بقلم نصر القفاص ٣١/ ٣/ ٢٠١١
لا هى نظرية مؤامرة.. ولا محاولة صنع فلسفة على تخوم تلك النظرية.. لكنها أسئلة تجعلنا نؤمن بأن ما يحدث حقائق.. أولاها هذا الذى يتعلق باستمرار الفراغ التنفيذى فى العاصمة الثانية – الإسكندرية – فقد اختفى محافظها اللواء «عادل لبيب» مع اختفاء الأمن.. وأنتجت سياساته حرق مبنى المحافظة مع الاستراحة الخاصة بالمحافظ.. إضافة إلى أقسام الشرطة التى احترقت.. ولم نسمع عن صاحب قرار يتجه إلى شغل هذا الفراغ، ولو مؤقتا.. كانت هناك وزارة.. وجاءت بعدها وزارة..
لكن كلتيهما لم تفكر فى أمر العاصمة الثانية.. الحال نفسها تنطبق على محافظة القليوبية.. بينما العاصمة – القاهرة – تبدو وكأنها بلا محافظ.. فهذا الدكتور «عبدالعظيم وزير» يمارس عمله على نهج وطريقة ما قبل ٢٥ يناير.. اللهم إلا أن صوره وأخباره المفبركة اختفت من الصحف، كما اختفى هو نفسه.. فالرجل ترك العاصمة لرب يحميها!!
وإن سألتنى عن محافظ «المنيا»، ستجد أن صوته اختفى تماما.. كما اختفى صوت محافظ «بورسعيد» وكذلك ضاع صوت محافظ «كفر الشيخ».. وتحشرج صوت محافظ «الغربية»، فبدا الوطن كأنه بلا محافظين!!
يحدث ذلك فى خلفية المشهد.. أما صدارته، فقد سيطرت عليها كارثة ما يسمى «الإعلام الرسمى».. فقد أخذ صاحب القرار يفكر ويفكر.. ثم راح يفكر ويفكر.. يبشرنا بين آن وآخر بالتغييرات الصحفية التى رتب الدكتور «يحيى الجمل» الذى أراه مرادفا لموقعة الجمل!!
ثم نصل إلى ثالثة الأثافى المتمثلة فى ترسانة الإعلام المرئى، وتم اختصارها فى شخص اسمه «عبداللطيف المناوى».. زعموا أنه صاحب دور وطنى عظيم.. لم يقدموا لنا ما يجعلهم يفخرون به، كما أنه لم يقو على إعلان ما يزكيه كصاحب لهذا الدور.. فما نفهمه عن أصحاب المواقف الوطنية، أنهم يفخرون ويفاخرون بها.. وإن أمسكوا عن ذلك تواضعا،
فلابد أن من يزكونهم يقدمون مواقفهم بكل شموخ للأمة.. لكن وطنيته ومواقفه بقيت سرا، يخشى الجميع إعلانه.. بالقدر ذاته يخشى «الراجل الشامخ بسلامته»، وكان فى سالف الزمان يشغل حزمة من المناصب السيادية.. فهو معروف بالاسم – صفوت الشريف – لكننا لا نعرف مكانه أو طبيعة موقعه وموقفه منذ يوم ١١ فبراير ٢٠١١.. فكما اختفى «سعيد الصحاف» من العراق مع اختفاء «صدام حسين».. اختفى كذلك «الراجل الشامخ بسلامته» من المشهد السياسى والإعلامى.. باستثناء رسائل تؤكد انحرافه، ولا تنفى استمتاعه بممارسة «عادة الشموخ السرية»!!
تحرض فلول الحزب الوطنى «المقبور» فئات الشعب على مظاهرات اشتعلت فجأة.. ثم اختفت فجأة.. وبقى زعيم الأغلبية فى مجلس الشورى.. وبالمناسبة فقد اشترى «روبابيكيا» الحزب الذى كان يعلن أنه لم يتصل بالرئيس السابق.. ولم يتلق اتصالا منه.. متناسيا أن ذلك يدينه وليس عنوان براءة أو مصدر فخر له..
فإذا كان زعيم الأغلبية للغرفة الثانية فى البرلمان – احتل الموقع لحوالى ١٥ عاما – لم يفكر فيه الرئيس.. كما لم يفكر هو فى الاتصال بالرئيس ـ معلوم للجميع أن الرئيس مقصود به رئيس الدولة السابق وقد كان رئيسا لحزب الأغلبية ـ فهذا معناه أنه كان زعيما للأغلبية، عينته القوى العاملة بموجب خطاب بلا قيمة من موظف سياسى!!
ثم يذهب الرجل إلى الزعم بأن «روبابيكيا» حزبه تخلصت من الفاسدين.. ونسى أنه كان يزاحم الجميع لاحتلال مقعد فى الصف الأول من مقاعد مجلس الشورى ليستثمر ظهوره – اقتصاديا – على شاشة التليفزيون لبضع ثوان.. وإن أطلقت الخط على استقامته سأجدنى مضطرا إلى البحث عن «سلوسوف» الحزب المقبور وكان اسمه الدكتور «على الدين هلال»..
لا أدرى إن كان قد أقدم على تغيير الاسم، إمعانا فى تجويد الاختفاء.. أم أنه راهن على ضعف ذاكرة الأمة.. ومن أسف شديد أن يظهر رئيس مجلس الشعب المنحل – أو المحلول – ليقول إنه لا علاقة له بالحزب الوطنى.. وإنه بقى على المنصة ليس لكونه واحدا من أباطرة زمن الفساد.
بل لأنه أستاذ دولى بحكم مناصبه ودرجته العلمية.. فهو يراهن على قدراته فى طمس هوية التعليم المصرى.. ويراهن على أنه شارك فى محاولات مسخ الشخصية المصرية، بقدر ما حاول تسطيح وعيها بالهجوم عليها من خلف المنصة ومن خلف الأضواء، عبر الهاتف الذى يحاول مخاطبة الأمة به.. وقد قدم فى حواره الأخير كل ما يدينه.
يظهر علينا من يصرخون فى وجوهنا ليقولوا إن الثورة تعطل عجلة الاقتصاد.. قد أتفق معهم شكلا.. لكننى فى المضمون أسألهم: أين كنتم حينما كان يتم تقسيم مصر بالفدادين وآلاف – بل بملايين – الأمتار على عصابة الفساد.. هل لم يعرقل ذلك عجلة الاقتصاد المصرى؟..
أسألهم: أين كنتم خلال سنوات طوال شهدت تجريف الأراضى المصرية والبناء عليها.. وأين كنتم حين كانت تباع الأراضى التى تتجاوز قيمتها عشرات ومئات الآلاف ببضعة جنيهات؟!..
وأسألهم: أين كنتم خلال سنوات «الخصخصة» التى تم فيها بيع مصر بكل قيمتها وثرواتها ببضعة جنيهات وقيمتها كانت بالمليارات؟.. أين كنتم حين تركتم أمر الوطن لمغامر صغير اسمه «أحمد عز» يتحكم فى مقاديره.. وقد كنتم تتراجعون أمامه – بل تتضاءلون – ثم نسمعكم تزعمون أنكم كنتم ترفضون ما يفعله.
الشباب الثائر قد يكون منفعلا.. لكنه سيبقى على حالة الغليان.. فأولئك ليسوا خبراء بتلك الألاعيب.. لا يملكون غير النقاء وحب الوطن والإرادة، مع تصميم على صنع مستقبل أفضل.. لذلك تلعثموا أمام مهاراتكم فى لعب «الثلاث ورقات»..
لكننى أملك القدرة والشجاعة على أن أصارحكم بأنكم تراهنون على قدرات ومهارات غير صالحة للاستخدام العصرى والإنسانى.. فإن كنتم أصحاب خبرات، فلكم أن تعلموا أنكم فى مواجهة أصحاب إرادة وقدرات أذهلت الدنيا.. فقد سقط نظام، صمت أمامه الوطن عشرات السنوات، فى مواجهة ميدان التحرير فقط..
أرجوكم فكروا كثيرا قبل أن تنتج الثورة عشرات الميادين للتحرير.. لحظتها لن تكون هناك جماعة سلفية أو إخوان أو أحزاب قديمة.. لن يكون هناك أعداء للثورة أو محاكمات عادلة.. لن تكون هناك تلك الحالة الرائعة ولا ذاك النموذج الإنسانى النبيل.. فالعالم يتابع ويقدر ما فعله شباب مصر..
وفى الوقت نفسه يتابع أداءكم الذى يبدد ثروة جديدة، لا تقل عما حدث من تبديد لثروات الأمة فى زمن «الراجل الشامخ بسلامته»، وهو عاكف الآن على صياغة قانون العداء للثورة مع الثائر «أحمد فتحى سرور» وبمباركة صاحب قولة «الفساد فى المحليات بقى للركب»!!
رد مع اقتباس
المفضلات