. وشرعوا في إصدار بيانات من مكاتبهم الصحفية متهمين باكستان والمملكة العربية السعودية بالضلوع في مؤامرة الخيانة الأمريكية. حيث كان ذلك فيما يبدو الإشارة العامة الأولى على تنامي حقد بن لادن تجاه النظام السعودي (في بلاده) والمؤيد لأمريكا. (16)

    إلا أن الكارثة الأعظم التي عصفت ببن لادن تمثلت في اغتيال صديقه والأب الروحي له الشيخ عبد الله عزام منذ عدة أشهر. مع ملاحظة ما يشبه الأسطورة التي أحاطت بحادثة وفاة هذا الرجل كما رويت في إحدى المواقع الشبكية الإسلامية.

    "في يوم الجمعة الموافق للرابع والعشرين من شهر نوفمبر من عام 1989 وتحديداً في مدينة بيشاور في باكستان، تم اغتياله مع نجليه محمد وإبراهيم، وذلك بواسطة 20 كيلو غراماً من المتفجرات (تي إن تي) تم تفجيرها بواسطة جهاز تحكم عن بعد أثناء قيادته لمركبته في طريقه لأداء صلاة الجمعة. انفجرت سيارته إلى شظايا وسط شارع مزدحم. كان الانفجار قوياً للغاية إلى حد تم اكتشاف أشلاء جسدي نجليه على بعد مئات الأمتار من تلك المجزرة. كما وجدت إحدى ساقي نجله متدلية من خط هاتف. على الرغم من ذلك وسبحان الله، وجد الشيخ سليماً معافىً لم يصب بأذى باستثناء ما أصابه من نزيف داخلي، تسبب بوفاته. حيث يؤكد العديد من الأشخاص الحاضرين في موقع الحادث ما انتشر من رائحة المسك التي انبعثت من جثمانه." (17)

    في أولى فترات ظهوره ساعد الشيخ عزام في تأسيس المنظمة الفلسطينية المعروفة حالياً باسم حماس. في الوقت الراهن يعرف الجناح العسكري لحماس في الضفة الغربية بشكل رسمي باسم كتائب الشيخ عبد الله عزام. (18) في لندن تم تأسيس منظمة عزام باسمه ووصفت المؤسسة التابعة لها منشورات عزام (www.azzam.com ) نفسها بأنها "مؤسسة إعلامية مستقلة تقدم أخباراً ومعلومات موثوقة ورسمية حول جهاد والمجاهدين الغرباء في كل مكان." بيد أنه تم إغلاق الموقع بعد 11 سبتمبر 2001. (19)

    في نهاية عام 1989 عاد أسامة بن لادن إلى المملكة العربية السعودية. وتم استقباله هناك كبطل وشخصية مشهورة، ولكنه كان لا يزال ينظر بعين الأسى فيما يتعلق بالصراع السياسي الذي أرهق أفغانستان منتقداً في الوقت نفسه العائلة الحاكمة في السعودية. عاد بن لادن إلى عائلته وبإيجاز عمل في وظيفة ضمن مؤسسة بن لادن التي تعمل في مجال بناء الطرق. كان في عامه الثاني والثلاثين، جندياً محنكاً يتمتع بخبرة عشر سنوات تقريباً في الحرب الأفغانية، إلا أن أيام جهاده كانت قد بدأت للتو. فقد كان الإخوان المسلمون يخبئون له المزيد من الخطط.

    قسم الملاحظات والمراجع.



    5. بن لادن في المنفى

    في 2 أغسطس 1990 قامت العراق بغزو الكويت ولم يعد من الممكن لبن لادن متابعة حياته بسهولة فقد طرأ تهديد جديد يوجب التعامل معه وتم تعيينه لإنجاز مهمة جديدة. انطلق بن لادن في يوم الغزو من بيته في جدة إلى العاصمة الرياض مباشرة إلى ديوان الملك فهد والتقى هناك بالأمير سلطان. وعرض عليه مذكرة من عشر صفحات تحتوي على اقتراح بتجنيد جيش يتألف من 10 آلاف مجاهد لتكملة الجيش السعودي وذلك بغرض تحرير الكويت ودحر جيش صدام حسين. ويصف كاتب السير آدم روبنسون الموقف كالتالي:

    "يذكر أفراد عائلة بن لادن أنه بقي عدة أيام بعد تقديم العرض ملتصقاً بهاتفه الخلوي متوقعاً الرد من الملك فهد. واتصل بديوان الملك عدة مرات وتواصل مع العديد من مساعدي الملك مكرراً عرضه كما أرسل عدة فاكسات ومراسيل من مكتبه الشخصي لديوان الملك حاملين نسخاً من رسائله. وفي هذه الأثناء عمل بن لادن ليلاً نهاراً في مكتبه ينظم قواته مجهزاً إياهم للقتال وكان واثقاً بأنهم سيكونون أساس النجاح في الحرب المنتظرة. إلا أنه وفي 7 أغسطس وصله الرفض الذي ملأه بالغضب والحنق حتى هذا اليوم." (1)

    تم الإعلان في هذا اليوم عن موافقة الملك فهد على السماح لقوات أمريكية القيادة باحتلال منطقة من المملكة لحماية نظامه وإعداده لتحرير الكويت. وعملت إدارة الرئيس الأمريكي بوش على إثارة الهلع في نفس الملك فهد مطلعة إياه على تقارير تحتوي على صور أقمار صناعية تثبت تقدم قوات صدام حسين إلى الحدود مستعدة لغزو السعودية. إلا أنه هذه التقارير كانت زائفة وكان كل ذلك من صنيع الولايات المتحدة، ولم يكن للعراق أي نية بغزو السعودية حيث عملوا على توضيح ذلك عبر القنوات الدبلوماسية والإعلام العالمي. إلا أن الملك فهد تملكه الخوف من زوال حكمه وسمح بالاحتلال وتجهيز الفرق العسكرية لعاصفة الصحراء. (2)

    واستنكر بن لادن والقيادات الإسلامية في المملكة العربية السعودية وحول العالم الاحتلال الأجنبي للأراضي المقدسة الإسلامية. ويصف بودانكسي المشكلة التي واجهت الملك فهد،

    "في بداية أغسطس 1990 سأل الملك فهد العلماء المسلمين المصادقة على نشر القوات الأمريكية إلا أنهم جميعاً كانوا ضد الفكرة. وقال أحد المسؤولين السعوديين الكبار في دراسة أعدها العالم نوافق عبيد - المنفي خارج البلاد - "بعد العديد من النقاشات مع الملك قام المفتي الأول عبد العزيز بن باز بالمصادقة على الفكرة على مضض بشرك تقديم دليل دامغ على وجود خطر غزو البلاد من العراق"... وانتشر الخلاف بين البلاط الملكي والعلماء بشكل كبيير في الأوساط الإسلامية للمملكة."

    وقال بن لادن عن الملك فهد في مقابلة أجريت عام 1998:

    "أي حكومة تبيع مصالح شعبها وتخون شعبها وتتخذ خطوات من شأنها إبعاد البلاد عن الأمة الإسلامية مصيرها الفشل. ونتوقع تحطم قيادة العاصمة ومن حولها الذين وقفوا مع اليهود والنصارى الحاملين لهويات أمريكية أو غيرها. فقد تركوا الأمة الإسلامية. ونتوقع لهم التشتت والتفرق كما حصل مع الشاه الإيراني من قبل. فبعد أن وهبهم الله الملك على أقدس أرض ومنحهم ثروات النفط الذي لم يسمع بمثيله قط، إلا أنهم ارتكبوا الذنوب ولم يقدروا عطايا الله لهم. نتوقع لهم الدمار والتشتت...." (4).

    انتهت عملية عاصفة الصحراء في 28 فبراير 1991 إلا أن استمرار الاحتلال الأجنبي أدى إلى استمرار النقد العلني للنظام السعودي من قبل بن لادن. حيث عمل على الإدلاء بتصريحات وخطابات في اللقاءات والجوامع ونتيجة لذلك بدأت الشرطة السرية السعودية بمراقبته عن كثب. وبدأت تصله التهديدات، وكتب روبنسون أن أقاربه يذكرون حادثة تم فيها الإمساك به وضربه من قبل مجموعة من "الشباب" (يزعمون أنهم من الشرطة السرية السعودية) بسبب انتقاده الحكومة (5). وبدأ بن لادن يدرك أنه لم يعد مرحباً به في بلده بعد الآن وأنه من الأفضل له متابعة أهدافه من خارج السعودية. وفي أبريل 1991 استطاع المغادرة بحجة توقيع صفقة عمل في باكستان. ولم يكن لديه نية بالعودة على الإطلاق.

    أمضى بن لادن قرابة ثمانية أشهر في باكستان وأفغانستان ولكنه لم يشعر بالحرية المطلقة هناك. فلم تكن الحكومة الباكستانية ودودة مع الإسلاميين في ذلك الوقت وكثيراً ما سمع بن لدن شائعات عن عمل الاستخبارات السعودية مع وكالة الاستخبارات الباكستانية لاعتقاله وإعادته إلى السعودية. كما شكلت علاقته مع قلب الدين حكمتيار مشكلة أيضاً، حيث كانت السعودية تكره حكمتيار على دعمه القوي لصدام حسين خلال عاصفة الصحراء. وكان الإسلاميون يشعرون برد فعل عنيف في الشرق الأوسط. وكانت أفغانستان تعاني من الحرب الأهلية أما السعودية وباكستان فكانتا تهويان، بينما كانت إيران محكومة من الشيعة ولم تكن وجهة محببة للسنة، ومصر كانت تهوي أيضاً. ونتيجة لذلك هرب معظم الإسلاميين المتطرفين إلى لندن حيث كانوا يلقون الترحيب هناك على الدوام، أو إلى جمهورية السودان الإسلامية حديثة النشأة والتي دعت بن لادن إلى أحضانها.

    تحولت السودان إلى معقل رسمي للأصولية الإسلامية بدءاً من 30 يونيو 1989 عندما وصل الجنرال عمر حسن البشير إلى سدة الحكم من خلال انقلاب عسكري. وفي أغسطس، أي بعد بضعة أشهر فقط، تم تأكيد دور السودان في اجتماع عقد في لندن لمنظمة الإخوان المسلمين. وكان مفوض السودان في الاجتماع حسن الترابي والذي أصبح فيما بعد القوة الحقيقية الحاكمة للسودان، وكان حقيقة معلم أسامة بن لادن.

    وُلد حسن الترابي في 1932 ودرس في مدارس تعلم باللغة الانجليزية في السودان ودرس الدين الإسلامي على يد والده. وتخرج من كلية جوردن ذات الإدارة البريطانية في الخرطوم عام 1955 بدرجة في الحقوق وخلال هذا الوقت انضم إلى الإخوان المسلمين. وحصل في كلية جوردن على منحة للدراسة في جامعة لندن وهناك حصل على درجة ماجستير في الحقوق. ودرس الترابي الدكتوراه بعدها في جامعة السوربون في فرنسا وحصل عليها عام 1964. ولمع نجمه في السودان كقائد فكري ومتحدث باسم الحركة الإسلامية وقائد للإخوان المسلمين في السودان. وأصبح معروفاً باسم بابا أفريقيا أسود. (6)

    وتقرر في اجتماع الإخوان المسلمين في لندن عام 1969 أن تصبح السودان قاعدة جديدة للحركة الإسلامية وتم تأسيس مجلس القيادة المؤلف من تسعة عشر عضواً في الخرطوم برئاسة الترابي. وساعد المجلس في تنظيم الحركة الإسلامية في ظل الاضطرابات التي نشأت بعد حرب السوفييت وباكستان، وفي أبريل من عام 1991 انعقد "مؤتمر الشعب العربي الإسلامي" في الخرطوم. وكان هذا المؤتمر بمثابة اجتماع لجماعات إسلامية وإرهابية من حول العالم ساعد في تأسيس المنظمة العالمية الشعبية. وقامت المنظمة بتأسيس مجلس آخر في الخرطوم من خمسين عضواً كل عضو ينتمي لإحدى الدول الواقعة تحت ضغط الصراع الإسلامي في العالم.

    تقوم منظمة الإخوان المسلمين - فضلاً عن تأسيس المجالس- بالسيطرة على "الجيش الإسلامي العالمي" أو "الجيش الإسلامي" والذي نشأ خلال الثمانينيات من القرن العشرين بشكل أساسي في باكستان وأفغانستان وأيضاً في طهران (قمنا سابقاً بشرح دور الإخوان المسلمين في طرد الشاه وإعداد بيئة مناسبة للحكم الشيعي المتشدد برئاسة آية الله الخميني). وخلال التسعينيات من القرن العشرين عمل الجيش الإسلامي بشكل أساسي من الخرطوم. ويعتبر هذا الجيش منظمة عسكرية تساعد على تنسيق الجهاد العالمي. وذكر يوسف بودانسكي، رئيس مجموعة العمل للبحث في الإرهاب والحروب غير التقليدية وكاتب سيرة حياة بن لادن عدة مرات الجيش الإسلامي تحت اسم "الحركة الإسلامية المسلحة".

    تعرضت الحركة الإسلامية لضربة قوية في 5 يوليو 1991 عندما تم إغلاق بنك الائتمان والتجارة الدولي من قبل بنك بغداد. وكما ذكرنا في القسم الأول فإن هذا البنك كان قناة هامة للأرباح الناتجة عن المخدرات وتبييض الأموال ووسيطاً لصفقات الأسلحة غير القانونية. وكان عنصراً أساسياً من الشبكة المالية للحركة الإسلامية العالمية إلا أنه لم يدم طويلاً وتم إغلاقه. وقبل أن تستطيع الحركة معاودة نشاطها بالإمكانيات ذاتها أدرك قادتها وجوب إعداد شبكة مالية جديدة. وإن هذا لسبب محتمل في دعوة بن لادن إلى السودان فبن لادن كان متزوجاً من أخت خالد بن محفوظ. وفي كتاب "الحقيقة الممنوعة: العلاقات الدبلوماسية النفطية بين طالبان والولايات المتحدة وفشل القبض على بن لادن"، يصف الكتّاب الفرنسيون محفوظ كما يلي:

    "خالد بن محفوظ هو أحد أهم شخصيات بنك الائتمان والتجارة الدولي وعمل بين عامي 1986 و1990 بصفة تنفيذي أول في البنك وبالتحديد بصفة مدير العمليات. وكانت عائلته تملك 20 بالمائة من أسهم البنك في ذك الوقت. وقد اتهم عام 1992 في الولايات المتحدة بالاحتيال الضريبي عقب انهيار البنك. وعام 1995 تم القضاء بمسؤوليته تضامنياً عن انهيار البنك ووافق على دفع تسوية مالية قدره 245 مليون دولار أمريكي لدائني البنك مما سمح لهم بالتسديد لجزء من عملاء البنك. وتمثلت التهم الرئيسية الموجهة للبنك في الاختلاس وخرق قوانين أمريكا ولوكسمبورج وبريطانيا. وبعد أن احتل البنك الأخبار المالية خلال التسعينيات من القرن العشرين يعتبر البنك حالياً مركز الشبكة المالية التي قام بإعدادها مناصرو بن لادن الأساسيين." (8).

    قام البرلمان الفرنسي عام 1990 بمباشرة تحقيق كامل عن تبييض الأموال حول العالم. وبعد نشر تقارير عن ليختنشتاين وموناكو وسويسرا، قام البرلمان في 10 أكتوبر 2001 بنشر نتيجة التحقيقات في النظام المصرفي في بريطانيا العظمى: "مدينة لندن، جبل طارق، والمناطق التابعة للعرش: مراكز خارجية للكسب غير الشريف."

    وأُرفق بالتقرير الذي وصل عدد صفحاته إلى أربعمائة ملحق من 70 صفحة بعنوان "البيئة الاقتصادية لأسامة بن لادن" والذي يركز بشكل أساسي على الشبكة المالية المرتكزة في لندن والمترافقة مع أعمال أسامة بن لادن. وتوصل التقرير إلى أن قرابة أربعين بنكاً وشركة وفرداً بريطانياً كانوا مرتبطين بشبكة بن لادن بما فيها مؤسسات في لندن، أكسفورد، تشيلتنهام، كامبريدج، وليدز. وفي مقدمة التقرير قال أرنو مونتبورج، عضو البرلمان الفرنسي: "بينما يعمل طوني بلير وحكومته على نصح العالم لمحاربة الإرهاب، فإنه لمن الحري به نصح مصارف بلده وإجبارها على محاربة الكسب غير الشريف....إن السويسريون متعاونون أكثر من البريطانيين!" (9)

    وخلص المحقق الفرنسي جان-شارل بريسار (والذي يعتقد أنه عمل على التقرير) إلى نتيجة في كتابه "الحقيقة الممنوعة"،

    "الشبكة المالية المحيطة ببن لادن واستثماراته مشابهة في الهيكل لشبكة الاحتيال التي كان يمثلها بنك الائتمان والتجارة الدولي في الثمانينيات من القرن العشرين، حتى أن بعض الشخصيات في الشبكتين هي نفسها (المسؤولون التنفيذيون والمدراء وتجار النفط والأسلحة والمستثمرون السعوديون السابقون في البنك) وأحياناً الشركات ذاتها (إن سي بي، آتوك أويل، بي إيه آي آي).

    وتشير الدراسة إلى أن استمرار عمل شبكات البنك المالية حتى بعد استلام بن لادن لدعم موازٍ من حركات إرهابية وسياسية من الدائرة الإسلامية ذات النفوذ.

    نقطة الالتقاء بين المصالح المالية والنشاطات الإرهابية، وخصوصاً في بريطانيا العظمى والسودان، لا تشكل على ما يبدو عائقاً أمام أهداف كل مجموعة.

    وتعتبر الشبكة الإرهابية المدعومة من قبل نظام مالي ضخم العلامة التجارية لعمليات أسامة بن لادن." (10)

    سأقوم الآن بطرح فرضية سنتطرق لها في مواضع عدة من هذه الدراسة. أقول أن أسامة بن لادن ببساطة ليس رئيس هذه الشبكة المالية الغامضة والتي ظهرت للعلن كمصدر لتمويل نشاطات بن لادن الإرهابية. بن لادن ليس، ولم يكن أبداً، قائد الحركة الإسلامية العالمية والتي يقودها الإخوان المسلمون. بل تم استخدام بن لادن بشكل فعال كرئيس صوري للقسم العسكري للإخوان المسلمين تتمثل مهامه في تبني عملياته الوحشية إلا أنه ليس الرأس المدبر لكامل العملية أو الرأس المدبر للعملية نفسها والتي يُطلب منه إدارتها تحمل مسؤوليتها مباشرة.

    وبنفس الطريقة يتم التعامل مع الإخوان المسلمين كأداة بيد دعاة العولمة المتمركزين في بريطانيا والذين يهدفون بشكل أساسي لإسقاط النظام العالمي الحالي وتأسيس نظام جديد من الحكم العالمي. سنتكلم عن هذه الفرضية الثانوية والأكثر أهمية لاحقاً.

    استخدمت جماعة الإخوان المسلمين بنك الائتمان والتجارة الدولي في تمويل نشاطاتها حتى إغلاقه في يوليو من عام 1991 والذي حصل بعد انعقاد كل الاجتماعات الإسلامية رفيعة المستوى في السودان وعندها تم إحضار بن لادن للمساعدة في تنظيم إعادة بناء الشبكة في ديسمبر عام 1991. وكان بن لادن يتمتع بسمعة بكونه منظماً أساسياً خلال السنوات التي عمل فيها مع مكتب الخدمات في بيشاور ولذا كان المرشح الأمثل لهذا المنصب وكانت علاقته بأخ زوجته خالد بن محفوظ ميزة إضافية. حيث كان محفوظ يعرف النظام المصرفي البريطاني كظاهر يده وعرف تماماً أي البنوك البريطانية يمكن الوثوق بها للمساعدة في إعادة بناء الشبكة السرية ضبه القانونية. ويكتب آدم روبنسون عن إعادة إحياء هذه الشبكة بفضل أسامة بن لادن في المعظم،

    "قام أسامة خلال أشهر بكشف ما يسميه "مجموعة الإخوان" أمام الترابي الذي كان مذهولاً من ذلك (يشدد الكاتب على دقة تسمية المجموعة). وتألفت المجموعة من 134 رجل أعمال يشكلون في مجموعهم إمبراطورية تجارية هائلة الحجم والمقدرات، فقد كانوا يملكون حسابات مصرفية في كل بلد تقريباً ويقومون بشكل روتيني بتحويل مليارات الدولارات حول العالم كجزء من أعمالهم القانونية. وكانوا بذلك يشكلون واجهة ممتازة. وأصبحت مجموعة الإخوان تستخدم من قبل الجماعات الإرهابية حول العالم. وكان بن لادن معبود الجماهير في نطاق عمله." (11)

    ساعد بن لادن أيضاً على تعزيز الصناعة المصرفية التعيسة في السودان باستثماره 50 مليون دولار أمريكي لتمويل بنك الشمال الإسلامي في الخرطوم. وكان هذا البنك مملوكاً من قبل بن لادن بالشراكة مع الجبهة الإسلامية الوطنية في السودان، وهي الفرع السوداني من جماعة الإخوان المسلمين.

    وبعد تقديمه المساعدة لإعادة تأسيس الشبكة المالية للإخوان المسلمين بقي بن لادن مشغولاً في السودان في مشاريع تتعلق بمهنته الأساسية وهي المقاولات. وتم تأسيس شركة يملكها كل من بن لادن والجيش السوداني والجبهة الإسلامية الوطنية في السودان باسم "الهجرة للإنشاءات والتطوير المحدودة". وتم تنفيذ مشاريع كبرى بما فيها مشروع ميناء السودان على البحر الأحمر ومطار في ميناء السودان وطريق سريع بأربع مسارات على طول 650 ميلاً من الميناء إلى الخرطوم. كما تعهدت شركة الهجرة مشروعاً يتكفل بتوسيع النيل الأزرق وبناء سد الرصيرص. كما تم العمل على تحسين الطرق الحديدية وعدة مطارات صغيرة وتم رصف كل الطرقات في البلاد. (12).

    ومع انشغال بن لادن في العمل على بناء البنى التحتية في السودان، كانت جماعة الإخوان المسلمين تعد العدة لمواجهة الجيش الأمريكي في الصومال. وعلى الرغم من عدم الإعلان عن نشر القوات الأمريكية في الصومال "لأغراض إنسانية" إلا في أواخر عام 1992، إلا أن جماعة الإخوان المسلمين بدا وكأنها تتوقع التدخل الأمريكي منذ سقوط الحكومة الصومالية في يناير 1992. كما لو كان من المخطط مسبقاً للجيش الأمريكي أن يواجه الإسلاميين ويفشل.

    وكما ذكرنا سابقاً، أعلنت السودان عن تحولها لقاعدة عسكرية للإخوان المسلمين في اجتماع لندن عام 1989 وبعد ذلك، قامت المنظمات مثل حماس التي يديرها أبو نضال، وحزب الله الإيراني/اللبناني بتأسيس مكاتب لها في الخرطوم، وذلك عقب فتح مخيمات التدريب ودعوة بن لادن. كما بدأت إيران والسودان في أواخر 1991 تشكيل صداقة إستراتيجية. وسرعان ما استحوذ هذا التعاون بين الأصوليين الشيعة والسنة العسكريين على انتباه الأنظمة في مصر والسعودية وبدا من الواضح أن السودان قد أصبحت تشكل تهديداً.

    هذا وقد تكفل حسن الترابي بالشؤون الدبلوماسية في الغرب، وبحسب كاتب سيرة حياة بن لدن رولاند جاكارد، قام الترابي بزيارة لندن عام 1992 وحل ضيفاً في المعهد الملكي للشؤون الدولية وهو مركز دعاة العولمة البريطانيين والمنظمة الأم للمجلس الأمريكي للعلاقات الخارجية. وقام بعد هذه الزيارة بالذهاب إلى الولايات المتحدة حيث تم استقباله رسمياً في واشنطن. (13) وبعد عودته للسودان عمل على تأسيس صلات مع القائد العسكري الصومالي محمد فرح عيديد. ويشرح بودانسكي:

    "تم تزويد الإرهابيين الصوماليين بالعدد والأسلحة اللازمة للميليشيات التي يقومون بتدريبها وقيادتها. وعملت بعض هذه الميليشيات في صفوف الأحزاب الصومالية الأساسية بينما كانت أخرى مستقلة تماماً وتتبع فقط للخرطوم...طهران، والتي تسيطر وتدعم هؤلاء الإرهابيين الصوماليين من خلال السودان، خططت لاستخدامهم ضد القوات الأمريكية بذات الطريقة التي تم فيها استخدام حزب الله من قبل سوريا وإيران ضد قوات حفظ السلام في بيروت في بداية الثمانينيات." (14)

    قامت جماعة الإخوان المسلمين عام 1992 بدعوة الشيخ طارق الفاضلي للعودة إلى اليمن من منفاه المريح في لندن لتنظيم خلية إرهابية لضرب القوات الأمريكية التي ستعبر الصومال عما قريب. وتعود معرفة بن لادن بالفاضلي إلى حملة أفغانستان حيث كان بن لادن يلعب دوراً محورياً في وصل الشيخ بآلاف "الأفغان" اليمنيين الذين عادوا لديارهم. وتم إقحام الفاضلي في اليمن في منتصف نوفمبر بحسب بودانسكي ولم يتم الإعلان عن النية بنشر القوات الأمريكية في الصومال من قبل إدارة كلينتون حتى 28 نوفمبر. (15)

    وصلت القوات الأمريكية إلى شواطئ الصومال في 9 ديسمبر 1992 وتم نقل هذا الحدث من أضواء الإعلام العالمي المتجمع لنشر الخبر. في البداية كان العالم ومعظم الشعب الأمريكي وخصوصاً أفراد الجيش من الرجال والنساء يتساءل ما هو بحق السماء الهدف من وراء محاولة إحلال النظام في بلد إسلامي مضطرب وبغيض مثل الصومال.

    وقد بدا للوهلة الأولى أن العملية ستتكلل بالنجاح وتم السماح بإدخال المساعدات الإنسانية إلا أن الإسلاميين كانوا ينتظرون الوقت المناسب للضرب. وكانت الضربة الأولى في اليمن في 29 ديسمبر 1992. وقامت قوات الجهاد الإسلامية اليمنية الجديدة التابعة للفاضلي بتفجير قنابل في فندق عدن وفندق جولدن مور مما تسبب بمقتل ثلاثة أشخاص وجرح خمسة. وقد فشلت إحدى القنابل بإصابة 100 جنود بحرية أمريكيين في طريقهم للصومال. كما كان مصير فريق آخر مزود بسلاح "الآر بي جي" الفشل أيضاً حيث تم إلقاء القبض عليه قرب أسوار مطار يتم فيه ركن طائرات نقل القوات الأمريكية. واستسلم الفاضلي في 8 يناير 1993 وتم نقل باقي "الأفغان" اليمنيين جواً إلى الصومال من قبل بن لادن في عملية سرية في منتصف عام 1993. وقام بن لادن لاحقاً بالتفاخر في مقابلة بأن هذه العملية كلفته 3 ملايين دولار أمريكي من ماله الخاص. (16)

    وفي 5 يونيو 1993 قامت قوات الجنرال عيديد بنصب كمين لمفرزة باكستانية وقتل ثلاثة وعشرين جندياً من قوات حفظ السلام. وترك عيديد الصومال وظهر لاحقاً في الخرطوم في اجتماع إسلامي رفيع المستوى. كما حصر في الاجتماع كل من الترابي وبن لادن وعدد من العملاء الإيرانيين ورئيس الجهاد الإسلامي المصري وأيمن الظواهري. وركز الاجتماع على إجلاء القوات الأمريكية والأمم المتحدة من الصومال. ويشير بودانسكي إلى قيام الترابي بقيادة العملية بمشاركة الظواهري وعدد من "الأفغان" العرب تحت إمرته. وكان بن لادن كما هي الحال دائماً مسؤولاً عن الدعم اللوجستي. كما دخل الظواهري الصومال في خريف 1993 للتنسيق للعمليات مع كبار قادة عيديد. (17)

    وصلت مقاومة عملية استعادة الأمل إلى ذروتها في 3 أكتوبر 1993، وتمت إعادة إحياء أحداثها في الفيلم الهوليوودي "بلاكهوك داون". ونجحت قوات عيديد في ذلك اليوم بإسقاط حوامتين من طراز "بلاكهوك" وإصابة ثمانية وسبعين جندياً أمريكياً وقتل ثمانية عشرة وأسر جندي. وقُتل قرابة ألف مقاتل ومدني صومالي في هذه المجزرة. وبدا واضحاً لإدارة كلينتون بعد هذه الحادثة وجوب نهاية العمليات في الصومال. وتم سحب معظم القوات الأمريكية بحلول شهر مارس 1994 تاركة وراءها الإسلاميين مسيطرين على البلاد.

    واعتبر بن لادن ذلك نصراً عظيماً للإسلام. فقد تمت أولاً هزيمة السوفييت وطردهم من أفغانستان والآن تمت هزيمة الولايات المتحدة وطردها من الصومال. أي أن قوتان من أعظم قوى العالم قد تعرضتا لشر هزيمة أمام قوة الإسلام. ويشير روبنسون إلى المقابلة التالية مع بن لادن:

    "لقد تم دحر ما يسمى بالقوى العظمى. ونعتقد أن الولايات المتحدة أضعف بكثير من روسيا. وبناء على تقارير استلمناها من إخوتنا الذين شاركوا في الجهاد في الصومال علمنا أنهم قد رأوا بأم أعينهم ضعف وجبن القوات الأمريكية. مع أن من قتل منهم لم يتجاوز الثمانين إلا أنهم اندحروا هلعين ومحبطين بعد أن أثاروا جلبة كبيرة حول النظام العالمي الجديد..." (18)

    حواشي ومصادر الأقسام

    6. برج التجارة العالمي 1993

    تمكنت السودان من تحقيق نصر عظيم للإخوان المسلمين بقيادة حسن الترابي بدحر الولايات المتحدة من الصومال. إلا أن الإخوان المسلمين تمكنوا قبل عملية الصومال من توجيه ضربة كبيرة في قلب الولايات المتحدة. ففي 28 فبراير 1993 حصل تفجير مركز التجارة العالمي ونتج عن ذلك مقتل ستة أشخاص وجرح الآلاف، ووصلت الأضرار قرابة 250 مليون دولار. وكانت نية المفجر رمزي يوسف قلب برج فوق آخر ونشر غيمة من غاز السيانيد السام فوق مدينة نيويورك. إلا أن ولحسن الحظ لم يكن هيكل مواقف السيارات الواقع تحت الأرض كافياً لإحداث هذا الأثر إلا أنه تمكن من إحراق غاز السيانيد وإبطال مفعوله.

    صب الإعلام التقليدي تركيزه على الشيخ الكفيف عمر عبد الرحمن والذي تم اعتقاله ومحاكمته وإدانته بالمشاركة في المؤامرة. وكان الشيخ قائد الجماعات الإسلامية وتم سجنه في مصر لدعمه المعنوي لقتلة أنور السادات. وعند إطلاق سراحه عام 1985 انتقل إلى باكستان حيث تواصل هناك مع قلب الدين حكمتيار وعبد الله عزام وأصبح من أشهر رجالات الدوائر الإسلامية ومعروفاً بتوجيهه العسكري الجسور وكرهه للرئيس المصري مبارك. وخلال أواخر الثمانينات من القرن العشرين تنقل كثيراً واعظاً في المراكز الإسلامية في المملكة العربية السعودية وحتى في بريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة بدعم من وكالة الاستخبارات المركزية. كما التقى عدة مرات بحسن الترابي في الخرطوم ولندن. (1)

    وحصل في شهر مايو 1990 على تأشيرة من القنصلية الأمريكية في الخرطوم من وكيل تابع للاستخبارات المركزية يدعي الصفة الرسمية على الرغم من كونه مدرجاً على لائحة الإرهابيين في وزارة الخارجية. واستر عبد الرحمن في ولاية نيوجيرسي وبدأ يعظ حول الرسالة النضالية ذاتها التي لطالما كان محط اهتمامه. وفي نوفمبر من عام 1990 قامت وزارة الخارجية بإلغاء تأشيرة الشيخ عبد الرحمن وأخطرت مصلحة الهجرة والجنسية بمراقبته. وبعد خمسة أشهر قامت هذه المصلحة بإصدار بطاقة خضراء له بدلاً من ترحيله خارج البلاد. (2)

    كان انتقال الشيخ عبد الرحمن مدعوماً من قبل الإخوان المسلمين ومن قبل شخصين على الأقل، أحدهما هو محمود أبو حليمة وهو عضو في الإخوان عمل مع وكالة الاستخبارات المركزية في أفغانستان وتواصل مع المسلمين الأصوليين والنمور السود في الولايات المتحدة. والشخص الآخر هو مصطفى شلبي وهو مدير مركز الكفاح الخاص بعبد الله عزام في بروكلين. (3)

    وبعد بناء عبد الرحمن لجاع في نيوجيرسي، بدأ هو ورفاقه بالضغط على شلبي لتسليم سدة السيطرة على مركز الكفاح وأصوله البالغة قيمته مليوني دولار أمريكي للشيخ عبد الرحمن. واستسلم شلبي لهذا التهديد وأعد خطة لمغادرة بروكلين إلى بيشاور، باكستان في مارس 1991. أما الشخص المختار ليستلم إدارة المركز بعد شلبي فكان أمريكياً من أصل لبناني يدعى وديع الحاج وهو مرتبط بشكل وثيق بالإخوان المسلمين (على الأرجح عضو في الإخوان) وكان يعيش في ذلك الوقت في آرلنغتون، تكساس. وكان التحول هذا معقداً فمع اغتيال شلبي في 26 فبراير وعلى الرغم من كون الحاج في بروكلين حينها إلا أنه لم يستلم إدارة المركز بعد وفاة شلبي المفاجئة. بل عاد إلى مدينة آرلنغتون حيث تابع العمل في وساطة السيارات مع سوق الشرق الأوسط. وبعد حوالي عامين تم استدعائه إلى السودان حيث عمل مع أسامة بن لادن في بيع البضائع الزراعية من أعمال بن لادن. وأصبح بعدها السكرتير الخاص لبن لادن. وهو حالياً يقبع في السجن الأمريكي لتورطه في القاعدة وصلته بتفجيرات السفارة الأفريقية عام 1998 على الرغم من عودته إلى الولايات المتحدة عام 1997. (4)

    وأصبح مركز الكفاح في بروكلين تحت سيطرة شبكة الشيخ عبد الرحمن بالكامل وفي سبتمبر 1992 قامت الشبكة بدعوة رمزي يوسف إلى الولايات المتحدة. ويعتبر يوسف حالياً العقل المدبر وراء تفجير مركز التجارة العالمي عام 1993 وتعتبر قضيته تحدياً مثيراً. فقد دخل الولايات المتحدة بجواز سفر عراقي ولم يكن لديه تأشيرة ودخل على أساس اللجوء السياسي. وبعد عدة أشهر قام بزيارة القنصلية الباكستانية وبعد تقديم الأوراق المطلوبة، حصل على جواز سفر باسم عبد الباسط كريم. وتوصلت تحقيقات الحكومة الأمريكية حوله إلى أن هوية عبد الباسط كريم كانت هويته الحقيقية.

    ولد عبد الباسط كريم في الكويت عام 1968 من أب باكستاني وأم فلسطينية وكان والده موظفاً في الخطوط الجوية الكويتية وفي عام 1984 سافر كريم إلى بريطانيا وبدأ دراسته الجامعية ودرس دورات تعليم لغة انجليزية في كلية أكسفورد للتعليم الإضافي كما درس في معهد جلامورجين في سوانسي حيث تخرج بدرجة في الهندسة الالكترونية عام 1989. وبحسب اعتراف رمزي يوسف شخصياً والذي تم انتزاعه بعد اعتقاله وإحضاره إلى الولايات المتحدة عام 1995، فقد تم تجنيده من قبل الحركة الإسلامية عام 1987 أثناء عيشه في سوانسي بعد تقربه من أعضاء في الإخوان المسلمين. وفي صيف عام 1988 سافر إلى باكستان حيث شارك في أحد مخيمات تدريب المجاهدين التي تدعمها الإخوان المسلمين وبعد التخرج عام 1989 أصيب في انفجار قنبلة في كراتشي بينما كان يحاول صقل مهاراته في صناعة المتفجرات. وخلال الغزو العراقي للكويت كان في الكويت يتعاون مع العراقيين كما اتهمه وزير الداخلية الكويتي ومن ثم غادر إلى الفيليبين قبل عاصفة الصحراء حيث عرض خبرته في صناعة المتفجرات على الجماعات الإسلامية الناشئة والتي كانت في طور النمو. وكان عبد الباسط كريم، أو رمزي يوسف، عضواً عاملاً في الإخوان المسلمين وخبيراً في صناعة المتفجرات وقامت الشبكة بدعوته إلى الولايات المتحدة في أواخر 1992 بغرض وحيد هو تفجير مركز التجارة العالمي. (5)

    كما من الواجب التطرق إلى فرضية أخرى عن هوية رمزي يوسف الحقيقية والتي حصلت للأسف على انتشار واسع في الإعلام. عقب هجوم عام 1993 كان هناك جهود حثيثة من قبل المحافظين لتوريط عراق صدام حسين على أنها الدولة الداعمة لتفجير عام 1993. وقد تبنى هذه الفرضية بشكل أساسي المحلل المعروف لوري مايلروي وتم دعم الفرضية لاحقاً من قبل رئيس الاستخبارات المركزية السابق جايمس وولسي، والذي كان يسعى جاهداً للحصول على أي قصة تغطي تورط الاستخبارات المركزية في التفجير والذي حصل أثناء إدارته. وتدعي هذه الفرضية أن عبد الباسط كريم كان أكاديمياً معتدلاً تم اغتياله من قبل الاستخبارات العراقية خلال فترة احتلال الكويت عام 1990، وتمت سرقة هوية عبد الباسط وإعطائها إلى العميل العراقي رمزي يوسف. وترتكز على الفرضية بشكل كامل تقريباً على حقيقة تزوير أوراق كريم الكويتية بشكل واضح قبل 1993 عندما تم تقديمها للتحقيق في تفجير مركز التجارة العالمي. وخلص مايلروي ورفاقه إلى أن العراقيين مسؤولين عن التفجير وأن التزويد قد حصل للسماح بحصول يوسف على هوية كريم. وتطابقت بصمات الاثنين ولذا كان التزوير كما يزعم مايلروي متضمناً تبديل البصمات. وتم دعم هذه الفرضية سريعاً من قبل عدد من المحافظين في الولايات المتحدة ومن قبل عدة صحفيين مشهورين في بريطانيا العظمى. (6)

    ولا يعير مايلروي انتباهاً لإحتمال تزوير الأوراق بهدف تغطية تعاون كريم مع المحتل العراقي وتورطه مع جماعة الإخوان المسلمين والتي دعمت العراق خلال الغزو. هذا وقد حصلت هذه الفرضية المفبركة على دعم من قبل عدة أفراد من الكلية التي درس فيها كريم في جامعة سوانسي. وادعى كين ريد، نائب رئيس الكلية، أن طول ووزن كريم مختلفان عن طول ووزن يوسف. كما قال أن عين يوسف المشوهة وأذنيه الصغيرتان وفمه غير متطابقين مع نظيراتها في شكل كريم. (7) وتبنى براك وايت، وهو محقق سابق في مجلس الشيوخ ومذيع في قناة "سي بي إس" هذه الفرضية وقام بمقابلة مدرسين عرفوا كريم في الجامعة "اثنين منهما كانا يتمتعان بذاكرة جيدة عن عبد الباسط إلا أنهم عند رؤيتهم لصور ليوسف كانوا غير قادرين على التحقق من الهوية. وشعر الاثنين أن هناك شبهاً بالشكل إلا أن كريم ويوسف ليسا الشخص نفسه." كما قالوا له: "نشعر أن رمزي يوسف ليس عبد الباسط على الأرجح". (8) إلا أن هذه الفروقات المزعومة يمكن شرحها بالعودة إلى حادث التفجير الذي تعرض له يوسف في كاراتشي في 1989 والذي أدى إلى تشوه في الوجه والخضوع للمعالجة في المستشفى لفترة طويلة.

    هذا وقد عمل صحفي بريطاني على التركيز على نقطة أخرى وهي إجادة يوسف للغة الانجليزية والتي وصفها بأنها "مريعة" وادعى أنه من غير المعقول أن يكون كريم هو ذات الشخص فقد عاش كريم في بريطانيا أربعة أعوام ودرس دورات في اللغة الانجليزية في أكسفورد (9). وبالإمكان دحض هذا الإدعاء عند النظر إلى أداء يوسف خلال محاكمته: "أصر يوسف على تمثيل نفسه في المحاكمة الأولى: وكان يرتدي بذة مزدوجة الصدر ممثلاً نفسه بطريقة رائعة، وتمكن من جعل الشهود العنيفين يغيرون من لهجتهم ويناقضون أنفسهم." (10) فهل من الممكن أن تكون لغته الانجليزية "سيئة" لهذه الدرجة وقادرة في الوقت ذاته على تمكينه من تمثيل نفسه بهذه الشكل الرائع في أمريكا؟

    يجابه سايمون ريف في كتابه "بنات آوى الجدد" المزاعم التي تقوم أن يوسف ليس كرم، ويذكر في الكتاب نيل هارمان رئيس التحقيقات الفيدرالية في تفجير 1993 كما يستشهد بأقوال عدد من أصدقاء عبد الباسط في أيام الجامعة.

    "نيل هارمان ومكتب التحقيقات الفيدرالية مقتنعين أن كريم ويوسف هما الشخص نفسه كما يتعرف عدد من الطلاب السابقين على رمزي، زميلهم الجامعي المزاجي والمتقلب. ويقول أحد الطلاب من ويلز: "يكون صديقك في لحظة...ويتغير في اللحظة التالية....". كما يتذكر طالب آخر من ساوث ويلز نقاشاً بين يوسف وصديق مشترك بينهما - بريطاني من أصل آسيوي- حول موضوع سياسي حيث علق هذا الصديق قائلاً: "إنه رجل غريب الأطوار". كما ذكر طالب آخر أن يحتفظ بقصاصات من الجرائد عن ماحكمة يوسف ويذكر أنه كان يقارن صور الجريدة بالصور الموجودة في ألبومات صوره حيث كان يشير مثلاً إلى صورة معينة ويقول" هذه صديقتي جاين وهي الآن مدرسة" أو "هذا صديقي فيل وهو مهندس" ومن ثم يلتفت إلى صور الجريدة ويقول" وهذا صديقي رمزي، الإرهابي الدولي وأول المطلوبين في العالم." (10ب)

    وفي كل الأحوال نجد أن الكلية التي درس فيها كريم ترغب جدياً بإبعاد نفسها عن شخصية يوسف الإرهابي ومن المفهوم أن المحافظين مثل مايلروي يرغبون بالبحث عن "قوة أكبر" مسؤولة عن تفجير مركز التجارة العالمي. وهناك فعلاً قوة أكبر إلا أنها لم تكن العراق وندرك أن المحافظين متحيزين للإنجليز بشكل كامل في تطلعاتهم لذا فمن المستحيل لهم أن ينظروا نظرة انتقاد لبريطانيا، وهي مكان تمركز الإخوان المسلمين.

    تمت تسوية مسألة الهوية الحقيقية ليوسف خلال بضعة أسابيع من 11 سبتمبر 2001. حيث تم إرسال رئيس الاستخبارات المركزية جايمس وولسي إلى لندن لجمع أي أدلة ممكنة تشير إلى ارتباط العراق ولو جزئياً بالتفجيرات. وتم دعم رحلته إلى لندن من قبل بول وولفويتز، نائب وزير الدفاع الشرس والذي شق صدعاً في إدارة بوش مثيراً غضب وزارة الخارجية والاستخبارات المركزية. (11) وركز وولسي على المزاعم التي تقول أن خاطف الطائرة محمد عطا التقى بالاستخبارات العراقية في براغ، كما اطلع على الصلة المزعومة ليوسف مع العراق: "نقطة غموض أخرى كانت محط اهتمام تحقيقات وولسي أثناء تواجده في بريطانيا وتتمثل في إرهابي كويتي مدان يدعى رمزي يوسف واسمه الحقيقي عبد الباسط. ويزعم وولسي أن يوسف عميل عراقي خطف عبد الباط وسرق هويته. وتحول وولسي بسبب عمله في هذا التحقيق إلى مادة للسخرية بين الشرطة والاستخبارات البريطانية والذين استمتعوا بنشاطاته وذلك بحسب قول أحد المسؤولين البريطانيين. إلا أن نقص مصداقية وولسي لم تمنع الإعلام التقليدي من الاستشهاد بأقواله بشكل كبير لإثارة الكره ضد العراق." (12)

    والتقى وولسي بالاستخبارات البريطانية والتي، لسوء حظ وولسي، وافقت على إنهاء التحقيقات الأمريكية في محاكمة يوسف وأكدت أن رمزي يوسف هو فعلاً عبد الباسط كريم. وليس محتالاً عراقياً. وانتهت المسألة حينها على الرغم من أن لوري مايلروي ما يزال يعتقد أن البريطانيين يحاولون تأمين غطاء لصدام. (12ب) حتى على الرغم من أن طوني بلير يحاول جدهاً البحث عن أسباب لدعم خطط بوش في غزو العراق.

    ترك عبد الباسط كريم أو يوسف رمزي الولايات المتحدة مباشرة بعد تفجير 26 فبراير 1993 إلى كراتشي في الباكستان وظهر بعدها في الفيليبين حيث انضم إلى خلية للإخوان المسلمين تأسست بهدف دعم جماعة أبو سياف الإرهابية الجديدة في مينداناو. والتقى كريم مع محمد جمال خليفة وهو ابن حمو أسامة بن لادن والذي ساعد في تمويل التأسيس الأولي لجماعة أبو سياف والتي سميت تيمناً بالمناضل الإسلامي د. عبد الرب رسول سياف (13) وهو حاصل على درجة دكتوراه من جامعة الأزهر في القاهرة وهو أحد أهم علماء الدين في أفغانستان وهو مؤسس جامعة سوال الجهاد في بيشاور في عام 1990 تقريباً وهو حالياً ناقد عسكري لامع لحكومة كرازاي الجديد في أفغانستان وعدو للولايات المتحدة. وتعتبر جماعة أبو سياف من مجموعات الواجهة في القاعدة إلا أنها حقيقة جماعة للإخوان المسلمين تم التخطيط لها قبل ظهور نجم بن لادن كالعقل المدبر للإرهاب الدولي".

    هذا وقد تواصل عبد الباسط كريم أو يوسف في الفيليبين بشكل وثيق مع عمه خالد شيخ محمد وهو معروف حالياً بأنه العقل المخطط لهجمات 11 سبتمبر ويشك أنها العقل المدبر لعملية التفجير عام 1993. وقد ولد محمد في الكويت أيضاً كعبد الباسط إلا أنه انتقل للعيش في باكستان. (14) وتظهر السجلات الكويتية أن كامل عائلة كريم انتقلت من الكويت إلى باكستان في 26 أغسطس 1990 خلال الغزو العراقي. (15) كما ترى الاستخبارات الهندية أن كامل العائلة تعود بأصلها لمقاطعة بالوشيستان في باكستان وأن كريم هو الوحيد الذي تربى في الكويت. (16) وعلى كل حالة فإن كريم وعمه خالد والذي درس في جامعة كارولينا الشمالية، (17) هما الإرهابيان الذين خططوا بالأصل لعملية تفجير 11 سبتمبر. هذا وقد نجحت الشرطة الفيليبينية في كشف خيوط المؤامرة والتي تعرف باسم عملية بوجينكا، وذلك بعد مداهمة شقة كريم بسبب إنذار ناتج عن حادث صناعة متفجرات. وتمت مصادرة حاسب احتوى على خطط بوضع قنابل على أحد عشر طائرة نفاثة أمريكية مؤقتة لتنفجر في الوقت ذاته. واعترف أحد المتورطين في العملية عبد الحكيم مراد لاحقاً في التحقيق أن المرحلة الثانية من الخطة كانت اختطاف الطائرات والتحليق بها إلى أهداف مثل مقر الاستخبارات الأمريكية والبيت الأبيض والبنتاجون وإحدى ناطحات السحاب على الأرجح. وكان مراد متأكداً من ذلك بسبب دراسته في عدة مراكز تعليم طيران في تكساس ونيويورك وكارولينا الشمالية وكان من المخطط أن يكون أحد الانتحاريين المشاركين في تفجير الطائرات. (18)

    وكان فك خيوط المؤامرة وإفشال عمل الإرهابيين نصراً للاستخبارات الفيليبينية ومنحت الاستخبارات الأمريكية شهادة تكريم للمحقق الأول آيدا د. فارسيكال "على الجهود المميزة والتعاون البناء" (19ب) وسرعان ما نسيت الاستخبارات الأمريكية كل شيء عن العملية بوجينكا.

    وكان من الممكن لكريم أو رمزي يوسف أن يهرب من الفيليبين وتجنب الاعتقال إلا أنه ترك وراءه عدة كتب تقنية كان قد سرقها من مكتبة جامعة سوانسي (مما يؤكد هويته على أنه كريم) (19ب) وعاد إلى باكستان حيث اختفى بسهولة فيها ضمن الشبكة الإسلامية الضخمة. وكان بإمكانه أن يبقى شخصية رئيسية في شبكة الإرهاب الدولي إلى أنه تعرض للخيانة من أحد من أقرب رفاقه وهو مسلم جنوب أفريقي تم تجنيده من قبل كريم والذي أدلى بمعلومات عن مكان كريم مقابل مليوني دولار من الحكومة الأمريكية. وتم اعتقال كريم في شقته من قبل الأمن الأمريكي والباكستاني في 7 فبراير 1995. واستلم المخبر الجنوب أفريقي المليوني دولار وهو يعيش حالياً في الولايات المتحدة بهوية جديدة مع عائلته تحت حماية برنامج حماية الشهود (20). وتم إجلاء كريم بعدها إلى الولايات المتحدة ومحاكمته وإدانته بتفجير مركز التجارة العالمي، ويقضي "رمزي يوسف" حالياً حكماً بالسجن لمدة 240 عاماً.

    وهرب عم خالد من الفيليبين أيضاً إلا أنه وأثناء تواجده في قطر عام 1996 تم إبرام صفقة بين الحكومة القطرية ومكتب التحقيقات الفيدرالية لتسليم خالد شيخ محمد للولايات المتحدة. وأرسل مكتب التحقيقات الفيدرالية فريقاً إلى قطر وانتظروا فريستهم في فندق إلا أنه وفي اللحظة الأخيرة فشلت الصفقة، ويبدو أن "سلطة أعلى" تدخلت في اللحظة الأخيرة وهرب محمد إلى براغ حيث أسس هناك مركزاً جديداً باسم مصطفى ناصر. من هو الطرف المرجح أنه تدخل لإفشال صفقة هامة كانت في مرحلتها الأخيرة بين حكومتي دولتين؟ يبدو أن الشخص الذي تدخل لم يكن إلا وزير الشؤون الدينية. (21) والعامل الآخر الواجب أخذه بعين الاعتبار كون قطر مركز لأهم علماء الإخوان المسلمين وأعلاهم شأناً؛ د. يوسف القرضاوي، عميد الدراسات الإسلامية في جامعة قطر والذي يعمل أيضاً في لندن بصفة رئيس المجلس الإسلامي في أوروبا. (22) ولا شك أن إقامة خالد شيخ محمد في قطر كانت باستضافة الإخوان المسلمين وهو وحدهم ذوي النفوذ فيما يتعلق بإفشال صفق تسليمه للسلطات الأمريكية.

    يعتبر خالد شيخ محمد المفتاح لحل المؤامرة المحيطة بأحداث 11 سبتمبر إلا أن الصحفيين الذين حققوا في الأمر لم يتمكنوا من التوصل إلى أي شيء عن حياة هذا الرجل، هذا وقد تم خطف مراسل "وول ستريت جورنال" وقتله بوحشية لمحاولته التحقيق في أمر هذا الرجل في باكستان، وتم نشر الفيديو عالي التقنية الذي يصور عملية قطع رأسه في أنحاء العالم كتحذير لمن يقترب من التحقيق. وعندما بدأ الكونجرس الأمريكي التحقيق في أحداث 11 سبتمبر اكتشفوا أن رئيس الاستخبارات المركزية جورج تيني منع رفع حكم السرية عن كل المعلومات المتعلقة بخالد شيخ محمد، ولم يسمح بذكر اسم خالد في تقرير التحقيق أبداً. ويدرك تينيت أن التمحيص الدقيق في حياة خالد شيخ محمد ستكشف علاقات محمد الوثيقة بالإخوان المسلمين وصلات الإخوان المسلمين مع المنظمات الاستخبارية النخبوية في الغرب. وكان محمد يشكل أحد موجودات وأصول الاستخبارات المركزية كما كان "رمزي يوسف" وكانوا جزءاً من منظمة الإخوان المسلمين إلا أنهم كانوا مسلمين بالاسم فقط. فقد كشفت التحقيقات في الفيليبين أن محمد وابن أخيه كانا يستمتعان بشرب الكحول وزيارة نوادي التعري ومواعدة النساء المحليين. (24) وهي الحال نفسها مع العديد من الخاطفين المتورطين في أحداث 11 سبتمبر فقد كانوا يتمتعون بالنشاطات ذاتها في فلوريدا حتى بدء عمليتهم. ويشكل هذا تناقضاً كبيراً مع أسامة بن لادن والذي كان يسد أذنيه عندما كان يسمح الموسيقى تصدح في الأماكن العامة في السودان. (24) وكان أسامة بن لادن مرتبطاً بشكل ما بأحداث 11 سبتمبر إلا أنه ذلك يعود إلى كون الحركة الإسلامية العالمية صغيرة جداً وهو قد لعب دوراً صغيراً هذا إن كان له دور فعلياً في التخطيط والتنفيذ. والحقيقة موجودة فقط عند خالد شيخ محمد ويبدو أن العديد من القوى تعمل على إخفاء هذه الحقيقة.

    حاشية ومصادر القسم.

    7. مشاكل بن لادن المالية

    مع نهاية عام 1993 وبعد خدمة الترابي والإخوان المسلمين بإخلاص لمدة عامين بدأ بن لادن يشعر بضائقة مالية. ولم يكن مسموحاً له أن يسحب أي أموال من الشبكة المالية للإخوان والتي ساعد في إعداده بعد انهيار بنك الائتمان والتجارة الدولي لأنها لم تكن شبكته. وكان يعتمد على رؤسائه في التمويل وحينها لم تشعر منظمة الإخوان المسلمين بحاجة لتمويل بن لادن.

    والسبب الحقيقي في إفلاس بن لادن يعود إلى تجميد الحكومة السعودية لكامل أصوله وحساباته المصرفية. وتم ذكر هذه المعلومة من قبل عدة مصادر ومنها روبنسون والكاتب المجهول (وأعتقد شخصياً أنه د. سعد الفقيه) في سيرة حياة تم إعدادها عن بن لادن ونشرها في "بيه بي إس".

    وللخروج من هذا المأزق قام بن لادن باتخاذ خطوات قام بها غيره الكثير من السعوديين خلال العقود الماضية: انتقل إلى لندن وأسس شركة للإعلان عن مجموعته وقبل التبرعات من ملايين المسلمين الأثرياء المقيمين في بريطانيا. وتم فعل ذلك عن طريق د. سعد الفقيه والذي هرب من المملكة العربية السعودية وأسس الحركة الإسلامية للإصلاح ومن قبل د. محمد المصري والذي هرب من السعودية وأسس لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية.

    وقد أثارت حقيقة عيش بن لادن في لندن لفترة قصيرة من الزمن بلبلة إعلامية كبيرة عام 1999 مع نشر يوسف بودانسكي لكتابه، بن لادن، الرجل الذي أعلن الحرب على أمريكا. وقد تم دحض ادعاء بودانسكي من قبل عدة صحفيين بريطانيين ومن قبل خبير الإرهاب في قناة "سي إن إن" بيتر برجن، كاتب كتاب الحرب المقدسة، والذي سخر من احتمال صحة زعم الكتاب. إلا أن الوقت الذي أمضاه بن لادن في لندن تأكد من قبل صحفي مقيم في السعودية بدعى آدم روبنسون في كتابه بن لادن، ما وراء قناع الإرهابي. وتم نشر سيرة حياة بن لادن في أواخر 2001 وهي مأخوذة من مقابلات مع عائلة بن لادن وتعطي شرحاً مفضلاً للأشهر الثلاثة التي أمضاها بن لادن في انجلترا في بداية 1994.

    قام بن لادن عند وصوله بشراء حصان "في أو قرب هارو رود في مندق ويمبلي في لندن، ودفع الثمن نقداً واستخدم وسيطاً يمثله في عملية الشراء." (1) ومن أهم مهام بن لادن على الإطلاق كانت تأسيس منظمته التي دعيت "لجنة الإصلاح والنصح" ونشر أخبار صحفية واستلام التبرعات. وبعد مغادرته قام سعودي مقيم في بريطانيا يدعى خالد الفواز بإدارة هذه المنظمة من لندن متواصلاً مع بن لادن عبر الهاتف وناشراً تصريحات في عدة صحف ناطقة بالعربية في لندن. وكما ذكرنا في القسم الأول فقد قام بن لادن بتأسيس علاقات مع اثنين من المقيمين في لندن كانا يشكلان حجر الأساس في رسم صورته كمتحدث عالمي والعقل المدبر للحركة الإسلامية النضالية عبر السنين. والأول كان عبد الباري عطوان وهو محرر جريدة القدس العربي والثاني كان أصولياً من الإخوان المسلمين يدعى الشيخ عمر بكري محمد، والذي دعا نفسه "صوت أسامة بن لادن" ووجه حزب التحرير الإسلامي المتطرف ومنظمة المهاجرون من جامعه في لندن.

    ويذكر روبنسون أيضاً أن بن لادن كان لديه الوقت الكافي للتجول والتعرف على لندن وكتب: "كان أسامة مولعاً بإرسال البطاقات البريدية. وتظهر الأدلة أن زار برج لندن ومتحف الحرب الإمبراطوري. كما غادر جنوب انجلترا مرة واحدة على الأقل وكان أحد ملايين الناس التي تأتي سنوياً لزيارة قلعة أدنبرة في العاصمة الاسكتلندية." (2)

    ويصف روبنسون ردة فعل بن لادن عند حضوره مباراتين لفريق الآرسينال في كرة القدم بما فيها مباراة 15 مارس والتي هزم فيها الفريق تورينو وتقدم إلى نصف النهائي في بطولة أوروبا. حيث علّق بن لادن على حماس وشغف المعجبين بالفرين وقال لأصدقائه وعائلته لاحقاً بأنه لم ير مثل هذا في حياته. وعند عودته للسودان أحضر معه تذكارات لنادي الآرسينال بما فيها قميص لابنه عبد الله ذو الخمسة عشر ربيعاً. (3)

    ولم تدم رحلة بن لادن طويلاً فقد قطعها تدخل من السعودية. ولم يكن بن لادن "عقلاً مدبراً" للإرهاب بل عضواً عاملاً مجاهداً من أرفع المستويات في الإخوان المسلمين وكان من أقوى السعوديين جرأة على الانقلاب ضد حكومته. وبحسب روبنسون فقد تمت ممارسة ضغط أكبر على الحكومة السعودية من قبل اليمن ومن الرئيس المصري مبارك عام 1994. (4) حيث كان لدى الحكومتين معلومات عن أن السودان تقوم بدعم الإرهاب محاولة زعزعة الأمن في البلدين. ويصف روبنسون رد السعودية على مشكلة بن لادن:

    "في أبريل 1994 تم سحب الجنسية السعودية من بن لادن بسبب "التصرف غير المسؤول" وتم إخطاره بأنه لم يعد مرحباً به في بلاده بعد الآن بسبب "ارتكابه أفعالاً تؤثر بشك عكسي على العلاقات الأخوية بين السعودية وغيرها من الدول"" (5)

    وطلبت الحكومة السعودية من بريطانيا تسليمه إلا أنه وعلى العكس سُمح له بالمغادرة ببساطة والعودة إلى السودان. وكانت الخطوة الأولى له بعد العودة إصدار بيان يستنكر فيه قرار الحكومة السعودية سحب جنسيته. وكان رده أنهم لم يكن يعتمد على جنسيته السعودية في التعريف عن نفسه كمسلم. وبعد عدة أسابيع انتعشت لجنة الإصلاح والنصح التي أسسها في لندن ووصفها في الإعلام على أنها "جماعة سياسية تهدف بشكل فعال لمعارضة نظام الحزب الواحد في الداخل والخارج في المملكة العربية السعودية". روبنسون- صفحة 173.

    وفي السنوات اللاحقة عمل بن لادن في السودان على متابعة الاهتمام بأموره المالية وتطلبت أعماله الخاصة تكاليف عالية لذا كان في حاجة مستمرة للتدفق النقدي. وفي مقابلة أجريت عام 1996 مع عبد الباري عطوان محرر جريدة القدس العربي قال بن لادن بأنه خسر 150 مليون دولار في مشاريع إنشائية وزراعية خلال فترة عيشه في السودان. (7) ولم ينفذ منه المال أبداً إلا أنه أصبح أكثر حذراً تجاه إنفاقه. قد تكون منظمة الإخوان المسلمين شبكة مالية لا ينقصها المال على الإطلاق إلا أن حسابات بن لادن الخاصة كانت عرضة للنفاذ في أي وقت. وبدت هذه الحقيقة واضحة في شهادة عدة أعضاء في القاعدة والذين اعتقلوا بعد تفجيرات السفارة الأفريقية عام 1998، ومن شهادة من انشق من أعضاء القاعدة.

    ومن أحد هؤلاء الأعداء، جمال الفضل والذي كان في وقت من الأوقات مديراً لرواتب بن لادن حيث اشتكى إحدى المرات من راتبه وقدره 500 دولار أمريكي وقارنه براتب قدره 1200 دولار يتقاضاه موظفون مصريون. وشرح بن لادن الموقف بأنه يعطيهم هذا المبلغ لأنهم قادرون على تحصيل رواتب أعلى في مصر لذا عليه الحفاظ عليه وإغراؤهم بالمال. وانشق الفضل عن القاعدة لاحقاً بعد أن سرق 110,000 دولار من بن لادن. (8)

    ومن المنشقين أيضاً الحسين كيرتشو والذي امتعض من بن لادن بعد رفض الأخير دفع قيمة عملية قيصرية طارئة لزوجة الحسين الحامل. حيث قال: "مع نهاية عام 94 وبداية 95 كنا نعاني من أزمة في القاعدة فقد كان أسامة بن لادن يخبرنا بنفسه عن قلة المال وخسارة كل أمواله، لذا لم يعد قادراً على تقديم الكثير من الأشياء وقام بتنفيض رواتب الجميع." كما قال كيرتشو أن بن لادن رفض دفع كلفة تجديد رخصة الطيران الخاصة به، ويظن الناس أن الطيارين المرخصين لا بد وأنهم كانوا يعتبرون عنصراً بالغ الأهمية في منظمة القاعدة الإرهابية سيئة السمعة. (9)

    وقامت جريدة القدس العربي في أواخر عام 2001 بنشر سلسلة من التقارير عن حياة بن لادن في السودان. ووصفت هذه التقارير عيشه هناك بالسلبي ووصفت التكلفة الهائلة التي ترتبت عليه جراء ذلك، "كانت الفترة التي قضاها في السودان هامة على الرغم من أثرها السلبي على بن لادن. حيث نظر إليه السودانيون كمستثمر يدعم المشروع الإسلامي الذي أعلن عنه حسن الترابي، القائد الروحي للثورة الإسلامية في السودان...إلا أنها كانت تجربة مريرة لبن لادن فقد كلفته مبالغ هائلة من المال وعلى الجانب الآخر كانت وقتاً تم فيه وضع العديد من الأفكار والخطط." (10)

    هذا وقد نشأت مشكلات أخرى في القاعدة عندما كان بن لادن في السودان. فعندما تم اعتقال الشيخ عبد الرحمن من قبل أمريكا بعد تفجيرات عام 1993، طلب العديد من موظفي بن لادن المصريين الرد بهجمة على أمريكا إلا أن بن لادن رفض. ونتيجة لذلك غادر العديد منهم القاعدة باشمئزاز. ولاحقاً ونتيجة للضغط الليبي على السودان حاول بن لادن إرسال موظفيه الليبيين إلى بلادهم وشرح لهم الموقع وعرض عليه بطاقات طيران لهم ولعائلاتهم إلا أنهم كانوا مشمئزين للغاية لرؤية كهف بن لادن غارقاً تحت الضغط السياسي فرحلوا دون أن يقبلوا العرض. (11)

    كانت تجربة تفجير السفارة مفيدة بشكل كبير في تقويض فكرة الثراء الفاحش والقوة وآلة الإرهاب السرية القادرة على تفجير أي مكان في العالم التي اشتهر بها بن لادن والقاعدة. وعملت جريدة "نيويورك تايمز" حتى منتصف عام 2001 على نشر مقالات كتلك في 31 مايو من قبل بنجامين وايزر بعنوان: "تجربة أدت إلى زعزعة صورة جماعة بن لادن الإرهابية." إلا أن هذه التقارير لم تكن كافية لتشويه صورة بن لادن وجاءت هجمة 11 سبتمبر كانتقام من هذه الانتقادات.

    قد تعتبر مشاكل بن لادن المالية وغيرها من المشكلات الداخلية في المنظمة تفسيراً لخيانة بن لادن من قبل حسن الترابي والحكومة السودانية.. وبحسب رجل الأعمال الأمريكي منصور إعجاز والذي التقى الترابي في يوليو 1996 فقد عرضت السودان عدة مرات تسليم بن لادن للولايات المتحدة مقابل رفق العقوبات الاقتصادية. (12) وكان أول عرض بتاريخ فبراير 1996 إلا أن حكومة كلينتون تجاهلت العرض على الرغم من دعوة أحد تقارير وزارة الخارجية (بعنوان: أنماط الإرهاب الدولي) لبن لادن بـ: "أحد أهم الداعمين الماليية للنشاطات الإسلامية المتطرفة في العالم اليوم."

    وكررت السودان عرضها في مايو 1996 أثناء تحضير بن لادن نفسه لنفل منظمته إلى أفغانستان وتم تجاهل العرض مرة أخرى. وحتى بعد أن غادر بن لادن السودان قامت الحكومة بعرض تزويد حكومة كلينتون بالمعلومات عن بن لادن. وبحسب مقالة على موقع نيوجيرسي.كوم قام إعجاز بإعادة تقديم العروض إلا أن البيت الأبيض بقي غير مكترث.

    "وقال أنه في زيارة لاحقة للسودان التقى رئيس الاستخبارات السوداني، جوتبي المهدي والذي قال: "إن كان بإمكانك إقناع حكومتك بالمجيء إلى هنا فإنه هذا ما يمكننا تقديمه لهم" وذلك حسب ما ذكر إعجاز، مشيراً إلى رزم الملفات الثلاثة أمامه. وأضاف: "لدينا كامل الشبكة وليس فقط بن لادن أو حزب الله. ونفهم كل ما يجري في العالم الإسلامي." (13)

    وبحسب مقالة نشرت في 6 يناير 2002 في "صنداي تايمز" اللندنية، فإنه وخلال عشاء ما بعد هجمات 11 سبتمبر في مانهاتن، أقر كلينتون أن ترك أسامة بن لادن يهرب هو على الأرجح "أكبر خطأ فعله خلال رئاسته"".

    إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه، هل كان العرض حقيقياً؟ وهل كانت السودان ستقوم فعلاً يخيانة كامل شبكة الإسلام العسكرية؟ فقد التقى إعجاز بوكيل مجلس الأمن الوكني ساندي بيرجر وسوزان رايس، المستشارة الأولى للشؤون الأفريقية لتكرار العروض. وشرحت رايس لاحقاً أن هذه العروض قد لقيت التجاهل رداً بسبب نفاق السودان المعهود والمثبت.

    "السودان هي إحدى الحكومات الأكثر نفاقاً وازدواجاً في العام. والمهم هو ما تفعله وليس ما تقول أنك ستفعله. والسودان ماهرة للغاية في قول شيء وفعل شيء آخر." (14)

    ربما كانت السودان ترغب حقاً في تسليم بن لادن إلا أن تسليمه لن يشكل سوى ضربة صغيرة للحركة الإسلامية. وستبقى منظمة الإخوان المسلمين قادرة على السيطرة على الشبكة المالية التي ساعد في تأسيسها جزئياً بن لادن وكانت ستبقى مستمرة في حربها ضد الأنظمة المعتدلة في الشرق الأوسط دون أن تكل أو تمل. أي أن بن لادن كان مستنفذاً ببساطة.

    الحواشي والمصادر

    8. استمرار ثورة الإخوان

    بعد عودة بن لادن من زيارته إلى انجلترا عام 1994 بدأت حدة الأوضاع تتصاعد في العالم الإسلامي, فبعد سحب الجنسية السعودية من بن لادن، واجه النظام السعودي هيجاناً في الأوساط الأصولية في السعودية. وكان عائلة سعود تعاني من معضلة، فقد دعمت الجهاد وتوسع الإسلام حول العالم واستفادت من دور الملك كخادم الحرمين الشريفين إلا أن انحطاط العائلة وفسادها وانحلالها الأخلاقي أصبح أمراً ثابتاً ومؤكداً يوماً بعد يوم. وكانت مسألة وقت فقط قبل أن يصبح هذا النفاق مشكلة وارتد الجهاد ضد من دعمه في البداية.

    ومن أهم مناوئي النظام شيخ مجاهد يدعى سلمان بن فهد العودة والمعروف من قبل بن لادن ومن قبل الآلاف من السعوديين "الأفغان" والذي عاش بقلق في السعودية بعد عودته من أرض المعركة. وبدأ النظام السعودي ينظر لهذا الشيخ بقلق متزايد. وفي سبتمبر 1994 قام النظام باعتقاله وخلال بضعة أيام أعلنت منظمة مجهولة النشأة باسم "كتائب الإيمان" عن منحها النظام السعودي مهلة لتسليم الشيخ خلال خمسة أيام وإلا ستواجه حملة من الإرهاب ضد الحكومتين الأمريكية والسعودية.

    وتجاهلت الحكومة السعودية هذا التهديد ولم ينتج شيء عنه. ويقول بودانسكي أن هذا التهديد كان مهماً لكونه الأول من نوعه ضد العائلة الحاكمة." وكانت المهلة أول بلاغ رسمي علني من منظمة إرهابية إسلامية داخل المملكة العربية السعودية. (1)

    وفي أبريل من عام 1995 استلم الإسلاميون السعوديون دعماً على شكل رسالة مسجلة بصوت الشيخ العودة تم تهريبها ونشرها بين مناصريه. ويصف بودانسكي أهمية هذه الرسالة كالتالي:

    "كانت الخطبة بعنوان "صنعة الموت" تغطي منطق العلاقة بين الإسلاميين والحضارة الغربية وكانت بمثابة إعلان للجهاد المسلح ضد عائلة سعود. وحددت مبررات للمواجهة الدائمة، وكأنها فتوى تقضي ببدء الجهاد ضد العائلة الملكية. وأعلن الشيخ أن أي رفض للجهاد مقابل أي نوع آخر من المقاومة سيعتبر ارتداداً عن العقيدة وهو الذنب الأعظم في العقيدة الإسلامية، مما ترك مناصري الشيخ في حالة لا تسمح لهم باختيار أي بديل آخر عن الجهاد...." (2) بودانسكي - صفحة 117-118

    أشعلت هذه الرسالة شرارة مقاومة النظام السعودي في المملكة والعالم، وبحسب بودانكسي فإن لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية المتمركزة في لندن (مذكورة سابقاً) هي "أكبر وأفضل الجماعات الإسلامية السعودية المعارضة تنظيماً" ومع نشر رسالة الشيخ فإن اللجنة غيرت نهجها المعتدل والدبلوماسي إلى داعم للمقاومة المسلحة للنظام السعودي وهو تغيير انعكس في تصريحات وبيانات اللجنة الصحفية.

    وقد ضربت الشبكة الإسلامية السعودية ضربتها الأقوى في 13 نوفمبر 1995 عندما انفجرت سيارة مفخخة في الرياض مما أدى إلى تدمير مبنى مستأجر من قبل أمريكا وقتل ستة أشخاص بما فيها خمسة أمريكيين. ويذكر روبنسون أن القنبلة تكونت من 20 رطلاً من متفجرات "سيمتكس" العسكرية، والتي أدت إلى تكسر النوافذ في دائرة قطرها ميل. وسرعان ما قامت عدة جامعات إسلامية سرية عن تبنيها لهذه الهجمة.

    ويذكر بودانسكي أن الحركة الإسلامية المسلحة، منظمة الجهاد غير الرسمية التابعة للإخوان المسلمين، قد تبنت العملية من خلال التصريح عبر قنوات ذات صلة باسم الجماعة غير معروفة في السابق تدعو نفسها منظمة نصراء الله المجاهدين. كما أكد هذا التصريح على أن عملية الرياض كانت أولى عمليات الجهاد لها." (3)

    وكانت منظمة الإخوان المسلمين تستفيد من الجو السياسي في المملكة وانضم إلى الحراك الهادف لإسقاط نظام عائلة سعود. وكانت هذه عملية ثانوية إلا أن الهدف الأساسي للإخوان المسلمين في 1995 كان تدمير عدوها الأزلي، وهو الحكومة العلمانية في مصر.

    قام حسن الترابي في مارس 1995 بعقد اجتماع في الخرطوم مع ثلاثة من أهم الإسلاميين المصريين: د. أيمن الظواهري، رئيس منظمة الجهاد الإسلامي المصرية، ومصطفى حمزة ورفاعي أحمد طه، وهو عضوان في الجماعة الإسلامية. وكان الظواهري مستقراً في جنيف حيث تتم إدارة منظمته من خلال جامع للإخوان المسلمين. (صفحة 125) أما مصطفى حمزة فكان مستقراً في لندن والخرطوم بينما كان رفاعي أحمد طه مستقراً في لندن وبيشاور، باكستان. وكان الهدف من الاجتماع التخطيط لاغتيال الرئيس المصري حسني مبارك وتم الاتفاق على ذلك. وكان من المخطط تنفيذ العملية خلال زيارة مبارك الدبلوماسية لأديس أبابا، إثيوبيا، في أواخر شهر يونيو. (4) صفحة 123

    وتم طرح هذا المخطط بعدها في اجتماع إسلامي أكبر في الخرطوم. وكان من المتوقع أن يؤدي اغتيال مبارك إلى فتح الطريق أمام انقلاب إسلامي في مصر، متبوعاً بسقوط عائلة سعود وإسقاط دول الخليج العربي. وتم اختبار مصطفى حمزة لتنسيق التحرك في مصر بينما تم تعيين الظواهري ليكون مدير عملية الهجوم الفعلي على مبارك. (5)

    وقام الترابي في مايو بالسفر إلى باريس بغرض العلاج إلا أنه سافر من هناك سراً إلى جنيف للاجتماع مع الظواهري، وبعدها قام الأخير بزيارة تفقدية للخرطوم كما تمكن من زيارة إثيوبيا باستخدام جواز سفر مزور ليتمكن من تنسيق الخطة ميدانياً. ومن ثم عاد إلى جنيف حيث عقد اجتماعاً أخيراً ناجحاً مع أهم قادة العمليات في 23 يونيو. (6)

    وقضت الخطة باستخدام ثلاثة فرق لمهاجمة موكب سيارات مبارك عند مغادرتها المطار وتوجهها إلى مركز المؤتمرات الذي يبعد قرابة نصف ميل. ويقوم الفريق الأول بمهاجمة الموكب بالرشاشات من عدد من الأسطح قرب المطار مما يؤدي إلى إبطاء حركة الموكب مما يسمح للفريق الثاني المسلح بالآر بي جي بالاقتراب وتفجير سيارة مبارك و/أو أي سيارة مصرية رسمية أخرى. وإن نجحت سيارة مبارك بالهرب فسوف تواجه الفريق الثالث والمجهز بسيارة مفخخة يقودها انتحاري. وأشارت استخبارات الظواهري الخاصة أن سائق مبارك كان قد استلم تعليمات بالقيادة بالسرعة القصوى إلى الوجهة إن حدث أي طارئ لذا كانت السيارة المفخخة آخر فرصة لنجاح الاغتيال.

    فشلت الخطة لعدة أسباب أولها تأخر حاشية مبارك في تنسيق الموكب وحصول الشرطة الإثيوبية على وقت إضافي لتأمين الطريق وتم إخطار فريق الآر بي جي بإعادة تحزيم صواريخهم لأسباب أمنية. ولذلك ودون إنذار أعلن مبارك وجوب انضمام أي فرد جاهز للموكب فلم يكن يرغب بالانتظار إلى حين تجمع كامل الموكب ولهذا السبب لم تحصل فرق الاغتيال على إشعار مسبق بذلك وتم اعتقالهم مع أسلحتهم. وكان القرار الأخير الذي أنقذ حياة مبارك هو الخيار الذي تم اعتماده حال بدء إطلاق النار حيث توقف الموكب بأكمله. وأدار السائق السيارة إلى الخلف وعاد إلى المطار الآمن. ولم يتسنى للانتحاري الاقتراب من سيارة مبارك على الإطلاق، والتي كانت سيارة مرسيدس خاصة بالرئيس أحضرها من مصر وكانت مقاومة للرصاص وسلاح الآر بي جي. (7)

    ويصف بودانسكي آثار هذه الخطة الفاشلة كما يلي:

    "محاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك في أديس أباب في 26 يونيو 1995 كانت حدثاً هاماً في تطور الصراع الإسلامي للسيطرة على العالم العربي ومحور الإسلام. وإن هذه العمليات من هذا الحجم وحتى ولو تم تبنيها من قبل منظمات إرهابية غامضة إلا أنها تشكل أدوات في سياسة الدولة ويتم تنفيذها بالنيابة عن أقوى وأهم الدول الداعمة للإرهاب. وإن لمحاولة الاغتيال هذه والتي تدعمها إيران والسودان آثار إقليمية وبعيدة المدى. وعلى الرغم من نجاة الرئيس مبارك وفشل الثورة الإسلامية الشعبية المخطط لها من قبل المتآمرين في تحقيق نجاح لها في مصر، إلا أن المحاولة بحد ذاتها تعطي الموجة الإسلامية تعزيزاً قوياً في المنطقة." (8) صفحة 121

    وتبنت الجماعة الإسلامية في 4 يوليو محاولة الاغتيال، وهي المنظمة الإرهابية التابعة للشيخ عمر عبد الرحمن المعتقل. وذكرت الجماعة أن الهجمة كانت مهداة لروح قائد إسلامي قتل على يد الشرطة المصرية عام 1994.

    وسرعان ما وجهت مصر اللوم للسودان على الهجمة وتبعتها إثيوبيا والولايات المتحدة. وكان الدليل دامغاً بأن السودان قامت باستقبال وتدريب وتمويل الإرهابيين وتم التأكد من مشاركة السودان عبر رفضها لتسليم ثلاثة من الإرهابيين المتورطين في تنفيذ العملية. وقامت الأمم المتحدة نتيجة لذلك بفرض عقوبات دبلوماسية وأخلت الولايات المتحدة سفارتها في الخرطوم وطردت الدبلوماسيين السودانيين وفرضت عقوبات اقتصادية ودبلوماسية. وانتهى بذلك عهد السودان كملجأ فعال للحركة الإسلامية المجاهدة. وكان على الترابي أن يغير على الفور سياساته لتجنب أي إجراءات جدية تجاه السودان وحماية حكمه الإسلامي. ومن إحدى المبادرات الاستعطافية كان عرضه تسليم بن لادن للولايات المتحدة إلا أن إدارة كلينتون لم تكترث بالعرض.

    أما الهجوم التالي على الحكومة المصرية فكان في 19 نوفمبر 1995 أي بعد ستة أيام فقط من تفجير الرياض والذي أدى إلى قتل جنود أمريكيين. حيث قامت سيارة بالتوجه إلى بوابة السفارة المصرية في إسلام أباد وحدث انفجار صغير بعدها في المنطقة التي يتجمع فيها المراجعون منتظرين التأشيرات. أدى الانفجار، والذي حصل على ما يبدو على يد انتحاري رمى نفسه من السيارة، إلى خلق بلبلة مما سمح بتغطية دخول سيارة أخرى محملة بتسعمائة رطل من المتفجرات إلى أمام السفارة. وأدى هذا الانفجار إلى فتح فوهة عرضها عشرون قدماً وعمقها عشرة أقدام. وقتل عشرة أشخاص وجرح العشرات.

    وسرعان ما تبنت ثلاثة منظمات إرهابية مصرية العملية، حيث تبنت الجماعة الإسلامية التابعة للشيخ عبد الرحمن والتي يقودها مصطفى حمزة ورفاعي أحمد طه وادعت أن التفجير كان ضد الرئيس مبارك. ومن ثم تنصلت الجماعة من المسؤولية. كما قامت منظمة الجهاد الإسلامي التابعة لأيمن الظواهري بتبني العملية وأعلنت عن أسماء منفذي التفجير، أو "الشهداء" حسب ما قالت المنظمة. أما الادعاء الأخير فجاء من قبل مجموعة العدل الدولية المرتبطة بالظواهري والتي أعلنت أن التفجير قد تم تنفيذه على يد فرقة "الشهيد خالد إسلامبولي" مشيرة إلى السفاح الذي اغتال الرئيس المصري أنور السادات. (9)

    وخلص بودانسكي إلى أنه مهما يكن منفذ العملية على الحكومة المصرية،

    "فإنه وكمال الحال مع محاول اغتيال مبارك، فإن عملية تفجير إسلام أباد كانت تحت سيطرة وتمويل المراكز الإسلامية العليا في أوروبا الغربية - أيمن الظواهري في جنيف والقائد الأدنى منه رتبة ياسر توفيق سري في لندن." (10) صفحة 144

    بنهاية عام 1995 كانت السودان تشعر بكامل تأثيرات دعمها للحركة الإسلامية المجاهدة. فقد كان اقتصاد الدولة في حالة مزرية وكانت العقوبات كفيلة بمنع أي استثمار اقتصادي مفيد أو مساعدة من الخارج، وكانت مصر والسعودية على حافة اتخاذ إجراءات عسكرية مباشرة ضدها. وبسبب هذه الضغوط قرر الجنرال بشير التقليل من دعمه لحسن الترابي وتجربته الإسلامية وضغط عليه لتهدئة الأوضاع. وقارب عهد السودان كقاعدة للإخوان المسلمين نهايته. وكان هذا متوقعاً من قبل الإخوان المسلمين وحتى أثناء التخطيط لاغتيال مبارك كان المنظمة تنقل أصولها إلى مخيمات قلب الدين حكمتيار في أفغانستان. وبعد سنة حذا أسامة بن لادن حذو المنظمة وانتقل إلى جلال أباد، أفغانستان في 18 مايو 1996.

  3. #3
    الاداره
    تاريخ التسجيل
    Tue May 2009
    الدولة
    الرايه الهاشميه حفظها الله
    المشاركات
    212,599
    معدل تقييم المستوى
    21475063
    أنا قرأت نفس هالموضوع مره واللي مش قادر اصدقه
    كيف مسلمين وينتمون للحركه الماسونيه
    واللي بقهر اكثر شتان مابين المسلم الحقيقي واي واحد من الحركه الماسونيه
    بالفعل شيء تشمئز منه النفس عندما ترى هؤلاء الشخصيات بدعوى الاسلام
    ينشرون افكار مسمومه وللاسف العديد يصدقونهم ويتشددون للدفاع عنهم
    مع انهم اصبحوا مكشوفين للعالم اجمع هؤلاء الذين اخذوا مسمى الاخوان المسلمين
    ليكسبوا التأييد الأكبر من جميع الشعوب العربيه الاسلاميه
    وسبحان الله لايدخلون بلد الا ويصبح خرابه
    لانقول غير حسبي الله ونعم الوكيل فيهم ولكل واحد منهم يوم


    شاكرين جهودك الطيبه والمعلومات القيمه
    ليس من الصعب ان تصنع الف صديق فى سنة
    لكن من الصعب ان تصنع صديقا لألف سنة
    يكفيني فخرا انني ابن الرايه الهاشميه

  4. #4
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Mon Oct 2009
    المشاركات
    645
    معدل تقييم المستوى
    654166
    هاي رسالة ماجستير
    هو في حدا فاضي يقرا
    لكني ارى ان الايام دول وهذه الفترة هي دولتهم
    والله اعلم

  5. #5
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Wed Jun 2008
    الدولة
    صانعة رجال البواسل رجال الهيه المملكة الهاشمية
    المشاركات
    146,552
    معدل تقييم المستوى
    11586669





    شاكرين كل جديد
    بوركت جهودك الطيبة
    دمتم بحفظ الله ورعـايتــــه...!!

    اختكم بالله


  6. #6
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Mon Mar 2009
    الدولة
    وراء عيوني المفمضه
    المشاركات
    6,527
    معدل تقييم المستوى
    5711677
    اكتفي بقراءة العنوان

    وقبل وضع الرد

    اود معرفة المصدر او صاحب المقال

    حينها

    ادرك هل ييستحق الرد ام لا يستحق

    شكرا للنقل

المواضيع المتشابهه

  1. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 26-07-2012, 04:15 PM
  2. طريقة جديدة لفتح الجريدة
    بواسطة shatnawi في المنتدى منتدى سوالف وسعه صدر
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 15-02-2012, 02:32 PM
  3. ادخل اسمك وشوف الوظيفة اللي تناسبك
    بواسطة coco fofo في المنتدى منتدى الالعاب
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 20-12-2008, 10:54 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
معجبوا منتدي احباب الاردن على الفايسبوك