*** أسئلة البدايات وحوارات النهاية في العصر الأمريكي ***
* روائع الأدب الأمريكي
ما هي اللحظة التي يمكن اعتبارها بداية للأدب الأمريكي، هل يصنف الأدب الذي أنتجه المهاجرون الأوروبيون الأوائل أدبا أوروبيا مغتربا يعبر عن أزمة المهاجرين في العالم الجديد مع المجهول، أم أنه أدب أمريكي يعبر عن الأمل في حياة أفضل وفي تأسيس مملكة السماء على الأرض كما أخذ بعضهم الحلم، أم أنه يجب تأجيل لحظة البداية لمرحلة الثورة الأمريكية حيث تشكلت رسميا وفعليا الهوية الأمريكية وأصبحت كيانا منفصلا عن الاستعمار البريطاني من جهة، وعن غيرها من دول أمريكا الشمالية، لا تعد لحظة البداية على هذه الأهمية إلا في إطار التعرف على المجتمع والعقلية الأمريكية، فالأدب الأمريكي فعليا، وبمعنى الأدب الذي يستحق القراءة والذيوع العالمي والذي يتعرض للحياة الأمريكية المعروفة لدينا بتفاصيلها المتعددة ينتمي شكلا وموضوعا للقرن التاسع عشر، حتى أنه يظل أمريكيا أكثر من تجسده في القرن العشرين، حيث أصبح الوصول إلى الساحل الأمريكي غاية لملايين البشر القادمين ليس من أوروبا الغربية وإنما من شرق أوروبا والشرق المتوسط وآسيا، بعد أن ظلت الفكرة الأمريكية قائمة على ثنائي المهاجرين القادمين من أوروبا الغربية والزنوج المختطفين عنوة من غرب أفريقيا، مع تجاهل شبه كامل للهنود الحمر الذين تعرضوا لحرب إبادة ضارية تركزت في القسم الشمالي من العالم الجديد. إن تفهم طبيعة المجتمعات الأولى في المستعمرات التي نشأت في المنطقة التي عرفت لاحقا بالولايات المتحدة وشعبيا بأمريكا ضروري لفهم الأدب الأمريكي، فالمهاجرون الأوائل كانوا من الطبقات الفقيرة ممن يصنفون كرعاع في المجتمع الأوروبي التقليدي، منبوذون ومستضعفون ومهانون، بعضهم ممن أخرجوا من السجون على اعتبار أن الرحيل للعالم الجديد كان بمثابة العقوبة، وبعضهم أتى إبعادهم نتيجة شيوع بعض الأمراض المعدية في مجتمعاتهم وبدلا من استقبالهم في بريطانيا تم إرسالهم إلى الحديقة الخلفية للإمبراطورية، أما الأغلبية فهاجرت وراء حلم بحياة معقولة أو ثروات طائلة، أيا يكن، إلا أنه لم يكن لديهم شيء يمكن اعتبار مفارقته بمثابة الخسارة، وعليه فإن الأدب الأمريكي أخذ يتطور ضمن هذه المعطيات، ويكتسب شخصيته وعقدته أيضا، والأهم من ذلك تنوعه المدهش، داخل الاقتناع الأمريكي بالأفضلية، والذي أتى نقده أيضا عنيفا وشرسا.
كتاب روائع الأدب الأمريكي يقدم عبر أكثر من ألف ومائتي صحفة رحلة في تاريخ الأدب الأمريكي ملقيا الضوء على أهم رموزه، مع نماذج مختارة من أعمالهم، ويبدأ الكتاب من القرن السابع عشر حيث يعتبره أدب البدايات بينما يعتبر الحقبة الأولى فعليا هي القرن الثامن عشر، حيث يقدم لمجموعة من أوائل الكتاب الذين أخذوا الصبغة الأمريكية وعبروا عن التصور الطهراني والربوبي للحياة في القارة الجديدة، كتخلص من الرجس الذي خلفه المهاجرون وراءهم في أوروبا، وهذا المرحلة تعبر عن الحياة البرية والريفية التي عايشها الأمريكيون عند الانتقال لموطنهم الجديد، وتنشغل بقضية بناء المدينة الفاضلة كما يعتقدونها، حيث كانت الوفرة هي الطابع السائد، وكان كل ما يحتاجه الإنسان في الحياة هو الأمل والعمل، ومن أبرز وجوه هذه المرحلة جون سميث ووليم برادفورج، وينتقل الكتاب ليقدم أدب القرن التاسع عشر الذي يمكن وصفه بالرومانسية وعصر النهضة الأمريكي، وبداية تشكل المظاهرة شبه الثابتة للحياة الأمريكية، بمعنى وجود ملامح حياة مميزة للأمريكي كنموذج راعي البقر، ونموذج رجل المال، ونماذج الصناعيين الأوائل، والمستثمرين وأصحاب المناجم، وفي القرن التاسع عشر بدأ ظهور مجموعة من آباء الأدب الأمريكي الذين حققوا النجاح في مختلف أنحاء العالم مثل إدجار آلان بو وهيرمان ميلفل، ويقدم الكتاب مرحلة نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين التي أطلق عليها عصر الواقعية، وتميزت بظهور نموذج الأمريكي الغاضب ذو الحس النقدي الذي خلف وراءه البراءة، ومن أبرز وجوهه ولت ويتمان وإملي ديكنسون ومارك توين، وفي الكتاب فصول أخرى مهمة تناولت العديد من ملامح الأمريكي في فترة صعوده وتأثيره على الآداب الأخرى وهي فترة القرن العشرين بما قدمته من أسماء كبيرة مثل أرنست هيمنجواي ووليم فوكنر ويوجين أونيل، وبجانب ذلك يقدم الكتاب مجموعة من الآداب الفرعية داخل بنية الأدب الأمريكي مثل أدب الأقليات العرقية ومن شخصياته الكبيرة لانجستون هيوز وجيمس بولدوين، وكذلك فصلا لأدب الأقلية العربية يطل من خلاله القارئ العربي على أسماء أخرى تضاف إلى جبران خليل جبران الذي حقق شهرة كبيرة في الأوساط الأمريكية والعربية على السواء.
اشترك في تقديم الكتاب الذي يتميز باتساعه كل من الدكتور نبيل الشريف والدكتور ضياء الجبوري والدكتور أحمد مجدوبة والدكتور عصام الصفدي، وأتت النماذج معبرة عن قطاع كبير من الأدب الأمريكي في إطار ترجمة متقنة للنصوص المختارة مع تعريف مختصر وإن يكن يزود القارئ بالكثير من المعلومات عن أعمدة الأدب الأمريكي، إلا أن الكتاب يغفل مجموعة من الأسماء المهمة أيضا في مختاراته مثل هنري ميللر وآرثر ميللر وتقريبا جميع الكتاب من أصحاب النزعة الفوضوية أو اليسارية الذين وجهوا النقد الشديد للحضارة الأمريكية ونمط الحياة التخديري الذي يحد من اتساع الشخصية الأمريكية ويجعلها أسيرة مجموعة من الأوهام الإعلامية والتلفزيونية والسينمائية حول التفوق والسيادة، وكذلك في تقديمه للكتاب المعاصرين فإنه يغفل بعضا من الأسماء المهمة مثل بول أوستر، وعلى ذلك فإن هذا الكتاب يبقى الأوسع مما
أصدر باللغة العربية في تطرقه لموضوع الأدب الأمريكي.
رد مع اقتباس
المفضلات