الحرب العربية الإسرائيلية الأولى وتداعياتها


دور الدول العربية من 15 مايو (أيار) 1948 إلى بعد ذلك:
"عقد قادة الجيوش العربية اجتماعا في مدينة الزرقاء (الأردن) لوضع خطة تشرح كيف ستدخل الجيوش العربية في 15 أيار (مايو) 1948 إلى فلسطين"(1). وتضمنت الخطة على أن "يبدأ الزحف في مساء الخامس عشر من مايو (أيار) 1948 فتلتقي الجيوش السورية واللبنانية والعراقية والأردنية جميعها عند "العفولة" في وسط فلسطين تقريباً ثم تواصل زحفها لتقسيم تجمعات اليهود وتصل إلى الساحل الفلسطيني، وأن يزحف الجيش المصري نحو عسقلان وغزة والمجدل ثم يتقدم للالتقاء بالجيوش الزاحفة الأخرى على حين يتقدم قسم من الجيش الأردني نحو رام الله والقدس، ويتقدم المتطوعون المصريون على طريق الخليل وبيت لحم لتطويق القدس متعاونين مع الأردنيين الذين يجب أن يحاصروها من الشمال والشرق".

" ويقدر مؤرخ عربي أن عدد الجيوش العربية الزاحفة في أواسط مايو (أيار) 1948 كان قرابة العشرين ألفا.

وتولى الملك عبد الله القيادة العامة لجيش مصر وسوريا والسعودية والعراق والأردن ولبنان، وكان الفريق غلوب البريطاني الأصل هو رئيس أركان حرب الجيش العربي الأردني وبذلك كانت الأوامر العسكرية التي تصدر باسم القائد العام الملك عبد الله إنما يضعها وينفذها القائد البريطاني في الجيش العربي"(2).
1-عزت طنوس، المرجع السابق.صفحه422.
2-صالح مسعود أبو يصير ،المرجع السابق.صفحه 406.

وضع الأردن قبل الحرب:
"كان الأردن الذي تولى ملكه قيادة الجيوش العربية عام 1948 خاضاً خضوعاً تاماً لسيادة بريطانيا على الرغم من تلك المعاهدة التي عقدتها مع (الأمير) عبد الله عام 1946 حيث أعلن استقلاله ثم استبدل لقب (أمير) بلقب (الملك) في مايو (أيار) في السنة نفسها وقد عمدت بريطانيا بذلك التغيير إلى إحداث مظهر جديد لوضع الملك والوطن حتى لا يستمر ظهوره بشكل البلد الرازح تحت حكم الانتداب والخاضع للسيطرة البريطانية، وهي بذلك تسعى إلى تنفيذ برنامجها في خلق دولة يهودية في الجزء الخصب من فلسطين وهي في سبيل مخططها اشترطت في معاهدتها الاحتفاظ بالقواعد العسكرية والإشراف على الجيش الأردني وميزانية الدولة وغير ذلك من إمتيازات وحقوق كانت قيوداً ثقيلة على الحكومة الأردنية.

- ويتبين مدي تبعية الأردن لبريطانيا وخضوعه لها بشكل واضح و صريح عندما شارك جيشيه في حرب 1948 حيث كانت قيادات كتائب وألوية هذا الجيش الزاحف على فلسطين خاضعة لقيادة بريطانية صرفه حتى كأنها كتائب بريطانية ومن الغريب أن تخوض الجيوش العربية معركة مصيرية وجيش القيادة يقوده بريطانيين سعوا للتهويد وعملوا للتقسيم.

وقد أثبت القائد العربي عبد الله التل أسماء الضباط الإنجليز الذين تولوا مناصب قيادية في الجيش العربي الأردني وهو يخوض حرباً مصيرية في فلسطين سنة 1948 وقد بلغ عددهم 48 ضابطاً كبيراً يحملون رتباً في الجيش الأردني ويحتفظون بالولاء لبريطانيا ويعملون على تنفيذ مخططها في الوطن العربي ولقد كان على رأس هؤلاء الضباط قائد الجيش العربي القائد غلوب باشا.

ولقد برهنت حوادث عديدة على أن غلوب القائد البريطاني للجيش العربي إنما كان يقود هذا الجيش ليقيم دولة يهودية ويكشف أجنحة الجيوش العربية الأخرى حتى يشفى غل بريطانيا الحاقدة التي تتمنى أن يهزم العرب أمام اليهود، وحتى اللد والرملة التي تضمنها قرار التقسيم ضمن الدولة العربية تخلى عنها غلوب وسحب منها جيشه العربي وتركهما ليتصارع فيهما الشعب الفلسطيني الأعزل مع قوات اليهود المدربة المسلحة.

وأما بالنسبة لوجود ضباط عرب في هذا الجيش فقد كان وجودهم قليلاً ومحدوداً بلغ عددهم خمسة ضباط فقط ولكن كانوا يتلقون أوامرهم من الضباط البريطانيين الذين كانوا يمالئون الصهيونيين ويدركون أن دولتهم هي التي شجعت الصهيونية وفتحت لها الأبواب وأقامت كيانها على الأشلاء العربية، فماذا ينتظر جيش عربي لا يكون الضباط العرب في قيادته إلا أقلية صغيرة لا يملكون إلا أن ينفذوا أوامر الضباط البريطانيين" (1).
1- صالح مسعود أبو يصير ،المرجع السابق. صفحه 407-409.

الجيوش العربية تدخل فلسطين:
" عندما دخلت وحدات من الجيوش العربية النظامية فلسطين كانت القوات الفلسطينية وقوات جيش الإنقاذ لا تزال تسيطر على الطريق الموصل بين القدس وتل أبيب، وبذلك فإنها كانت تعزل المدينة الجديدة في القدس عن مصدر قواتها وعتادها، وكان الجليل العربي لا يزال بعضه تحت سلطتها كما أن مطار اللد والرملة تحت سيطرتها وفي فترة الأسابيع الأربعة الأولى أحاطت القوات العربية النظامية بفلسطين".(1)

وقد كانت الأمور على الجبهات العربية خلال الحرب تجري كما يلي:
-على الجبهة العراقية: " استطاع الجيش العراقي أن يسترد مدينة جنين الهامة كما احتلت كتائبه مستعمرة الجسر على اليرموك وسارت باتجاهين الأول باتجاه نابلس فطولكرم والثاني في اتجاه مرج ابن عامر مشارفة مستعمرة العفولة".(2)

-على جبهة الجيش العربي: " الأردني: كانت أبرز معارك تلك الجبهة معركة القدس فقد حاول الجنرال غلوب أن يحول دون وصول قوات الجيش العربي إليها بحجة أنها دولية وأن الجامعة العربية قد أسقطتها من حساب المعركة الحربية، بيد أن تردي الحالة في المدينة وهجمات اليهود المستمرة على القدس القديمة وعدم تقيدهم بالهدنة التي فرضتها الأمم المتحدة بالقدس حدا بأقطاب المدينة من العرب إلى أن يهرعوا للملك عبد الله في عمان راجين الأمر بدخول الجيش العربي إلى المدينة فلبى الملك رجاء الوفود العربية واتصل بالقائد عبد الله التل قائد الكتيبة السادسة التي كانت مرابطة في أريحا والخان الأحمر وأمره أن ينجد القدس القديمة فزحفت الكتيبة السادسة وتعاونت مع المجاهدين الفلسطينيين والسوريين في الدفاع عن المقدسات الإسلامية والمسيحية، واستطاعت أن تحتل الحي اليهودي وتدمر الكنس اليهودية التي استعملها اليهود أوكاراً للقتل وباحتلال الحي اليهودي في القدس القديمة، و ارتفعت المعنويات العربية وخاصة بعد نقل الأسرى إلى عمان و الاطمئنان على المسجد الأقصى وكنيسة القيامة.

و بالنسبة لسير الأمور في مواقع الكتائب الأردنية خارج القدس القديمة، فإنها لم تكن تسير سيراً مشجعاً فقد أخذت كتيبة باب الواد الذي تم السيطرة عليه موقع الدفاع وصلت هجمات اليهود الرامية إلى فتح طريق القدس تل أبيب وظل موقفها سلبياً وجمد الجنرال غلوب كتائبه المرابطة في منطقة رام الله ونشرها في خطوط دفاعية طويلة"(3).
1-فلسطين تاريخها وقضيتها،المرجع السابق.صفحه 120.
2-مصطفي الطحان، المرجع السابق .صفحه 274.
3- صالح مسعود أبو يصير ،المرجع السابق. صفحه 416.

-على الجبهة المصرية: "زحف الجيش المصري في الموعد المحدد وانضمت إليه فيما بعد سرايا من السعوديين ومتطوعون من السودانيين والليبيين وتمركز في غزة وبئر السبع وسار في اتجاهين: الاول ، نحو الخليل وسارت فيه الوحدة التي كان يقودها أحمد عبد العزيز الذي استشهد فيما بعد، والثاني وكانت فيه القوات النظامية الرئيسية، اتجه نحو إسدود وقد تمكن الجيش المصري من السيطرة على القسم الجنوبي من فلسطين ودك حصون عدد من المستعمرات اليهودية إلا أن قسماً كبيراً منها ظل خارج السيطرة العملية للقوات المصرية وخلف خطوطها الأمامية وذلك بسبب ما كان لهذه المستعمرات من تحصين عسكري منيع"(1) "ولأن كان هدف القوة الضاربة هو تل أبيب" (2).

-على الجبهة اللبنانية:" تمركزت القوات اللبنانية على طول الجبهة اللبنانية ـ الفلسطينية وكانت أهم معركة خاضها الجيش اللبناني هي معركة المالكية (5ـ6) حزيران /يونيو"(3) "واستطاعت القوات اللبنانية أيضاً من احتلال الناقورة وأخذت تهيمن على معابر الجليل الغربي"(4).

-على الجبهة السورية: " سيطرت الكتائب السورية على (سمخ) وبدأت زحفها عبر اليرموك من جسر بنات يعقوب باتجاه طبريا".(5) "كما أنها استطاعت أن تحتل مستعمرة مشمارهايردن"(6).
"ولقد استطاعت القوات السورية أن ترابط في مواقع كبيرة ومتسعة وعلى الرغم من الأعداد الكبيرة من الشهداء التي قدمها هذا الجيش في عناد وتصميم في هذه المنطقة ظل قوياً مهيباً يحسب له اليهود حساباً لاسيما بعد أن رابط في منطقة الغور على الحدود الأردنية واحتل أيضاً هذا الجيش بمعاونة المناضلين مستعمرة مسادة اليهودية".(7)
1- فلسطين تاريخها وقضيتها،المرجع السابق.صفحه 120-121.
2- صالح مسعود أبو يصير ،المرجع السابق. صفحه 418.
3- فلسطين تاريخها وقضيتها،المرجع السابق.صفحه 120.
4- مصطفي الطحان، المرجع السابق .صفحه 274.
5- مصطفي الطحان، المرجع السابق. صفحه 274.
6- فلسطين تاريخها وقضيتها،المرجع السابق.صفحه 120.
7- صالح مسعود أبو يصير ،المرجع السابق. صفحه 418.

حال القدس الجديدة بعد دخول الجيوش العربية لفلسطين:
" كانت القدس الجديدة تمثل أروع صور النجاح في الزحف العربي فلقد كانت هذه المدينة تضم مائة ألف يهودي، و كانت تمثل الروح المقدسة بالنسبة لليهودية ، كانت محاصرة من جميع الجهات، وكان المجاهدون الفلسطينيون قد احتلوا منذ أمد رأس العين وبذلك حرمت جموع اليهود من الماء واعتمدوا على الآبار بداخلها ووزعوها بالبطاقات في كميات لا تكفي ولا تروي وحال المحاصرون العرب من جنود الجيش العربي وقوات المجاهد أحمد عبد العزيز والمناضلين الفلسطينيين دون وصول الإمدادات والتموين إليها فتسرب الجوع بعد العطش إلى تلك المدينة المكتظة المهمة، وواصلت المدفعية العربية قصفها ليلاً ونهاراً فحرم السكان من النوم وانهارت أعصابهم وضاق بهم محال النجاة وكان العالم كله يتوقع سقوط المدينة في يد العرب بين لحظة وأخرى ولاسيما بعد أن فشلت مساعي مندوب الصليب الأحمر في إدخال المياه إلى القدس واشترط القائد العربي أن يلقى اليهود سلاحهم وأن يأسر المحاربين منهم ولقد كاد أن يحدث لولا أن بريطانيا خشيت فشل مخططها البعيد" (1)

دور بريطانيا في فك الحصار عن اليهود في القدس الجديدة:
"وسط دوى المدافع الني تدك القدس الجديدة وتضيق عليها الخناق، وبينما كانت برقيات الاستغاثة تغادر القدس إلى تل أبيب وعلى أثر مظاهرات اليهود فيها طالبين السلم وإلقاء السلاح تقدمت بريطانيا إلى مجلس الأمن تطلب وقف القتال أربعة أسابيع والتعهد بعدم إرسال محاربين ومواد حربية إلى فلسطين خلال هذه الفترة، وتطبيق مادة العقوبات العسكرية والاقتصادية على من يخالف الأمر وفي 29 مايو (أيار) 1948 وافق مجلس الأمن على هذا القرار وأعلنت الحكومة البريطانية أنها ستتوقف عن إرسال الأسلحة إلى الدول العربية المرتبطة معها بمعاهدات وهي مصر والعراق والأردن كما قرر مجلس الأمن تعيين الكونت برنادوت وسيطاً منتدباً من قبل هيئة الأمم مهمته التوفيق بين العرب واليهود".

وما كان اقتراح بريطانيا هذا إلا صورة جديدة من صور عونها لليهود وخلق فرصة لهم ولكي يفك حصار المحاصر منهم ويستعيد قواه المرهق من مدنييهم أو مجنديهم ويستجلب السلاح بكميات أوفر وعتاد أحدث" (2).
(1،2)- صالح مسعود أبو يصير ،المرجع السابق. صفحه 418-419.

رد العرب على قرار مجلس الأمن القاضي بالهدنة بين العرب واليهود:
" اجتمع العرب ليبحثوا قرار مجلس الأمن وطال نقاشهم ولكنه انتهى إلى الموافقة على قرار الهدنة ولقد كان توفيق أبو الهدى رئيس وزراء الأردن أعلاهم صوتاً وأطولهم لساناً في وجوب قبول الهدنة مدعياً قلة السلاح ونفاذ الذخائر، وأن الأردن سوف ينسحب من الميدان ومن الجامعة إذا لم تقبل الهدنة وقبلت الهدنة وكانت هذه الهدنة هي بداية النصر لليهود.

وهذا هو وكيل القنصل الأمريكي بالقدس يقول بخصوص هذه الهدنة "إن قرار مجلس الأمن الذي فرض الهدنة الأولى هو وحدة الذي خلص اليهود وحال دون سحقهم على أيدي الجيوش العربية" .

التزم العرب وحدهم بالهدنة وكانوا صادقين في التزامهم هذا ولم يخرقوها" ولكن نجد الطرف الآخر اليهود الإرهابيين أخذوا يعدون العدة لتنفيذ برنامجهم الطويل المدى حيث استمر إمدادهم بالسلاح من أوربا على مختلف أنواعه وحيث بنوا الاستحكامات والخنادق وفتحوا الطرق التي ربطت تل أبيب بالقدس بعد أن استحال عليهم ذلك مدة الحصار العربي بل استطاع اليهود أن يستوردوا الطائرات والدبابات والرجال من بريطانيا وأمريكا وواصلوا التدريب العملي الشاق ليجعلوا من عصاباتهم جيشاً منظماً". فبهذه الأعمال لم يتقيد الصهيونيين بشروط الهدنة بعكس العرب ولقد تولد عن التزام العرب بالهدنة نتائج مرعبة فيما بعد و ذلك بعد استئناف القتال" (1).

"ولقد سميت هذه الهدنة بعد ذلك بالهدنة الأولى ولقد بدأ تطبيقها رسمياً في 11 يوليو وانتهى العمل بها في 9 يوليو أي مدة أربع أسابيع" (2).
1- صالح مسعود أبو يصير ،المرجع السابق. صفحه 419-422.
2- عزت طنوس ، المرجع السابق .صفحه 470.

-زيارة برناودت الأولي للقدس:
-" لم تستطع لجنة الخمسة وهي التي عينها مجلس الأمن تبعاً لقرار التقسيم أن تمارس عملها في فلسطين أو أن تنفذ قرار التقسيم الذي تبنته الجمعية العمومية ولذلك قامت الأمم المتحدة بإلغاء اللجنة وعينت وسيطاً بدلاً عنها وهو الكونت فولك برنادوت".

ذهب الكونت برنادوت إلى القدس في 12 حزيران /يونيو 1948 وفي اليوم التالي لوصوله قام بترتيبات هو وكولونيل يدعي( لاشي) لتموين القدس اليهودية بالغذاء والماء فوصل الغذاء والماء إلى اليهود في القدس اليهودية ثم قام الكونت برنادوت بعد ذلك بتعيين مراقبين عسكريين تابعين للأمم المتحدة للإشراف على تنفيذ وقف إطلاق النار وفي السادس عشر من حزيران /يونيو 1948 وضعت مخططات تدل على موقع كل جيش في القدس"(1).

اليهود يهاجمون المدينة القديمة بالرغم من الهدنة:
-"حالما وصلت كميات السلاح إلى اليهود في القدس بدأ الإرهابيون يشنون هجماتهم على المدينة القديمة بالرغم من الهدنة وقد قامت قوات البالماخ بهجومها العنيف على باب النبي داوود يوم الثلاثين من حزيران /يونيو 1948 فاستخدمت مدافع الهاون ثلاث ساعات متتالية ولم يجب الجيش العربي حتى بدأوا تقدمهم، وكان صداماً عنيفاً انتهى بتراجع اليهود بعد أن تركوا ورائه 85 قتيلاً.

لم تتوقف هجمات اليهود لاحتلال الحي اليهودي في القدس القديمة خلال الهدنة الأولى ولكن لم ينتج عن هذه الهجمات أي تقدم أحرزوه.

وقام أمين عام جامعة الدول العربية بتقديم شكوى الي برنادوت عن انتهاكات اليهود وكانت هذه الشكوى تحتوى على تهديد من قبل الأمين بإلغاء "اتفاق وقف إطلاق النار" إذا لم تتوقف انتهاكات اليهود للهدنة، ولكن الجامعة لم تنفذ تهديدها بالرغم من كل الانتهاكات التي فعلها اليهود خلال الهدنة" (2).
(2،1)- عزت طنوس ، المرجع السابق .صفحه 477-481.

برنادوت في رودس:
- " ذهب برنادوت إلى جريرة رودس التي جعلها مقرا لقيادته، وطلب وفدا عربيا وآخر يهوديا للذهاب إليها وذهب الوفدان إلى الجزيرة ولكن لم تكن مهمة الوفد العربي التفاوض بل كخبراء ليجيبوا على ما يلقى عليهم من أسئلة على سبيل المعلومات ولم تأتي الاجتماعات بأية فائدة غير أن الكونت برنادت حصل على معلومات ساعدته على وضع توصياته إلى الأمم المتحدة في تقريره المؤرخ في 27 حزيران (يونيو) 1948.

- كانت توصياته هي عبارة عن مقترحات هدفها التسوية السلمية بين العرب واليهود وسميت هذه المقترحات بمشروع الكونت برنادوت لتقسيم فلسطين" (1)

- وابزر ما جاء في هذا المشروع ما يلي:
1- " أن ما يقوم اتحاد عربي يهودي بين الأجزاء المخصصة للعرب في فلسطين بعد ضمها إلى شرق الأردن" وبين الأجزاء المخصصة لليهود.
2- أن يكون كل منهما مستقلا في شؤونه الإدارية والداخلية وسياسته الخارجية.
3- أن يضم النقب إلى الجزء العربي" وقد كانت بموجب قرار التقسيم مخصصا لليهود".
4- أن تضم القدس إلى الجزء العربي "وقد كانت بموجب قرار التقسيم دوليه".
5- أن يكون لليهود في القدس بلدية مستقلة استقلالا ذاتيا.
6- أن يضم الجليل الغربي أو بعضه إلى القسم اليهودي (وقد كان بموجب قرار التقسيم من الجزء العربي).
7- أن تعتبر ميناء حيفا وأماكن تكرير البترول القريبة منها وكذلك مطار اللد مناطق حرة
8- الاعتراف بحقوق من غادر من عرب فلسطين في العودة إلى ديارهم دون قيد أو شرط مع استعادة ممتلكاتهم.

- رفض اليهود مقترحات برنادوت لأنها تنص على ضم النقب والقدس للعرب.
أما العرب فقد رفضوها لأنها تقوم أساسا على فكرة التقسيم، لقد أدركوا الجريمة الكبرى التي ارتكبوها بقبولهم الهدنة الأمر الذي دفعهم إلى استئناف القتال في 9 تموز "يوليو" 1948." (2)
1- عزت طنوس ، المرجع السابق .صفحه 483.
2- مصطفي الطحان، المرجع السابق. صفحه276-277.

استئناف القتال
- " تجدد القتال في التاسع من يونيو "حزيران" 1948 حيث رفض العرب تجديد الهدنة ولكن الوضع كان قد تغير فقد زال الخطر العربي الذي طالما أحدق بالقدس الجديدة وهدد جموعها بالموت وسحب الجنرال غلوب الجيش الأردني فجأة من المدينتين العربيتين اللد والرملة فمكن اليهود من احتلالهما وزاد الربكة العربية بخلق هجرة جماعية جديدة وكشف بذلك ميمنة الجيش المصري، واحتل اليهود مطار اللد العالمي الذي لا يبعد عن عاصمتها بأكثر من أربعة عشر ميلا واستولوا على 750 دونما من أخصب أراضي العرب، وكان الجيش العراقي يرابط في المثلث العربي "جنين- نابلس- طولكرم" ولم تمكنه ألقياده المنحرفة من أن يحتل "ناثانيا" على البحر المتوسط فيشطر خطوط اليهود إلى قسمين، وإذا تم استثناء معركة كوكب الهوى واستعادة جنين وقراها فان هذا الجيش الباسل لم يعط فرصة لإثبات وجوده بالمعني الصحيح بل قد سحب من مواقعه إلى نابلس، ولم يعبا برجاء السكان والمناضلين الفلسطينيين الذين كانوا يساعدونه وتركهم دون عون علما بان هذه المعارك التي خاضها جيش العراق في منطقة المثلث كانت كفاحا مشتركا مع شعب فلسطين، و لم يخضها منفردا فبينما كانت المدفعيه العراقيه تدك حصون اليهود في يوم الجمعة 9 يوليو(تموز) 1948 كان المشاة من الشعب الفلسطيني يكونون فصيلا من ثلاثمائة مقاتل يخوضون المعركة بإخلاص مع إخوانه العراقيين حيث استولوا على "فقوعة وتل الخروبة وغرانة" وحين طوق العراقيون قطاعات اليهود المعسكرة في "حلبة وصندلا" كان الفلسطينيون يكونوا جزءا مهما من هذا الطوق العسكري، وتم الاستيلاء على صندلة وجلية وواصل الفلسطينيون بمساعده العراقيين الزحف واستردوا غرانه وعربونه ودير غزالة ومقنيلة وفقوعة) وكما كان القتال مشتركا فقد كانت الخسائر أيضا مشتركة إذ فقد العراقيون ثلاثة عشرة شهيدا وفقد الفلسطينيون سبعة عشر وحين سحب الجيش العراقي فجأة وقف الفلسطينيون مشدوهين وراحوا ينظرون إلى إخوانهم المنسحبين وفي قلوبهم حسرات.

- ولم يحاول هذا الجيش أيضا معاونة جيش الإنقاذ الذي كان يقوده فوزي القاوقجي في منطقة الجليل حين هاجمه اليهود بقوات كبيرة، واستولوا على الناصرة في السادس عشر من يونيو 1948 وكانت الجبهتان المصرية والسورية متحفظين بمواقفهما ".(1)
1- صالح مسعود أبو يصير ،المرجع السابق. صفحة 422-424.

- هذا هو الحال الذي آلت إليه الأوضاع بعد الهدنة الأولى فهو بإيجاز:
" أن أوضاع اليهود تحسنت في كل القطاعات، السلاح، توفر بكل الأنواع والمتطوعون، المدربون يستقدمون بأسلحتهم عبر 75 مركزا للتدريب أقيم في أنحاء أوروبا ، طائراتهم بدأت تغير على العواصم العربية كالقاهرة ، دمشق وعمان وزاد على ذلك

• الأوامر التي صدرت للقوات العراقية للانسحاب من راس العين وبعض مناطق مرج ابن عامر.
• القوات الأردنية تنسحب من اللد والرملة بناء على أمر مفاجئ من غلوب باشا.
• قوات جيش الإنقاذ تنسحب من أنحاء الجليل الغربي.
• إن الأمور والتغيرات التي استجدت على واقع المعركة بين العرب واليهود بعد الهدنة توصف بالسلبية للجانب العربي لم تأتي من فراغ أبدا وإنما كان مرتب لها من قبل بعض مسئولي العرب مع قادة بريطانيا وأمريكا" (1).

• " ان أيام القتال بعد الهدنة الأولى التي لم تطل لان مجلس الأمن فرض هدنة جديدة وكان ذلك في الثامن عشر من يوليو (تموز) 1948 "(2) وسميت هذه الهدنة "بالهدنة الثانية" (3).
1-مصطفي الطحان، المرجع السابق. صفحه 277-278.
2-صالح مسعود أبو يصير ،المرجع السابق. صفحة 424.
3-عزت طنوس ، المرجع السابق .صفحه 495.

" وقد تضمنت هذه الهدنة التي كانت مستمدة من ميثاق الأمم المتحدة" باختصار.
1- يقرر مجلس الأمن أن الوضع في فلسطين يكون تهديدا للسلام تبعا للمادة 39 من الميثاق .
2- يأمر مجلس الأمن تطبيقا للمادة 40 من الميثاق الفريقين بالكف عن العمليات العسكرية وإصدار الأوامر إلى قواتهما بوقف إطلاق النار في مدة لا تتجاوز الأيام الثلاثة من تاريخ هذا القرار كان إصدار هذا القرار في "15 تموز" "يوليو".
3- يعلن مجلس الأمن أن عدم الإذعان سوف يعالج حالا بموجب الفصل السابع من الميثاق .
4- يطلب المجلس من الفريقين التعاون مع الوسيط.
5- يجب إيقاف إطلاق النار حالا في القدس ونزع سلاحها وتامين حماية الأماكن المقدسة وحرية المرور إليها.
6- يشرف الوسيط على المحافظة على الهدنة على أن يطلع المجلس دائما على سير الهدنة وان يتدخل عند اللزوم.
7- يقرر أن تبقى الهدنة نافذة حتى الوصول إلى التسوية السلمية لمستقبل الوضع في فلسطين.
8- يطلب مجلس الأمن إلى الأمين العام أن يقدم للوسيط ما يلزم من الموظفين والأموال."(1)

- " لم يكن هناك أمام العرب من سبيل إلا قبول الهدنة فقد أدركوا عمق المأساة في قيادة غلوب الإنجليزي وعمقت لديهم ألام تسليم اللد والرملة بسحب الجيش الأردني منهما أما اليهود فقد كانوا يستفيدون من كل هدنة يعدون ويستعدون وتوالي الدول الصليبية إمدادهم بالعتاد والسلاح وكثيرا ما ضربوا بالهدنة عرض الحائط وزحفوا فاحتلوا قرى ومساحات بينما مجلس الأمن الدولي لا يحرك ساكنا ولا يسمع لشكوى العرب ولا يشغل بها (2)" .
1-عزت طنوس ، المرجع السابق .صفحه495-496.
2-صالح مسعود أبو يصير ،المرجع السابق. صفحة424.

- الأراضي العربية التي فقدت في حرب الأيام التسعة1)
• " لم يفقد الجيش المصري أية ارض خلال حرب الأيام التسعة.
• كما أن الجيش العراقي لم يخسر ولم يربح أية ارض في تلك الحرب.
• أما السوريون فقد ربحوا أرضا باحتلالهم مستعمرة هايردن التي بقيت في أيديهم حتى العشرين من تموز "يوليو" 1949 حتى وقع اتفاق الهدنة العامة بين سوريا والسلطات اليهودية.
• أما جيش الإنقاذ وقائده العام فوزي القاوقجي وقائد الجليل أديب الشيشكلي فقد خسر كل الجليل بما فيه الناصرة والرينة وعيلوط وترشيحا وكفر كنا وحطين ومسكينة..................الخ.
• فقد الجيش العربي اللد والرملة وباب الواد وكل القرى على طريق يافا القدس ومن بينها: سيرس وبيت محسير وعين كارم وعرطوف وصوبا والمالحة ونصف بيت صفافا..الخ" .(1)

• محاولة اليهود احتلال القدس القديمة خلال الهدنة الثانية:

- " كان يحز في نفوس اليهود تحرير القدس القديمة من سلطانهم حين تعاون قسم من الجيش الأردني مع شعب فلسطين فأتم تحريرها واسر قوات آلها جانا اليهودية فيها ولهذا سرعان ما جمعوا قواتهم بقيادة موشى ديان وهاجموا في 18 من يونيو حزيران مناطق القدس ، لم يستطيعوا مفاجأة المدافعين العرب ، ولم يحققوا أي نصر وخسروا ثلاثمائة وعشرة من القتلى وما يزيد على ثلاثمائة جريح ثم عاد الهجوم بعد اقل من شهر مستهدفين القدس القديمة ولكنهم لم يستطيعوا التقدم ولا النجاح" .(2)

• " ولقد توالت هجمات اليهود على القدس القديمة خلال الهدنة الثانية مرات عديدة ولكن ردت هذه الهجمات بسرعة من قبل المدافعين عنها. ولم ينجح اليهود في احتلالها".(3)
1-عزت طنوس ، المرجع السابق .صفحه 498.
2-صالح مسعود أبو يصير ،المرجع السابق. صفحه 424.
3-عزت طنوس ، المرجع السابق .صفحه505.

•الزيارة الثانية لبرنادوت للقدس في 22 آب "أغسطس" 1948:
- "جاء الكونت برنادوت إلى القدس كي يرى كيف يحافظ الطرفان على قرار الهدنة فعقد اجتماعا مع غلوب باشا وضباط الجيش العربي الكبار وأعلمهم انه جد منزعج من انتهاكات اليهود للقانون ومن عدم احترامهم لقرارات مجلس الأمن"(1).

- وبعد زيارة الكونت برنادوت هذه للقدس وإطلاعه على ما استجد من أوضاع على ارض الواقع أراد أن يقدم مقترحات جديدة بشان الحرب بين العرب واليهود وذلك لإيجاد حل سلمي ينهي الحرب فكانت مقترحاته على الوجه التالي :
- الاقتراحات باختصار2)
1- " العودة إلى السلم: يجب أن يعود السلام إلى فلسطين فإذا لم يكن ذلك باتفاق متبادل فعن طريق الأمم المتحدة.

2- مشروع تقسيم آخر: مشروع برنادوت.
تقام الحدود بين الدولتين باتفاق متبادل فان لم يمكن وضعته لجنة حدود تقنية من الأمم المتحدة مسؤولة أمامها على أن تجري التعديلات الآتية:
أ‌. يصنف النقب بأنه ارض عربية.
ب‌. يصنف الجليل بأنه منطقة يهودية.
ج. ميناء حيفا بما فيه من مصفاة النفط ومحطاته يجب أن يعلن ميناء حرا مع ضمان حرية الوصول إليه للبلدان العربية المعنية، وعدم وجود العقبات في وجه التجارة النفطية.
د. يعلن مطار اللد مطارا حرا للبلدان العربية المعنية.
هـ. تبقى مدينة القدس على ما حدده قرار الجمعية العمومية في 29 تشرين الثاني "نوفمبر" 1947 وتعامل معاملة خاصة فتوضع تحت إشراف الأمم المتحدة الفعلي مع أعلى حد ممكن من الاستقلال للطائفتين العربية واليهودية وضمان حماية الأماكن المقدسة وضمان حرية الوصول إليها والحرية الدينية.

3- حقوق اللاجئين: قدم الكونت برنادوت بيانات عديدة هامة تتعلق بالعدد المخيف " الذين هجروا من ديارهم" ودعا إلى عودتهم.
4- حقوق العرب : يجب أن تصان حقوق العرب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية في الدولة اليهودية والعكس بالعكس.
• لجنة التوفيق: تقام لجنة توفيق فلسطينية لفترة محددة من اجل تحقيق ما يلي:
أ‌. ضمان استمرار التسوية السلمية للوضع في فلسطين.
ب‌. رعاية قيام علاقات طيبة بين العرب واليهود.
ج. الإشراف على الحدود والطرق والخطوط الحديدية ومرفأ حيفا الحر ومطار اللد الحر وحقوق الأقليات......الخ.
د. أن تقدم التقارير للأمم المتحدة عن تقدمها في مهمتها "(2).

اليهود يغتالون برنادوت:
"اخذ برنادوت يعمل في سبيل الحل الذي اقترحه إلا أن عصابة شتيرن الصهيونية اغتالته في 17 أيلول "سبتمبر" في القدس لأنها رأت في مشروعه تهديدا للمخططات الصهيونية وخرق الصهيونيين الهدنة ونشطوا في عمليات عسكرية كانت بعيدة الأثر"(3) .
1-عزت طنوس ، المرجع السابق .صفحه 503.
2-عزت طنوس ، المرجع السابق .صفحه 507-509.
3- فلسطين تاريخها و قضيتها، المرجع السابق. صفحه122.

الخروفات الصهيونية(العمليات الصهيونية) خلال فترة الهدنة الثانية:
1. "علي الجبهة المصرية قامت إسرائيل ما بين (15-22 تشرين الأول / أكتوبر، بهجوم عام على الجبهة المصرية وبذلك استولت على أكثر النقب وانتهي الهجوم بقبول الجانبين لوقف إطلاق النار من جديد.

2. نقلت إسرائيل قوتها الضاربة إلى الشمال فجددت بين 28 و 31 من تشرين الأول/ أكتوبر هجوماً على جيش الإنقاذ الذي كان قد دخل البلاد من لبنان مجدداً بعد انسحابه من وسط فلسطين في أثر دخول الجيوش العربية في 15 أيار (مايو) فاحتلت الجليل بأكمله واستولت على بعض القرى داخل الحدود اللبنانية.

3. ثم أعادت إسرائيل قواتها الضاربة إلى الجنوب فشنت هجوماً عاماً على القوات المصرية.

4. في 30 تشرين الثاني (نوفمبر) 1948 استفردت إسرائيل بقوات الجيش العربي الأردني في جنوب النقب ومعابر العقبة (من جهة فلسطين) فاضطر شرق الأردن إلى سحب قواته من المنطقة وجرت المفاوضات مع شرق الأردن لهدنة كان من نتيجتها أن انسحبت القوات العراقية (من دون تفاوض مع إسرائيل) من منطقة المثلث الواقعة ما بين نابلس وجنين وطولكرم دخلتها القوات الأردنية في مقابل التخلي لإسرائيل عن منطقة المثلث الصغيرة ومساحتها 450كم2 وتقع هذه المنطقة في الزاوية الشمالية الغربية للضفة الغربية وكانت تضم نحو 24 قرية عربية من بينها أم الفحم وعارة وعرعرة ومصمص يقيم فيها نحو 60 ألف نسمة وهي من أجود الأراضي الزراعية وأخصبها كما حدثت تعديلات أخرى في جنوبي منطقة الجليل شملت التخلي للقوات الإسرائيلية عن نحو 150 كم2 من الأراضي هناك"(1).
1- فلسطين تاريخها و قضيتها، المرجع السابق. صفحه 122-124.

- قرارات الأمم المتحدة بعد خرق اليهود للهدنة1)
- " رفع العرب الشكوى إلى مجلس الأمن فأصدر قراراً يقضى بانسحاب الطرفين إلى المراكز التي كانت تحتلها قواتها قبل 14 تشرين (الأول) أكتوبر وهو تاريخ بدء الهجوم الشامل على الجبهة المصرية وكلف الوسيط الدولي بالوكالة رالف بانش الأميركي بالإشراق على تنفيذ القرار وتعيين خطوط الهدنة المؤقتة.

- لكن الصهيونيين لم يذعنوا لقرار مجلس الأمن وتابعوا خرق الهدنة فأصدر المجلس مجدداً قراره في 16 تشرين الثاني (نوفمبر) 1948 بدعوة جميع الأطراف على عقد اتفاقية هدنة دائمة.

- ثم صدر عن الجمعية العامة بتاريخ 11 كانون الأول (ديسمبر) 1948 قرار تناول ثلاثة أمور رئيسية.
1. الأمر الأول: تأليف لجنة توفيق من ثلاثة أعضاء يختارهم الأعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الأمن تقوم بالأعمال التي أوكلت من قبل إلى وسيط الأمم المتحدة لفلسطين وإلى لجنة الأمم المتحدة للهدنة.

2. الأمر الثاني: يتناول حماية الأماكن المقدسة وإقامة نظام دولي لمنطقة القدس ونصت المادة السابعة من القرار على ما يلي:
- تقرر (الجمعية العامة) وجوب حماية الأماكن المقدسة بما فيها الناصرة والمواقع والأبنية الدينية في فلسطين وتأمين حرية الوصول إليها وفقاً للحقوق القائمة والممارسات التاريخية ووجوب إخضاع الترتيبات المعمولة لهذه الغاية لإشراف الأمم المتحدة الفعلي.

و"تقرر (الجمعية العامة) أنه نظراً لارتباط منطقة القدس مع ديانات عالمية ثلاث فإن هذه المنطقة بما في ذلك بلدية القدس الحالية يضاف إليها القرى والمدن المجاورة يجب أن توضع تحت مراقبة الأمم المتحدة الفعلية.

-وتدعو مجلس الأمن إلى اتخاذ تدابير جديدة لضمان نزع سلاح مدينة القدس في أقرب وقت ممكن وتصدر تعليماتها إلى لجنة التوفيق لتقدم اقتراحات مفعلة بشأن نظام دولي دائم لمنطقة القدس يؤمن لكل من الفئتين المتميزتين الحد الأقصى عن الحكم الذاتي المحلي المتوافق مع النظام الدولي الخاص لمنطقة القدس.

3. الأمر الثالث: في القرار يتناول موضوع اللاجئين العرب من المدن والقرى الفلسطينية المحتلة، إذ نصت المادة 11 من قرار الجمعية العامة على وجوب السماح بالعودة في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى بيوتهم والعيش بسلام ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة إلى بيوتهم وعن كل مفقود أو مصاب بضرر عندما يكون من الواجب وفقاً لمبادئ القانون الدولي والإنصاف أن يعوض عن ذلك الفقدان أو الضرر من قبل الحكومات والسلطات المسئولة.

وتصدر تعليماتها إلى لجنة التوفيق بتسهيل إعادة اللاجئين إلى وطنهم وتوطينهم من جديد وإعادة تأهيلهم الاقتصادي والاجتماعي وكذلك دفع التعويضات ."(1)
1- فلسطين تاريخها و قضيتها، المرجع السابق. صفحه 124-125.

*وبهذه الهدنة الدائمة" تكون حرب 1948 انتهت نظريا و لقد تم توقيع أربع اتفاقيات هدنه بين إسرائيل ومصر في24|2|1948 ومع لبنان في 23\3" (1) " ومع الأردن في 4|4 " (2) "ومع سوريا في 20|7 ولكن هذه الاتفاقيات لم تعين حدودا سياسية بل نصت علي خطوط الهدنة فقط مع الاشتراط بأنها خطوط لن تمس الحق في التسوية النهائية للقضية الفلسطينيه"(3).

- " ولقد جرت مفاوضات هذه الهدنة في جزيرة رودس بإشراف الوسيط الدولي بالوكالة المستر بانش وفيما يلي بيان اتفاقيات هذه الهدنة بين كل من مصر ولبنان والأردن وسورية من جهة وإسرائيل من جهة أخري"(4).

مفاوضات الهدنة في جزيرة رودس5)
1. اتفاقية الهدنة بين مصر وإسرائيل بإشراف الوسيط الدولي بالوكالة المستربانش:
"قامت كل من مصر وإسرائيل في 24 شباط (فبراير) 1949 بتوقيع اتفاقية الهدنة وفيها أنه على كل من الفريقين بمقتضى قرارات مجلس الأمن بعدم القيام بأي عدوان ضد الآخر ويوافقانً على إقامة خطوط للهدنة يتعهد الطرفان بعدم السماح لقواتها باجتيازها.

- وتنص الاتفاقية كذلك على انسحاب الحامية المصرية في الفالوجة وهي الحامية التي صمدت أمام الهجمات اليهودية المتتالية مع عتادها إلى ما وراء الحدود المصرية.

- وتنص الاتفاقية أيضاً على أن أحكامها مستوحاة من الاعتبارات العسكرية فقط فلا يجوز لأي فريق أن يستغلها لأغراض عسكرية أو سياسية ولا أن يلجأ إلى القوة مرة أخرى من أجل تقرير مصير فلسطين وأن الخط الفاصل المحدد بموجب هذه الهدنة يجب ألا يعتبر حدوداً سياسية أو إقليمية وهو لا يمس الحقوق والمطالب التي تنج عن تسوية القضية الفلسطينية تسوية نهائية.

- وتقضى الاتفاقية بأن يحتفظ المصريون بالسيطرة على الممر الساحلي الممتد من قرية رفح على الحدود المصرية الفلسطينية إلى نقطة تبعد ثمانية أميال إلى الشمال من غزة(قطاع غزة) وإقامة منطقة منزوعة السلاح في عوجة الحفير ومما حمل اليهود على قبول هذه الحدود تصدي القوى المصرية لإسرائيل في معركة انتصرت فيها الأولى في دير البلح في (أيلول سبتمبر 1948).

2. أما بالنسبة لاتفاقية الهدنة بين لبنان وإسرائيل .
أنجز الجانب اللبناني والإسرائيلي الاتفاق على نصوص الهدنة في الناقورة في 23 آذار (مارس) 1949 وقد جعلت الحدود الدولية بين لبنان وفلسطين خط الهدنة الفاصل.

3. أما بالنسبة لإتفافية الهدنة بين الأردن وإسرائيل.
وقفت اتفاقية الهدنة بين الأردن وإسرائيل في 4 نيسان (أبريل) 1949 والتي كرست الوضع العسكري بحسب تعديلات الحدود المتفق عليها بين الجانبين في الطرفين الشمالي والجنوبي من الضفة الغربية وبينما كانت محادثات الهدنة دائرة بين الأردن وإسرائيل في رودس تابعت القوات الإسرائيلية عملياتها العسكرية التوسعية جنوب النقب واحتلت قرية (أم الرشرش) العربية على الساحل الفلسطيني من خليج العقبة لتقيم في مكانها مدينة إيلات وميناءها وترجع أهمية هذا الميناء من كونه بوابة إسرائيل البحرية على قارتي آسيا وأفريقيا.

4. بالنسبة لاتفاقية الهدنة بين سورية وإسرائيل:
- لقد تأخرت اتفاقية الهدنة بين سورية وإسرائيل عن سائر الاتفاقيات لأن القوات السورية كانت قد احتلت مستعمرة مشمار هايردن وهي واقعه في أرض فلسطين المخصصة لليهود بموجب قرار التقسيم وأصرت السلطات الإسرائيلية على انسحاب القوات السورية منها لتكون الحدود الدولية بين فلسطين وسورية هي حدود الهدنة وتمسك السوريون بها وأخيراً جعل خط الهدنة منتصف خط القتال وأخلى السوريون مشمار هايردن كما أخلى اليهود بعض المواقع وجعلت بينهما منطقة عزلاء تحت إشراف المراقبة الدولية لا تدخلها قوى عسكرية سورية أو يهودية ووقعت الاتفاقية في 20 حزيران (يونيو) 1949 وسرت على جميع اتفاقيات الهدنة هذه الأحكام المستوحاة من الاعتبارات الوارد ذكرها أعلاه بالنسبة إلى اتفاقية الهدنة الإسرائيلية المصرية"(5).
(3،1) -هنري كتن، قضية فلسطين.ترجمة :رشدي الأشهب،الطبعة الأولي 1999،صفحه 64.
(5،4،2)- فلسطين تاريخها و قضيتها، المرجع السابق. صفحه 125-126.

النتائج التي تمخضت عن حرب 1948.
1. النتائج المحلية1)
"الفلسطينيون انقسموا ثلاثة أقسام بعد أن كانوا جسماً متراصاً على أرض فلسطين انقسموا فأصبح جزء في المناطق المحتلة (داخل الخط الأخضر) وقسم في الضفة الغربية وقطاع غزة، ورغم اختلاف السلطتين فيهما إلا أن هؤلاء ظلوا داخل أرض فلسطين وقسم ثالث نزح إلى الدول العربية المجاورة وبعض دول العالم الأخرى.

2. أصبح لليهود جسم سياسي رسمي (دولة إسرائيل) تعترف به الأمم المتحدة وعلى الأخص أمريكا والاتحاد السوفيتي، وأصبح هذا الجسم السياسي يتصرف بمطلق الحرية في قضية الهجرة بعد أن احتل أراضي أوسع من أراضي الدولة اليهود المقترحة في قرار التقسيم 181 "حيث استولى اليهود على 77.40% من مساحة فلسطين بينما كان خصص لها مشروع التقسيم نحو 55% من تلك المساحة"(*)ولقد اهتم هذا الجسم بالبناء والتعمير والتسلح.
3. احتلال الأراضي من ناحية ونزوح أكثر من نصف مليون فلسطيني خلق واقعاً جديداً تمثل في المطالبة باستعادة الأراضي ومشاريع إسكان اللاجئين أو مشروع عودة اللاجئ الفلسطيني"(1).
1- زكريا إبراهيم، المرجع السابق. صفحه 49.
*- فلسطين تاريخها و قضيتها، المرجع السابق. صفحه 126.

- " في ضوء هذه النتائج قد يتساءل متسائل هل كانت الحرب ضرورية؟ والجواب كانت الحرب أمراً لا بد منه وذلك لعدة أسباب1)

أ‌. كان لا بد من إعلان الرفض العربي لقرار التقسيم أمام العالم أجمع وللتاريخ لأن ما من شعب يتخلى طوعاً عن بلاده للمستعمر الغازي وكان على العرب أن يقاوموا بكل وسيلة ممكنة ذلك القرار الجائر وقضية عادلة وجليلة مثل قضية فلسطين ومصير الأراضي المقدسة يتوجب فيها القتال بل يحلو الاستشهاد.

ب‌. كان الرأي العام العربي يطالب بالتدخل لنجدة أهل فلسطين وإنقاذ البلد العربي المقدس وكانت الشعوب العربية لا تقبل لحكوماتها ولا لجامعة الدول العربية عذراً إن هي وقفت مكتوفة الأيدي أمام المؤامرة الصهيونية الدولية للاستيلاء على جزء غال من الوطن العربي وتوجيه تلك الضربة المميتة إلى الشعب العربي في فلسطين.

ج. أن تدخل الجيوش العربية النظامية حينذاك أنقذ القدس القديمة والأحياء المحيطة بها والضفة الغربية وقطاع غزة من الاحتلال فقد كان الصهيونيين يطمعون منذ البدء بالسيطرة على فلسطين كلها وكانوا لا يترددون في ذلك لو وجدوا أمامهم سنة 1948 فراغاً عسكرياً فيما تبقي من فلسطين

وقد كتب يفئال ألون فيما بعد يقول:
-"لولا دخول الجيوش العربية النظامية لما كان هناك من إيقاف لتوسع قوات الهاغاناة التي كانت تستطيع خلال اندفاعها الوصول إلى الحدود الطبيعية لإسرائيل لأن معظم قوات العدو المحلية في أثناء هذه المرحلة كانت مشلولة (أي القوات الفلسطينية وقوات جيش الإنقاذ)"

- أما من جهة اليهود فقد أرادوا الحرب وأعدوا لها وذلك لأسباب عدة:
أ‌. كانوا يعلمون أن العرب لن يتخلوا عن بلادهم طوعاً.

ب‌. كان القتال يتيح لهم أن يستولوا على الأرض بعد تفريغها من سكانها العرب لكي تخلو فلسطين لليهود المهاجرين من أقطار العالم.

ت‌. كانت الحرب ضرورية بالنسبة إليهم وقد أتقنوا فنونها وأساليبها وذلك كي يتجاوزوا المساحة التي خصصها لهم قرار التقسيم ويستولوا على المزيد من أرض فلسطين إشباعا لأطماعهم البعيدة في التوسع.

ث‌. كان قرار التقسيم وهو قرار غير ملزم للعرب لأنه مجرد توصيه الذريعة لالتجاء إسرائيل إلى القوة تحت ستار تنفيذ "المشيئة الدولية".

ج‌. كان قرار التقسيم والحرب تبعته الفرصة التي انتظرتها الصهيونية طويلاً لتأسيس الدولة العبرية التي لم يكن في الإمكان تأسيسها إلا بالقوة ".(1)
1- فلسطين تاريخها و قضيتها، المرجع السابق. صفحه127.

2. نتائج حرب 1948 الدولية:
1." غدت المنطقة العربية من أهم مناطق التنازع بين روسيا وأمريكا لمكانتها الاستراتيجية.

2. زادت المتغيرات الداخلية في الدول العربية حيث كثرت الثورات وظهرت حركات التحرر في العالم العربي رغم بقاء التبعية بعد ذلك في أمور عدة.

3. خروج قضية فلسطين من يد بريطانيا جعل بإمكان أي دولة أو منظمة عالمية أو حتى شخصية سياسية في العالم طرح مشروع لحل قضية فلسطين.

4, أصبحت في هذه المرحلة أمريكا والاتحاد السوفيتي الدولتين العظيمتين في العالم بدلاً من بريطانيا وفرنسا"(1)

6- " إن حرب 1948 لم تنجز حلولا أساسيه في النزاع العربي الإسرائيلي.

7- فقدت الدول العظمي الرؤية الصادقة لتأييد العالم العربي من خلال دوامات التعتيم التي تفتعلها الدعاية الصهيونية فسلبت الحقوق الوطنية و القانونية لشعب فلسطين"(2).
1-زكريا إبراهيم، المرجع السابق. صفحه 49-50.
2- هنري كتن ، المرجع السابق. صفحه 77،76،65.