تب - فيصل ملكاوي- «ملف التعديلات الدستورية» هو ملف حاسم ومحوري في مسيرة الاصلاح ووجهتها بل هو جوهر هذه المسيرة ، ما يستوجب جردة حساب وقراءة واقعية وموضوعية لحصيلة الشهورالماضية ، للحراك الحكومي من جهة والشعبي من جهة ثانية ، والنيابي من جهة ثالثة ، لاستخلاص العبر ، لئلا نقع في محضور «ضياع الفرصة» لهذا الملف الذي يؤمل ان يقود البلاد الى مرحلة جديدة تشكل نقلة كبرى ونوعية في مشروع الاصلاح والديمقراطية .
في الجمعة الاخيرة ، قالت الحركة الاسلامية ، على لسان امينها العام الشيخ حمزة منصور ، بنبرة واضحة، «لم يتحقق من مطالبنا شيء» ، وسط ما استطاعت حشده الحركة من انصار ، تجاوز هذه المرة المئات ، الى عدة الاف ، بقصد وقرار بدا واضحا من الحركة مفاده « نحن هنا».
هذا التكتيك من الحركة عمل مدروس ، خاصة ان القسم الذي اطلقه المشاركون في ختام المسيرة ، على مواصلة الحراك السلمي كان بحاجة الى شرعية عددية قدر الامكان ، في قصد واضح هو تبديد الشكوك ، بان شهر رمضان المبارك ، لن يكون مرحلة للاسترخاء في هذا الاطار .
في الجانب الاخر جمعت مجموعات اليسار وعدة تيارات شبابية ، ما استطاعت من انصار ، في مسيرة ، اختارت حي نزال ، مكانا لها ، مع استمرار الحراك ايضا في عدد من المحافظات من تيارات مختلفة ، في حين لم تختلف المطالب والشعارات ، بين كل اطياف وتيارات الحراك في عمان والمحافظات في الشكل والمضمون عن ما سبق من خلال الاشهر الماضية .
لم يعد خافيا ان الحكومة ومجلس النواب ، يتعرضان لنقد شديد ، في كل مسيرة ، وغالبا ما تفتتح به المسيرات وتنتهي ، بالمطالبة برحيلهما ، على خلفية المشهد السياسي والاقتصادي الذي ساد خلال الاشهر الماضية ، ويرى فيه الحراك الشعبي ، وصفة فشل ، لم تتح الالتقاء في منتصف الطريق .
وهنا يلقي حراك التيارات والاحزاب السياسية والشبابية المنخرطه في هذا الحراك بالمسؤولية على الحكومة ومجلس النواب بدون مواربه ، كما ان الحكومة ومجلس النواب يوجهان ذات التهمة للطرف المقابل باشكال متعددة وان لم يكن باعلانات صريحة تصدر رسميا .
كان واضحا اكثر من مرة ، سوء تقدير بعض الاحزاب والقوى السياسية ، في التفريق بين المزاج الشعبي العام ، المطالب بالاصلاح السياسي والاقتصادي ، وبين امكانية و نوايا واضحة تنشد تحقيق مكاسب حزبية وسياسية ، على حساب الشارع .
من هذا القييل مظاهر الاختلاف العلنية بين عدد من الاحزاب والقوى ، في ساحات المسيرات ، على التحشيد تحت الراية الحزبية وشعاراتها .
دخول هذه الاحزاب والقوى من جهة والحكومة من جهة اخرى ، في «معركة الخداع البصري»، لاعداد المشاركين في المسيرات ، اوقع الطرفين في خطا «الالتفاف او تجيير» الوعي الشعبي الى غير وجهته ، وهذا ثبت فشله ، اذ ثبت انه لا فرق كبيرا لدى المزاج الشعبي العام بين عجز حكومي وعجز حزبي متبادل حتى اللحظة .
اجندة الحكومة ، مليئة ، بالانشغالات والملفات الصعبة ، ان بشقها السياسي المتراكم ، والموروث من عدة حكومات سابقة لا حكومة بعينها ، وشق اقتصادي ، مرهق بارقام المديونية المرتفعة ، وعجز مقلق في الموازنة ، بدا واضحا انه من المخاطرة الاتجاه لتعويضه من المواطن هذه المرة ، عبر بوابة رفع اسعار المحروقات التي دابت الحكومات على تسميتها تعديل اسعارها .
يؤخذ على الحكومة ، براي قوى وتيارات سياسية وشعبية ، انها لم تلتقط اللحظة التاريخية ، لاخذ مشروع الاصلاح ، الى وجهته الحقيقية ، انما انجرفت اكثر من مرة ، الى التركيز للدفاع عن صورتها ، وبرنامجها كحكومة ، ترى الامور من منظار فريقها الوزاري ، الذي تعرض للتفكك اكثر من مرة ، وعدم انسجامه في
رؤية موحدة ازاء البرنامج السياسي او الاقتصادي وما الى ذلك من خروج قرارات اصبحت في هذ المرحلة كالرصاصة اذا انطلقت لا يمكن اعادتها .
لم يسعف التعديل الوزراي الذي اجراه رئيس الوزراء د معروف البخيث الحكومة كثيرا ، بل كان اختباره الاول قاسيا ، في احداث ساحة النخيل ، والاعتداءات التي تعرض لها المتظاهرون والصحفيون ، وما تبعها من تصعيد في لهجة الحكومة ، بخطاب « اشبه بخطاب النصر» ، لم يكن مفهوما او مبررا براي التيارات والقوى السياسية والشعبية والشبايية في حين كان مستنكرا بشدة فتوى الشهادة التي اطلقها (ابوفارس) وكان صوت عموم الشعب خير رادع لها .
بعد ان وقع مجلس النواب في ازمة « الثقة المفرطه» ، في الحكومة السابقة ، حاول اعادة الامساك بزمام المبادرة « عبر ثقة « بسيطه للحكومة الحالية ، الا ان زمام المبادرة والتواصل بقي شبه مفقود ، مع المواطن ، لاسيما في ظل ارتباك في الاداء ، ازاء الملفات السياسية والاقتصادية ، التي ازدحمت بها المرحلة ، وغياب نسق عام ، للاداء ، ادى الى تجدد ردود الفعل الشعبية الغاضبة من المجلس وادائه .
في ظل هذا الواقع ، الذي تشوبه الشكوك ، نقف على اعتاب ، بوابة « التعديلات الدستورية» وما سيتبعها من واقع سياسي جديد ، اذ يتطلب هذا الملف ، وقفة جادة ومسؤولية تاريخية ، من قبل سلطات الدولة وقوى المجتمع ، اذ من غير المنطقي ان يحكم عمل الحكومة ومجلس النواب خلال الفترة المقبلة بهذا الملف المفصلي ، هاجس البقاء او الرحيل او الخصومات السياسية .
كما ان العدمية هي اخر ما يتوقعه المواطن من قبل بعض الاحزاب والقوى السياسية ، ازاء التعديلات الدستورية ، خاصة ان هناك اصواتا بدات تطالب برفضها قبل حتى الاعلان عنها .
فلتطرح هذه التعديلات بروحية الحوار الجاد المسؤول والمنتج ، من قبل كافة الاطراف المشاركة ، ولا بد ان يكون للجميع ، مقعد على طاولة الحوار ، حتى ينجز الجميع المهمة غير المستحيلة ، لان هناك دوما نقطة للالتقاء في منتصف الطريق .
المفضلات