تقول الحكاية أن حماراً في قرية ما، وكان يدعى "لخمه" و للحمير (أجلكم الله) في بعض القرى أسماء مثلها مثل البشر.. و هي أيضاً (أقصد الحمير) تفهم أن لها أسماء و تحفظ أسماءها. فإن ناديت على الحمار "لخمه" بصوت عالي ستراه يلتفت إليك في إشارة توحي أنه سمعك و ربما تجده التفتّ (مكشّراً) لأنك رفعت صوتك في حضرته.. فللحمير –يا سادة- في بعض القرى شعور و عاطفة.
عوداً على الحكاية التي لم أبداً بها، فإنها تقول بأن "لخمه" هذا قد وقع في قصّة حب ذاع صيتها في قريته و ما حولها، إذ شوهد في بداية حبه لـ"مرزوقه" وهو ساهمٌ كثير الإطراق في الأرض و التحديق في العشب و الحشائش لا يأكل منها.. فقالت الجارات : "عين وصابته" و قال قائل : "الكبر عبر".
(ما علينا) ظل شرود (لخمه) وتقاعسه عن نقل المياه، حديث القرية إلى أن لمحته فتاة يسترق النظر إلى (مرزوقة) وهي تتبختر في الحقول ففزّ قلبه بين ضلوعه و تسارعت ضرباته وصار ينهق و (ينطنط) يميناً شمالاً.. و الفرحة تكاد من عينيه تقفز.. ففهمت الفتاة ما بقلب (لخمه) من حب لمرزوقه و هيام.. فنزلت عنه و تركته بعيداً لترقب ما سيفعل مع مرزوقة و أومأت للفتيات من حولها أن يلتزمن الصمت وقد كان.
وللعلم فقط فإن مرزوقة هي فرس بيضاء و بقوائم طويلة وشعر على ظهر رقبتها يسر الناظرين.
مشى (لخمه) بتؤدة صوب مرزوقة مظهراً بعض الألحان في نهقاته.. فنهقة تخرج خفيضة و نهقة تخرج طويلة بتعرجات و تموجات صوتية.. هذا كله ومرزوقة لا تلقي له بالاً.. قيل وأن بعض الفتيات صرن يرشقن مرزوقة بزهر الياسمين علّها تنبه لهذا المتيّم القادم باتجاهها.. رفعت مرزوقة رأسها باتجاه الياسمين الساقط عليها فوجدت ياسميناً و حماراً يصنع حركات جنونية.. فعادت إلى مضغ عشبها الأخضر الطري معطية عورتها في اتجاه (لخمه) رافعة ذيلها بحركات يفهمها الغادي و الرائح على انها تفيد عبارة واحدة : (انطم انت وكشتك).
فهم لخمة رد مرزوقة وجوابها فحزن حزناً شديداً.. و لزم مربضه عند شجرة البلوط لا يرواح مكانه إلا قليلاً فاحتار صاحبه و حار أهل القرية لما آل إليه لخمة.. إلا أن بعض الفتيات يعرفن ما ببال لخمة فأجمعن أن يساعدنه على تجاوز محنته.. قالت إحداهن : عليّ ما عليّ إلا أعرفه على حمارتنا (مملوحة). نهق لخمة مبديا رفضه.. فالجميع يعرف –بمن فيهم لخمه- أن مملوحة حمارة جميلة و أنيقة إلا أنها لا (لاتعرف الخمسه من الطمسه) ولا تفرّق بين (الواحد و كوز الدره). قالت فتاة أخرى : (دواه عندي).
وقامت إليه تنظّفه بالماء و الصابون و تلبسه أجمل (بردعة) في القرية كلّها و ترش عليه من ماء الياسمين وتزيل القذى المتكوّم حول عينيه و قد أتت بأجراس و ربطتها بذيله .. و قالت له : "لا تنهق قدام مرزوقة.. وكل ما بدك تحكي شي .. حرّك ذيلك"
و وضعوا فوق البردعة قربة ماء ثقيلة و جميلة .. فكما يعلم (البعض) هنا أن الحمير تتباهى بقدرتها على حمل كل ماهو ثقيل..
ثم صحبنه الفتيات إلى الحقل الذي تحب مرزوقة أن ترعى به دائماً فتركوه يقوم بما عليه القيام به.. نادته فتاة : تذكّر ، لاتنهق يا لخمة لا تنهق.. و مشى الخيلاء صوب مرزوقة بما عليه من محامل فلم ترعه مرزوقة انتباها.. حرّك ذيله قليلاً فخرجت أصوات جميلة من تحت عورته مما استرعى انتباه مرزوقة فرفعت قامتها لترى من أين تأتي هذه الأصوات و إذ به بشحمه و لحمه الحمار لخمه ولكنه لا يبدو كباقي الحمير.. هو الآن جميل و بعينين نظيفتين و شعر مطعّم برائحة الياسمين و عليه بردعة عليها قربة ماء ثقيلة جداً.. فنزل في قلبها شيء من استحسان لهذا الحمار الجميل ذو الأصوات الجميلة.. صهلت قليلاً في إشارة قبول و ثبور.. ابتسم لخمه وما انفك يحرّك ذنبه يميناً ويساراً متذكراً وصيّة الفتاة بأن لا ينهق ..
مشت مرزوقة إلى الأمام قليلاً بدلال و (غنج) فعادة الإناث من الحيوانات في تلقّي الغزل (كعادة البشر تماماً). لحقها لخمه مظهراً شيئاً من الإمتلاء في حوصلتيه فيما يشبه كتمه لنهقة تقف على باب حنجرته لا يصدها سوى وصيّة الفتاة بأن لا ينهق.
اقترب لخمة من مرزوقة .. تصهل هي و هو يحرّك ذيله.. و وسط جوّ من الحميمية التي أخذت تتعاظم بين الحبيبين صارت مرزوقة تلعق بلسانها عنق لخمه القصيرة وتمرر لسانها تحت أذنيه مما حدى بلخمة أن يزيد من وتيرة تحريكه للأجراس المعلّقة أسفل العورة.
البنات يراقبن ما يجري بين العاشقين الحالمين.. أخذت إحداهن ترمي من زهر الياسمين ما ترمي على لخمه و مرزوقة مباركة لهما هذا الحب الجميل.. و مرزوقة تواري خجلها أمام هذا البطل الذي يحمل قربة الماء العظيمة دون أن يبدي تأففا أو ضجراً أو حنقاً منها.. فهو لا بد قويّ جداً حتى يحملها كل هذا الوقت.. "ياااه ما اجمل بردعته" قالت في نفسها وتابعت : "لم اسمع مثل هذا الصوت الجميل من قبل"
زادت وتيرة الحب و الوفاق بين العاشقين و قلب لخمه صار يضرب يميناً ويساراً بلا هواده.. وصار كلّما أراد أن يقول لها كلمة يلعق قامتها بلطف فتقترب هي من الأرض خجلا و حياءاً..
تعب ذيل لخمه مما يحمل ومن استمرار حركته فهو وإن كان ذيل حمار قوي إلا أنه في النهاية ذيل.. فتباطأت حركته إلى أن سكنت حركته وبالتالي سكنت الأصوات.. قالت فتاة : هذا اللي ما عملنا حسابة
ساد الصمت بين لخمة و مرزوقة.. هي تحك رقبتها برقبته و هو يكتم إرهاقه من هذا الذي فوق ظهره.. ثقل الحمل عليه و على أرجله فارتختا.. بدأ يتنفّس بقوّة.. وهنت قدماه الخلفيتان فانثنتا قليلاً.. جاهد كي يعود إلى صلابته.. أخذ نفساً عميقاً عميقاً من جوف رئتيه فخرجت معه نهقة مدويّة ذُهلت معها مرزوقة و أصابها الهلع.. لمن هذا الصوت ومن أين أتى؟
حينها تذكّر لخمه أنه حمار لا طلع ولا نزل.. و مهما فعل كي يحظى بحب مرزوقة سيبقى حماراً. فرمى قربة الماء والبردعة عن ظهره و أخذ يجري باتجاه شجرة البلّوط بسرعة ينهق عدّة نهقات عالية تغطي على صوت الأجراس الجميلة الصاعدة من أسفل عورته.
و مرزوقة الذي يبتعد عنها تنادي عليه بأعلى صوتها : حماااااااااااااااااااااااااااااااااار و بتظلك حماااااااااااااار
ماجد صالح
رد مع اقتباس
المفضلات