احباب الاردن التعليمي

صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 24

الموضوع: ## أشهر جاسوسة عربية للموساد ##

  1. #1
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Mon Jun 2008
    المشاركات
    1,288
    معدل تقييم المستوى
    17

    ## أشهر جاسوسة عربية للموساد ##



    السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة

    احييكم واطل عليكم اليوم بقصة يقشعر لها البدن ، بقصة غايه في التشويق والاثارة ، قصة من تاريخ اسود لفتاة باعت ديناها ووطنها واهلها من اجل شئ زائف ، لا بل باعت الاخرة من اجل الدنيا .

    اخواني واعزائي واحبائي القصه طويله ومشوقه بنفس الوقت ، فاطلب منكم ان تقوموا بحفظ الصفحة في المفضلة وكل ما سنحت لكم الفرصه تقرأو جزء منها حتى لا يتخلل لكم الملل .. وحتى يبقى جزء الاثارة والتشويق موجود بيها

    لا اريد ان اطيل عليكم ، وسوف ابدأ ان شاء الله بسرد وقائعها الحقيقية والله المستعان

    وارجو ان لا تبخلوا بالرد بعد اتمام القراءة

    هذه اجمل التحيات وارق النسمات لكم

  2. #2
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Mon Jun 2008
    المشاركات
    1,288
    معدل تقييم المستوى
    17
    بسم الله الرحمن الرحيم


    مقدمة الرواية :

    لا شك أن عالم الجاسوسية مليء بالأسرار والقصص التي تبدو وكأنها
    قصص تفوق الخيال نظرا للتقدم التقني والأساليب الجهنمية التي تتبعها المؤسسات الإستخبارية في جميع دول العالم حتى أصبحت الجاسوسية
    عِلماً قائماً بحد ذاته.. له مدارسه وكلياته.
    ،،،
    وتلجأ جميع الدول لزرع وتجنيد جواسيس لها في مختلف الدول خاصة الدول التي تكون في حالة حرب معها.. وقد برع الموساد (الإستخبارات الصهيونية)
    في هذا المجال.. وجندوا العديد من الجواسيس والخونة في الدول العربية
    خاصة في مصر ولبنان وسوريا..
    ،،
    وهذه القصة هي لجاسوسة عربية استطاع الموساد تجنيدها للحصول على
    معلومات عسكرية في غاية الخطورة استفاد منها الصهاينة في حربهم مع العرب..
    ،،
    وقد كتب قصتها:

    الصحفي المصري : فريد الفالوجي
    ،،
    وها أنا ذا أضعها بين أيديكم مع بعض التعديلات في الوصف
    وبعض المسميات والإضافات الخفيفة التي تثري الموضوع
    ولا تبعده عن مضمونه .

    ،،
    لنرى كيف استطاعت هذه الجاسوسة الحاقدة أن تتعاون مع الموساد وتقدم له
    الخدمات ضد وطنها ودينها الذين باعتهما بأرخص الأثمان.


    ،،،

  3. #3
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Mon Jun 2008
    المشاركات
    1,288
    معدل تقييم المستوى
    17
    الفصل الأول



    فتاة من الشرق :

    في إحدى ضواحي عمان الراقية، ولدت أمينة داود المفتي عام 1939 لأسرة شركسية مسلمة، هاجرت الى الأردن منذ سنوات طويلة، وتبوأت
    مراكز سياسية واجتماعية عالية.
    والدها تاجر مجوهرات ثري، وعمها لواء في البلاط الملكي.

    ،،
    و أمها، سيدة مثقفة تجيد أربع لغات، وذات علاقات قوية بسيدات المجتمع الراقي. كانت أمينة أصغر أخواتها – شقيقتان متزوجتان وثلاثة أشقاء آخرين . حظيت بالدلال منذ طفولتها، طلباتها لا ترد أو تؤجل، ضحكاتها المرحة الساحرة كانت وشوشات الحبور في جنبات البيت الذي يشبه القصر .

    ،،
    في المرحلة الثانوية أوغلت فيها مظاهر الأنوثة، فبدت رقيقة الملامح، عذبة، شهية، طموحة، ذكية. لكنها برغم تقاليد أسرتها المحافظة، تسخر من تقاليد الشرق وقيوده، وتحلم بالحب والانطلاق، والحرية.

    ،،
    وفي ثورة تقلباتها أحبت "بسام" الفلسطيني الأصل، وأطلقت تجاهه فيضانات المشاعر المتدفقة بلا حدود، أو انقطاع. لكنها صدمت بشدة عندما هجرها إلى أخرى أجمل منها، وأكثر اتزاناً، وكتب لها يقول أنها أنانية، مغرورة،
    سريعة الغضب، شرسة الطباع.

    ،،
    هكذا كشف لها الحبيب عن مساوئ تنشئتها، وأسلوبها الخاطئ في فهم الحياة
    لأن حبها كان قوياً، جباراً، عاتياً، عصفت بها الصدمة، وزلزلت قلبها الصغير، وتملكتها رغبة مجنونة في الثأر والانتقام

    (وكانت هذه هي البداية لسلوكها العفن فيما بعد )
    ،،
    كانت لكل تلك التصارعات آثارها السلبية على دراستها، إذ حصلت على الثانوية العامة بدرجات متوسطة، دفعتها للتفكير في السفر الى أوروبا للالتحاق بإحدى جامعاتها، وهذا تقليد متبع بين أبناء الأثرياء في الأردن.

    ،،
    عام 1957 التحقت بجامعة فيينا، وأقامت بالمنزل رقم 56 شارع يوهان شتراوس ـ لعدة أسابيع، قبل أن يفتح القسم الداخلي أبوابه لإقامة الطالبات المغتربات.
    ،،
    أسبغت الحياة الجديدة على أمينة سعادة غامرة، ودفئاً من نوع آخر وقد جمعتها الحجرة بطالبة مرحة في نهائي الطب – تدعى جولي باتريك - من جوهانسبرج، ذات خبرة كبيرة بالحياة الأوروبية.

    ،،
    وفي متنزهات المدينة الساحرة، والحرية اللانهائية لفتاة من الشرق، علمتها جولي التدخين، وحذرتها من العلاقات الجنسية مع الشباب حيث الحمل والإجهاض.
    ،،
    وحببت إليها أسلوباً جنسياً خاصاً بالنساء، يرتقى بالمتعة إلى ذروة الانتشاء، والأمان، فأقبلت أمينة على التساحق مع الفتاة الخبيرة بالشذوذ،
    وشيئاً فشيئاً أدمنت الفعل الخبيث حتى الثمالة
    و رأت فيه انطلاقتها وتحررها من قيود الشرق، والخجل.
    (وبئس الفكر والتحرر) ..

    ،،
    بانتهاء العام الدراسي الأول، وعودة جولي إلى وطنها،
    افتقدت أمينة لسعات الخدر الجميل، فتقربت من فتاة أخرى تدعى
    جينفيف ووترود، وسعت لإدارة الدار لكي تشاركها الحجرة الواحدة،
    والشذوذ الذي تزداد جرعاته العطشى يوماً بعد يوم.

    ،،
    هكذا مرت سنوات الدراسة بجامعة فيينا، تصطخب بالرغبة والتحرر إلى
    أن حصلت أمينة على بكالوريوس علم النفس الطبي
    Psyshology Medical
    وتعود في أغسطس 1961 إلى عمان مكرهة، تضج بالمعاندة والنفور، وتحمل بداخلها طبائع أخرى، وأحاسيس مختلفة، وآلام الهجرة إلى القيود والرقابة.

    ،،
    في غمرة معاناتها وكآبتها، تذكرت حبيبها الأول – بسام – فجابت عمان طولاً وعرضاً بحثاً عنه، وهزتها الحقيقة المرة عندما علمت بزواجه من فتاته الجميلة الفقيرة، وحاصرها السهوم والملل والحقد، ولم تجد حلاً لأزمتها إلا السفر ثانية
    الى النمسا، بدعوى استكمال دراستها العليا لنيل الدكتوراه
    عازمة على ألا تعود الى الشرق أبداً.


    آني موشيه :


    23 عاماً ونيف هو عُمر أمينة المفتي عندما عادت الى فيينا من جديد، تحمل قلباً ممزقاً، ووجهاً شاحباً، وكراهية لموروثاتها "العقيمة"،
    وجسداً أنهكه صمت رجفات النشوة، واصطكاكها.

    ،،
    لفحتها نسمات الحرية في أوروبا، وسلكت مسلك فتياتها في العمل والاعتماد على النفس، غير عابئة بما كان يرسله لها والدها من مصروف شهري.

    ،،
    فعملت بورشة صغيرة للعب الأطفال،الى أن ساقت إليها الصدفة فتاة يهودية
    تدعى "سارة بيراد"، شاركتها العمل، والسكن، و ....... الشذوذ.
    فالتصقت بها أمينة، وسرعان ما انخرطت معها في تيار الهيبيز، الذي انتشرت أولى جماعاته في أوروبا تلك الحقبة، متجاهلة رغبة أسرتها
    في تزويجها من ابن العم التاجر الثري.

    ،،
    وفي زيارة لأسرة سارة في وستندورف، دق قلبها فجأة بقوة لم تستطع دفعها. إنها المرة الثانية التي يخالجها ذلك الشعور الرائع المشوق، فقد كان موشيه – شقيق سارة الأكبر – شاب لا يقاوم.

    ،،
    إنه ساحر النظرات والكلام، حيوي الشباب رائق الطلعة . عرفت أنه طيار عسكري برتبة نقيب، يكبرها بنحو سبع سنوات شاعري، مهووس بموسيقى موتسارت و بيزيه، وولوع بالشعر الأسود ونجلاوات الشرق.
    ،،
    في نزهة خلوية معه حاولت أمينة ألا تنحرف، لكنها ما كانت تتشبث إلا بالهواء،
    واستسلمت لأصابعه تتخلل شعرها، وتتحسس أصابعها المرتعشة،
    وتضغط ضغطاً ملهوفاً على مغاليق قوتها، فتنهار قواها وترتج في عنف مع
    مذاق أول قبلة من رجل، فأحست بروعة المذاق ..

    ،،
    وقالت في نفسها:
    يا للغباء.. لقد خلقنا للرجال.!!
    ،،
    وبين أحضانه الملتهبة، تأملته ، وأسكرتها دفقات المتعة المتلاحقة،
    وغرقت من لذائذها في نهم وجوع، واشتياق.
    حينئذ فقط . . أفرغت كل مشاعرها بين يديه . وبصدق، وضعف،
    ثم اعترفت له بحبها.

    ،،
    هكذا خطت أمينة المفتي خطوات الحرام مع الطيار اليهودي . . وهي المسلمة. وترنحت سكرى بلا وعي لتستقر في الحضيض . ولما أفاقت قليلاً . .
    هربت منه الى فيينا، يطاردها دنس الجسد، وغباء العقل، ورجفة الرغبة.

    ،،
    بمسكنها في شارع شتراوس حاولت أن تنسى، أن تغسل البدن المدنس بالخطايا، أن تمحو صورة أول رجل هتك ستر عفافها وأشعرها بفورة الأنثى، لكن مطارداته التليفونية
    لها كانت تسحق إرادتها،
    وتشتت عقلها الزائغ أمام جيوش عواطفه، فتخور صاغرة.

    ،،
    تعددت لقاءاتهما المحرمة وتحولت أمينة بين يديه الى امرأة
    لا تدخر وسعاً في إسعاده، وتغلبت على ضميرها قدر استطاعتها
    وهي تدعي لنفسها الحق في أن تعيش، وتحيا، وتجرب، وتمارس الحب بلا ندم
    في بلاد لا تعترف بالعذرية والعفاف.
    ،،
    هكذا مرت خمس سنوات
    في انحلال وترد، متناسية ما لأجله غادرت وطنها الى فيينا.

    ،،
    وبعد جهد . . ساعدها موشيه في الحصول على شهادة دكتوراه مزورة في علم النفس المرضي – Pathopychology – وهو احد فروع علم النفس الطبي، ثم عادت أدراجها الى الأردن في سبتمبر 1966 ليستقبلها الأهل
    في حفاوة وفخر..!!

    ،،
    ويطالبونها بإعلان موافقتها على الزواج من ابن عمها، لكنها تطلب إمهالها حتى تفتتح مستشفاها الخاص في عمان.
    وبينما إجراءات الترخيص للمشفى تسير بشكلها العادي
    وقع خلاف بينها وبين وكيل الوزارة المختص، فتشكوه إلى وزير الصحة الذي أبدى اهتماماً بشكواها وأمر بالتحقيق فيها على وجه السرعة.
    تشككت اللجنة القانونية في تصديقات الشهادة العلمية، وطلبت منها تصديقات جديدة من فيينا.
    ،،
    وخوفاً من انكشاف التزوير وما يصاحب ذلك من فضيحة لها ولأسرتها، سافرت أمينة الى النمسا متخمة بالخوف، وبأعماقها غضب يفيض كراهية لبلدها.

    ،،
    وهناك . . أسرعت الى موشيه يعاودها الحنين، غير عابئة بانكسار وطنها العربي بانكسار 1967، فكانت تعلن شماتتها بلا حرج أو خجل، إذ طفحت منها الكراهية لكل ما هو عربي، ولكل ما يمت للعرب بصلة.
    وبين نتف الجليد المتساقطة في ديسمبر، كانا يعبران معاً جسراً
    خشبياً قديماً في المدينة
    عندما استوقفها موشيه فجأة قائلاً:
    آمنة . . أتتزوجينني . . ؟
    ،،
    ودون أن تفكر أجابت وهي تحضنه في عنف:
    موشيه الحبيب . . نحن زوجان يا عزيزي.
    ،،
    أجابها بحسم ملاطفاً:
    أريده زواجاً رسمياً في المعبد.

    ،،
    وفي معبد شيمودت . . اعتنقت أمينة المفتي الديانة اليهودية ،
    وتزوجت من موشيه زواجاً محرماً شرعاً، واستبدلت اسمها
    بالاسم اليهودي الجديد .. "آني موشيه بيراد" .



    ،،
    انتهى
    الفصل الأول

  4. #4
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Mon Jun 2008
    المشاركات
    1,288
    معدل تقييم المستوى
    17
    الفصل الثاني :

    الهجرة الى الوطن المسلوب :

    على أطراف مدينة فيينا أقامت أمينة مع زوجها بشقة جديدة رائعة، تمتد أمامها مساحات الزروع الخضراء الشاسعة، وتبدو أشجار الغابات من بعيد
    كأنها رؤوس أشباح تطاردها كلما خلت الى نفسها.
    ،،
    لقد رأت أن تنأى بعيداً عن عيون المخابرات العربية التي تصورت أنها تسعى إليها، وكرهت مجرد الخروج مشياً في نزهات خلوية وحيدة أو برفقة موشيه، وتغلبت عليها هواجس الخوف الشديد كلما التفت الى شباكها أحد المارة
    ،،
    وعاشت تجرع التوتر في كل لحظة، فتحيل أيامها الى كابوس يخنق حياتها، ويغرز بأظافره الحادة المستطيلة في عنقها. وكثيراً ما استيقظت فزعة صارخة باكية، تتحسس في سرعة مسدسها المحشو وتصوبه الى أركان الغرفة.
    ،،
    وفي صيف عام 1972، قرأت أمينة إعلاناً غريباً بإحدى الصحف، تطلب فيه إسرائيل متطوعين من يهود أوروبا للالتحاق بجيش الدفاع
    مقابل مرتبات ومزايا عديدة مغرية.
    وابتهجت المرأة التعسة، إذ تصورت أنها عثرت على الحل المثالي لمعاناتها وأخذت تعد العدة لموشيه لإقناعه بالفكرة، خاصة وأنه سيحصل على
    جواز سفر صهيوني ، ومسكن في الوطن السليب
    وأنها بمرافقته الى هناك ستودع الخوف الى الأبد.
    لكن موشيه الذي كان يسعى للعمل بإحدى شركات الطيران المدنية عارض الفكرة، ورفضها، بدعوى أن الصهاينة والعرب في حالة حرب لن تهدأ حتى تشتعل، طالما أن هناك أرضاً محتلة وشعوباً عربية ثائرة.
    ومع إلحاحها المتواصل ليل نهار، تقدم موشيه بأوراقه الى السفارة الصهيونية.

    وفي نوفمبر 1972، كانا يطيران بطائرة العال الى الوطن المسلوب.
    حظيت أمينة – آني موشيه – باستقبال أكثر من رائع في المطار .
    ،،
    استقبال تحير له موشيه كثيراً وظن لأول وهلة أن زوجته إما أن تكون شخصية مرموقة ومعروفة في عمان، أو أنها ممثلة صهيونية مشهورة.
    وابتسم في سعادة وهو يلمح مدى بهجتها وفرحها الطفولي
    بالوطن الجديد، وبالمسكن المريح في ريشون لتسيون المعد
    من الخشب على طراز الريف الانكليزي.
    ،،
    واستدعيت أمينة بعد أيام قليلة الى إحدى الجهات الأمنية، حيث سئلت مئات الأسئلة عن نشأتها في الأردن، وعائلتها، ووظائف أقاربها ومعارفها، وعن كيفية تعارفها وموشيه، وزواجهما، فأجابت في سرد طويل.
    ،،
    سئلت أيضاً عما تمثله إسرائيل بوجدانها، وسئلت عن مشاعرها تجاه الأردن، والفلسطينيين، فأقرت بأنها تكره منظمة التحرير، وكل المنظمات الإرهابية الفلسطينية، وأن الملك حسين أخطأ كثيراً عندما لم يقتلهم جميعاً في الأردن
    فهم يكرهون الأقلية الشركسية في الأردن، وضربوا بيوتهم، وأتلفوا ممتلكاتهم، ظناً منهم أن عمها – اللواء بالبلاط الملكي –
    كان وراء مذابح أيلول 1971 وأحد مرتكبيها.
    ،،
    أُثنوا على المواطنة اليهودية الجديدة، وأعيدت الى منزلها على
    وعد بتوفير عمل مناسب لها في أقرب فرصة.



    البحث عن المستحيل :
    أخضع موشيه لتدريبات الاستطلاع الجوي، بعدما تقلد رتبة رائد طيار
    في سلاح الجو الصهيوني. وفي يناير 1973 طار بطائرته الـ سكاي هوك باتجاه الجبهة السورية .. فأسقطته مدفعية السوريين في أول طلعة استطلاع لهو اعتبر مفقوداً منذ تلك اللحظة.. لأن سوريا لم تعلن عن
    أسر الطيار الصهيوني كما كان يحدث، لكنها أعلنت بأن
    الطائرة انفجرت في الجو وقائدها بداخلها.
    ،،
    لم تصدق أمينة الخبر، ولأيام طويلة ظلت تصرخ صرخات هستيرية لا تتوقف. وفي عيادة "كوبات حوليم هستدروت" للأعصاب في ريشون لتسيون، احتبس صوتها، أو لنقل إن صدمة الفاجعة ألجمت لسانها فصمتت.
    وقبعت خلف زجاج حجرتها تنظر الى السماء، تزوغ نظراتها أحياناً،
    وأحياناً أخرى تتبع العصافير في طيرانها ولهوها.
    ،،
    وبعد شهر ونصف تكلمت، ونطقت قائلة : بأنها تشكك في البيان السوري، وبأن موشيه ما يزال حياً، متخفياً بين الحشائش والمغارات. فهو طيار ماهر
    وقدراته عالية جداً
    ،،
    في منزلها - وكانت برفقتها إحدى الأخصائيات النفسيات – كانت تحدث نفسها نهاراً بصوت مسموع، وفي الليل يسمع لها أنين خافت مليء بالوجع،
    هو مزيج متهالك من مشاعر الحسرة والضياع.
    ،،
    لقد صبت جام غضبها على العرب الذين أرهقوها في الأردن، وطاردوها في النمسا، وضيعوا حلمها في الاستقرار بالوطن السليب المسمى إسرائيل
    كما تزعم هي وأمثالها الخونة

    إن العرب هم آفة مستقبلها المظلم الآن، وسبب نكبتها وفجيعتها في زوجها الشاعري المهذب. ولأنهم هدموا حياتها كلها، تمنت لو أنها تستطيع الانتقام
    فها هي وحيدة يائسة بين أناس لا تعرفهم، بل وتجهل لغتهم العبرية
    وعاداتهم وطقوسهم.
    ،،
    وعمداً تناست أنها هي التي دفعت بحياتها الى مستنقع الهاوية،والرذيلة عندما تزوجت من يهودي نجس ، ثم دفعته للهجرة الى فلسطين خوفاً على حياتها،
    فقذفت به الى مصير مجهول، مماثل لمصيرها.المظلم فيما بعد .
    ،،
    وقبلما يحطمها الانتظار ويعتريها الجنون، تقدمت بطلب الى السلطات المختصة للسماح لها بالسفر الى بيروت ودمشق لتقصي أخبار زوجها.
    ،،
    وما هي إلا أيام قليل حتى طارت بجواز سفرها الإسرائيلي الى فيينا، فالتقت بأسرة موشيه الحزينة، ومكثت بينهم عدة أيام حاولت خلالها أن تتنسم عبير الحبيب المفقود، لكنها أحست بأن عبيره أشد كثافة ووقعاً بأطراف العاصمة.
    ،،
    وفي الشقة التي شهدت أروع ذكرياتها، أطلقت شهقات حزنها ولوعتها وحيدة تلثم المقاعد والستائر والوسائد، وتطوف بين حجراتها تنادي موشيه وتتحسس كتبه واسطواناته وأحذيته.
    ،،
    مجنونة تلك المرأة الملتاعة، التي لفظتها أرجوحة الثمالة الى جب الهاوية، فدوت صرخاتها تتردد في الأعماق لهفى الى الضياء والأمان المفقود، ويبث الصدى في شقوقه ألم الإنسان وظلمه لنفسه.
    ،،
    ،،
    وبصعوبة شديدة، استطاعت سارة إقناعها بأن تغادر الشقة،
    وحملت أمينة حقائب حزنها وتوجهت الى المطار. وبجواز سفرها الأردني
    طارت على أول رحلة الى بيروت.
    ،،
    وفي شارع الحمراء – أشهر شوارع بيروت - نزلت بأحد الفنادق. وفي رحلة تجوالها تعرفت على سيدة لبنانية - أردنية الأصل - تدعى خديجة زهران، تمتلك وتدير محلاً للملابس الجاهزة، فاشترت منها ملابس بمبلغ كبير لتتقرب إليها، ودلتها خديجة على شقة صغيرة بحي عين الرمانة ..
    ومنها انطلقت للبحث عن زوجها، وتسقط أخباره من الفلسطينيين
    ذوي الكثافة بالحي.
    ،،
    وبعد رحلات عديدة بين بيروت ودمشق، فشلت أمينة في الوصول الى ما يطمئنها، وتأكد لديها أن موشيه قتل لا محالة. فغادرت بيروت الى فيينا
    تنخر بعقلها أحزان تقترب بها الى حافة الجنون، وتخنقها عبرات
    الأسى والغربة، والفزع.

    تابعوا ماتبقى من الجزء الثاني
    قريباً ..بإذن الله ...

    ،،
    في المصيدة :
    في شقتها بـ فيينا، أيقظها اتصال هاتفي من تل أبيب، وفي اليوم التالي استقبلت ثلاثة رجال عرفت منهم أنهم ضباط صهاينة، مهمتهم إنهاء إجراءات الإرث الخاص بها، دون إثارة مشاكل مع أسرة زوجها أو الجهات الرسمية
    سواء في النمسا، أو في الوطن السليب.
    ،،
    كان ميراثها وحدها مع التعويض يربو على نصف مليون دولار،
    مع الشقة الرائعة في ريشون لتسيون، وضمانات حماية وأمن فوق العادة.
    لقد كان المطلوب منها أن تتعاون معهم لقاء ذلك، وتنفذ ما سيطلب منها بلا تردد.

    فبقياسات المخابرات، تعد أمينة كنزاً ثميناً لا يقدر بمال. فهي إمراة عربية فقدت وطنها وأهلها، وتعيش في وضع نفسي سيء مليء بالخوف
    ولا مأوى لها سوى عندهم.
    ،،
    لكل تلك العوامل كان لا بد من استغلالها واستقطابها، بقليل من بث الكراهية في نفسها لهؤلاء العرب الذين قتلوا زوجها وقد كان يمثل لها الأمن والحماية، وبالضرورة هي بحاجة ماسة الى الأمن والحماية من بعده.
    ،،
    لقد كانت رؤيتهم على صواب، فأمينة التي تحمل الجنسية الأردنية، والنمساوية والصهيونية، لم تكن بحاجة الى كل هذا التخطيط والتمويه لجرها الى عش الجاسوسية، والعمل لصالح الموساد ضد وعروبتها وشعبها.
    ،،
    إنها غارقة في الضعف، واليأس، والضياع. بعدما باعت الدين والوطن
    فهي لا تملك أثمن منهم لتبيعه.
    ،،
    يقول الكاتب الأديب محمد حسين الألفي :
    (هناك دراسات علمية أجريت مؤخراً، كشفت عن نتائج سوف تقلب تفكيرنا رأساً على عقب، فقد ظهر أن الخيانة في الدم، بمعنى : أن الناس يولدون والخيانة في دمهم . . أحد مكونات الدم )
    ،،
    ومنذ البداية – لم تعر أمينة للشرف انتباهاً،
    إذ خلعت ثوب الشرق المحتشم، واستبدلته بغلالة الغرب عن طوع
    ورغبة نازفة دماء عروبتها، وعقيدتها، وعفتها.
    ،،

    لذا لم يكن من الصعب على الضباط الثلاثة إخضاعها، مستغلين
    ضعفها الإنساني ووحشتها، عازفين على أوتار كراهيتها للعرب،
    وللفلسطينيين على وجه الخصوص.
    ،،
    إن الجاسوسية في عُرف أجهزة المخابرات لا تقر بمبدأ الرحمة،
    ولا تستجيب بأي حال لنداءات الضمير. إنه عالم عجيب مثير، يفتقد العواطف، ولا تصنف المشاعر تحت سمائه.
    ،،
    وفي دهاليزه المظلمة الغامضة، توجد هناك دائماً مساحة ضيقة من الطموح والجنون، وبقدر ما لدى الإنسان من رغبة محمومة في تحقيق أحلامه، وتوهماته،تعميه الحقيقة المرة أحياناً عن معالم الطريق
    ويتحول لمخلوق مبصر يتحسس الخطى دونما توقع لنواميس القدر.
    ،،
    فالنفس البشرية ما تزال تمثل لغزاً محيراً
    عجزت العقول عن تفسير بعض جوانبه، ولذلك، لا نندهش أمام تقلبات البشر، وجنوح العقول، وانحرافات الأمزجة والسلوك.
    تلك هي النفس البشرية ، لغز الألغاز، سرها لا يعلمه إلا خالقها سبحانه وتعالى.
    ،،
    هكذا سقطت أمينة في مصيدة الجاسوسية، وأسلمت قيادها للضباط الثلاثة، الذين أقاموا لها دورة تدريبية مكثفة استغرقت شهراً وأربعة أيام في شقتها بـ فيينا،
    تعلمت أثناءها أساليب التجسس المختلفة من تصوير، وتشفير، وتلقط الأخبار، وكيفية الالتزام بالحس الأمني، والتمييز بين الأسلحة.
    دربوها أيضاً على كيفية تحميض الأفلام، والهرب من المراقبة واستخدام المسدس.
    ،،
    واستقدموا لها خبيراً في تقوية الذاكرة، وتخزين المعلومات والأرقام دون نسيانها. فكانوا يعرضون عليها مشهداً من فيلم سينمائي،
    ويطلبون منها الإجابة:
    كم طبقاً كان على المائدة؟
    ما لون ستائر الشباك؟ كم لمبة بالنجفة؟
    كم عدد درجات السلم؟
    ،،
    أجادت دورتها الأولى في التجسس، وأصبحت أكثر إصراراً على الانتقام والتحدي، وعمل المستحيل للثأر لزوجها الذي فقد بالقرب من الجولان – والجنوب اللبناني، إنها تريد تأكيد حبها لموشيه، من خلال حبها للعمل
    مع الصهاينة ضد العرب.
    ولم تعد تزعجها كثيراً هلاوس الليل عندما تحلم به يسعى في الجبال ممزق الثياب، كث اللحية، زائغ العينين، يناديها أن تنقذه.
    وكثيراً ما ترى جسده ممزقاً في قطع صغيرة، تلتهمها فئران الخلاء.
    ،،
    غادرت فيينا الى بيروت هذه المرة . . لا للبحث عن زوجها، وإنما للانتقام له، مهمتها المحددة تقصي أخبار رجال المنظمات الفلسطينية، ورجال المقاومة الذين يؤرقون أمن الصهاينة، ويحيلون ليلها الى نهار لشدة القصف والتفجيرات الفدائية.
    ،،
    كانت أيضاً مكلفة بالتحري عن مراكز إقامة قادة المقاومة، والطرق التي يسلكها الفدائيون للتسلل الى الأرض المحتلة، أيضاً - التغلغل داخلهم لمعرفة أعداد الفدائيين، وتدريبهم، وتسليحهم.
    ومدى مهارتهم في التخفي والمناورة، ومخازن الأسلحة والإعاشة ,,, الخ


    ،،
    انتهى
    الفصل الثاني

  5. #5
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Mon Jun 2008
    المشاركات
    1,288
    معدل تقييم المستوى
    17
    الفصل الثالث :
    وليمة فسق :

    في بيروت، استأجرت شقة بإحدى بنايات الروشة، أجمل مناطق بيروت، حيث ترى الشاطئ المتعرج برماله البيضاء التي يتقاذفها البحر على ضفاف اليابسة، وهو المشهد الذي وصفه الشاعر الفرنسي "لامارتين" بقوله:
    " إن الطبيعة هنا .. بل كل شيء حولي أسمى من الخيال. لقد حلمت بجنة عدن
    لا . . بل لقد رأيتها "
    ،،
    من شرفة شقتها كان أمامها البحر اللانهائي، وبقعتان من الصخور القاسية، هما صخور الروشة الشهيرة التي تكسر تلك اللوحة الناعمة وتزيدها جمالا
    وعلى بعد خطوات منها يقع مقهى الدولشي فيتا أشهر مقاهي بيروت، حيث المكان المفضل للفنانين والمثقفين وأيضاً الجواسيس والسياح.
    ،،
    كان الشيء الوحيد الذي يضايقها، هو انقطاع الحرارة عن التليفون. لذلك . . زارت صديقتها الأردنية خديجة زهران، وطلبت منها المساعدة.
    ،،
    في الحال اتصلت خديجة بمانويل عساف موظف التليفونات، الذي ذهب بنفسه الى أمينة في اليوم التالي، ليؤكد لها أن المنطقة تعاني من بعض الأعطال بسبب تجديدات بالشبكة، ووعدها بأنه سيسعى في القريب للتوصل الى حل.
    ،،
    منحته خمسين ليرة ليهتم بالأمر، ولكي لا ينسى . . منحته جسدها أيضاً.
    إذ وجدت فيه صيداً سهلاً تستطيع من خلاله التوصل لتليفونات
    وعناوين القادة الفلسطينيين.
    ،،
    لم تندم عندما باعت الدين والوطن والأهل. فلم تجد غضاضة وهي تبيع نفسها لمانويل، الذي خر مستسلماً أمام امرأة شابة بعينيها نداءات جوع،
    تفوح من جسدها رائحة الأنوثة والرغبة؟
    ،،
    لقد شلت إرادته وأذهبت بعريها عقله، وحاصرته فلم يعد يملك حيلة للفرار.
    وأقبل عليها في شراهة ونهم، باعتقاده أنه أوقع بامرأة ظمأى. .
    بينما تصرفت هي كجاسوسة محترفة، بين أحضانه بدت في أقصى حالات الضعف، لكنها كانت أبعد ما تكون عن الإحساس بالمتعة.
    ،،
    هكذا تفعل النساء في عالم المخابرات والجاسوسية . .
    فالجنس عندهن وسيلة فقط لا هدف
    وابتلع الأبله الطعم ؟
    ،،
    ولكن صدمت أمينة بشدة عندما تبين لها أن مانويل لا يملك ما تريده،
    فهو مجرد موظف صغير لا يملك قراراً.
    فلم يتملكها الإحساس بالندم أو الحسرة، بل أقنعت نفسها بأنها
    فشلت في تجربة أولى . . وحتماً ستنجح في مرات مقبلة.
    ،،
    حاول مانويل عساف الوفاء بوعده لتتوطد علاقته بالمرأة النارية، فلم يستطع
    لأن رئيسه في العمل – مارون الحايك – بيده كل شيء .
    لذلك . . صارحه بما حدث، واصطحبه الى شقة أمينة.
    ،،
    كان الحايك متعدد العلاقات النسائية، يسعى خلف نزواته ومغامراته،
    منشغل بالتجسس على المحادثات التليفونية بين نساء المدينة، تستهويه لعبة المطاردة والبحث عن صيد جديد.
    ،،
    وبغريزة الأنثى التي لا تخيب، أيقنت أمينة ما بنفسه، واثقة من كنز معلوماته
    عن الزعماء الفلسطينيين في بيروت.
    لذلك تركته بتناول معها وليمة فسق أتخمته، وأحاطت عقله بسياج من غباء.
    ،،
    وبينما الجسد المتنهد ساكناً . . أجاب عن أسئلتها . .
    وأطلعها – بعد عدة ولائم – على التليفونات السرية للمنظمات الفلسطينية، ولزعماء الجبهات وعناوين إقامتهم بحي الريحانة الشهير.
    ،،
    وبواسطة صندوق بريد ميت، صبت أمينة كل ما تفوه به مارون في خطاب من عدة صفحات، تسلمه عملاء الموساد في بيروت. لتجيئها الأوامر
    بعد ذلك بالتحرك دون انتظار.
    فالمطلوب منها هو الحصول على القوائم السرية لرجال
    المخابرات الفلسطينية "رصد" في أوروبا وصفاتهم.
    ،،
    ولن يتاح لها ذلك إلا من خلال مكتب منظمة التحرير– مكتب عرفات شخصياً، أو مكتب رئيس جهاز المخابرات علي حسن سلامة المطارد في كل مكان في العالم، والذي أطلقت عليه الشمطاء جولدا مائير لقب "الأمير الأحمر"
    لأنه بطل عملية ميونيخ التي قتل فيها أحد عشر رياضيا صهيونيا.
    ،،
    الأمير الأحمر:

    كانت الحياة ببيروت في ذلك الوقت يونيو 1973 لها مذاق رائع.
    تماماً كالأطعمة المتنوعة من كل أنحاء الدنيا .
    ،،

    ومع عطلة نهاية الأسبوع . . تزهو أجمل فتيات لبنان داخل الفنادق والأندية، يرتدين البكيني اللاصق، ويتلون بتدله تحت أشعة الشمس حول حمامات السباحة، أو يلعبن الجولف والتنس، ويرقصن الديسكو ويشتركن في مسابقات الجمال.
    ،،
    وسط جو كهذا يموج بالمرح والحسن والشباب، اعتاد علي حسن سلامة
    أن يعيش بعض أوقاته، يرافقه أحياناً فتحي عرفات "شقيق ياسر عرفات" . . رئيس جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني.
    ،،
    ولما اختيرت جورجينا رزق ملكة جمال الكون، اختطفها سلامة وتزوجا في حدث أكثر من رائع، مما جعله مطاردا دائماً من فتيات لبنان.لكنه
    كان مشبعاً بكل جمال الدنيا بين يديه.
    ،،
    ولأن المخابرات الصهيونية كانت تجهل صورته أو ملامحه، وفشلت كثيراً في اقتفاء أثره لاغتياله، خاصة بعد عملية ميونيخ بالذات، فقد كان المطلوب
    من أمينة المفتي التسلل الى مخبئه، والحصول على قوائم بأسماء
    قيادات وعملاء المخابرات الفلسطينية في أوروبا.
    ،،
    فقد كان علي حسن سلامة – الأمير الأحمر كما أطلقت عليه الحيزبون جولدا مائير، أحد مساعدي عرفات والمختص بحراسته.
    ،،
    ثم أوكل إليه عرفات مباشرة بمهمة جديدة، وهي رئيس الأمن والمخابرات التابعة لمنظمة فتح وقوات الحرس الداخلي التي يطلق عليها - القوة 17 –
    وهي القوة التي أطلق عليها عرفات اسم "المنتمين الى قيصر روما القديمة".
    ،،
    والحصول على القوائم السرية للقيادات الفلسطينية والأعضاء البارزين في المنظمات في أوروبا، أمر هام جداً ومطلوب لتفكيك أوصال القيادة في بيروت، وعزلها عن الآخرين في كل قارات العالم.
    وفي هذا إجابة عن سؤال: لماذا السطو على أوراقه بدلاً من اغتياله؟
    ،،
    هكذا كانت مهمة أمينة المفتي في بيروت . . مهمة حساسة للغاية . .
    لو استطاعت القيام بها فكل ميادين إسرائيل لا تكفي لوضع تماثيلها. وفي لقاء حميم بشقتها مع مارون الحايك، سألته عن عرفات وأبو إياد والغمري وغيرهم،
    فأجاب بأنه يعرفهم جيداً، ولأيام طويلة ظلت تمنحه جسدها، وتنفق عليه بسخاء عندما أكد لها أنه يعرف علي حسن سلامة، بل والفندق الذي يرتاده.
    فاصطحبته مراراً لفندق كورال بيتش "شاطئ المرجان" ليدلها عليه. لكن الأيام تمر والحايك يستمتع بجسدها وبأموالها دون أن يظهر لسلامة أثر.
    ،،
    تملكها يأس قاتم لفشلها، وفكرت كثيراً في مغادرة بيروت الى تل أبيب تتوجها الخيبة. لكن طرأت بخيالها فكرة جديدة عملت على تنفيذها بأسرع وقت.
    إذ انتقلت الى شقة أخرى بكورنيش المزرعة .
    وهي منطقة شعبية يرتادها التجار من قاطني المخيمات الفلسطينية في بيروت.
    ،،
    وللوهلة الأولى . .
    أحست بتفاؤل كبير، بعدما تعرفت على ممرضة فلسطينية تدعى شميسة، تعمل بعيادة "صامد" بمخيم صبرا. فقدمتها شميسة، الى مدير العيادة
    الذي أوضح لها أن العديد من الأطباء من كل دول العالم
    يشاركون في علاج الفلسطينيين كمتطوعين.
    ،،
    فعرضت عليه خدماتها التطوعية، وأطلعته على شهاداتها المزورة فطلب منها الانتظار لعدة أيام ريثما يخبر رؤساءه.
    هؤلاء المتطوعون في شتى المؤسسات الفلسطينية، يقابلهم ياسر عرفات، ويستعرض معهم المخيمات وملاجئ الأيتام، والمؤسسات الصحية
    والهلال الأحمر، وأقسام الأجهزة التعويضية والعلاج الطبيعي
    والمعامل المركزية وبنك الدم. من هنا ..
    ،،
    صادفت أمينة المفتي فرصة ذهبية للامتزاج بالفلسطينيين، وبدأت
    مرحلة العمل التجسسي الأوسع.
    ،،
    مساء 22 يوليو 1973 . .
    دق جرس التليفون بشقة أمينة المفتي
    وكان على الطرف الآخر مارون الحايك، الذي اسر إليها ببضع كلمات ألجمتها، فوضعت السماعة في توتر وأسرعت تفتح التليفزيون.
    ،،
    لقد صدمها المذيع وهو يعلن نبأ اعتقال ستة من رجال الموساد
    في أوسلو، بينهم امرأة، بتهمة قتل جرسون مغربي بالرصاص في ليلها مر،
    ظنوا أنه الفلسطيني علي حسن سلامة.
    ،،
    وقد اعترف المعتقلون بأنهم ينتمون الى الموساد، ويشكلون فيما بينهم فريقاً للقتل اسمه K Idon - الرمح – وجاءوا خصيصاً من إسرائيل لتعقب سلامة واغتياله. ارتجت أمينة وتملكها الهلع على مصيرها.
    وتساءلت: لماذا يتعقبون سلامة لاغتياله. بينما طلبوا منها خلاف ذلك؟
    ،،
    كانت اللعبة أكبر بكثير من تفكيرها. فأمور السياسة والمخابرات تتشكل وفقاً لمعايير أخرى . . وحسابات معقدة.
    ولأول مرة منذ فقدت زوجها موشيه، تشعر برغبة أكيدة في الاستمتاع بالحياة .. وحاجاتها الى مذاقات النشوة التي افتقدتها.
    ،،
    وأسرعت في اليوم التالي، برفقة مارون الى فندق الكورال بيتش، متلهفة الى الالتقاء بسلامة. ولكم أخذتها المفاجأة عندما أشار صديقها ناحية حوض السباحة قائلاً لها: أنظري . . إنه علي حسن سلامة...
    ،،
    كان حمام السباحة كبيراً، على شكل حدوة الحصان، يحيط به مبنى أبيض اللون مكون من ثلاثة طوابق، تطل كل غرفه الخمس والتسعين على الحمام.
    ،،
    ويفضل سلامة هذا الفندق لأنه مؤمن جيداً ويكشف المخاطر الأمنية التي قد يتعرض لها. ومن الأمور العادية أن توجد ثلاث سيارات عسكرية
    حول الفندق لحماية الأمير الأحمر. حيث يقوم حراسه بتأمين موقف السيارات ومداخل الفندق وحدائقه.
    ،،
    أما في الحجرة المطلة على حمام السباحة وهي بالدور الأرضي، فيكون سلامة دائماً بمفرده، يحمل مسدسه الاتوماتيكي المحشو، ولا يتغافل عنه أبدا.
    ،،
    كان سلامة في ذلك الوقت في الثالثة والثلاثين من عمره، رياضي . . وسيم .. أنيق. يصادق جورجينا رزق ملكة جمال الكون.
    وفي فتاة عمرها واحد وعشرون عاماً، تنحدر من مؤسسة المال المسيحية في بيروت لأب لبناني وأم مجرية. انتخبت في السادسة عشرة ملكة جمال لبنان.
    وبعدها بعامين ملكة جمال العالم. وكانت الوحيدة من بلاد العرب التي دخلت مسابقة "ميامي بيتش". وهكذا أصبحت جورجينا رزق أشهر امرأة
    في العالم، يحلم بها كل الرجال.
    ،،
    وكان الجميع يريد التعرف على الفتاة ذات الشعر الأسود الطويل، والعيون الخضراء، والفم الكبير، والجسد الأسطوري. حتى "جيمي كارتر" - حاكم ولاية جورجينا وقبل أن يصبح رئيساً . .
    تحققت أمنيته وظهرت صورة له مع ملكة الكون وهي ترتدي فستان السهرة الأسود العاري الأكتاف والصدر.
    ،،
    لقد انشغلت جورجينا رزق بالفتى الوسيم ذو الجسد الرياضي. وانشغل بها هو أيضا.. وبرغم زواجهما إلا أنه لم يمانع من اختبار رجولته التي
    لا تقاوم مع نساء أخريات.
    ،،
    وها هي أمينة داود المفتي تقف أمامه . . ووجها لوجه بشكل لم يكن متوقعاً . . وحيث رتبت الموائد حول الحوض تحت المظلات الشمسية، جلست تراقب سلامة بحذر وهو يستحم، وعلى مقربة منه وقف رجلان من حراسه
    تنتفخ أجنابهما بالسلاح.
    ،،
    رسمت أمينة صورته في خيالها، وداومت على زيارة الكورال بيتش مرتان أسبوعياً بشكل منتظم. وكانت كثيراً ما تلتقي بسلامة الذي اعتاد رؤيتها. . وابتسامتها.. وجمالها البسيط الهادئ.
    ،،
    وذات مرة . . وصل سلامة الى الفندق. . واتجه الى الداخل حيث حجرته، لكنه عرج فجأة الى مائدة أمينة، وانحنى على ظهر المقعد المواجه في أدب
    وسألها عدة أسئلة. . ثم سحب المقعد وجلس قبالتها لأكثر من نصف الساعة ..
    ،،



    ،،
    تقول أمينة في مذكراتها التي نشرت بعد ذلك:

    " في ذلك اليوم الحار من سبتمبر 1973، تشوقت لترطيب جسدي
    في حوض السباحة بكورال بيتش، وبينما كنت أرفع كوب الماء البارد الى فمي، رأيته أمامي . . إنه سلامة.. سرت رعشة متدفقة بأوصالي عندما
    جاء الى مائدتي محيّياً.
    ،،
    وبدأ بأن عرفني بنفسه على أنه رجل أعمال فلسطيني، ثم سألني عن نفسي وجلس الى مائدتي بعدما اكتشف أنني طبيبة أردنية متطوعة
    ومنذ ذلك اليوم لازلت أذكر رعشة اللقاء . .
    وحديثه الرائع الذي جذبني إليه بكل كياني ومشاعري"


    ،،
    انتهى
    الفصل الثالث

  6. #6
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Mon Jun 2008
    المشاركات
    1,288
    معدل تقييم المستوى
    17
    الفصل الرابــع
    في الدولشي فيتا :

    بواسطة سلامة، انفتحت أمام أمينة المفتي كل الأبواب الموصدة.
    إذ أصبحت محل ثقة الفلسطينيين، وعلاقاتها بالقادة طالت ياسر عرفات نفسه.
    لقد استعادت حيويتها وثقتها بنفسها، وانخرطت في صفوف المقاومة تضمد الجروح، وتبث فيهم الحماس والاستماتة في الكفاح.
    ،،
    وكانت زياراتها المتعددة لمخيمات اللاجئين في الجنوب، تصحبها فيها
    مجموعات طبية من المتطوعين، تذكرة أمان لدخول كل المناطق المحظورة.

    فكانت عيونها كاميرات تلتقط الصور وتختزنها..
    وآذانها كانت أجهزة تسجيل متطورة..
    ،،
    وانقلب عقلها إلى آلة جبارة من القوة بحيث لا يرهقها تزاحم المعلومات . .
    أو رسم الخرائط بدقة متناهية . . أو حفظ مئات الأسماء والمواقع . .
    أو تذكر أنواع الأسلحة وأساليب التدريب. لقد أدمنت استجلاء أوضاع الفلسطينيين، مستغلة ثقتهم بها في إرسال المعلومات عنهم يوماً بيوم الى الموساد.
    ،،
    كان المطلوب منها هو كتابة تقارير وافية، ووضعها في صندوق "البريد الميت"
    أو تركها بسيفون حمام فندق الكورال بيتش.
    ،،
    تقول أمينة في مذكراتها:

    "أذكر أنني في إحدى المرات . . كنت أحمل وثائق سرية وتقارير خطيرة. . وذهبت لمقابلة سلامة بالفندق. كانت حقيبتي مكتنزة بأربعة وعشرون(24) ورقة من أوراق البلوك نوت الكبيرة
    عندما فاجأني سلامة بمجيئه مبكراً قبلما أتمكن من الدخول بها الى الحمام..
    وكانت ورقة واحدة منها فقط، كفيلة بأن يفرغ سلامة رصاصات مسدسه
    في صدري " .
    ،،
    لقد كنت أجلس إليه بأعصاب من فولاذ. . وعلى مقربة مني كانت زميلتي - وتحمل وثائق سفر قبرصية - تكاد تموت هلعا.
    هكذا عملت أمينة بحرّية مطلقة في التجسس على القادة الفلسطينيين. .
    ورجال المقاومة .
    ،،
    ولم تدخر وسعاً في البحث عن كل ما يهم الصهاينه في لبنان.
    لقد زارت ياسر عرفات بمكتبه ثلاث مرات، لتطلعه بنفسها على العديد من السلبيات التي واجهتها في الجنوب اللبناني، واهتم الزعيم بمقترحاتها
    وقد أفرد لها مساحة طويلة من الوقت للاستماع اليها.
    ،،
    وأوصى في الحال بالتحقق مما قالته، وتلافي الأخطاء التي تعوق حركة المقاومة في الجنوب. فتقربت أمينة بذلك من الزعيم الفلسطيني، وأصبح مكتبه
    مفتوحاً دائماً أمامها.
    ،،
    وحدث أن كانت في مقهى "الدولشي فيتا"، حيث شاطئ الروشة المتعرج الخيالي، حينما توقفت فجأة أمام المقهى سيارة جيب عسكرية، وتزل منها ثلاثة رجال فلسطينيين، اتجهوا مسرعين الى حيث تجلس تشرب القهوة،
    وقال أحدهم بحسم : نعرف أنك هنا . . وعليك مرافقتنا الآن..!!
    ،،
    أسقط ما في يد أمينة، ولم تقوى على الوقوف. بينما الرجال الثلاثة
    ترسل عيونهم سهاماً من توتر.
    ،،
    زيارة الى ضحايا:

    كانت السيارة العسكرية تخترق شوارع بيروت بسرعة مذهلة، بينما
    كانت أمينة المفتي متكورة الى يمين السائق، تنتفض عروقها رعباً،
    ويرتعد بدنها كله لهول النهاية.
    ،،
    لم تسأل مرافقيها عن وجهتهم، أو لنقل إنها لم تجرؤ على ذلك.
    إذ انحصر تفكيرها في تحين الفرصة المناسبة للبحث عن كبسولة سم السيانيد، التي خبأتها بين خصلات شعرها بواسطة شريط لاصق.
    ،،
    فحتماً سيكتشف الجنود المدججون بالسلاح ذلك عندها سيضطرون الى تكبيلها بالسلاسل الحديدية، فتضيع منها فرصة الانتحار الوحيدة.
    تنبهت أمينة قليلاً وتعجبت، فالسيارة عرجت بها فجأة الى طريق مخيم شاتيلا. ترى . . هل أقام الفلسطينيون معتقلات الخومة بداخل المخيمات؟
    ،،
    هكذا تساءلت في نفسها، وقبلما تسعفها الإجابة انطلق صوت أحد الجنود من خلفها، يحث السائق على أن يزيد من سرعته، فالجرحى الذين
    جيء بهم من الجنوب كثيرون.
    ،،
    وعند هذه العبارة ..أفاقت أمينة تماماً، سألت الجندي عن الأمر، فأجابها بأنهم ضحايا إحدى الغارات الصهيونيه على معسكر فلسطيني بالقرب من
    مفرق مخيم - عين الحلوة - السيروب في صيدا.
    ،،
    ونظراً للعجز الكبير في الأطباء المتطوعين، دلهم على مكانها مكتب المخابرات "الذي يترأسه علي حسن سلامة".
    فاستجمعت أمينة شتات عقلها في صرخة مدوية:
    غبي .. غبي.. كلكم أغبياء و ( تيوس) أهكذا تستدعون ضيوفكم؟
    ،،
    وبينما ينطلق صرخها بالسباب، وبأنها ستشكوهم لعرفات شخصياً، كان الجنود يعتذرون لها . . ويلحون في ذلك أيما إلحاح.
    ،،
    تلك الحادثة . . لم تسقط أبداً من ذاكرة أمينة.
    إذ زرعت لديها شعوراً قاتماً بالخوف في قدراتها التجسسية بين أناس
    يشكون في كل غريب وافد.
    ،،
    لذلك
    كان عليها أن تغسل الخوف الملتصق بها، وتتعاطى جرعات كبيرة من الهدوء، . والتعلم، . . والحنكة.
    وما كان يتأتى لها ذلك إلا في فلسطين .
    ،،
    هكذا أنهت عملها في مشفى مخيم شاتيلا، واستأذنت في السفر الى فيينا لتسجيل اسمها لدى إحدى جمعيات الطفولة الدولية.
    ،،
    وهناك ..في شقتها الخاوية بين الجدران الصماء والفراش البارد، اهاجتها الذكريات فضربت عمق وعيها، وأخذت تطوف بالغرف من جديد تتحسس الأرائك
    والأدراج وأحذية موشيه القديمة، وتقلب صفحات الألبومات تتلاحق
    أنفاسها في اضطراب وشجن.
    ،،
    وبكت كثيراً بين أحضان سارة بيراد شقيقة زوجها المفقود، وسافرت معها الى حيث يقيم والدي موشيه في وستندورف، يجرعان الأسى ويعتصرهما المرار.
    ،،
    هناك. . تخلت أمينة عن أهم قواعد الجاسوسية، وهي السرية المطلقة، وتفاخرت أمامهم جميعاً بأنها تثأر لموشيه كل يوم من القتلة العرب، وتنتقم منهم
    دونما رحمة أو شفقة.
    ،،
    قصت عليهم أيضاً الكثير من أسرار عملياتها في بيروت،
    وما كانت تعلم أن سارة المنخرطة في جماعات الهيبيز، تصادق شاباً فلسطينياً
    قتل اليهود والده فهام يتيماً . . بائساً. . متسكعاً . .
    يجوب مدن أوروبا بلا هدف. . أو وطن.
    ،،
    وبجواز سفرها الصهيوني، طارت أمينة الى تل أبيب تحمل جرعة هائلة من الغضب. . تدفعها بقوة لأن تستمر . . وتنطلق بكل كيانها لتثأر. . وتثأر .
    ،،

    في مذكراتها عن رحلتها تلك الى فيينا قالت:

    اليوم - 18 سبتمبر 1973 –
    زرت شقتي بفيينا وأنا بطريقي لتل ابيب - كان جسدي يرتعش وأنا أصعد الدرج، وفشلت مرات في معالجة الباب. وعندما أضأت الأنوار
    واجهتني صورة موشيه الكبيرة باللباس العسكري. فمسحت زجاج الإطار وقبلته، وعلقت باقة من زهور البانسيه التي يحبها الى جواره.
    ،،
    لقد خيل الي أن ابتسامته الرائعة تفيض بالعتاب . . بل هي كذلك. فتذكرت . .
    يا لغبائي . . كيف دفعته بنفسي الى نهايته، عندما شجعته على الهجرة لإسرائيل. حاولت أن أستعيد ابتسامته فلم أنجح. لحظتها. .ركعت على ركبتي أمامه وأشجهشت بالبكاء.
    ورجوته بألا يولمني أو يغضب مني، فأنا أنتقم له . . وآخذ بثأره.
    ،،
    ولن أهدأ حتى أشهد بنفسي بحور الدم المراق تعلوها الأشلاء الممزقة.
    وأرى ألف زوجة عربية تبكي زوجها، وألف أم فقدت أبنها، وألف شاب بلا أطراف. عندئذ فقط . . لمحت ابتسامته وقد ارتسمت من جديد، وأحسست
    كما لو أن يداه كانتا تحيطان بي . .
    ،،
    يا للخائنة المحشوة حقداً، لم تكفها كل تلك الخيانات للدين والوطن، فطفقت تبحث عن المزيد والمزيد، الذي تطفئ به نيران الغضب المشتعل بعروقها.
    ،،
    ولذلك. . كانت رحلتها إلى إلأرض السليبه ، لتستمد الهدوء . . والتعلم . . والخبرة. ولكي تجيد فنون التجسس . . والانتقام.
    ،،

    التقاء الخونة :

    لم يكن لها في فلسطين من أصدقاء، سوى نفر قليل من رجال الموساد، الذين فوجئوا بها وقد علتها مسحة قاتمة من الإرهاق. طلبوا منها أن تستريح
    بشقتها ريثما تهدأ.
    وحتى لا تزيدها الوحدة أرقاً، صاحبتها طبيبة نفسية يهودية من أصل
    عراقي تدعى زهيرة. وفي شقتها بمدينة ريشون لتسيون.
    ،،
    عملت زهيرة على تهيئتها للاندماج بالمجتمع الصهيوني، تمهيداً لاستقرارها النهائي، بما يعني الاكتفاء بخدماتها السابقة كعميلة في الموساد.

    لقد كانت مهمة زهيرة ألا تفاتحها في أمر إنهاء خدمتها، فهي ليست منوطة بذلك. ولكن تنحصر في إذابة جدران العزلة النفسية التي تحيط بالعميلة، بدمجها شيئاً فشيئاً باليهود العرب، وخلق محيط اجتماعي موسع من حولها.
    لقد حدثتها صديقتها الجديدة عن المهاجرين العرب من اليهود، الذين قدموا من شتى الأقطار المجاورة، وكيف استساغوا العيش في المجتمع الجديد المتحرر، وحدثتها كذلك عن بعض المسيحيين الذين فروا إلى
    الصهاينة طلباً للحرية والأمن؟؟!!
    ،،
    ومن بين الذين ذكرتهم، النقيب الطيار منير روفه - الكاثوليكي العراقي - الذي فر بطائرته الحربية .
    ،،
    وعندما أبدت أمينة رغبتها في لقائه، عرضت زهيرة الأمر على رؤسائها فجاءتها الموافقة. وتم ترتيب اللقاء بمنزل روفة بين زوجته وأولاده
    ،،
    كانت أمينة في شوق بالغ للقاء الطيار الهارب، ليس لأنه عربي بل
    لتسأله عما يجول بخاطرها من تساؤلات قد تفيدها معرفة إجاباتها.
    ،،
    وبابتسامة عريضة بباب منزلهما، رحب منير وزوجته بأمينة . .
    وقاداها الى الداخل..
    ،،
    كان منير روفة في ذلك الوقت في الثامنة والثلاثين من عمره، أسمر . .
    واسع العينين والجبهة . . غزته مقدمات الصلع.
    أما الزوجة مريم فكانت على مشارف العقد الرابع، طويلة. .
    ذات شعر انسيابي طويل، وفم واسع. . فجاء . . لها صوت خشن.
    ،،
    كانت مظاهر الثراء بادية جداً على المنزل وأهله. وبرغم ذلك
    جاءت مريم بالحلوى والشاي بنفسها.
    ولما سألتها أمينة ممتنة على الخادمة، أجابتها المضيفة بأن المجتمع الصهيوني
    ما زال بحاجة الى تطور وينظر الى المرأة التي تجلب
    خادمة نظرة اتهام بالبرجوازية. لذلك فهي تقوم بمهام المنزل بنفسها.
    ،،
    أما منير . . فقال لها إنه مر بحياة عصيبة في البداية. حيث كان يجهل العبرية وبلا عمل ولا أصدقاء. ويتابعه كظله رجلا أمن في الشارع والبيت.
    ثم عمل لبعض الوقت بجيش الصهاينة ، والآن يمتلك
    وكالة إعلانية كبيرة خاصة به اسمها الأضواء "الحانوكا"، وتعمل معه مريم كمديرة لمكتبه وللعلاقات العامة.
    ،،
    ولما سألته أمينة:
    كيف يفشل طيار محترف في القفز إذا أصيبت طائرته في الجو؟ . .
    وهل الطائرة السكاي هوك الأميركية تتحول الى مقبرة لقائدها قبلما تسقط . .؟
    ،،
    كانت تريد إجابات محددة ومنطقية، فربما استمرت في التعلق بأمل عودة زوجها موشيه، أو بنسيان الأمر نهائياً .
    فضباط الموساد كانت إجاباتهم مبهمة ولا تحمل نفياً تاماً أو تأكيداً. وذلك ما يحيرها ويرهق عقلها - فأفاض منير روفة في الشروح . .
    ،،
    وأوضح لها أن الطائرة سكاي هوك Sky Hawk-4h التي طار بها موشيه اعتمد تصميمها على حماية الطيار، وهي مزودة بكرسي قذف مزدوج..
    ويمكن إطلاقه من ارتفاع الصفر وبسرعة الصفر أيضاً - وهو كرسي قاذف من طراز دو جلاس أسكاباك A -c3 وكابينة القيادة بها مدرعة في المقدمة والمؤخرة والجانب الأيسر، وسمك التدريع حوالي 18 مم.
    ،،
    وأكد لها على أن زوجها موشيه إما أصيبت طائرته بصاروخ "سام 6"، وفي
    هذه الحالة ربما يكون أسيراً لدى السوريين، أو أن صاروخاً
    طراز Atoll جو / جو، أصاب به السوريين كابينة قيادته الفقاعية
    فانفجرت به الطائرة في الجو.
    ،،
    كانت إجابة روفة - الأكثر شروحاً - تعطى ذات الإجابة
    التي سمعتها من قبل. فلا هو أوضح نافياً او مؤكداً. وبقي السؤال كما هو:

    هل موشيه بيراد ما يزال حياً في قبضة السوريين؟
    أم انفجرت به الطائرة في الجو؟ . . وفي الحالة الأخيرة. .
    لا بد أن يعثر السوريون على بعض من أشلائه . . ومن ثم يعلنوا الخبر . .
    وهو ما لم يحدث ..!!


    الأفعى الغاضبة :

    عادت أمينة إلى شقتها أكثر قلقاً . . وغضباً. يحفها الإصرار على الانتقام لزوجها، لكن صدمتها كانت قاسية جداً، عندما زارها مسئول بالموساد،
    وبعد حديث طويل عن فدائيتها الشجاعة فاجأها بقوله:
    سيدتي - بعد هذا العناء الكبير . . يرى رؤسائي في الجهاز أنه من الواجب
    العمل على إراحتك . . وحمايتك.
    وجئت إليك لأعرض رغبتهم في الوقوف على ما تريدينه، ولأطلعك على العمل الجديد الذي ينتظرك، وهو بلا شك عمل مثير ويتناسب مع..
    ،،
    قاطعته أمينة قائلة: أتقصد سيدي إنهاء عملي في بيروت؟
    وجاء رده أكثر حسماً: وفي الموساد سيدتي . . وسوف تحصلين على...
    ،،
    لم تتركه أمينة يكمل جملته...
    إذ انطلقت بكل الغضب الكامن بأعماقها تقول :
    لن أقبل ذلك أبداً . . فأنا ما جئت هنا هذه المرة إلا لأنني
    اهتززت قليلاً أمام موقف استدعائي.
    ،،
    ولماذا هكذا تستغنون عن خدماتي لكم بسهولة؟
    بالرغم من أنني فرصة ذهبية لا يجب أن تضيعوها.
    فأنا جئتكم بالكثير عن أخبار المقاومة التي تهدد مستعمراتكم في الشمال
    وأطلعتكم على أشياء كانت غامضة لكم، كل ذلك دون أن أقبض منكم
    سوى ألفي دولار.

    قال :أرجو أن ....
    دعني أكمل من فضلك .. هكذا قاطعته أمينة ..
    ،،
    هل تستطيع أن تؤكد لي أن أحد عملائكم جلس وتحدث مع علي حسن سلامة؟
    أو أن أحدهم وصف لك مبنى قيادة المنظمة الفلسطينية من الداخل؟
    أما أنا فقد دخلت لمكتب عرفات.. وألتقي بسلامة مرتين أسبوعياً.
    ،،
    وبواسطة جسدي هذا - ثم وبوقاحة وفجور:
    رفعت عباءتها فكشفت عن عورتها حتى صدرها
    وواصلت : جئتكم بالتليفونات السرية لكل القادة الفلسطينيين، ليتنصت
    جواسيسكم هناك عليها.
    وخلعت ثيابي لكل كلب نتن الرائحة فينتهك جسدي لأجلب لكم الأسرار . . والوثائق . . والمعلومات . .
    وفي النهاية تقولون لي ببساطة: شكراً..!!
    ،،
    سيدة أمينة .. : نحن ما فكرنا إلا بحمايتك . . وما كنا سنبخس عليك حقك.
    هكذا ردد مسؤول الموساد بحزم ..
    كانت أمينة ترتعد حقاً . . ويهتز بدنها كله وقد امتقع لونها . .
    واكفهر الوجه يغشاه اصفرار وهي تقول:
    هل تستطيع أن تجيبني لماذا أنا هنا الآن؟
    ألانني لا أجد مأوى بين أهلي... أم لأنني أحببت يهودياً وتزوجته؟ . .
    ،،
    لا أقول ذلك لأنني أحسست بـ الندم.. لا .. فأنا بعت الدنيا كلها من أجله..
    بعت أهلي . . وديني.. ووطني لأكون معه. ولأنه مات .. فأنا لن أكف.. نعم.. لن أكف وهل أنا عبء ثقيل عليكم.
    الأمر ليس كما تعتقدين سيدتي .. ردد مسؤول الموساد بحزم أكبر ..
    ،،
    أردفت أمينة وصوتها كفحيح الأفعى، ينفث الغضب
    والكراهية كالسم:
    أبلغ رؤسائك أنني لن أتوقف أبداً، حتى ولو أدى الأمر لأن
    أغادر الى الأبد وعندها قد أفكر . . وبعيداً عنكم ..
    بعملية انتحارية داخل مكتب عرفات شخصياً !!
    ،،
    انزعج الرجل .. وأسرع الى رؤسائه ينبئهم بالأمر ..وبلهجة الصدق
    والإصرار والغضب في صوتها.
    ،،
    وكان لا بد من إيجاد حل وإلا فهناك كارثة مؤكدة قد تقع بين لحظة وأخرى.
    ففي الحال . . صدرت الأوامر للمطار بمنع ... آني موشيه بيراد - أمينة المفتي - من مغادرة البلاد...


    ،،
    انتهى
    الفصل الرابع

  7. #7
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Mon Jun 2008
    المشاركات
    1,288
    معدل تقييم المستوى
    17
    الفصل الخـــامس
    التليفون المجهول :
    بشارع كيريا في تل أبيب اجتمع عدد من الخبراء في مبنى الموساد، للوصول الى قرار حاسم بعودة أمينة إلى بيروت من جديد، أو الاكتفاء بخدماتها وإبقائها.
    لقد قرأوا جميعاً تقريراً وافياً عن العميلة الثائرة . .
    والتي صنفت من الفئة "أ" - وهذه الفئة من الجواسيس يتدرج تحتها كل من يعملون في البلاد العربية بدون أي غطاء دبلوماسي يحميهم –
    ووصف التقرير أمينة بأنها تعاني من اضطرابات شخصية، وتمتلك القدرة التي تمكنها من الانتقال من أحد جوانب الموقف الى جانب آخر، وهو ما يعرف في علم النفس باسم الاتجاه المجرد Abstract Attitude.
    ،،
    وتتنامى لديها أعراض الكآبة نتيجة لومها الدائم لنفسها، باعتبار أن ما حدث لزوجها كانت هي السبب فيه، وعندما تزداد الأعراض حدة
    تصبح أكثر اكتئاباً وتخوفاً، مما ينمي مشاعر " اتهام الذات "
    Self Condemination لديها – والمريض في هذه الحالة في يأس خطير لأنه مهموم بالماضي، ويحس أن لا أمل البتة في المستقبل بسبب
    الفعلة التي ارتكبها.
    ،،
    هذه المشاعر القلقة المحملة باليأس والبؤس، عادة ما تعتصر المريض، وقد تقوى عنده نزوة الانتحار. وأشار التقرير الى أن حالة أمينة هذه
    لا ينصح فيها بعلاج العقاقير، حيث لن تنتظر التحسن طوال مدة العلاج،
    بقدر ما تشعر بالتحسن والهدوء في عملها بالموساد.
    ،،
    ففي ذلك إقناع لها على أن ما تؤديه من عمل، يمثل لديها قمة الثأر لما ارتكبته بحق موشيه. وبناء عليه . . رأى فريق من خبراء الموساد أن أمينة، ربما تشعر بالزهو Elation في عملها، فتتخلى عن حذرها وتنكشف.
    لكن الأغلبية رأت أنها جديرة بالعمل في بيروت، ومع حصولها على دورات تدريبية مكثفة، ستكون أكثر حذراً. . وإقبالاً . . وشغفاً.
    ،،
    وانتهى الاجتماع بالموافقة على عودتها للبنان، وذلك بعد موافقة ريفي رامير رئيس الموساد. هكذا تحدد لها أن تستمر وتواصل توغلها بين القيادات الفلسطينية، وجاءوا بها الى المبنى المركزي حيث جلس إليها أحد كبار الرسامين، ومن خلال وصفها لعلي حسن سلامة، استطاع أن يرسم صوراً تقريبية له.
    ،،
    وتعهد بها اثنان من الضباط الخبراء، أحدهما تولى تدريبها على استعمال أحدث ما ابتكره العلم في مجال أجهزة اللاسلكي. وتقرر لها بث رسائلها مرتين أسبوعياً يومي الخميس والاثنين، وتلقي الرسائل من تل أبيب كل
    ثلاثاء في الحادية عشرة ودقيقتين مساء.
    ،،
    كانت أمينة طوال فترة تدريبها المكثفة في حالة سعادة غامرة. فهي ستزداد خبرة تمكنها من إجادة عملها، وبالتالي يكون انتقامها عظيماً فتستريح نفسها ويهدأ بالها.
    ،،
    وفي الثالث من أكتوبر 1973 غادرت تل أبيب إلى فيينا، حيث تسلم منها عميل الموساد جواز سفرها الصهيوني ، وسلمها الجواز الأردني مع تذكرة سفر الى بيروت فجر اليوم التالي.
    ،،
    هذه المرة. . عندما دخلت شقتها في فيينا..
    لتمكث بها عدة ساعات، لاحظت أن ابتسامة موشيه لازالت مرتسمة
    كما هي. .. بل كانت نظراته أكثر بهجة واطمئناناً.
    ،،
    وقبلما تغادر شقتها الى المطار بثوان.. انتفضت فجأة عندما دق جرس التليفون، وتسمرت مكانها للحظة.. ثم اتجهت صوب الفيش فنزعته..
    ،،
    وانطلقت في شوق للعمل .. للثأر. تحمل بين أمتعتها جهاز راديو يحمل ماركة عالمية معروفة، هو بالأصل جهاز لاسلكي أكثر تطوراً ولا يمكن اكتشافه. وبحقيبة يدها كانت تحتفظ بالمصحف الشريف . . !!
    وقد نزعت منه عدة صفحات واستبدلتها بصفحات أخرى تحمل الشفرة.
    ،،
    نفيه شالوم :
    ما إن خطت أمينة عدة خطوات بمطار بيروت الدولي، متجهة الى
    حيث يتحرك السير بحقائب الركاب، حتى صدمت بشدة
    لمشهد شاب يقتاده رجال الأمن. . وبينما تتابع المشهد . .
    فوجئت بيد قوية تربت على كتفها من الخلف.. فصدرت عنها
    صرخة مكتومة هلوعة، وسقطت في الحال حقيبة يدها على الأرض...!!
    ،،
    وأوشكت هي على السقوط. لكنها بكل ما تملك من قوة - تماسكت ..
    واستدارت لتصطدم بوجه صديقها مارون الحايك، تغطي وجهه نظارته الشمسية السوداء. . وينسدل شعره اللامع لقرب كتفيه.
    ،،
    تنفست الصعداء . . وودت لو أن تصفعه بقوة . . وتظل هكذا تصفعه حتى ينقشع الخوف الذي حل بأعماقها من جديد، وأعادها الى تلك الحالة الأولى التي غادرت بسببها بيروت الى تل أبيب. وفي بشاشة مصطنعة سألته :
    أيها الماكر . . أكنت معي على اللوفتهانزا قادماً من فيينا . .؟
    خلع نظارته مبتسماً وهو يضغط على كفها ضغطاً ذا مغزى وأجاب:
    بحثت عنك كثيراً في بيروت فلم أجدك . .
    وكنت أمني نفسي بأن نمضي معاً أسبوعاً خيالياً في نيقوسيا.
    ،،

    نيقوسيا . .؟ نطقتها وقد كست وجهها بالدهشة.
    سألت عنك مانويل وخديجة وحارس البناية .. تمتم ماورن
    ضاربة صدره بيديها وقد افتعلت التحسر:
    مجنون . . مجنون . . (!!) لماذا لم تخبرني قبلها بوقت كاف. .؟
    كم كنت مشوقة لرحلة كهذه معك.
    غمز بطرف عينيه ضاحكاً وقال:
    سنتدبر الأمر عما قريب أيتها الأنثى الشقية.
    أنظري .. ها هي حقائبي وصلت الآن.
    ،،
    ولأن لبنان بلد سياحي حر . .
    فأمور التفتيش في المطارات والمواني شكلية جداً. ولا تخضع لرقابة صارمة كما في سائر البلاد العربية، على اعتبار أن التدقيق الزائد يسيء إلى السواح ..
    الذين هم عماد الاقتصاد وأحد أسباب الرخاء.
    ،،
    لذلك . .
    لم ينتبه رجال الجمارك لجهاز اللاسلكي المدسوس بحقيبة أمينة.
    فبيروت كانت في تلك الفترة في أوج انفتاحها.. وسوقاً رائجة لتجارة السلاح . . والمخدرات. . والرقيق الأبيض . . و .... الجواسيس.
    ،،
    في الساعات الأولى من صباح 6 أكتوبر 1973، أطلقت أمينة أولى إشارات
    البث اللاسلكي الى تل أبيب:
    ( آر. كيو. أر. وصلت بسلام.
    الأمير الأحمر في أوروبا.
    تعرفت على ضابط فلسطيني يدعى أبو ناصر.
    وعدني مارون بأن يأخذني معه الى مبنى الهاتف المركزي.
    غادر جورج حبش إلى تونس سراً.
    رجاله يقاتلون سبعة من رجال حواتمة.
    أبو عمار بالبيت مصاباً بالبرد.
    شحنة أدوية وصلت سراً من رومانيا للقيادة.
    يوجد نقص كبير في الأنتي بيوتكس.
    تحياتي.. نفيه شالوم " واحة السلام " )
    ،،
    استقبلت الموساد رسالة أمينة بشيء من الاطمئنان والفرح.
    فالرسالة كانت واضحة الشفرة بلا أخطاء. والأخبار التي حوتها
    هامة جداً استدعت دخولها الى غرفة التحليل والمتابعة على الفور.
    ،،
    وسرعان ما تسلمت أمينة أول رسالة بثت إليها من الصهاينة :
    (تهانينا بالوصول.
    اهتمي بتحركات الأمير.
    أبو ناصر خبيث جداً فاحذريه.
    لا تهتمي بمارون الآن
    من يطبب "عرفات" ؟
    ماذا ببطن الباخرة كيفين في صيدا ؟
    نريد معلومات عن مخازن الأسلحة بمخيم البداوي في طرابلس.
    ومراكز التدريب الجديدة في قلعة شقيف..)
    ،،
    وبينما تهيأت العميلة الخائنة للتحرك . . مدفوعة بشوق جارف الى العمل.
    انطلقت شرارة الحرب وعبر المصريون خط بارليف المنيع، وعمت
    مظاهرات الفرح بيروت.
    ،،
    وكما بكى رأفت الهجان ( رفعت الجمال ) بكاءً مراً في فلسطين إثر هزيمة 1967، انهارت أمينة المفتي في 1973. تناقض عجيب بين الحالتين.
    فتلك هي النفس البشرية في اندفاع الوطنية – أو الخيانة،
    الحب الجارف – أو الكره المقيت.
    ،،
    الحية الشوهاء :
    نشطت أمينة في عملها التطوعي كطبيبة عربية تجوب أنحاء لبنان، وجاسوسة تمد الموساد بالمعلومات الحيوية عن تحركات الفدائيين في الجنوب، الذين شحنتهم انتصارات الجيوش العربية فازدادوا استبسالاً وضراوة.
    ،،
    وعاد علي حسن سلامة من أوروبا لترتيب خطط العمليات الجديدة. فالعدو فقد السيطرة على نفسه . . وعلى اتزانه . . والضربات القوية
    تترك آثارها بوضوح على وجهه المشوه.
    ،،
    هكذا انطلق رجال المقاومة في الجنوب اللبناني يضربون في عمق فلسطين
    بلا كلل . . واستدعى ذلك من أمينة أن تترك بيروت الى صور. .
    ومعها جهاز اللاسلكي الخطير، حيث عكفت على بث رسائلها يومياً. .
    والتي وصلت في أحيان كثيرة الى خمس رسائل مهددة حياتها للخطر.
    واضطر الموساد أمام سيل رسائلها الى فتح جهاز الاستقبال على التردد المتفق عليه، لساعات طويلة على مدار اليوم.
    ،،
    هكذا كانت أمينة تنتقم . وتفرغ شحنات غضبها في رسائل يومية مبثوثة قد تعرضها للانكشاف والسقوط. لكنها لم تكن تستمع لنداءات الخوف أبداً.
    إذ اندفعت بجرأة أكثر، وحملت جهاز اللاسلكي في جولة لها
    بمنطقة بنت جبيل على مسافة خمسة كيلو مترات من حدود فلسطين، وهناك فوجئت ببعض زعماء الجبهات الفلسطينية، برفقة أبو إياد يتفقدون جبهة القتال ويصيحون في الجنود فيثيرون حماستهم.
    ،،
    لحظتها .. تملكها الحقد والغضب .. وبمنتهى الجرأة
    اختلت بنفسها داخل أحد الكهوف.. وبثت رسالة عاجلة الى الموساد ..
    هذا نصها :
    ( أي. كيو. أر. عاجل جداً وهام.
    أبو إياد وقيادات الجبهات في بنت جبيل.
    موقعهم مائة وخمسون متراً شرق القبة العلوية بجوار
    فنطاس المياه
    بين شجرتي الصنوبر.
    اضربوا الموقع كله ودمروا السيارات الجيب والليموزين.
    سأكون على بعد معقول منهم.
    سأفتح الجهاز لأربعة دقائق. نفيه شالوم )
    ،،
    وجاءها الرد قبل ثوان من انتهاء المهلة:
    (ابتعدي عن الرتل وانبطحي أرضاً عند ظهور الطائرات)
    ،،
    أغلقت أمينة الجهاز بعدما ترجمت الرسالة. واستعدت لتشهد بنفسها المجزرة.. لكن يا لحظها السيئ..
    لقد تحرك رتل السيارات باتجاه الشمال. بينما وقفت عميلة الموساد تتحسر .. وتقلب عينيها في السماء بانتظار الطائرات.
    خمس دقائق تمر..
    عشر دقائق..
    عشرون دقيقة..
    لم تستطع الصبر ففتحت جهاز اللاسلكي وهي تلعن الانتظار وبثت رسالتها :

    (آر.كيو.آر. تحرك الهدف الى الشمال طريق تبنين منذ 21 دقيقة.
    سيارة أبو إياد سوبارو سوداء. نفيه شالوم )
    ،،
    وما إن بثت رسالتها وأغلقت الجهاز، حتى لمحت طائرتي ميراج تطلقان
    صواريخ السيد وندر، والقنابل زنة الألف رطل. ورأتهما ترتفعان الى عنان السماء ثم عادتا للانقضاض من جديد
    وهذه المرة بفتح خزانات النابالم الحارقة. كل ذلك وهي ما تزال بالكهف ترقب تناثر الأجساد البشرية كالشظايا في الهواء، فيصدر عنها فحيحاً رهيباً كحية شوهاء، وتضحك في هستيريا مجنونة مشبعة بالحسرة والشماتة.
    حسرة انعتاق أبو إياد ورفاقه، وشماتة الهزيمة لبضع جنود
    امتزجوا بالتراب والدم والسلاح.
    ،،
    هكذا حملت أمينة جهاز اللاسلكي بحقيبتها في تجوالها
    بالجنوب اللبناني، طوال معركة أكتوبر 1973م، متنقلة بين المستشفيات الميدانية والمواقع العسكرية. . تسعف الجرحى من المصابين بداء وشاياتها. .
    وتستمد من الحقد جرأتها وقوتها.


    وكانت بذلك أول جاسوس للموساد يعمل بجرأة أسطورية داخل بلد عربي.
    لم يفعلها إيلي كوهين ( ثابت ) الذي زرع في سوريا قبلها بسنوات قليلة، وكان مرشحاً لمنصب نائب رئيس الجمهورية السورية، برغم تجواله
    بين شتى الوحدات العسكرية والقواعد السرية في الجولان، وإقامته المطولة بمنطقة الجبهة، بل إنه برغم حجم الثقة في نفسه، لم يحمل أبداً
    جهاز اللاسلكي خارج المنزل.
    ،،
    كان فقط يبث رسائله بشكل يومي الى الموساد. لم يفعلها أيضاً المقدم فاروق ابراهيم الفقي، ضابط المخابرات العسكري المصري الذي
    جندته هبة سليم، وتسبب في تدمير كل قاعدة عسكرية جديدة
    كان يتم بناؤها بمنطقة القناة،
    إذ كان يحتفظ بجهاز اللاسلكي بمنزله، ويبث للموساد أولاً بأول عن
    مواقع الصواريخ والرادارات، والمطارات، لم تفعلها انشراح التي أنقذها السادات من الإعدام أيام كامب دايفيد، وكانت تجوب منطقة القناة مع زوجها
    وأولادها كل يوم بحثاً عن الجديد.
    كانت أمينة المفتي أجرأهم جميعاً قلباً وأعصاباً... مدفوعة برغبة
    مجنونة في الانتقام والثأر، لا برغبة المغامرة.
    ،،
    تقول أمينة في مذكراتها التي بلغت صفحاتها ستمائة صفحة:

    ( منذ حملت معي جهاز اللاسلكي لأول مرة الى الجنوب، وشاهدت بنفسي هجوم الميراج على الموقع الفلسطيني، بغرض تدميره وتصفية أبو إياد وأعوانه،
    وقد تملكني إحساس رائع بعملي. . إحساس بالزهو وجدت فيه
    لذة كبرى تفوق كل لذة.
    ومنذ تلك الحادثة في 11 أكتوبر 1973، وأنا أحمل الجهاز الصغير بحقيبتي، بجواره المصحف ذي الجراب والشفرة.
    ،،
    كنت أكتب رسالتي أولاً على ورقة منزوعة من بلوك نوت، ثم أقف بسيارتي في مكان أطمئن فيه من العابرين، وأسحب هوائي الجهاز
    وأقوم بالبث لدقائق.
    أحياناً كثيرة كنت أبث الرسالة الواحدة مرتين للتأكيد، وأحرق الورقة وأعاود القيادة الى مكان آخر. وبفضل تصريح المرور الموثق، الذي وقعه
    عرفات شخصياً، كنت أجوب بأمان شتى المواقع العسكرية الفلسطينية في الجنوب.
    وأطلع بنفسي على أنواع الأسلحة وكميات الذخائر
    بالمخازن، ومعسكرات التدريب السرية.
    ،،
    لقد حالفني الحظ كثيراً عندما وثق بي القادة الفلسطينيون، لأنني كنت أبدو
    متحمسة جداً لقضيتهم، وحقهم في الكفاح لاسترداد الأرض المغتصبة.
    للدرجة التي دعت أبو إياد لأن يطلب مني إلقاء خطبة حماسية في الجنود المعسكرين بالقرب من مخيم البرج الشمالي في الجنوب من صور.
    ،،
    يومئذ . . ألقيت خطبة رائعة . . تتدفق منها الوطنية ومعاني العروبة.
    لقد أجدت تماماً عندما صعّدت من انفعالي فبكيت .. بكيت
    وأنا أصف مشاهد القتل والقصف والانكسار على وجوه الأطفال اليتامى، بكيت حقيقة وأنا أحثهم على الانتقام والثأر والكفاح . .
    ،،
    وما كنت أبكي إلا لفقد موشيه الحبيب . . وبرودة الحياة من حولي بدونه.
    والثورة المصطحبة بالغضب في أوردتي وشراييني. . ونبضي . .
    ضد هؤلاء الأوغاد الذين أذلوني . . وأترعوني كئوس الوحدة . .
    والصمت . . والعدم .
    ،،
    كان انفعالي مثالياً، ظن الجنود والقادة أنه
    إيمان مني بقضيتهم . . فبكوا . . وعندما بحثت عن منديل بحقيبتي
    اصطدمت يدي بجهاز اللاسلكي المغلق..!!


    ،،
    انتهى
    الفصل الخامس

  8. #8
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Mon Jun 2008
    المشاركات
    1,288
    معدل تقييم المستوى
    17
    الفصل الســادس
    قانون العنف :
    انتهت حرب أكتوبر 1973 بوقف إطلاق النار، إثر مفاوضات شرسة
    ورحلات مكوكية قام بها الصهيوني هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي.
    ،،
    وانعقد مؤتمر القمة العربي في الجزائر، وتم التوصل الى صيغة رسمية
    تقدم بها السادات كانت مفاجئة للجميع، وهي أن منظمة التحرير الفلسطينية
    هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وموافقة مصر وسوريا – دولتا المواجهة - على قرار مجلس الأمن رقم 328 الذي ينص على
    عودة السلام الدائم والعادل في الشرق الأوسط.
    ،،
    ولم يرتح الجناح العسكري لمنظمة التحرير الفلسطينية لذلك على الإطلاق. وأقرت المنظمة مواصلة الكفاح المسلح بناء على رغبة "الثورة الفلسطينية".

    وفي 25 نوفمبر ..
    بدأ أول عمل فدائي فلسطيني، حيث تم اختطاف طائرة جامبو نفاثة تابعة
    للخطوط الجوية الهولندية Klm، كانت في طريقها من بيروت الى
    طوكيو مروراً بنيودلهي.
    تحمل على متنها 244 راكباً وثلاثة من الفدائيين الفلسطينيين الذين طالبوا بإطلاق سراح سبعة من زملائهم في قبرص، وألا تمنح هولندا تراخيص مرور
    لليهود السوفييت الذين في طريقهم للأرض السليبة، ووعدت الشركة Klm
    بألا تنقل سلاحاً للصهاينة وانتصر الفدائيون انتصاراً مذهلاً، وتكررت عملية اختطاف طائرة أخرى لنفس الشركة بعدها بأيام.
    ،،


    وفي 17 ديسمبر 1973 ..
    في مطار روما أطلق عدد من الفدائيين نيران مدافعهم الكلاشينكوف بصورة جنونية داخل صالة المطار المزدحمة. ويختطفون طائرة 707 تابعة لشركة
    بان أمريكان كانت راسية على الممر، وفجروا قنابلهم الفوسفورية بالطائرة فاحترق عدد كبير من الركاب..
    ثم جرى الفدائيون ومعهم بعض الرهائن واختطفوا إحدى طائرات شركة لوفتهانزا - بوينج 737 - والتي كانت على وشك الإقلاع، وحطت بهم في أثينا.
    وكانت مطالبهم الإفراج عن زملاء لهم من منظمة أيلول الأسود.
    ،،
    ومع بدايات العام الجديد 1974..
    شكلت عدة منظمات فلسطينية ما يسمى بجبهة الرفض. وكان المتحدث الرسمي باسم الجبهة هو جورج حبش زعيم الجبهة الشعبية، والمسئول عن عمليات خطف طائرات الصهاينة الأول.
    ،،
    كانت الضغوط شديدة جداً على أمينة المفتي خلال تلك الفترة. فالعمليات الفدائية الفلسطينية أربكت اليهود وزعزعت أمنهم تماماً. بل وأصيبت بالعدوان
    غالبية دول أوروبا المساندة للصهاينه .
    فالفلسطينيون أرادوا الإعلان عن وجودهم بشتى الطرق، بما فيها العنف من خطف وتفجير. فالعدو لم يكن يملك سلاحاً أبداً سوى العنف.
    وإذا كان الصهاينة اعتمدوا العنف قانوناً لهم، فالفلسطينيون أيضاً رأوا الحل
    في ذات السلاح. . دون غيره
    ،،
    وكان لتسارع الأحداث والعمليات الفلسطينية، الأثر البالغ في انتشار سحب الخوف السوداء فوق رؤوس الصهاينة . وفقدت الموساد بذلك خاصية مهمة
    طالما التصقت بها، وهي أنها حامية الدولة.
    ،،
    وسخر الجميع من هيبة الموساد التي سقطت ومن الدكتور "إبريش فولات" صاحب كتاب "ذراع إسرائيل الطويلة" الذي قال:
    "إن الموساد أسطورة من الأساطير الخفية، إنها تجعل العدو يرتجف . .
    وتمنح الصهاينة القدرة على النوم في هدوء".
    ،،
    "لقد انعكس الوضع الآن. . وأصبح الشعب الصهيوني كله يرتجف عند سماع أزيز طائرة، أو عند فرقعة إطار سيارة، أو انفجار عادم دراجة بخارية مسرعة".
    ،،
    وانتقل الضغط العصبي إلى أمينة المفتي في بيروت . . فالأوامر كثيرة
    والمطلوب منها كثير ويفوق الوصف . لذلك اضطرت للانتقال تماماً
    إلى الجنوب اللبناني، واستأجرت شقة بمنطقة الشجرة
    في صور - على مسافة عشرين كيلو متراً من الحدود مع فلسطين - اتخذت منها مركز انطلاق لاستكشاف تحركات الفلسطينيين. واتصلت بأبو ناصر الضابط الفلسطيني الذي سبق أن حذرتها الموساد منه في أولى رسائل البث اللاسلكية.
    ،،
    لقد استخدمت معه أسلوب "الإثارة". وهو أسلوب يدفع المرء لأن يخرج ما عنده دون أن يطلب منه ذلك. واستطاعت أن تدفعه دفعاً لأن
    يفصح عن عملية فدائية ستتم في اليوم التالي داخل الأراضي المحتلة.
    ،،
    صرخت وهي متهللة بالفرح:
    كيف؟ . . إنكم لشجعان حقاً عندما تنقلون عملياتكم الى قلب فلسطين . . لكن . . في ذلك خطر جسيم على رجالكم. أجابها مزهواً بأن كل شيء
    معد، وتم التخطيط لكل احتمالات الطقس بدقة متناهية.
    حاولت أن تعرف مكان الهجوم وكيفية التسلل، لكن الضابط الفلسطيني الحذر لم يتفوه بأكثر من ذلك. ولم تلح هي فربما يتشكك بها.
    ،،
    وبثت رسالتها في الليل الهادئ الى الموساد:

    (آر. كيو. أر. عملية فدائية ستنفذ غداً داخل الأراضي الفلسطينية.
    التسلل بطريق البحر. نفيه شالوم )
    ،،
    في اليوم التالي - 11 من أبريل 1974 –
    اقتحمت وحدة من رجال الكوماندوز مدينة كريات شمونة الصهيونية، وفتحوا نيران مدافعهم بكثافة فقتلوا ثمانية عشر صهيونياً وأصابوا أكثر من 48 بجروح.
    وصرح مسئول فلسطيني:
    أن هذه ما هي إلا بداية حملة للقوى الثورية داخل إلوطن السليب ، لإعاقة الحل السلمي العربي. كانت مفاجأة مؤلمة لأمينة وللموساد معاً.
    ،،
    فالعملية الفدائية كانت ضربة شديدة في رأس الصهاينة. وتخوفت العميلة من
    أبو ناصر الخبيث الذي ضللها. .
    فاتصلت به لتهنئه بنجاح العملية، وتلح عليه في الإكثار من مثلها.
    فطمأنها بأن هناك عمليات قادمة ستكون أكبر .. وأشرس.
    ،،
    وظلت تطارده مستخدمة أسلوبها في الإثارة الى أن نجحت في
    دعوته لقضاء سهرة ببيتها.
    وهيأت له نفسها وأنواعاً عديدة من الخمر، حتى إذا ما تمكن السكر منه
    انطلق لسانه متباهياً بعبقريته العسكرية . .
    وكيف أنه جهز فريقاً من أكفأ رجال الكوماندوز، للتسلل الى داخل الحدود الفلسطينية ، لضرب مدينة نهاريا الساحلية بالصواريخ.
    ،،
    التقطت أمينة الخبر دون تعليق. وكل ما فكرت فيه لحظتئذ هو كيف تحتويه أكثر وأكثر فيزداد انطلاقاً. . وجوعاً. . فتتبعثر منه الأسرار وتندفع بعنف كالشلال.
    ،،
    وما كان بيدها إلا أن تمثل دور العشيقة القلقة. واستحضار
    نبرة الدفء المصطنعة والمشوبة بالخوف. لكنه . .
    وهو الغارق حتى نهايته في بحور اللذة . لم تنفك عقد انطلاقه كلها فيعلن
    عن خباياه. . أو عملياته المرتقبة بالتفصيل.
    فكان حديثه المتقطع غامضاً.. مبهماً.. يفتقر الى معلومة واحدة مؤكدة.
    ،،
    هكذا تعلم أبو ناصر وتدرب في المخابرات العسكرية . . وأجاد الاحتماء بالحس الأمني العالي حتى في أقصى حالات ضعفه الإنساني.
    واستشاطت العميلة غضباً. فالخبر هكذا يبدو ناقصاً جداً ومبتوراً وهي لم تعتد على ذلك. فقد اعتادت جلب المعلومات والأسرار من مصادرها بدقة.
    لكنها صادفت رجلاً محصناً. . منيعاً . . يبخل بالكلام والكشف عن عمله.
    ،،
    لذلك...
    ما إن غط في نوم عميق حتى قامت الى حيث ملابسه في حذر بالغ . . وفتشت جيوبه حريصة على ترتيب محتوياتها. فمثل هذا الرجل الدقيق في عمله، يكون دقيقاً أيضاً في ترتيب مكتبه وملفاته. . وما بداخل جيوبه. وبينما تقلب أوراق محفظته الجلدية، استوقفتها وريقة كتب بها عدة كلمات مرعبة، أخرجتها عن حرصها فصدرت عنها صرخة سرعان ما حبستها بحلقومها . .
    ،،
    وارتعشت يدها غصباً عنها وهي تكتب ما قرأته بورقة أخرى دستها بمخبأ سري داخل حذائها. وتمددت الى جوار النائم المكدود . .
    تردد كلمات الوريقة في أعماقها:
    "تل أبيب من 9 الى 25 مايو / 500 كيلو Tnt / ش بلفور، ش كيديم / ش أرليخ وأكليتوس / ثم اليركون ورعنان / عدد "5" فرق 17 فولكس
    سوبار وشفر / يافا

    اليوم المرير :
    في مبنى الموساد . . كانت الوجوه مرهقة . . خائفة ..متوترة. فالعمليات الفدائية اشتدت وطأتها . . والمعلومات المتاحة بعيدة عن التفاصيل.
    ومنذ صدرت الأوامر لأمينة باستدراج أبو ناصر بحرص، كانت رسائلها تجيء مشوهة . . بخيلة . كأنما يتعمد الضابط الفلسطيني ذلك، وهو ما يعني أن العميلة وقعت تحت بؤرة الشك . . أو أنها انكشفت فعلاً .
    ،،
    فخبر التسلل الأخير عبر البحر كان حقيقياً من حيث التوقيت. . لا المكان.
    أما خبر عملية تل أبيب . . فكان أكثر شكاً .. وغموضاً. . ورعباً.
    بل هو الرعب نفسه . . والدمار كله للكيان المسخ.
    ،،
    هكذا يمر الوقت ثميناً. . يحمل بين دقاته انفجارات الموت البطيء. ورجال الموساد يقلبون الأمر في ارتباك، ويخضعونه للتحليل الدقيق. لكنهم عجزوا عن الوقوف على إجابات مقنعة. . وحاصرتهم تساؤلات محيرة زادتهم إرهاقاً. . وجنوناً. . وإمعاناً في مزيد من الحرص . .
    ،،
    صدرت الأوامر لأمينة بمغادرة صور الى بيروت فوراً. والتوقف نهائياً عن جلب المعلومات أو بث الرسائل. لكن العميلة الغاضبة العنيدة . . بثت رسالة إليهم قلبت الموازين كلها . . وأذهبت بعقول الكبار قبل الصغار في الموساد.
    ،،
    إذ زفت إليهم أمينة خبراً عن تسلل سبعة فدائيين في غبش الفجر، يحملون أسلحة الـ آر.بي.جيه، ومدافع الكلاشينكوف القاذفة، والقنابل الهنغارية، وكميات من عجائن المتفجرات، بقصد تفجير مستعمرة جيشر هازيف (على بعد ستة كيلومترات شمالي نهاريا) بمناسبة عيد الصهاينة القومي.
    ،،
    فانطلقت قوات الأمن تطوق المستعمرة، وانتشرت نقاط التفتيش بكل الطرق، ومع أولى تباشير الخامس عشر من مايو 1974، كانت المعركة الشرسة قد بدأت، ولكن بمنطقة أخرى أبعد عن تصورهم . . وتوقعهم.
    ،،
    وكانت العملية هذه المرة في قرية معالوت. حيث حاصر الفدائيون السبعة القرية، وأمطروها بوابل من قذائفهم الصاروخية، وسيطروا تماماً على سكانها
    والطرق المؤدية إليها، كما دمروا عدة سيارات عسكرية حاولت
    الالتفاف لعزلهم عن القرية. وبعد ستة ساعات ونصف أسفرت المعركة عن
    إصابة 117 صهيونيا بينهم 25 قتيلاً . .
    ،،
    ووقفت الشمطاء جولدا مائير أمام كاميرات التليفزيون في الكنيست وهي
    تكفكف دموعها وتقول:
    "اليوم . . عيد ميلاد دولتنا الخامس والعشرين .. وقد أحاله الإرهابيون الى
    يوم مرير بالنسبة لإسرائيل".
    ،،
    لم تنصت أمينة لأوامر رؤسائها في الموساد بالتوقف - مؤقتاً – عن العمل.
    فما كان ذلك إلا لأجل حمايتها، لكنها كانت ككتلة الثلج التي ذاب ما حولها، فهوت مندفعة لا يجرؤ إنسان على إيقافها.. أو التصدي لها.
    كانت تحمل روحها على كفها. ولا تهتم بالخطر أو تحسب له حساباً.
    ،،
    وفي لحظة . . استجمعت جرأتها في عنف . . وطلبت من مارون الحايك أن يزورها بشقتها في بيروت. فأسرع إليها يمني نفسه بوليمة فسق مثيرة، لكنه ما إن دلف الى الصالون، حتى وقف مذهولاً . . وقد تجمدت الدماء في عروقه . . وتعلقت عيناه الجاحظتان بنجمة داوود الزرقاء على الحائط.
    إجلس أيها الأبله . . (!!) قالتها أمينة في لهجة حاسمة ، مرعبة.

    ــ أنتِ ..!!
    ـــ نعم . . إسرائيلية.
    تلفت الرجل الهلع حواليه وهو يرتعد:
    ماذا تريدين مني . . ؟
    بدأنا المشوار معاً . . ولا بد أن نكمله معاً حتى النهاية.
    مشوار . . ؟ معاً. . ؟ أنا لم أبدأ . . أنا لا أعرف . . أنا .. أنا
    لا تكن مراوغاً أيها النتن، فأنت تعلم جيداً أنك تعمل معي لصالح الموساد.
    وحياتك وحياة أسرتك رهن إشارة واحدة مني.
    ــ يا يسوع . . أنقذني ..خلصني ...!!؟

    وبينما جسده ينتفض كالطير المذبوح . . كانت تنثر أمامه عشرات الصور التي تجمعهما معاً في أوضاع فاضحة، وتفتح جهاز التسجيل ليجيء
    صوته وهو يدلي بأرقام التليفونات السرية للقادة الفلسطينيين، فاقشعر بدنه
    وتصبب عرقاً. . وقال خاضعاً في صوت يسيل منه الرعب:
    وماذا بيدي يا سيدتي . . ؟
    الموساد تريد منك تعاوناً أكثر.كيف . .؟
    سأعرّفك.
    أن لا أفهم بالسياسة.
    ولكنك تحب الخمر والجنس والمال.
    أنا غبي . . تعس.
    ستدفع لك الموساد مائتين وخمسين ليرة كل شهر.
    أرجوك سيدتي . . الموساد . .؟
    كلب مثلك يجب أن يكون وفياً لأسياده.
    ،،
    انفتح على حين فجأة باب إحدى الغرف . . فالتفت مارون وهو يرتعد . . وصدرت عنه صرخة تفيض هلعاً عندما رأى ثلاثة رجال
    ذوو نظارات سوداء ووجوه جامدة . .
    كانوا وقفوا متجاورين وأيديهم الى الخلف كالتماثيل.
    مرت ثوان كالدهر لم ينطق أحدهم بكلمة . . بينما مارون يتمتم بما يشبه البكاء.
    قالت أمينة بلهجة كالأمر. ماذا تقول يا مارون . .؟
    ماذا تريدون مني؟
    أتكره إسرائيل؟
    أنا لا أكره أحداً . . لا . . لا .. بل أكره عرفات . . نعم . . أكره عرفات ورئيسي في العمل . . ماذا تريدون؟
    أولاً . . وقّع هنا . . إنه إقرار بالصداقة والتعاون.
    تناول مارون الورقة وأراد قراءتها . .
    لكنها صرخت فيه بعنف، وقد انتهزت فرصة وقوعه تحت السيطرة والشلل العقلي الفجائي الذي أصابه، صفعته بشدة على وجهه والشرر يتطاير من عينيها، فتملكه الفزع وقفز واقفاً يتحسس وجهه، فأطبقت على
    كل ما بقي لديه من إدراك وهي تهدده بأن فريقاً من الموساد يحاصر ابنته ..
    ،،
    رصاص الفلسطينيين يتهدد صدره، وبحسم صرخت فيه أن يوقّع . .
    فوقّع على الورقة والقلم يرتعش كالبندول بين أصابعه . وأردفت:
    أريد زيارة الغرفة السرية بالسنترال المركزي التي حدثتني عنها.
    وسوف أقوم بالتناوب – أنا وأنت – بتسجيل المكالمات بين القيادات الفلسطينية ..
    ...!!!
    تسجيل . .؟
    نعم . . ألم تسمع أيها الغبي عن العمليات الفدائية داخل فلسطين. . ؟
    أنا لا أقرأ في السياسة ..
    لن تقرأ على قبرك: "طوبى للذي تختاره يا رب".
    بإمكاني التصنت أثناء نوبات عملي ولكن ....
    اعلم جيداً كيف تسجل المكالمات أنت ومانويل عساف.
    مانويل . .؟
    ألا تكفي مائة ليرة؟
    مائة ليرة . . ؟
    هو يبيع امرأته بليرة.
    ،،
    هذه مهمتك أنت . . ولا دخل لي بها.
    كان كالفأر المذعور الذي وقع في المصيدة، سنوات طويلة من حياته مرت به وهو يستمرئ المغامرة ويستلذ اصطياد الفرائس.
    ،،
    ولم يتوقع يوماً أن تجيء لحظة ينقلب فيها حاله، ويصبح هو الفريسة المرتجفة، بين يدي امرأة كانت الى عهد قريب ناعمة . . مثيرة . . رقيقة . .
    انقلبت فجأة الى وحش مسعور، تنبعث رائحة الموت في لفتاتها . .
    ويسمع له وقع في صوتها الشيطاني الرهيب.


    ،،
    انتهى
    الفصل السادس

  9. #9
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Mon Jun 2008
    المشاركات
    1,288
    معدل تقييم المستوى
    17
    الفصل الســـابـع
    الغضب الهادر:

    أسفرت عملية تجنيد مارون الحايك عن فائدة عظيمة للصهاينة . .
    إذ أن التجسس المستمر على مكالمات القادة وزعماء الجبهات الفلسطينية ، كشف نواياهم تجاه الدولة العبرية، وخططهم الفدائية للضرب داخل الأراضي المحتلة.
    ،،
    ولم تكن الأحاديث التليفونية المتداولة من خلال التليفونات السرية أحاديثاً مكشوفة تماماً، يستطيع المتنصت عليها إدراك مضامينها بسهولة، إنما اعتمدت على أسلوب التمويه والشفرة الكلامية التي تتطلب مهارة عبقرية لفهمها.
    ،،
    وثقة في اللبنانيين.. كان زعماء الجبهات أحياناً كثيرة ينسون أنفسهم ويتحدثون علانية فيما بينهم صراحة، أو مع مساعديهم ظناً منهم – وهذا خطأ كبير –
    أن التجسس على محادثاتهم أمر مستحيل وهي ثغرة كبيرة في تاريخ خبراتهم.
    ،،
    فالدوائر التليفونية المغلقة كانت محددة بكل منظمة، والاتصال بالمنظمات
    الأخرى في بيروت نفسها يتم بواسطة خطوط شبكة المدينة.
    وكذا الاتصال بخارج المدينة، وكانت السرية خاضعة للخدش عن طريق زرع أجهزة التنصت . . أو استراق السمع بأسلوب مارون الحايك، من خلال
    الغرفة السرية التي أقامتها الميليشيا المسيحية في لبنان للتجسس على المسلمين . . وعلى الفلسطينيين أيضاً الذين اتخذوا من حي الفكهاني مقراً لهم، فكان
    بمثابة عاصمة فلسطينية وسط بيروت وجنوبها.
    ،،
    فبالحي الذي يقع بالقرب من مخيمي صبرا وشاتيلا، أعدت منظمة التحرير مكاتبها بطريقة عشوائية حول مبنى جامعة الدول العربية. وأقام قادتها في مبان
    مجهولة تحت حراسات مشددة.
    فالمنظمة التي أسسها عرفات – خريج هندسة القاهرة 1956 - أكثر من
    مجرد مقاومة شعبية . . بل جيش مسلح مدرب، يتربص بالصهاينة
    لضربهم في الأعماق.
    ،،
    كانت أمينة المفتي تدرك ذلك جيداً .. وترى بنفسها الرقابة القوية الصارمة التي تفرضها كبرى المنظمات الفلسطينية – فتح - على منشآتها في حي الفكهاني. . والحراسة المكثفة التي حول مقر عرفات كلما ذهبت لمقابلته.
    وعندما اتصل بها مارون الحايك قبل الفجر بقليل، فتحت على الفور
    جهاز اللاسلكي صباح يوم 23 مايو 1974، وبثت إلى الموساد
    رسالتها الخطيرة:
    (آر. كيو. آر. بعد 37 دقيقة من الآن - سيهاجم ثمانية من الفدائيين
    المتسللين مستعمرة زرعيت .
    تسليحهم رشاشات كلاشن وقنابل 57 ملم/ م.د. نفيه شالوم)
    ،،
    وبالفعل . . صدقت المعلومة تماماً . . وأطبق اليهود على الفدائيين الثمانية، فقتلوا ستة منهم وأسروا اثنين. وعندما كانت أمينة تتجسس بنفسها على مكالمات القادة الفلسطينيين، اقتحمت الخط السري الخاص بمكتب جورج حبش .
    ،،
    لاحظت بعد عدة مكالمات له، أن هناك ترتيبات عسكرية يتم إعدادها بشكل سري، حتى انفجر الحوار ساخناً جداً بينه وبين أحد مساعديه في صيدا. حيث بدا
    جورج حبش منفعلاً أشد الانفعال، وهو يأمر مساعده بإتمام العملية يوم 13 يونيو.
    ،،
    وفي غمرة انفعاله نطق اسم كيبوتز شامير سهواً. لم تهمل عميلة الموساد الأمر. وأبلغت رؤسائها على الفور بما سمعته. وبعد ثلاثة أيام كان هناك خمسة من الفدائيين القتلى على مشارف قرية كيبوتز شامير، بوغتوا قبلما
    يستعملوا رشاشاتهم الآلية.
    وفي 27 يونيو 1974 - لقي ثلاثة فدائيين آخرين مصرعهم، بعدما قتلوا
    أربعة من الجنود الصهاينة في نهاريا.
    ،،
    لقد كانت الطائرات الصهيونية ترد بوحشية إثر كل عملية فدائية. فتدك
    المواقع الفلسطينية في الجنوب، من معسكرات ومخيمات ومحطات تموين ومراقبة. وتضرب كل ما هو فلسطيني على أرض لبنان.
    وكانت المعلومات التي أمدت بها أمينة الموساد، تلك التي تكتشفها من خلال
    غرفة السنترال السرية، هي بلا شك معلومات حيوية للغاية، لا تحتمل
    التأويل أو الشك.. تجيء عبر أحاديث صانعي القرار أنفسهم ..
    من أعلى مستويات القيادة الفلسطينية.
    ،،
    إنها سلسلة طويلة من التبليغات التي أودت بحياة العشرات من الشباب الفدائي المكافح أشعرت أمينة بأهمية دورها . . وقوة مركزها، دون إحساس
    ولو ضئيل بالندم . . بل ازدياد مستمر في حدة الغضب . .
    لضراوة الثأر لفقد الحبيب موشيه.
    ،،
    الأصدقاء الجدد:
    كانت الحكومة الصهيونية مصممة على تدمير البنية العسكرية الفلسطينية في جنوب لبنان، وكانت جهودها لمتابعة مصالحها في لبنان تشمل دبلوماسية سرية. فقد حدث اتصال وثيق بين الموساد وميليشيات لبنان المسيحية - الكتائب –
    منذ ذلك العام - 1974 - حين كان الزعماء المسيحيون يخشون فقدان السيطرة التي يتمتعون بها، عندما شكل منافسوهم المسلمون اللبنانيون ائتلافاً مع الفلسطينيين الكثيرين في لبنان، فزادوا بذلك قوة . . ونفوذاً.
    وبدءوا يطالبون بنصيب أكبر في الفطيرة السياسية. لكن السياسيين المسيحيين رفضوا أية إصلاحات في نظام يناسبهم كثيراً .
    ،،
    من هنا ..
    تم إقناع زعيمي الميليشيا المسيحية، كميل شمعون و بيار الجميل، بالدخول في اتصالات سرية مع الدولة اليهودية. وقد عقد شمعون - الذي كان رئيس جمهورية سابق، والجميل - وكان وزيراً - محادثات سرية مطولة مع إسحاق رابين رئيس وزراء إلصهاينة، بغية الحصول على مساعدات عسكرية وتدريبية لميليشيات الكتائب، للوقوف أمام قوة المسلمين والفلسطينيين.
    ،،
    ومنذ منتصف ذلك العام - 1974 - دعمت الموساد الاتصالات مع الكتائب على اعتقاد بأنها ستوفر مزايا هامة للصهاينه ، أهمها إسكات المقاومة الفلسطينية في جنوب لبنان، والتجسس على الجيش السوري.
    ،،
    لذلك ..
    كانت صفوف طويلة من عملاء الموساد تعمل في لبنان باطمئنان، وبلا خوف من السلطات اللبنانية. لكن الخوف كان منبعه جهاز المخابرات الفلسطيني برئاسة
    علي حسن سلامة، الذي استطاع بنفسه كشف أكثر من عشرين عميلاً للموساد بين صفوف المقاومة . . أعدمهم بنفسه، وأحاط كل غريب بدوائر
    من الشكوك والريب.
    ،،
    وقد كان من الطبيعي أن يصبح زعماء الميليشيا المسيحية في لبنان أصدقاء للصهاينه، وذراعها القوية لضرب الفلسطينيين بعد ذلك . .
    وارتكاب أبشع المذابح بحق الشعب المقهور.
    ،،
    انتهزت أمينة المفتي هذا التقارب الكتائبي / الصهيوني، وسعت خلف بشير الجميل - ابن بيار - الذي كان محامياً في بلد لا قانون فيها، فجمعت عنه
    حصيلة هامة من المعلومات أمدت بها الموساد.
    ،،
    وعرف عن بشير أنه جريء . . وماكر . . وإجرامي. فرغم كونه أصغر ستة أبناء لبيار، تقدم بسرعة . . ولم يبد أي تردد في قتل حلفائه المسيحيين –
    أفراد أسرتي شمعون وفرنجية - حتى أصبح مسؤلاً عن أكبر ميليشيا مسيحية في لبنان. ومن السهل على من خان وطنه وعروبته الغدر بحلفائه

    رأس الحية :
    في الأول من أكتوبر 1974 عندما كانت أمينة بغرفة المراقبة السرية بالسنترال، صعقت وهي تستمع إلى حوار ساخن بين علي حسن سلامة وأحد مساعديه، وأدركت أنها النهاية المؤكدة للملك حسين. بل ولمؤتمر القمة العربي في الرباط.
    ،،
    ولنقرأ معاً ما كتبته في مذكراتها عن أحداث ذلك اليوم.. تقول أمينة:

    كنت بالغرفة السرية منهمكة في عملي، تمتد أسلاك جهاز التسجيل إلى جواري، وعلى كرسيه يقبع خلفي مارون الحايك، تلفح جسدي نيران نظراته برغم
    هواء الغرفة المكيف اللطيف.
    كانت الغرفة الواسعة ذات بابين، أحدهما مغلق دائماً ولا يفتح إلا بإذن خاص وهو يؤدي إلى الممر الرئيسي، أما الباب الآخر فسري ويشكل جزءاً من دولاب حائط كبير، ويتصل بسلم خلفي صاعد.
    ،،
    كنت أنصت إلى حوار هادئ بين عبد الوهاب الكيالي زعيم جبهة التحرير العربية التي ترتبط بحزب البعث العراقي، وأحمد جبريل زعيم جبهة التحرير الشعبية التي نفذت عملية فدائية ناجحة في إلأرض المحتله منذ فترة وجيزة.
    وأصابني الملل لتفاهة الحوار بينهما، فالتفت إلى مارون الذي انتبه اليّ وسألته عمن يعرف سر هذه الحجرة المثيرة، فأجابني بأنهم نفر قليل، وإجراءات دخولها تخضع لتعقيدات وقيود كثيرة.
    ،،
    وأنه لولا الأربعين ليرة التي دفعها للحارس الخاص للغرفة، ما استطاعا الدخول أبداً. كان مارون يحدثني بنبرة مليئة بالثقة بما يدل على أنه قام بعمل بطولي لأجلي، لذلك ترك مقعده واقترب مني مبتسماً، فقبلته . . وأحسست وهو يخاصرني بأنه هدأ كثيراً من ناحيتي .. ويريد مني الكثير فنهرته بلطف، واقتحمت خطوط عرفات وحواتمة وأبو إياد فوجدتها مغلقة.
    ،،
    وحينما فكرت في إيقاف جهاز التسجيل طرأت ببالي فكرة التجسس
    على تليفون سلامة. لقد كان الوقت قبل منتصف الليل بقليل، وسلامة يتحدث مع أحد رفقائه ويدعى أبو نضال. ضغطت على زر التسجيل وأحكمت السماعتين فوق أذني وانتبهت للحوار بينهما.
    ،،
    كان مارون ما يزال ملتصقاً بي من الخلف يثيرني بقبلاته المجنونة حول رقبتي، عندما اقشعر بدني كله وبدأ شعر رأسي كأنه يتصلب . . وينتصب، وأنا أستمع إلى سلامة يقول في ثورة :
    (التل وحده لا يكفي . علينا برأس الحية صديق اليهود، ومؤتمر الرباط
    فرصتنا الأكيدة فلنكن حذرين . . وشجعان . الله معك يا أبو نضال).
    ،،
    هناك إذن تخطيط لاغتيال الملك حسين في الرباط . . وتبنت العملية
    منظمة أيلول الأسود. وحين نزعت الأسلاك كانت رأسي تدور
    وتدور يد مارون المثار حول مؤخرتي، فسألته أن يؤمن الطريق لأخرج.
    ،،
    وفي شقتي لم أقو على الانتظار لأبدل ملابسي، فأرسلت على الفور
    برسالتي الخطيرة إلى الموساد. وبعد ست وثلاثين دقيقة جاءتني
    رسالةتطلب مني إعادة البث.
    ،،
    فأيقنت أن القلق ركب رؤوس القيادة هناك، خوفاً على صديقهم العربي. .
    الملك حسين.. ومرت ثلث الساعة إلا دقيقة واحدة، وجاءتني رسالة أخرى تحمل أمراً هو غاية في العجب.. والدهشة...
    ،،
    إذ أمرت بالبحث عن وسيلة لدخول شقة علي حسن سلامة بحجة تطبيب عياله. فحتى تلك اللحظة. . لم أكن أعلم أن لسلامة أولاد . .
    وزوجة أخرى تمت بصلة قربى لمفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني.
    وقلت في نفسي:
    أترضى ملكة جمال الكون - جورجينا رزق - بدور الزوجة الثانية؟؟
    يا لسلامة المحظوظ . . الهانئ . . السعيد..!!

    ،،
    انتهى
    الفصل السابع

  10. #10
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Mon Jun 2008
    المشاركات
    1,288
    معدل تقييم المستوى
    17
    الفصل الثامن
    شبكة الأربعة :

    لم تكن فكرة اغتيال الملك حسين ناشئة من فراغ.
    فالفلسطينيون رأوا منه أكثر مما تصوروا. .
    فمنذ عام 1970 وهو مرتبط بعلاقات وثيقة بالصهاينة خوفاً على عرشه.
    واجتمع بموشي ديان لمرات عديدة في محادثات سرية، في ذلك الوقت كان اللاجئون الفلسطينيون يشكلون نحو نصف سكان الأردن، ويشكلون أيضاً مصدر إزعاج متزايد له، بقيامهم بعمليات فدائية داخل الضفة الغربية انطلاقاً من الأردن، يرد عليها الصهاينة بالمثل، ويضغطون على الملك لوقف تلك العمليات، بتوجيه ضربة للفلسطينيين تفتت قوتهم وقواتهم.
    ،،
    وقد كان . .
    ومات عشرات الآلاف من الأبرياء فيما سمي بأيلول الأسود عام 1970.
    وهو الاسم الحركي للفرقة السرية الخاصة التابعة لعرفات، والتي يترأس عملياتها علي حسن سلامة الذي نفذ أولى عملياتها باغتيال وصفي التل، ثم توالت
    العمليات في عواصم أوروبا ضد الصهاينة.
    ،،
    وبعد حرب أكتوبر.. توصل العرب في الجزائر إلى صيغة رسمية وهي أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
    وشكل هذا الأمر خلافاً جوهرياً مع الملك حسين، الذي كان يدعي لنفسه هذا الحق.
    ،،
    حتى جاء شهر يوليو 1974، ومعه خطوة هامة، عندما اتفق الملك حسين والسادات على صيغة أخرى تحفظ ماء وجه الملك. وهي أن
    منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي للفلسطينيين، باستثناء
    الفلسطينيين الذين يعيشون في الأردن. فأثار البيان
    منظمة التحرير، وفكر سلامة جدياً في ضرورة التخلص من الملك حسين.
    ،،
    وحالف الحظ الملك، عندما تمكنت السلطات المغربية من إلقاء القبض على وحدتي كوماندوز فلسطينيتين، وصلتا من أسبانيا لاغتياله، وتم التعتيم على الأمر خاصة وقد حضر عرفات المؤتمر، وحقق نجاحاً كبيراً في الحصول على
    أكبر دعم عربي لشرعية منظمة التحرير.
    ،،
    وبموجب مقررات مؤتمر الرباط، أصبحت المنظمة مسؤولة عن وضع الاستراتيجية التي تراها كفيلة باستعادة الحقوق المشروعة للفلسطينيين، أي أن المنظمة مطالبة باتخاذ مواقف محددة وواضحة:
    هل هي تريد تحرير فلسطين كلها أم جزء منها تقام عليه الدولة الفلسطينية. . ؟

    وفي هذه الحالة . .
    كيف تستطيع إعداد الوسائل التي تمكنها من الوصول إلى هذا الهدف؟.
    وهل هي تريد الوصول إليها بجهدها الخاص أو بالتنسيق بين استراتيجيتها والاستراتيجية العربية، وعلى وجه التحديد بين استراتيجيتها
    واستراتيجية مصر وسوريا - اللتين تعملان تحت
    قيادة عسكرية موحدة - باعتبارهما أقوى دول المواجهة في المنظمة.
    ،،
    أو هل تريد المنظمة العودة إلى قرار التقسيم الصادر عن
    الأمم المتحدة عام 1948؟ . .
    أو تريد إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة؟ . .

    وفي هذه الحالة . .
    هل هي مستعدة للاعتراف بقرار مجلس الأمن رقم 242 إذا ما عدلت الفقرة التي تتحدث عن "اللاجئين الفلسطينيين" إلى "الشعب الفلسطيني"؟ ..

    وفي هذه الحالة . .
    هل هي مستعدة للذهاب إلى مؤتمر جنيف؟ ..
    وإذا ما قررت الذهاب إلى جنيف كيف يمكن حل مشكلة
    اعترافها بالوجود الصهيوني في فلسطين؟
    أو باعتراف إسرائيل بها؟. . أي الاعترافين يجب أن يسبق الآخر؟ ..
    ،،
    عشرات الأسئلة طولبت أمينة المفتي بالتجسس على أعضاء اللجنة التنفيذية العشرة لتكشف نواياهم. والأعضاء هم خليط لكافة التيارات الفلسطينية، فهناك التيارات اليمينية المتطرفة، واليسارية والمحايدة، والمتعصبة، بعضهم شيوعيون وآخرون معارضون لهم وللماركسيين، وهناك ديموقراطيون و . . و . . الخ.
    ،،
    كل هذه التيارات المختلفة، متفقة فيما بينها على الاستراتيجية العامة. فالهدف - هو تحرير فلسطين، وإن كان هناك اختلاف في التكتيك طلب منها أيضاً معرفة المصادر المالية للمنظمة ومخازن السلاح في سوريا، ورأي القيادة العليا
    في مسألة القدس.
    ،،
    لذلك . .
    انشغلت أمينة بشكل لم يسبق له مثيل. . وساعدها مارون ومانويل في نوبات التنصت على تليفونات القيادات الفلسطينية، بل إنها
    استطاعت تجنيد صديقتها خديجة زهران التي طُلقت من زوجها اللبناني، فتزوجت بغيره وطلقت منه أيضاً، وسقطت في شبكة أمينة المفتي في أحلك لحظات
    ضعفها وحاجتها إلى النسيان . . والمغامرة. . والثراء.
    ،،
    رباعي عجيب انطلق في مهام تجسسية صعبة، لإمداد الموساد بأخطر المعلومات عن الفلسطينيين الذين كانوا يستشعرون وجود مؤامرات لبنانية
    لتصفيتهم، وقالوا للبنانيين:

    إنكم لن تستطيعوا تصفيتنا لأنكم لا تملكون القوة الكافية لذلك.
    ونحن لا نريد منكم إلا تمهيد الطريق لنا إلى فلسطين. والطريق إلى
    فلسطين يمر بعين طورة وجونية، وهما منطقتان
    لبنانيتان مسيحيتان، إحداهما في الجبل والثانية على الساحل.
    ،،
    فتساءل اللبنانيون:
    ماذا يفعل الفلسطينيون في الجبل وهو يبعد عن طريق فلسطين
    بأكثر من مائة كيلو متر؟ . .
    والحقيقة. . أن الطرفين كانا على حق. وتلك كانت مقدمة للحرب الأهلية اللبنانية.الخطأ المدمر :
    في يوم 22 نوفمبر 1974، دخل عرفات لأول مرة مبنى الأمم المتحدة في نيويورك، مطالباً بإلغاء دولة الصهاينة، وإقامة دولة ديموقراطية تتكون من
    العقائد الدينية الثلاثة - الاسلام والمسيحية واليهودية، وإلا
    فليس أمامهم سوى الكفاح المسلح.
    ،،
    ويخرج الوفد إلصهيوني غاضباً ليصرح سفيرهم بأن عرفات الذي قتل الأطفال اليهود، يحاول أن يقهر الدولة اليهودية بحجة فلسطين الديموقراطية.
    وبعد أسبوع من لقاء نيويورك، بثت أمينة المفتي رسالة خطيرة
    إلى الموساد، تتضمن هجوماً فلسطينياً مسلحاً سيتم بعد
    عدة ساعات على إحدى مدن الشمال.
    ،،
    وقبلما تتخذ سلطات العدو التدابير الأمنية الكافية كان ثلاثة من فدائي الجبهة الديموقراطية قد هاجموا مدينة بيت شين Bet Shean إنطلاقاً من
    الأراضي الأردنية على غير المتوقع، وقتلوا أربعة صهاينه ثم
    جزوا رؤوسهم تماماً وكتبوا بدمائهم:
    "فاليرحل أبناؤكم قبلما يلقوا مصيرنا".
    ،،
    وبعد يومين تسلق أربعة فدائيين سور مطار دبي الدولي، وفتحوا نيران مدافعهم على الطائرة البريطانية التي كانت تتزود بالوقود في طريقها إلى كلكتا وسنغافورة، فأصابوا أحد الهنود واحتجزوا 47 شخصاً كرهائن وطاروا بهم إلى تونس، في ذات الوقت الذي أقر فيه السكرتير العام للأمم المتحدة حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم والعودة إلى وطنهم، والموافقة على اختيار منظمة التحرير مراقباً في الأمم المتحدة.
    ،،
    وفي نهاية شهر يناير 1975 قال أبو إياد - مساعد عرفات - في
    تصريح له كالقنبلة:
    "إنني أعد بأن هذه الحادثة العارضة ستكون الأخيرة".
    وبهذا التصريح، لم يعد هناك وجود لمنظمة أيلول الأسود. إذ غطت
    الحرب الأهلية اللبنانية على كل شيء.
    وأصبح مقاتلوا أيلول الاسود يكرسون جهودهم لمهام أخرى.
    وعندما طلبت أمينة الإذن بمغادرة بيروت إلى تل أبيب، أعيد تذكيرها بإيجاد فرصة مناسبة لدخول شقة علي حسن سلامة ومحاولة الحصول على
    القوائم السرية لرجال مخابراته في أوروبا، وخطط
    العمليات المستقبلية المطروحة.
    ،،
    وعلى ذلك انتهزت أمينة فرصة لقائها بسلامة في الكورال بيتش كالمعتاد، وسألته في خطأ فادح عن أولاده. فدهش الرجل الذي
    لم يحدثها عنهم من قبل مطلقاً.
    وبحاسته الأمنية العالية ملأه الشك تجاهها، وقرر البحث عن ماضيها وطلب من رجاله في عمان إعادة موافاته ببيانات عن الطبيبة الأردنية أمينة داود المفتي، التي يعيش أهلها بحي صويلح أرقى وأروع أحياء عمان.
    ،،
    فجاءه الرد بأنها بالفعل طبيبة أردنية، غادرت وطنها إلى النمسا للدراسة، ولمشاحنات مع أهلها قررت ألا تعيش بعمان.
    اطمأن سلامة لتحريات رجاله. . وتجددت ثقته بأمينة، لكن
    بلاغاً سرياً من أوروبا وصل إلى مكتب المخابرات، قلب الأمور
    كلها رأساً على عقب.

    الرسالة الأخيرة :
    أفاد البلاغ أن شاباً فلسطينياً في فرانكفورت بالمانيا، صرح لأحد المصادر السرية بأنه تقابل مع أحد الفلسطينيين في فيينا، وبعد
    عدة لقاءات بينهما في حانات المدينة ومقاهيها، أخبره بأن له
    صديقة نمساوية يهودية، ماتت إثر تعاطيها جرعة زائدة من
    عقار مخدر، تزوج شقيقها الطيار من فتاة عربية مسلمة، وهربت معه إلى
    فلسطين خوفاً من اكتشاف أمرها وملاحقة أجهزة المخابرات العربية لها.
    وأن الفتاة كانت تدرس الطب في النمسا، وانتقلت إلى لبنان بعدما
    أسقط السوريون طائرة زوجها، الذي اعتبر مفقوداً.
    ،،
    كان البلاغ يحمل نبرة عالية من الشك، فلو أن الأمر صحيح إذن
    فهناك جاسوسة عربية بين الفلسطينيين. وطلب سلامة إعادة استجواب الشاب في فرانكفورت، ولو اضطروا لأخذه إلى النمسا ليدلهم على الفلسطيني الآخر.
    وذيل سلامة أوامره بضرورة السرعة، وإلى حين تصله
    معلومات آخرى، طلب حصر كل الطبيبات العربيات المتطوعات
    في المشافي الفلسطينية. . واللبنانية أيضاً.
    ،،
    كان علي حسن سلامة شاباً خارق الذكاء. شاهد بنفسه مقتل
    والده بيد اليهودوهو في الخامسة عشرة من عمره.
    ففرت به أمه من الرملة إلى نابلس في الأردن.
    ،،
    وعاش مثل آلاف الفلسطينيين في مخيم بائس يفتقر إلى المياه والكهرباء.
    وفي نابلس أكمل تعليمه وكان دائماً من المتفوقين، لا يأبه بمطاردات الفتيات له برغم وسامته وجسمه الرياضي. فقد كان لا يهتم إلا بالسياسة فقط.
    وبعدما حصل على الثانوية العامة بتفوق، حصل على منحة للدراسة بالجامعة الأميركية في بيروت، التي كانت مجتمعاً لكبار المثقفين الفلسطينيين.
    ،،
    واكتسب في الجامعة سمة الزعيم السياسي، حيث جمع من حوله الطلبة وألقى فيهم الخطب الثورية، وكان تأثيره يتزايد بينهم بعدما عرف لدى الجميع أن
    والده مات بيد اليهود.
    ،،
    وكان يقول دائماً :
    "لقد نسونا وإذا لم نفعل شيئاً سنبقى دائماً في الطين
    والوحل . . أذلاء. . بلا وطن".

    وتخرج من الجامعة مهندساً ليلتقي بعرفات الذي كان قد
    أسس منظمة التحرير الفلسطينية، وبعد هذا اللقاء تبدلت حياته كلها، إذ شغل منصب قائد القوة 17، ثم رئيس المخابرات الفلسطينية – (رصد ) ورئيس العمليات بمنظمة أيلول الأسود التي دوخت الصهاينة بعملياتها الفدائية المذهلة.
    ،،
    استغل علي حسن سلامة ذكاءه الشديد في تعقب الخونة والجواسيس، الذين يتم زرعهم بين صفوف المقاومة وتمكن من كشف عشرين منهم خلال فترة وجيزة، وحصل على دورات تدريبية على أيدي رجال المخابرات المصرية.
    ،،
    إذ استهواه العمل الفدائي والكفاح، وعشق مطاردة عملاء الموساد أينما كانوا. وأفلت مرات ومرات من محاولات فاشلة لاغتياله، حيث كان يجيد التخفي . . ماكر كالثعلب. . جسور كالأسد. . صلب كالفولاذ.
    ،،
    وبعدما جاءه البلاغ عن وجود طبيبة عربية متطوعة تعمل لصالح الموساد في بيروت، كانت أمامه بعد ثلاثة أيام قائمة طويلة تضم أسماء 37 طبيبة. .
    أربعة منهن فقط حصلن على شهاداتهن العلمية من جامعات النمسا.
    وكن جميعاً آنسات . . إحداهن بالطبع كانت أمينة داود المفتي.
    ،،
    وفي انتظار التقرير الحاسم الذي سيجيء من أوروبا . . أمر سلامة بوضع الأربعة تحت المراقبة الصارمة طوال الأربع والعشرين ساعة.
    لقد كان السباق محموماً للوصل إلى الحقيقة بأسرع ما يمكن . . وبينما الطقس مشحون بالشكوك والترقب، أحست أمينة بعيني الجاسوسة المدربة، بأن
    هناك عيوناً ترصدها. . ولا تترك لها مساحة من الحرية
    لتتحرك بيسر كما اعتادت دائماً.
    ،،
    وأول ما فكرت فيه هو التخلص من جهاز اللاسلكي، دليل الإدانة
    الذي سيقدمها إلى حبل المشنقة.
    فبثت رسالتها الأخيرة إلى الموساد :
    (آر. كيو. أر. هناك من يراقبني ليل نهار منذ الأمس.
    أنا خائفة ومرتبكة.
    سأموت رعباً.
    أفيدوني. نفيه شالوم ).
    ،،
    خبراء المخابرات دائماً يشفقون على العميل الخائف، خاصة إن
    كان مزروعاً ببلاد الأعداء.
    ويدركون جيداً حجم المعاناة النفسية الرهيبة التي تغشى تفكيره، وقد تقود
    مسلكه إلى نقطة النهاية والسقوط، بسب وقوعه في حالة ضعف
    تدمر أعصابه، وتعصف بجرأته وبثباته.
    ،،
    وهم في تلك الحالات يفضلون أن يفر عميلهم بحياته وبأي ثمن.
    لذلك ردوا على أمينة بعد أقل من نصف الساعة:
    (ضعي الجهاز بسلة قمامة الشقة العلوية.
    إحرقي الشفرة. غادري بيروت بهدوء إلى دمشق بطريق البر.
    ستجدين رسالة بمقهى "الشام".).
    ،،
    تنفست أمينة الصعداء، وشرعت فوراً في تنفيذ أوامر رؤسائها.
    لقد كان عليها ألا تلتقي بأحد أفراد شبكتها. .
    لكن يجب تحذيرهم من السعي إليها.
    لذلك اتصلت من الشارع بخديجة زهران وأخبرتها أنها
    في طريقها إلى دمشق للسياحة.
    ،،
    حملت أمينة حقيبة يدها الصغيرة يعصف بها الخوف والهلع وغادرت شقتها، لتدور بعدها في شوارع بيروت أشرس عملية هروب ومطاردة بين
    الجاسوسة الخائفة ومطارديها. وفي موقف السيارات المتجهة إلى دمشق
    اعتقدت بأنها أفلتت من المراقبة، حتى إذا ما صعدت إلى الباص واطمأنت في مقعدها، فوجئت برجلي أمن يقفان إلى جوارها، فألجمها الخوف وانخرست . .
    ،،
    واعتقدت بأنها النهاية الحتمية لمشوار خيانتها، فقررت بألا
    تموت على أيدي الفلسطينيين. وبلا وعي . . انطلقت أصابعها في لحظة كالبرق، تبحث عن كبسولة سم السبانيد بين خصلات شعرها.
    لكن أيدي رجلا الأمن كانت الأسرع، إذ انقضت عليها كما تنقض حية الكوبرا على فريستها، واقتيدت إلى سيارة بيجو استيشن مفتوحة الأبواب كانت
    تنتظر خلف الباص، يقف إلى جوارها رجلان آخران جامدي الملامح.
    ،،
    وقبلما تبلغ أمينة البيجو فشلت ساقاها عن حملها، فاضطر الرجلان إلى رفعها عن الأرض رفعاً، وألقيا بها إلى داخل السيارة التي انطلقت كالريح إلى حي الفكهاني، تسبقها سيارة أودي - 80 - إل إس تقل أربعة رجال مدججين بالسلاح.
    ،،
    وأمام أحد المباني بالقرب من المدينة الرياضية، سحب الرجال العميلة المغماة إلى الداخل، حيث أودعت في غرفة ضيقة تحت الأرض، تكبل يديها من الخلف سلسلة حديدية طويلة ربطت إلى الحائط.
    لم يكن لدى المخابرات الفلسطينية - رصد - حتى وهم يراقبونها
    دليل واحد ضدها. فالتقرير لم يصل بعد من أوروبا ليؤكد براءتها من عدمه.
    ،،
    لكن حينما أمسك رجال الأمن بها كانت ملامحها كلها تنطق بالخوف وتضج بالرعب، ولأنهم اعتادوا تلك الملامح التي ترسم عادة على وجوه الخونة، أيقنوا بأن الأمر جد خطير . . خطير جداً.
    وأن الطبيبة المتطوعة متورطة في جرم اثيم ....خاصة بعدما تعرضت المادة السائلة بالكبسولة للتحليل، واتضح أنها سم السبانيد الذي تكفي نقطة واحدة
    منه لقتل فيل بالغ.
    ،،
    لقد كان لا بد من تركها هكذا لعدة أيام بدون استجواب، حتى تنهار إرادتها إلى الحضيض من ناحية، ولمحاولة امتلاك أدلة مادية من ناحية أخرى.
    وعلى ذلك . . قام فريق متخصص بتفتيش شقتها تفتيشاً غاية في الدقة. . ولعدة مرات فشل في العثور على دليل واحد يدينها، فالعميلة المدربة ..
    ،،
    وبرغم خوفها الشديد، وجدت أمامها الفرصة الطويلة لإزالة أي آثار أو أدلة قد تقودها إلى الموت. ولم تترك خلفها سوى المصحف الشريف وقد انتزعت من منتصفه عدة صفحات، هي في مجملها كل سورة "بني إسرائيل"، وصفحة ونصف من سورة "الكهف" وكان هذا الأمر يمثل لغزا محيراً لرجال رصد، الذين
    فشلوا في "رصد" العميلة دون أن تلقي بظلالها عليهم.
    ،،
    كان جهاز الأمن والمخابرات - رصد - يعمل في تلك الفترة تحت قيادة أبو إياد "صلاح خلف" برئاسة علي حسن سلامة رئيس العمليات
    والدينامو المحرك والعبقري الفذ.
    ويعد الجهاز أكثر العناصر المكونة سرية داخل منظمة التحرير، فهو جهاز الاستخبارات الأولية، وعمليات مكافحة الجاسوسية، وبه وحدة سرية
    للعمليات الخاصة، وله مكاتب في كل من لبنان ومصر
    والأردن والكويت وسوريا.
    ،،
    ويصعب تقدير عدد أعضائه على وجه الدقة. وأبو إياد هو معلم الجواسيس الأول في منظمة التحرير ، والمسؤول عن أمنها وجهازها السري، وهو أيضاً
    حلقة الاتصال الرئيسية بينها وبين الجبهات المعارضة، وأحد العناصر
    الضالعة في تخطيط وتنفيذ عملية ميونيخ، وكان هو الذي أمر في 1973 بالاستيلاء على السفارة السعودية في الخرطوم وقتل السفير الأميركي ونائبه، كما لعب دوراً رئيسياً في حادث مقتل السفير الأمريكي فرانسيس ميلوي في بيروت عام 1976، وكذلك في عشرات العمليات المسلحة الأخرى.
    ،،
    وما إن وضع أمام أبو أياد تقرير كامل عن أمينة المفتي، حتى زم شفتيه ملقياً برأسه إلى مسند كرسيه، ينظر إلى حلقات دخان سجائره المتشابكة
    في صمت طويل . .
    وقال لسلامة في وجوم: يجب ألا نعاقب امرأة عربية دون أدلة قطعية قوية تؤكد إدانتها. فلننتظر تقرير رجالنا في أوروبا.وحتى يصل التقرير
    فلا عقاب ولا استجواب.
    ،،
    هكذا قبعت أمينة في زنزانتها المظلمة بباطن الأرض تترقب الموت ببطء، وتنسل من عروقها نبضات القوة رويداً رويداً، حتى استحالت الدقائق
    عندها إلى جحيم ما بعده جحيم .
    وانقلب الانتظار إلى وحش مسعور يفتك بعقلها .. وبوجدانها وكأنه العواء
    كان رجال المخابرات الفلسطينية في أوروبا يلهثون خلف الشاب الفلسطيني العابث، يرافقهم الشاب الآخر صاحب البلاغ، والذي استقدموه من فرانكفورت رأساً إلى فيينا. فهو الوحيد الذي يمكنه التعرف عليه بسهولة.
    ،،
    هكذا جابوا شوارع فيينا وحدائقها ومواخيرها دون جدوى، وكأنما
    انشقت الأرض وابتلعته. ولم يكن أمام الرجال إلا طريقة واحدة - غاية في الخطورة – لاستجلاء الحقيقة من مصادرها الرسمية، وهي البحث عن
    سجلات مكتب "الزواج من أجانب". وكان الخوف كل الخوف من
    لفت انتباه رجال الموساد في النمسا إلى ما ينقبون عنه، لذلك
    كانت عملية البحث تتم تحت ستار كثيف من السرية . . والتكتم.
    ،،
    وبواسطة خطاب مزور صادر عن السفارة الأردنية في فيينا، يخاطب
    إدارة مكتب الزواج من أجانب، أمكن الوصول إلى
    عنوان شقتها وإلى حقيقة الزواج المحرم.
    ،،
    وفي الحال طار أحد الضباط إلى بيروت يحمل صورة رسمية من عقد الزواج، في ذات الوقت الذي اقتحم فيها رجال رصد شقة أمينة المفتي بفيينا، حيث عثروا على أجندة متوسطة الحجم، سجلت بها أمينة مذكراتها وتفاصيل عملها في
    بيروت قبل رحلتها التدريبية الأولى في الأرض السليبة.
    ،،
    كذا انكشف الأمر دون أن يلاحظ رجال الموساد المنتشرون في النمسا أي شيء
    أو يخطر ببالهم أن رجالاً يفوقونهم ذكاء ينقبون عن
    ماض غامض لعميلتهم المدربة.
    تجمعت كل الأدلة على مكتب أبو إياد الداهية، ولم يكن أمامه سوى
    محاصرة أمينة والسيطرة عليها، لتكشف النقاب عما أبلغته
    للموساد، ودورها الحقيقي في ترصد حركة المقاومة، خاصة بعد
    فشل عدة عمليات فدائية كان وراءها جاسوس خفي، وأيضاً. . لترشد عن
    بقية أعضاء شبكتها في بيروت أو خارجها.
    ،،
    كانت هناك خطط عديدة لاستجواب الخونة والجواسيس يتبعها
    رجال المخابرات الفلسطينية. أما والحالة هنا لامرأة عربية خائنة فالوضع يختلف.
    إنها إحدى الحالات النادرة التي تواجه أبو إياد ورجاله.
    لذلك، اقترح علي حسن سلامة الاعتماد على خطة جديدة تناسب الحالة، تقوم على إيهامها بأن زوجها موشيه كان أسيراً لدى السوريين، وقد أُطلق سراحه منذ أيام ضمن فريق من الأسرى في عملية مبادلة نشرت عنها الصحف.
    وكان الغرض من كل ذلك إشعار الجاسوسة بعقدة الذنب، لتحس بالندم الشديد على ما ارتكبته فتعترف بلا إكراه أو تعذيب.
    وعلى ذلك . . .
    سربوا إليها إحدى الصحف اليومية وقد تصدرت صفحتها الأولى صورة
    زوجها الأسير وسط العديد من زملائه، قبلما يغادرون سوريا إلى
    فلسطين برفقة رجال الصليب الأحمر.
    ،،
    كانت هناك بالطبع نسخة وحيدة لتلك الصحيفة طبعت خصيصاً
    لأجل المهمة المحددة.
    وما إن قرأت أمينة الخبر، حتى لفها صمت غمس بالذهول، وقد جحظت عيناها لهول الصدمة والمفاجأة، وانطلق من جوفها صوت نحيب رتيب كأنه العواء.
    ،،
    وليس هناك أبلغ مما كتبته بنفسها عن تلك اللحظة الخطيرة من حياتها.
    وهذا ما سوف نتعرف عليه تباعاً ..

    ،،
    انتهى
    الفصل الثامن

صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. حكم و أمثال عربية - حكم عربية قديمة - عبارات وامثال عربية 2017
    بواسطة A D M I N في المنتدى الالغاز والفوازير حكم وامثال
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 22-11-2016, 11:24 AM
  2. الأردن يحصل على جائزة ثاني أشهر موقع ووجهة سياحية عربية
    بواسطة محمد الدراوشه في المنتدى جريدة الراي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 11-03-2015, 07:30 AM
  3. رئيس للموساد: مهاجمة إيران غباء
    بواسطة محمد الدراوشه في المنتدى منتدى الاخبار العربية والمحلية
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 08-05-2011, 03:27 PM
  4. والدة طل الملوحي : ابنتي ليست جاسوسة
    بواسطة الاسطورة في المنتدى منتدى الاخبار العربية والمحلية
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 24-09-2010, 11:56 AM
  5. أشهر 7 نجوم أصولهم عربية شاركوا في المونديال
    بواسطة جزائرية وافتخر في المنتدى منتدى الرياضة العربيه والعالميه
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 25-07-2010, 08:37 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
معجبوا منتدي احباب الاردن على الفايسبوك