*** سيناريو العراق يتكرر في السودان .... !!! ***
Gmt 23:15:00 2008 الخميس 17 يوليو
الوطن العُمانية
فايز رشيد
أول الغيث قطرة، وأخيرا أصدر مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية لويس اوكامبو، ومثلما كان متوقعاً، قراراً بملاحقة والقاء القبض على مجموعة من القيادات السودانية وعلى رأسهم، الرئيس السوداني، الفريق عمر البشير. وبتدقيق التهم الموجهة اليه، وهي: الإبادة الجماعية وجرائم ضد الانسانية، وجرائم حرب في دارفور، وتحميله مسؤولية قتل مالا يقل عن 35 الف مدني، والتسبب في موت بطيء لما يتراوح بين 80 و265 الفا شردهم القتال، والابادة الجماعية وفقا لمذكرة الاعتقال، جرى ارتكابها ضد جماعات الفور ومساليت والزغاذة في دارفور من خلال استخدام جهاز الدولة والقوات المسلحة وميليشيا الجنجويد، اضافة الى النقل الاجباري لما يصل الى 9ر2 مليون مدني والتعذيب والاغتصاب والقتل والابادة.. بالتدقيق في هذه التهم، يتضح: وكأن المحكمة الدولية توجه لائحة اتهام الى قائد عصابة من المرتزقة وليس الى رئيس دولة معترف بها وعضو في الامم المتحدة!! كان من اللافت جدا للنظر، انه وقبيل اسبوع تقريبا، اكدت واشنطن وعلى لسان الناطق باسم وزارة الخارجية شون ماكورماك، ما كانت قد ذكرته عدة صحف غربية: حول نية المحكمة الجنائية الدولية اصدار مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني، اي بكلام آخر، فان واشنطن هي التي ضغطت على المحكمة الدولية لاتخاذ قرارها هذا، وذلك يعني ان المحكمة هي اداة طيعة بين يدي واشنطن. كما انه من المعروف ان الولايات المتحدة لا تعترف بحق المحكمة الجنائية بالتحقيق مع اي مسؤول اميركي، أي ان واشنطن تقبل للغير مالا تقبله لمسؤوليها ومواطنيها، أي اننا امام قوانين لشريعة غاب جديدة تقودها الولايات المتحدة الاميركية.
يتبادر الى الذهن رأسا وبعد قرار المحكمة الدولية بحق البشير الاسئلة التالية لماذا لا تبادر المحكمة الدولية لتوجيه اتهام للرئيس بوش ولدين براون ولغيرهما من المسؤولين الاوروبيين والآخرين ايضا، على المجازر وانتهاك حقوق الانسان والتعذيب والاغتصاب التي تمارسها قوات هذه البلدان في كلّ من العراق وافغانستان، ومنها مجزرة حديثة ومجازر اخرى كثيرة غيرها؟ ولماذا سكتت المحكمة الجنائية الدولية عن التعذيب الذي تمارسه القوات الاميركية في سجن ابو غريب وغيرها من السجون العراقية، وعن المذابح التي ترتكب بحق المدنيين في افغانستان من خلال القصف الجوي للأحياء المدنية؟ ولماذا ولماذا؟ واسئلة اخرى كثيرة غيرها؟
يتضح اذن المدى من الازدواجية وسياسة الكيل بمكيالين.. الذي وصلت اليه المحكمة الدولية المؤتمرة بتعليمات واشنطن ولندن وغيرها من العواصم الغربية. لقد اخطأت المحكمة الدولية بقرارها الاستفزازي، الجاهل الانفعالي الحاقد ذلك انها بهذا القرار تهيئ الاجواء لاعتداء دولي غربي على السودان تماما مثلما حدث في العراق ولكن بشكل مختلف في بعض التفاصيل، لكنه يحمل نفس المضمون فواشنطن لجأت الى سحب العاملين في الوكالة الاميركية للتنمية الدولية في السودان وبشكل أخص في دارفور.
من جانب آخر، فإن قرار المحكمة الدولية سيعقد الوضع في السودان، ان من حيث احتمالية قيام السودان بطرد اعضاء قوة حفظ السلام التي تقودها الامم المتحدة في دارفور (اليوناميد) او موظفو منظمات الاغاثة الدولية، والقرار سيؤثر بالحتم على مستقبل القوات الدولية والافريقية المختلطة المنتشرة جزئيا في دارفور، والقرار قد يؤثر على اتفاقية السلام بين الحكومة السودانية وقادة الجنوب، وكل ذلك يعني ان المحكمة الجنائية الدولية وبضغوطات كبيرة من واشنطن، وبدلا من أن تهيئ الاجواء، واستغلال عناصر الحل الايجابية للانفكاك نهائيا من ازمة دارفور فانها تضع العصي في دواليب هذه الحلول، بما سيترك تأثيراته السلبية ليس على السودان فحسب، وانما على العالم العربي وعلى الدول الافريقية المجاورة للسودان وعلى افريقيا عموماً، التي تعاني من صراعات في دول كثيرة منها، او صراعات بينية بين دول افريقية عديدة.
لم تقبل الدول الغربية وواشنطن تحديداً على ان تقتصر حلول ازمة دارفور على السودان وعلى الوساطة لبعض الدول العربية (وبخاصة مصر) والاخرى الافريقية المجاورة لهذا البلد، بل ظلّت تعمل على تسعير الخلافات بين الحكومة السودانية والمنظمات العديدة في دارفور، الامر الذي ادى إلى تفاقم هذه الخلافات وتضخيمها وتدويلها، واصبحت مكشوفة الأهداف، فهي تسعى الى تفتيت السودان الى عدة مناطق واقاليم، وبخاصة ان مطالب غالبية التنظيمات (الدارفورية) هي اجراء استفتاء للأهالي حول امكانية الانفصال عن السودان، وتحقيق مطالب تعجيزية هدفها اولا واخيرا ليس مصلحة المواطنين في دارفور، بالقدر الذي تتساوق فيه مع المخططات الغربية والاسرائيلية ذات الابعاد التدميرية للسودان وطنا وشعباً ولعلني اختتم: اين هي المحكمة الجنائية الدولية من المذابح التي ترتكبها حكومة اسرائيل يومياً بحق الفلسطينيين؟ ولماذا لم تقدّم هذه المحكمة لوائح اتهام (على مدى تاريخها) ضد المسؤولين الاسرائيليين؟ الجواب وعموم الأجوبة يعرفها القارئ العربي، فنحن نمر في مرحلة (غاب) جديدة وهي سياسات واشنطن.
المصدر
ايلاف
السياسية
المفضلات