كتبت – سهير بشناق -برزت قضية الرقم الوطني كواحدة من المشاكل المهمة التي يعاني منها شباب وفتيات مجهولي النسب الذين يتم منحهم رقما وطنيا بمرحلة متاخرة من اعمارهم وليس وقت دخولهم للمؤسسات الاجتماعية وهم اطفال صغار مما يسبب لهم مشاكل عديدة كون ارقامهم لا تتناسب مع اعمارهم على ارض الواقع ..
وترى مديرة قرى الاطفال لينا مولا ان هذه القضية من اهم القضايا التي يعاني منها شباب وفتيات قرى الاطفال الذين بلغوا سن الثامنة عشرة ويواجهون احراجا كبيرا في حياتهم اليومية كون ارقامهم الوطنية تختلف عن اعمارهم الحقيقية .
وقالت مولا ان دائرة الاحوال المدنية وعدت بحل هذه القضية مع اي طفل مجهول النسب جديد يدخل لمؤسسات التنمية الاجتماعية من خلال تسجيله مباشرة فور دخوله للمؤسسات بحيث يتماشى رقمه الوطني مع عمره اسوة بجميع المواليد في الاسر .
واشارت الى ان المشكلة تبقى قائمة حيال الشباب والفتيات الذين كبروا بقرى الاطفال ولا تزال ارقامهم الوطنية تشكل لهم عبئا كبيرا في حياتهم .
وعبرت « نغم « التي تبلغ من العمر 22 عاما عن تجربتها مع قرى الاطفال وخاصة مع الرقم الوطني قائلة «التحقت بقرية الأطفال sos العقبة منذ أن كان عمري أربع سنوات، تربيت وترعرعت في البيت العائلي لماما انتصار وعشت مع ثمانية صبيان وبنات كأخوة وأخوات، حيث احتضنتني ماما انتصار وأعطتني الحب والحنان وأولتني جُلّ اهتمامها وأنارت دربي وشجعتني بدرجة كبيرة لأصل إلى ما أنا عليه اليوم».
واضافت «في سن الرابعة عشرة تخرجت إلى بيت الشابات في اربد حيث أمضيت هناك أربع سنوات وخضعت لبرامج تهيئة ساعدتني على تعلم المهارات الحياتية وعلى تطوير شخصيتي وتم إعدادي للبدء في حياتي شبه المستقلة في سن الثامنة عشرة».
وتتابع «في عام 2007 تخرجت إلى الحياة الاستقلالية والاعتماد الكلي على النفس وحصلت على دبلوم محاسبة بعد اجتيازي امتحان الثانوية العامة بنجاح.. وليس هذا فحسب، أنا اليوم على مقاعد الدارسة الجامعية في إحدى الجامعات الخاصة حيث أتابع دراستي لنيل درجة البكالوريوس في المحاسبة أيضاً».
وبالرغم من نجاح نغم بالحياة واصرارها على تخطي غياب اسرتها عنها وحاجتها لرعايتهم وحنانهم الا انها عانت الكثير في حياتها بسبب مواقف حياتية تعرضت لها من بينها ان كثيرين ينظرون لهذه الفئة بنظرة تنتقص من حقوقهم بالحياة .
تقول نغم «تقدم لخطبتي شخص بعد سنتين من دراستي بالكلية ولم يكن يعلم من هي عائلتي.. عندها أحسست أن الموضوع بدأ يأخذ مجراه من الجدّ فأخبرته بحقيقة الأمر وكانت ردة فعله- كما ظهرت لي عادية، ولم يأخذني بذنب لم أقترفه فأخبر أهله وأعلمهم أنه يريد الزواج مني لكنه لم يخبر أهله كل شيء،! طلبت أمه أن تكلمني فوافقت وكان أول سؤال طرحته عليّ هو» من أي عائلة أنت؟ وما أصلك...؟ فلم أجد جواباً ولم أعطها رداً ثم قلت للشاب: « أنا ليس لديّ عائلة أرضي بها اهلك» حتى أتلافى هذا الموقف... وأبعد نفسي عن هذا الصراع لأنني أعرف مسبقا أن النتيجة الحتمية لهذا الموضوع من قبل أهله هي الرفض. وما زلت أتساءل أليس لدينا الحق في أن نؤسس لأنفسنا حياة مثل الآخرين ويكون لنا اسم وهوية واستقلالية خاصة بنا «..
واضافت «أنا الآن عمري22 سنة لكن هاجسي الأول والأخير هو الرقم الوطني ..ومن الأمثلة على أهمية استخداماته بانه ظهر عرض لخطوط زين فقط لفئة معينة وهي من سن 18-24 فذهبت لأشتريه وأسجله باسمي فاتضح لي بأن الرقم الوطني يثبت بأني أصغر سناً فقمت بتسجيل الخط باسم صديقة بنفس عمري مع العلم أنه حق لي .. وعند تقديم طلب الوظيفة بعد استكمال دراستي، ما هو الشيء الذي سيثبت عمري الفعلي إن كان الرقم الوطني لا يشير لذلك».
وتتابع.. «انه شعور غير طبيعي عندما أُقدم على أمور حياتية مختلفة تتطلب إظهار الهوية ويظهر عليها رقم وطني يختلف عما يظهر لباقي أفراد المجتمع»..
وتتساءل «أليس من حقي الحصول على الحقوق والحريات المدنية الجوهرية التي فُطر عليها جميع البشر في الإسم والجنسية والهوية؟ أليس من حقي أن أصبح عنصراً فاعلاً ومُنتجاً في المجتمع «.
ويشترك سليم ( 19 عاما ) مع نغم بذات المعاناة ، فهو شاب تخرج من قرى الاطفال ويستكمل تعليمه في احدى الجامعات ، ويقول «ان مشاكلنا الحقيقية تبدا بعد التخرج من قرى الاطفال لنواجه واقعا مريرا ومشاكل كثيرة منها اننا نخرج الى مجتمع مجهول بالنسبة لنا لعدم وجود أقرباء ومعارف في الوسط الخارجي كما ان هناك العديد من ابناء القرية لم يتمكنوا من استكمال دراستهم فيواجهون صعوبة ومرارة الحياة لعدم توفر مسكن أو حتى فرصة عمل».
واضاف «ان من ضمن مشاكلنا الاساسية عدم توفر أية معلومة عن سبب رفض المسؤولين في اطلاع هذه الفئة على ملفاتهم الشخصية لمساعدتهم في محاولة التعرف على أهاليهم وبالتالي الحصول على أقل حق من حقوق المواطن الأردني وهي (هوية حقيقية) تحمل اسما حقيقيا ورقما وطنيا «.
ويتابع «ان هذا الموضوع اثار جدلاً كبيرا لدى أبناء وبنات القرى، مما أدى الى خجلهم من اظهار الرقم الوطني في اغلب الأحيان لأنه ليس هنالك حجة من كون الرقم الوطني غير صحيح، اضافة الى عدم المقدرة على المشاركة في كثير من أمور الحياة المختلفة التي تتطلب ان تكون الأعمار فيها فوق الثامنة عشرة».
واكد سليم «ان قضية مجهولي النسب تسبب احراجاً لا يستهان به خصوصاً في الحياة العامة وفي سوق العمل لهذه الفئة، إذ ان الكثيرين من الخريجين والخريجات يتجنب الحديث في موضوع العائلة أو النسب او الأقارب، لأنه لا يعرف نسبه وأصله، وحتى في موضوع الزواج حيث أول ما يسأل عنه الشاب او الفتاة خصيصا «من هم أهلك» أو أنت ابنة من ؟؟ ومن هنا بدأ الشباب والشابات يتخبطون يريدون معرفة أصلهم ونسبهم لأنه لا بد من جواب لأسئلة المجتمع الكثيرة والغير منتهية».
وقال «ان هناك من ذهب إلى المحكمة الشرعية، أو إلى دور الرعاية التي كانوا فيها قبل احتضانهم في قرى الأطفال، وفي الحالتين لم يتمكنوا من الحصول على طرف خيط يستطيعون تتبعه... وبدأوا البحث في دليل الهاتف عن الأشخاص الذين يشتركون معهم في الاسم الأخير، لكن دون جدوى، مع علمهم الأكيد بأنها كانت محاولة يائسة».
شاب اخر من خريجي القرية يبلغ من العمر عشرين عاما تقدم لطلب يد فتاة من المجتمع الخارجي وكان متعلقا بها، وكان ذوو الفتاة على رضا بهذا الشاب في بداية الامر الى ان علموا انه لا نسب له ولا يحمل رقما وطنيا، فواجهوه بالرفض و طلبوا منه أن ينسى أمر ابنتهم، فأصبح الشاب معقداً من هذه الناحية ولم يحاول بعدها مره اخرى «.
هذا هو واقع الحال لشباب وفتيات المؤسسات الاجتماعية وقرى الاطفال ، فمواجهة الحياة ليس بالامر السهل خاصة في ظل وجود انتقاص واضح لحقوقهم ، فهم قد وجدوا الحب والرعاية تعويضا عما فقدوه في طفولتهم خلال تواجدهم بقرى الاطفال لكن عند مواجهتهم واقع الحياة بتفاصيلها يجدون انفسهم يعودون لنقطة الصفر الامر الذي يضع مسؤولية عدم نجاحهم واحباطهم امام الجهات المسؤولة بدءا من وزارة التنمية الاجتماعية وادارة حماية الاسرة التي تسلمتهم وهم اطفال صغار ووضعتهم في دور الرعاية وانتهاء بالجهات المسؤولة عن انصافهم بمنحهم ارقاما وطنية لحظة دخولهم لهذه المؤسسات
رد مع اقتباس
المفضلات