احباب الاردن التعليمي

النتائج 1 إلى 8 من 8

الموضوع: تعويذتي المسائية, خاطـــرة

  1. #1
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Mon Jun 2008
    العمر
    34
    المشاركات
    2,658
    معدل تقييم المستوى
    18

    تعويذتي المسائية, خاطـــرة

    تعويذتي المسائية




    مع بدء الساعات المتأخرة من اليوم، وحين يغشي الليل النهار، أبدأ ترانيمي وطقوسي، وأسبح في محيط هائل من الذكريات، تلك التي ما انفكت تتقافز أمام عيوني أحداثُها، وترسم روحي بألوان الليل أمامي.

    يظهر القمر في كبد السماء، ويحضنُ بين أضلعه حكايتي التي قرأها على دروبي التي مشيتها في الهوى لياليَ مرّت، وأيام خلت، وساعاتٍ أبت أن تغادر ذاكرتي.

    أتذكر في ليلتي هذه، أول لقاء تمّ بيننا، وأول حروفٍ سكبناها سوياً على رصيف الحوار الدافئ المنبعث من شغاف القلب المنفطر، المتلهّف للوصال، يومها نسيتُ أن الزمان يسير، ويقطع التاريخ بلا هوادة، لو أني تذكرت، لقدّمتُ له كل قرابين الحياة حتى يتوقف في تلك اللحظات التي تسمرتْ بها عيوني في عيونها، وغبتُ حينها في بحارٍ من الجمال الأبدي الخلّاق، ورعشة باردة دافئة تسري في أوصالي، تشتتُ حروفي الخارجة من رحمِ الهوى، لتُولدَ على شفاهي، غضةً نديّة، تسابق الزمن دون أن تدري.

    يومها لم أجدْ الكثير من العبارات، فعلمي أن عيوني قالت الكثير، ونبض قلبي عزف الموسيقى التي صاحبت ارتعاشَ أطرافي، فنَحَتَتْ من نفسي تمثالَ عاشقٍ يزحفُ على بساط الحب.

    كلمات قليلة شدَتْ بها محبوبتي، وابتسامةُ الربيع تنمو على شفاهها، مع كل قطرةِ ندى تسقيها من عبير أزهارها في صباح يوم جديد، يُطلُ على أرضي، فيقلبُ صفراءها خضرةً عجيبةَ الجمالِ والبهجة.

    كلمات زرعتْ في قلبي بذرةَ الأمل المشرق، وباتت تسقيها من دلالها، حتى أضحتْ شجرةً تذرع الأرض عرضاً، وترتقي السماء طولاً، تنبتُ أوراقها من حنين صوتها، وتُثمرُ الدرّاق من حلاوة منطقها.

    دقائق معدودة اختصرت عمراً بأكمله عشته, وسأعيشه جاثياً أمام بوابة الحب، دقائق خاطتْ لنفسها ثوباً من الحياء الذي غلّف خدودها، وامتدّ ليطبع شفاهها.

    دقائق معدودة كانت كفيلة بأن تحوّل مجرى تاريخ بأكمله، وتنهيَ معاركاً طالت مع الذات، لتضعني وإياها في هدنة أبديّة، تسودها الطمأنينة والرضا.

    جالستُها كما لو أنني لم أُجالس إلا الهوى في حياتي، جالستُها كما لو أن الكون ذاق طعم السعادة على يدي، فانتشى رضاً، فغيّب الغيومَ من سمائه، وأمطر فرحاً من نجومه وكواكبه على أرضي التي شاخت حزناً، وآن لها أن ترتوي.

    أخذتني عيونها السوداء في رحلة أبديّة إلى النهاية، وبتّ أغرق، فأنا لم أتعلّم السباحة في عيونها بعد، وكل حروفي تحوّلت إلى يدين تصارع الموج، دون فائدة.

    غنتْ لي أنشودة الصباح والمساء، وابتسمتْ، فاستلهمتني حروفها، وأطربني لحنها، وغِبتُ في عنفوان المعاني أذرعُ أرضها، تُقبلُ فأُقبِلُ لأرتشفَ اللّذّة من كأسها.

    غنيْتُ لها أنشودة الصمت الجارف، والحنين المتدفق. كلماتي صُغْتها من شوقي ولوعتي، لحني استنْطقتُ به عصافير الدنيا، وغرّدتْ معي صبّة منتشية، وأسراب الفراش تحيط بأرجائنا، ترقص على لحن كلماتي وكلماتها.

    مضتْ دقائقي بسرعةٍ لم أعهدها، ويكأنها كانت تُسابق نفسها، فكل دقيقة تمر، تقتل بعنف ما سبقها من دقائق، ويستمر مشوار اغتيال الوقت، وقد حان الرحيل.

    لا أدري هل أُغادر، أم أبقَ ألتحفُ النسيمَ العذبَ الذي يفوح شذاه من عُمق الجمال، ذاك الجمال الذي اجتمع بكل أركانه وأجزائه ليجلسَ على عرشِ التفرد، ويكون له الحظوة الكاملة في ميدانها؟

    هل أُغادر، وأترك أعظم لحظات مرّت في كتاب التاريخ الكوني؟ هل أُغادر وأترك النور يسبح فيه كل ما حوى ذاك الجسد وتلك النفس من عفة وطهارة وسؤدد؟

    لا بد من المغادرة، فهكذا قوانين المكان والزمان تأمر، وما عليّ إلا أن أطيع، ونفسي تهفّ، والقلب لا يتوقف عن الخفقان كجناحي عصفورٍ يهرب من قدره.

    فهِمَتْ من حروفِ عينيَّ أني عزمت الرحيل، فبكتْ والدمع يصبُّ اللهيبَ في قلبي، ويحرق أوصالي، وأطنانُ من الحزن جثمت على كتفي، تصارعُ فرحتي التي ما لبثت أن غادرت مع أول خطواتها باتجاه المجهول.

    نعم سأُغادر ...

    لكنني سأعود في يومٍ ما، نعم سأعود ...

    حبيبتي يا نبع الحب الأبدي الصافي، يا عسلاً مصفىً من نهر الجنة، يا نور العين وضوءها، وسنا النفس وروحها، يا بهجة الأبدية في عمري القصير، يا تاريخ ميلادي، وموعد انتصاري.

    حبيبتي، انتظريني في عتمة ليلٍ سرت أوصاله في رعشة البرد، ليحضن الدفء في عيونك، ويُعيد لنفسه تاريخاً ضاع بغيابك.

    حبيبتي، والعهد عهدُ الله أكتبه بدمي، على جدار أيامي، أن أبقى أناجز القدر، لأعود عودة نهائية، أحملُكِ فيها إلى بستانٍ لا خروجَ منه، لنرتشف سوياً ماء الحياة الحقيقي، ونتجرّع عطر الزهر المنثور في كل أصقاعها.

    حبيبتي، وكل أيامي دموع الفراق، وأمل اللقاء، فاقرئي تعويذتي المسائية، لعلّلكِ تؤنسين بها صباحي

  2. #2
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Wed Jun 2008
    الدولة
    صانعة رجال البواسل رجال الهيه المملكة الهاشمية
    المشاركات
    146,552
    معدل تقييم المستوى
    11586669
    خاطرة جميلة جدا
    سلم قلمك يا مبدعه
    ومتألقة
    تقبلي احترامي

  3. #3
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Sat May 2007
    الدولة
    أم الدنيا وارض الكنانه
    العمر
    39
    المشاركات
    120,668
    معدل تقييم المستوى
    21474973
    اشكرك على روعة الخاطره

    كل الود

  4. #4
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Mon Jun 2008
    العمر
    34
    المشاركات
    2,658
    معدل تقييم المستوى
    18
    مشكورين على المرور

  5. #5
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Tue Mar 2008
    العمر
    38
    المشاركات
    628
    معدل تقييم المستوى
    17
    اشكرك
    خاطرة رائعة وجميلة
    ولك مني كل الود

  6. #6
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Mon Jun 2008
    العمر
    34
    المشاركات
    2,658
    معدل تقييم المستوى
    18
    مشكورة حبيبتي روان

  7. #7
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Tue Aug 2008
    الدولة
    المغرب -- الحسيمة --
    العمر
    40
    المشاركات
    3,211
    معدل تقييم المستوى
    19
    كلام جميل

    اشتقنا لمثل هذا

    تحياتي

  8. #8
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Mon Jun 2008
    العمر
    34
    المشاركات
    2,658
    معدل تقييم المستوى
    18
    نورت عزيزي لك من كل الود والاحترام

المواضيع المتشابهه

  1. اسئلة امتحان الشامل تخصص المهن الطبية المساندة الصيدلة
    بواسطة محمد الدراوشه في المنتدى اسئلة الورقة الثالثة امتحان الشامل
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 17-01-2016, 06:45 AM
  2. بركات تفاجئ دور الرعاية بزياراتها المسائية
    بواسطة محمد الدراوشه في المنتدى جريدة الراي
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 11-11-2011, 01:10 PM
  3. كلية الاميرة منى للتمريض والمهن الطبية المساندة
    بواسطة A D M I N في المنتدى منتدى الجامعات والكليات
    مشاركات: 14
    آخر مشاركة: 30-01-2010, 10:55 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
معجبوا منتدي احباب الاردن على الفايسبوك