السلام عليكمـ



ودعت السينما العربية آخر فرسانها الكبار، آخر عمالقة الاخراج، يوسف شاهين، «الاسكندراني» الفذ، أغلق أخيراً عين الكاميرا واستراح، الطفل المشاغب أسلم الروح الى بارئها عن اثنين وثمانين عاماً، قضى منها ستين عاماً مؤرخاً بالصور لـ «مصير» وطن رآه في مفترق طرق، غنى من القلب «حدوتة مصرية» تركها أمانة في أعناق تلاميذه، آن للابن «الضال» ان يريح جسده المتعب بعد اغتراب السنين ويصغي الى انشودة «العصفور»، ها هو «المهاجر» الباحث عن الخير والحق والجمال يتوقف عن التحليق، وها هو الفارس النبيل الذي حارب بالفن جميع أشكال الفوضى والارهاب والاستعمار، يترجل أخيراً. كان قلبه على الدوام معلقاً بهموم أمته العربية فاستلهم لها من الماضي المجيد «الناصر صلاح الدين» ومن الحاضر الزاهر «جميلة بوحيرد»، وظل حتى آخر لحظة من عمره مناضلاً في الواقع كما هو على الشاشة، متشبثاً بـ«الأرض» وناسها البسطاء الشرفاء. وفي كل عمل جديد يدعوهم الى تحطيم «باب الحديد» والانطلاق في فضاء الحرية والعدالة.

أكثر من أربعين فيلماً، أصبح معظمها علامة مضيئة في تاريخ السينما العربية، مزج فيها بين الخيال والتوثيق، واستلهم فيها الماضي والحاضر مستشرفا مستقبلا أفضل، راصدا بكاميرا شجاعة هموم الريف والمدينة، وصراع الانسان والسلطة، الاستقلال والتبعية. وفي كل جديد له كان مثيراً للجدل، الى درجة رفع قضايا ضده لمنع عرض أفلامه، لكن المشوار استمر بالحماس نفسه، وبالصدق ذاته.

قدم السينما بجميع أشكالها من الفيلم الغنائي والاستعراضي، مروراً بالواقعي والاجتماعي والتاريخي والوثائقي، وانتهاء بالأفلام ذات الحس التجريبي والتي تسجل سيرته الخاصة. وفي كل تجربة كان الجمهور على وعد بجيل جديد من الممثلين البارعين، فهو مكتشف بارع لعشرات النجوم ابتداء من عمر الشريف وانتهاء بــ خالد صالح، وحتى من كانت لهم تجارب قبله أعاد اكتشافهم بطريقته الخاصة. ولد يوسف جبريل شاهين لأبوين مسيحيين مصريين من الطبقة الوسطى، في 25 يناير 1926، ونشأ في الاسكندرية و كمعظم الأسر التي عاشت في الاسكندرية في تلك الفترة كان هناك خمس لغات يتم التحدث بها في بيت يوسف شاهين. وعلى الرغم من انتمائه للطبقة المتوسطة كانت دراسته في مدارس خاصة منها مدرسة كلية فيكتوريا Victoria College حتى حصل على الشهادة المدرسية الثانوية. بعد سنة في جامعة الاسكندرية، انتقل الى الولايات المتحدة وأمضى سنتين في دار پاسادينا Pasadena Play House يدرس صناعة الأفلام والفنون الدرامية. بعد عودته الى مصر، ساعده المصور الشهير أل?يز أورفانيللي بالدخول في العمل بصناعة الأفلام ليقدم أول أفلامه «بابا أمين» مع سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة. وبعده بعام قدم «ابن النيل» مع شكري سرحان وهو أول عمل له يشارك في مهرجان كان السينمائي الدولي.

وخلال مشواره الثري حصد شاهين عشرات الجوائز أبرزها جائزة الدب الفضي من مهرجان برلين عن «اسكندرية ليه» الذي يعد الجزء الأول من رباعية تروي سيرته الشخصية الى جانب «حدوتة مصرية»، «اسكندرية كمان وكمان»، «اسكندرية نيويورك». ثم كان التكريم الأهم بحصوله جائزة اليوبيل الذهبي من مهرجان كان في عيده الـ50 عن فيلمه المصير (1997)، ومنحه رتبة ضابط من فرنسا عام 2006. ومن مصر حصل على جائزة الدولة التقديرية في الفنون عام 1994 وعلى جائزة مهرجان قرطاج عام 1970 عن مجمل أعماله.

الى جانب عمله الأساسي كمخرج شارك شاهين في جميع مجالات صناعة السينما وأبرزها الانتاج، سواء كشريك في أعماله أو كمنتج لأعمال غيره مثل «سرقات صيفية» لتلميذه يسري نصر الله، والمشاركة في كتابة حوالي 20 فيلما. لكن التجربة الأهم كانت ظهوره كممثل أو ضيف شرف في العديد من الأعمال، أهمها تجسيده لشخصية «قناوي» في فيلمه الشهير «باب الحديد».

وفي معظم ظهوره كان بشخصيته الحقيقية كمخرج يوجه بعفوية الممثلين والفنيين، وآخر ظهور له أمام الكاميرا كان في فيلم «ويجا» لتلميذه الوفي خالد يوسف الذي شاركه اخراج آخر أفلامه «هي فوضى» حيث أصر شاهين ان يكتب الاسمان معاً كمخرجين للعمل، رغم ان خالد اعتاد على ان يكون مخرجا مساعدا له لسنوات عدة. لكنه الأستاذ الذي يدرك سنة الحياة ولا يريد ان يبخس تلميذه حقه وجهده.

وسجلت كاميرا «جو» تاريخاً مهماً لنجوم أضاءوا أمام كاميرا يوسف شاهين نذكر منهم: سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، النجم العالمي عمر الشريف، العملاق محمود المليجي، شكري سرحان، حمدي غيث، زكي رستم، يوسف وهبي، زكي طليمات، ليلى مراد، هند رستم، تحية كاريوكا، شادية، فريد الأطرش، يحيى شاهين، أحمد مظهر، صلاح ذو الفقار، هدى سلطان، فيروز، ماجدة، محسنة توفيق، فريد شوقي، سعاد حسني، نور الشريف، ماجدة الخطيب، محمود ياسين، عزت العلايلي، أحمد زكي، أحمد بدير، لطيفة، محمود حميدة، داليدا، رجاء حسين، سهير المرشدي، يسرا، ماجدة الرومي، هشام سليم، محسن محيي الدين، خالد النبوي، حنان ترك، منة شلبي، وخالد صالح. ورغم حرصه على ضخ دماء جديدة في أعماله واكتشاف الشباب لكن من المعروف عنه وفاؤه لفريقه الفني من ممثلين وفنيين، لذلك رأينا نجما مخضرما مثل محمود المليجي في العديد من أفلامه، وفي المرحلة الأخيرة كان نور الشريف ويسرا ومحمود حميدة الأكثر حضوراً في أعماله.

كما تتلمذ على يديه العديد من المخرجين المتميزين أمثال داود عبد السيد، يسري نصر الله، الراحل رضوان الكاشف، علي بدرخان، خالد الحجر، خالد يوسف، مجدي احمد علي وعماد البهات.

ورغم تأسيسه لشركة «أفلام مصر العالمية» لكنه لم يسع أبدا للربح على حساب القيمة الفنية، بل أعطى مثالاً حياً للمنتج الملتزم بقضايا وطنه ودوره كمخرج رائد، واستفاد في ذلك من نظام الانتاج المشترك مع شركات عالمية خصوصا الفرنسية، حيث تربطه بفرنسا الدولة والثقافة روابط وطيدة، فهو يتحدث الفرنسية بطلاقة، وزوجته فرنسية، بل وكانت له تجربة في اخراج مسرحية «كاليغولا» على واحد من أعرق مسارح باريس. ويأتي لجوء شاهين الى الانتاج كحل وحيد للبقاء في الساحة بعد ان حاربته المؤسسة الرسمية في مصر اثر اتهامه للسلطة السياسية في مصر بالمسؤولية المباشرة عن النكسة في فيلم «العصفور». وفي تلك الفترة آثر مغادرة القاهرة الى بيروت حيث قضى حوالي أربع سنوات أثمرت عن فيلم «بياع الخواتم» للسيدة فيروز، قبل ان يعود الى القاهرة بقرار من الرئيس السادات. ورغم ذلك لم يهادن وظل معارضاً صلبا للعديد من السياسات الحكومية، ليس في أعماله الفنية فقط، بل حتى في مواقفه الشخصية وحواراته المختلفة. ولعله المخرج الوحيد بين أبناء جيله الذي استبسل كي يبقى متوهجا وراء الكاميرا، دون ان يستسلم للضغوط الانتاجية أو السياسية أو حتى الظروف الصحية، وفي الخامس عشر من الشهر الماضي أُصيب شاهين بنزيف متكرر بالمخ، ودخل على اثره في غيبوبة كاملة اقتضت نقله الى باريس، دون ان تتحسن حالته، ليعود الى وطنه ليقضي أيامه الأخيرة في مستشفى المعادي للقوات المسلحة حيث لفظ انفاسه الأخيرة.

فيلموغرافيا

-1 بابا أمين (1950).

2 - ابن النيل (1951).

3 - المهرج الكبير (1952).

4 - سيدة القطار (1953).

5 - نساء بل رجال (1953)

6 - صراع في الوادي (1954).

7 - شيطان الصحراء (1954)

8 - صراع في الميناء (1956).

9 - ودعت حبك (1957).

10 - أنت حبيبي (1957).

11 - جميلة (1958).

12 - باب الحديد (1959).

13 - بين إيديك (1960).

14 - رجل في حياتي (1961).

15 - نداء العشاق (1961).

16 - الناصر صلاح الدين (1963).

17 - فجر يوم جديد (1964).

18 - بياع الخواتم (1965).

19 - الناس والنيل (1968).

20 - الأرض (1969).

21 - الاختيار (1970).

22 - رمال من ذهب (1971).

23 - سلوى (1972).

24 - العصفور (1972).

25 - انطلاق (1974).

26 - عودة الابن الضال (1976).

27 - إسكندرية ليه (1978).

28 - حدوتة مصرية (1982).

29 - وداعاً بونابرت (1985).

30 - اليوم السادس (1986).

31 - إسكندرية كمان وكمان (1990).

32 - القاهرة في عيون شاهين (1991).

33 - القاهرة منورة بأهلها (1991).

34 - المهاجر (1994).

35 - المصير (1997).

36 - الآخر (1999).

37 - سكوت ح نصور (2001).

38 - 11 سبتمبر (2002).

39 - إسكندرية - نيويورك (2004).

40 - هي فوضى (2007).

المصدر

الله يرحمه برحمته

انا لله وانا اليه راجعون
.