محمد صبحي ابو غنيمة ... أدخل الكهرباء الى عمان وتألق في الفكر والصحافة
محمد صبحي ابو غنيمة ... أدخل الكهرباء الى عمان وتألق في الفكر والصحافة
الدكتور محمد صبحي ابو غنيمة عندما تخرج طبيبا من المانيا عاد الى موطنه الاردن في العام 1929 ليفتتح عيادة في مدينة عمان.. تلك العيادة المدهشة في انه كان أول من أدخل اليها والى مدينة عمان (الكهرباء) من مولد كهربائي اشتراه من المانيا للفحص بالأشعة.. ومددت هذه الكهرباء الى المنطقة المحيطة بالعيادة وذلك قبل تأسيس شركة الكهرباء الاردنية التي اشترت منه هذا المولد الكهربائي بعد سنوات لظروف سفر (ابو غنيمة) الى دمشق.
وللدكتور محمد صبحي ابو غنيمة الكثير من المواقف والافعال والابداعات الريادية عدا موضوع مولد الكهرباء، فهو أول من كتب قصصا اردنية قصيرة وذلك في العام 1922 جاءت في كتاب بعنوان (اغاني الليل) والكتاب هذا عبارة عن مجموعة قصص اجتماعية اخلاقية ادبية. ليس ذلك فقط فهو ايضا اول من اصدر مجلة اردنية في المانيا (اوروبا) رغم انها لم تستمر الا قليلا وكانت المجلة تحت عنوان ''الحمامة'' وذلك في العام 1923.
لكن اشهر ما تميز به هذا الطبيب والأديب هو مواقفه السياسية اذ كان معارضا سياسيا من الدرجة الاولى حيث اضطر في فترة ما لاحقة الى السفر الى دمشق وظل فيها سنوات حيث عيّن بعد سنوات سفيرا للاردن فيها لعدة مرات في فترة الستينات وتوفي فيها.
ورجوعا الى نشأة صبحي ابو غنيمة فقد ولد في مدينة اربد في العام 1902 حيث تلقى تعليمه الابتدائي فيها ثم ارسله والي سورية العُثماني في ذلك الحين (اسماعيل فاضل باشا) الى دمشق حيث اكمل تعليمه العالي (الثانوي) فيها في مكتب مدرسة عنبر الشهيرة آنذاك، ثم اكمل تعليمه العالي في مدينة حلب.. ومن ثم فقد قام بعملية التدريس في احدى القرى السورية!!! لكنه بعد قليل يذهب الى المانيا لدراسة الطب هناك ومن ثم يعود الى الاردن بعد تخرجه.
وعن تلك المرحلة تذكر بعض المراجع ومنها بعض المقالات التي كتبها الناقد السينمائي المرحوم حسان ابو غنيمة حيث ما يلي: ''وعندما عاد الدكتور صبحي ابو غنيمة للاردن اصبح زعيما للمعارضة الاردنية طيلة الثلاثينات والاربعينات وقد عرضت عليه رئاسة الوزراء الاردنية لمرتين الا ان ظروفا حالت دون ذلك حيث بقي في دمشق الى ان اصبح سفيرا، باستثناء فترة عزله فيها عن منصبه دولة المرحوم وصفي التل.. رغم انه كان أخا بالرضاعة لوالد وصفي التل وصديقا حميما له. كما ان الدكتور ابو غنيمة كتب الشعر واصدر كتابا هاما فكريا فلسفيا بعنوان (نظرة في اعماق الانسان) وعمل ايضا في الصحافة اذ انه اصدر مع عادل العظمة مجلة (الميثاق) الاسبوعية عام 1933 وكانت هذه المجلة تنطق بلسان (اللجنة التنفيذية للمؤمر الوطني الاردني) ولكنها لم تستمر طويلا.
وقال عنه الكاتب الراحل محمد ابو صوفة في كتابه من اعلام الفكر والأدب في الاردن تحت عنوان (ابو غنيمة الأديب والسياسي) ما يلي: ''لن نضيف الى الحقيقة شيئا جديدا اذا قلنا ان الدكتور صبحي ابو غنيمة كان رجلا من رجال الرعيل الاول الذين تركوا بصمات واضحة في بناء الكيان القومي للاردن، فقد عرفه أبناء وطنه مخلصا لامته امينا على حبها وحريتها.
ها هو يحمل الامانة في وجدانه معاناة صادقة وصراعا مريرا طبع حياته بكبرياء وطنية لا تقلل حدتها اغراءات المناصب ولا يكسر عنفوانها اليأس من سلبية الواقع العربي.
وكان ابو غنيمة يرقب الاحداث بحدس العلماء المتصوفين حتى اذا رأى الانحراف رفع صوته عاليا باسلوب رمزي مرهف حين كان المستعمر يبسط نفوذه في العالم العربي ويعمل من اجل القضاء على جذور الحرية في نفوس الناس.
لذا فقد نهض الدكتور ابو غنيمة مع نفر من ابناء وطنه يجاهد لبث الوعي القومي في نفوس الناس وتصعيد نبض الوطن في وجدانهم في الوقت الذي كان يعمل فيه المستعمر على ان لا يتعدى الوعي القومي حدود همهمات متذمرة يطلقها الناس وسط ركام من المعاناة اليومية لأسوأ اشكال الفقر والتخلف.
ولقد احب الدكتور الوطن بحس الشاعر المرهف ونظر في احواله بعلم الطبيب وجاهد من اجل استقلال كيانه بعنف المقاتل طوال سنوات حياته ولقد عرف عنه انه اديب مرهف الحسن ذو اسلوب عذب متميز قبل ان يكون طبيبا وسياسيا.
ونستطيع القول ان حسه الوطني وروحه القومية لم يكونا عمامة يعتم بها في مجالس القوم او شعرا تجود به قريحته في المناسبات القومية بل كانا معاناة مريرة احتوت هموم الاردن وابناءه وتجاوزتهم الى وطنه الاكبر وكانت هذه الابيات تنطلق على لسانه مع كل زفرة الم حنين الى الاردن الذي نزح عنه فقال: انا لا افرق بين اهلك انهم اهلي وانت بلادهم وبلادي فلكل ربع من ربوعك حرمة وهوى تغلغل في صميم فؤادي اما النشيد الذي نظمه صاحبنا وشاع في تلك الفترة بين تلاميذ المدارس ولهذا النشيد قصة يرويها بقلمه في كتاب ''من الايام'' فقد لجأ مع نفر من المناضلين الى كوخ في ضواحي دمشق ثاني ايام انهزام المجاهدين في ميسلون ودخول فرنسا دمشق ولنترك له بقية القصة يقول: كنا قد علمنا قبل لجوئنا الى هذا الكوخ وهو يخص احد رفاقنا - صلاح عابدين- بأن غورو قد وصل وقامت فئة من الناس لم تخجل من ربها ومن الاجيال ففكت جياد العربة وحملته على الرؤوس والراحات وكان المرحوم الشهيد ابراهيم صدقي اكثرنا حزنا وكان ذا صوت رخيم ساحر واذا به يقطع حبل الصمت فيغني لحنا حزينا باللغة التركية استولى به على قلوبنا واعجبنا به كثيرا وسألني هو الا استطيع ان انظم له ابيانا على هذا اللحن؟ وبعد قليل كان هذا النشيد: قم وأبك يا صاحبي على ما تراه في الحي من رقاد ومزق الخد لا العمامة والبس على فقدنا الحداد وناد فوق الطلول ماتوا الذل كالموت لا سواه وهل سوانا غدا الذليل نسام خسفا ولا انتباه وليس في الحي من ذليل.
رد مع اقتباس
المفضلات