احباب الاردن التعليمي

النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: حقوق الجنين بين الشريعة والطب

  1. #1
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Tue Mar 2008
    المشاركات
    12
    معدل تقييم المستوى
    0

    Arrow حقوق الجنين بين الشريعة والطب

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ........لتعم الفائدة نقلت لكم هذا الموضوع الذي اعجبني أرجو أن يعجبكم يستسهل البعض التعامل مع الجنين إلى الدرجة الذي يدعوه أو يدعوها إلى إسقاطه بطرق بدائية أو طبية، وعدم التعاطي مع المسألة من جانبها الإنساني، بل وتجاهل حق الجنين في الحياة بخاصة إذا ولجت فيه الروح، وأنه كأي إنسان يمشي على قدمين له حق التمتع بالحياة وثمارها في الآخرة، وليس قطعة لحم قابعة في نقطة مظلمة تحيطها أغشية ثلاثة.
    ومثل هذا التساهل هو الذي يجعلنا نرى جنينا لم يبلغ سن الولادة مرميا في سلة المهملات، أو ملفوفا في خرقة بالية، أو مولودا خنقته أمه أو مولدته ورمته على جادة الطريق، وفي أحسن الأحوال تركته يعالج الحياة لوحده، فان سبقته يد الرحمة حفظ حياته، وإلا مات لبرد أو حر أو جوع، وإذا فلت الجنين من عسر الحياة وشرورها، فلا تفلت الأم من الجزاء والعقوبة وإن أمنت على نفسها ذل الفضيحة، لأن المجني عليه إنسان وإن كان جنينا.
    وإذا كانت مثل هذه الحوادث تحصل لدى أسر تحاول أن تداري فضيحة قادمة، أو أم مريضة عجز الطب عن رفع دائها إلا بإسقاط جنينها، أو تشوهات جنينية غير قابلة للعلاج موضعيا ينصح الطب بإسقاط الجنين، وغير ذلك من عمليات الإسقاط، وربما تعد الكثير منها مقبولة في نظر الطب والشرع، وحتى العرف في بعض البلدان، فما بال أولئك الذين يسقطون الجنين لعدم رغبة الأب في الإنجاب خشية إملاق، أو رغبة في الاستمتاع بملذات الحياة وزهوها كونه حديث عهد في الزواج حتى وإن مضى به شهر العسل إلى سنوات طوال، أو أن مشاغل العمل تمنع الأب أو الأم من الإنجاب حتى إذا ما حل الضيف في بطن أمه سارع أو سارعا إلى إسقاطه طمعا في دينار زائد لا يغني ولا يسمن من جوع في قبال ضحكة طفل أو بكاء، فحتى البكاء له موسيقاه في أذن الأم وإن كان في مسمع الأب طنينا ورنينا بخاصة في ليلة ليلاء سادت فيها خفافيش السهر وعزّت فيها طيور الكرى.

    شريعة الجنين
    يا ترى هل ينتهي أمر الجنين بإسقاطه أو رميه بعيدا أو دفنه في حفرة في أحسن الأحوال؟
    بالطبع فان الأمر من وجهة نظر إٍسلامية لا يتوقف عند هذا الحد، فالجنين وإن كان لحمة حمراء كما تقول أمهاتنا، لكن إسقاطه لا يعني نهاية المطاف لأن الإسقاط موت والموت تحول لا فناء، وانتقالة لا انعدام، ولذلك فان للجنين حقوقا كما للإنسان السوي من حقوق، بل إن حقوقه تبدأ من ساعة تفكير الأب بالزواج، فإن أحسن اختيار الزوجة أحسن لجنينه الرحم الدافئ الذي ينشأ فيه ويطل منه على حياة اختلط يسرها بعسرها وعسلها ببصلها.
    هذه الحقوق وما يترتب عليها يطالعها الفقيه آية الله الشيخ محمد صادق محمد الكرباسي، في كتاب "شريعة الجنين"، في إطار 146 مسألة شرعية، مبينا رأي الشرع فيها بما توصل إليه اجتهاده، مع تقديم وتعليق آية الله الشيخ حسن رضا ألغديري، وصدر حديثا (2008م) عن بيت العلم للنابهين في بيروت، في 112 صفحة من القطع الصغير، مع باقة من الآيات الكريمة والروايات الشريفة الخاصة بالجنين.

    مسائل منسية
    ليس من شك أن تشعبات الحياة وتطورها أوجدت معها مسائل جديدة، لم يتطرق إليها الفقهاء، مع إن الإٍسلام أباح للفقهاء إعمال العقل وبذل الجهد لمتابعتها وإبداء الموقف الشرعي منها، على إن إبراز الموقف الشرعي في المسائل المستجدة ليست منحصرة في الدين الإٍسلامي فحسب، فعلى سبيل المثال صوّت مجلس العموم البريطاني في 19 أيار مايو العام الجاري 2008 على قانون يسمح بخلق أجنة إنسانية – حيوانية لعلاج أمراض مستعصية، وقد جرى قبل وبعد التصويت لغط كبير في الأوساط الدينية والاجتماعية إذ اعتبرت المسألة غير أخلاقية برمتها، لكن حزب العمال الحاكم وهو حزب ليبرالي يدأب بعض نوابه حضور قداس يوم الأحد، لم يفرض حزبيا على نوابه التصويت على القانون بنعم أو لا، وإنما أباح لكل نائب أن يصوت بما يمليه عليه ضميره ومعتقده، وقد جاء التصويت بالقبول 336 صوتا مقابل 176 معارضا.
    والإٍسلام وهو رحمة للعالمين والرسالة الخاتمة، ولا تتقاطع نصوصه الثابتة مع حقائق العلم، ويتوخى المصلحة العامة باستجلاب المنفعة ودرء المفسدة، معني بإبداء الرأي وعدم ترك الناس هملا، ولذلك فان الشيخ الغديري في مقدمة "شريعة الجنين" يرى: "لزاما على العلماء والفقهاء الذين هم الأمناء على دين الله وخلفاء الرسول (ص) بالمعنى العام، أن يهتموا بهذا الأمر اهتماما بالغاً"، ويعبر في الوقت نفسه عن أسفه لغياب الرأي الفقهي عن مسائل مثل مسائل الجنين، حيث: "لم أجد من الأكابر والأعاظم من تطرّق لهذه المسألة بشكل واسع وعميق ومبسط سوى الإشارة الى بعض السنن والمستحبّات والمكروهات"، مثنيا على صاحب الكتاب بما جاء به في شريعة الجنين، وإن كان مختصراً لكنه بمثابة تأسيس لفقه الجنين: "على الآخرين شرحها والبحث عنها نظراً لأهميتها، حيث لها آثار في المجتمع الإنساني علميا وعملياً".

    ذلكم الجنين
    تتحسس المرأة الحامل كامل مراحل تطور الجنين، وهي وإن كانت تتطلع إلى اليوم الموعود لكنها تحمله وهنا على وهن لما في الحمل من آلام وتقلبات نفسية وجسدية تؤثر عليها سلبا، ولكنها سنة الحياة، ووصية الرب لمربوبه: (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمّه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إليّّ المصير) سورة لقمان: 14، وإذا كان الأب يتحسس حركة الجنين خارجيا وهو يضرب بقدميه رحم والدته، فإن علماء الطب هم أقدر على فهم التفاصيل من الأم والأب معاً، وعندما يدعو الفقيه الكرباسي إلى الجمع بين العلم والفقه، ذلك لأن العلم يقدم إجابات حسية آمن بها الفقيه تعبديا من خلال النصوص الثابتة، فمراحل تطور الجنين من نطفة حتى الإنشاء وما يترتب عليها من أحكام فقهية من حقوق وواجبات ذات العلاقة بين الجنين ووالديه، إنما أخذ بها الفقيه استنادا إلى نصوص قرآنية ونبوية، ولكن الطبيب أو الباحث يقف على هذا المراحل عيانا، فتنكشف له حقائق علمية بتفاصيلها، وربما كانت هذه التفاصيل مدخلا إلى إيمانه بما جاءت بها النصوص قبل أربعة عشر قرنا، بل والإنشداد أكثر إلى خالق الوجود، فإيمان العالم غير إيمان العابد، فهو إيمان عن دراية لا رواية.
    وقصة تطور الجنين الذي ذكرها القرآن الكريم في مواضع عدة كانت محل تأمل لدى أستاذ علم التشريح والأجنّة في جامعة تورنتو بكندا كيث مور (Keith L. Moore)، صاحب الكتاب الشهير (The Developing Human)، حيث اطلع على نصوص من القرآن والسنّة، فتسربت الدهشة إلى أوصاله، بخاصة في قوله تعالى: (ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين. ثم جعلناه نطفة في قرار مكين. ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسنُ الخالقين) المؤمنون: 12-14، ولأن العالم الحقيقي ابن الدليل أمين على ما توصل إليه وإن خالف معتقداته الشخصية، فانه قال قولته المشهورة: "إن التعبيرات القرآنية عن مراحل تكون الجنين في الإنسان لتبلغ من الدقة والشمول ما لم يبلغه العلم الحديث، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على أن هذا القرآن لا يمكن أن يكون إلا كلام الله، وأن محمداً رسول الله".
    فالمراحل القرآنية السبع: النطفة، النطفة الأمشاج، العلقة، المضغة، العظم، اللحم، والخلق الآخر، هي المراحل نفسها التي توصل إليها علم التشريح، وهي ما أكدها كيث مور في كتاباته، وجعلته يؤمن بالإٍسلام بوصفه الدين المكمل للأديان السماوية، وأعلن مور في مؤتمر الإعجاز العلمي الأول للقرآن الكريم والسنّة المطهّرة الذي عقد في القاهرة عام 1986م، في محاضرته وبصراحة العالم الواثق: "إنني أشهد بإعجاز الله في خلق كل طور من أطوار القرآن الكريم، ولست أعتقد أن محمدا صلى الله عليه وسلم أو أي شخص آخر يستطيع معرفة ما يحدث في تطور الجنين لأن هذه التطورات لم تكتشف إلا في الجزء الأخير من القرن العشرين، وأريد أن أؤكد على أن كل شيء قرأته في القرآن الكريم عن نشأة الجنين وتطوره في داخل الرحم ينطبق على كل ما أعرفه كعالم من علماء الأجنّة البارزين".
    وما أثبته القرآن الكريم من قبل وأكده العلم لاحقا، ينفي نظرية التطور الداروينية، ولذلك يعلق الشيخ الغديري على مسألة خلق الإنسان بقوله: "ولهذه الآيات دلالة واضحة وصريحة على كيفية خلق الله للإنسان، مما يدحض النظريات الوهمية التي تعتمد على التدرج التكاملي للأحياء ليكون أصل الإنسان حيواناً، أي تطوّر تدريجيا حتى أصبح إنساناً، ولا ندري هل توقفت عجلة التطور أو تحولت؟ وهذه النظرية تبنّاها دارون ولكنه لم يؤكدها ثم صدرت منه إشارات في آخر حياته تفيد بأنها مجرد نظرية لابد من التحقق منها، وجاء العلم الحديث أخيراً لينسف هذه النظرية، مما يدل على ضحالتها، وكل هذه النظريات يدحضها كلام الباري جل شأنه".

    متى يُسقط الجنين؟
    ولذلك فان هذا الجنين بهذه الخلقة العظيمة يستحق الحياة، ويستحق النشأة الصالحة، وعلى الإنسان نفسه أن يتدبر في خلقته من أين أتى وكيف أصبح، ولا يستضعف نفسه، كما قال الإمام علي (ع):
    أتزعم أنك جرم صغير ... وفيك انطوى العالم الأكبر
    وتأسيسا على ذلك، وكما يؤكد الدكتور الكرباسي: "فمن أراد أن يبحث عن الخليقة كلها وعن قوانينها بكل أبعادها الفيزيائية والكيميائية وما شاكلها فعليه أن يقوم بدراسة نفسه، وعندها يتمكن أن يعرف قدرة ربه، ومن هنا جاء في الحديث: من عرف نفسه عرف ربه، وهيهات أن يعرف الإنسان نفسه ... ويبقى الإنسان ذلك المجهول".
    ومن الثابت أن الإنسان السوي هو الذي يدرك الحياة ومساربها والنحل ومشاربها، فيأخذ بما ينفعه في دنياه وآخرته، وحسب المحقق الكرباسي: "أن ناموس الحياة البشرية يتكون من علاقات ست استخرجناها من الآيات والروايات: علاقة الإنسان بخالقه، علاقة الإنسان بنفسه، علاقة الإنسان بنظيره، علاقة الإنسان بمجتمعه، علاقة الإنسان بالدولة، علاقة الإنسان بالبيئة".
    ومن مظاهر إدراك الإنسان ذكرا أو أنثى لهذه العلاقات ولمعنى الحياة إدراكه لحقوق الجنين، وعليه يستنبط الفقيه الكرباسي من النصوص مجموعة من حقوق الجنين، ولعل أولها عدم إيذائه وآخرها عدم إسقاطه، بل لا يجوز المقاربة الجنسية إذا كان فيها ضرر على سلامة الجنين، كما يجوز استئجار الرحم حفظا للجنين إذا كان رحم الأم الأصل غير قادر على حمله لسبب ما، وإذا ما اسقط الجنين فيترتب على المسقط مجموعة من العقوبات من كفارة ودية فضلا عن إثم الإسقاط إن كان عن غير رخصة شرعية أو طبية. كما أن للجنين الساقط أو المسقط من أحكام ما للإنسان السوي الميت، بخاصة إذا ولجت فيه الروح واستوت خلقته، فله الغسل واللحد والكفن.
    ولكن هل هناك استثناءات لإسقاط الجنين؟
    نعم هناك حالات استثنائية يحصرها آية الله الكرباسي في ثلاث:
    أولا: إذا توقف حياة الأم على إسقاطه شرط ثبوت ذلك عبر الطرق العلمية الثابتة.
    ثانيا: الخوف على سمعة العائلة، أو إذا كانت المرأة نفسها في حرج شديد فيما إذا قامت بما يخالف العفة وكانت نزوة.
    ثالثا: إذا كانت في الجنين عاهة تصعب معه استمرارية الحياة، كما لو أصيب بالفالج ولا يُحتمل علاجه، إن ثبت ذلك بما لا يوجب الشك.
    ويفهم من النصوص أن حياة الأم أولى، وحتى في المسألة الثانية، فان حياة المرأة أولى، فعلى سبيل المثال إذا أخطأت المرأة في ساعة شيطانية وخافت على حياتها ما تنتجه فضيحة الحمل من قتل لها من قبل ذوبها، جاز لها الإسقاط، ولا يرفع عنها الإثم والكفارة. وأما في المسألة الثالثة فان الشيخ الغديري يعلق عليها بالقول: "وفيه أن الفلج ونحوه من الأمراض وإن كان قد تصعب معه الحياة ولكن كونه مجوزاً للإسقاط غير معلوم، ودعوى عدم احتمال العلاج بعد الولادة في غير محلها، هذا مضافا إلى تقدم الطب في عملياته واكتشافاته".
    في الواقع أن العلم الحديث أًصبح يرينا من حياة الجنين ما لم نكن نعرفه قبل سنوات، فالجنين في بطن أمه يفرح لفرحها ويحزن لحزنها، يسمعها إذا حدّثت، ويرتاح لترنيماتها، ويشجو على شجوها، ويغفو على نومها، تداعبه بلمساتها الحانية ويداعبها بركلاته الناعمة، يخاتلها بتقلصاته ذات اليمن وذات الشمال، فإذا ما أحسنت الأم إشباع جنيها من حلال مطعمها، وأسمعته من لطيف كلامها أو كلام الله، ومارست معه الرياضة قياما وركوعا وسجودا في أوقات تعبدها، ضمنت في الغالب ابنا سعيدا، فالقول ما قاله الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم: "الشقي من شقي في بطن أمه والسعيد من سعد في بطن أمه"، فبيضة سعادة الوليد في سلّة الأم، لها أن تلد شقيا ولها أن تلد سعيداً.

    الرأي الآخر للدراسات – لندن
    alrayalakhar@hotmail.co.uk

  2. #2
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Fri Sep 2006
    الدولة
    الاردن
    العمر
    36
    المشاركات
    9,891
    معدل تقييم المستوى
    3506862
    جزاك الله كل الخير اخي غريب الحي على موضوعك

    بوركت

  3. #3
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Sun Jan 2008
    العمر
    30
    المشاركات
    2,374
    معدل تقييم المستوى
    19
    مشكور اخوي غريب الحي

    على طرحك الرائع

    الله يعطيك الف عافيه

  4. #4
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Mon May 2008
    العمر
    35
    المشاركات
    16
    معدل تقييم المستوى
    0
    مشكور على الموضوع


    لك ودي

  5. #5
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Wed Feb 2008
    الدولة
    الأردن - عمـــــان
    المشاركات
    7,471
    معدل تقييم المستوى
    24

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
    جزاك الله خيرا وزاد همتك ...
    اسأل الله أن يجعلنا ممن يستمعون للكلام فيتبعون أحسنه ..
    بوركت جهودك ..
    لك منا .. كل التقدير والود والإحترام
    دمت بحفظ الله ورعـايته...!!

  6. #6
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Thu May 2007
    المشاركات
    903
    معدل تقييم المستوى
    17
    الحمد لله الذي أحاط بكل شيء علما، وقهر كل مخلوق عزة وحكما،

    أحمده على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، وأصلى وأسلم على رسوله المبعوث رحمة للعالمين،

    وعلى آله وصحبه والتابعين، وعلى من اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين، وبعد :

    فان هذه البصيرة تدعو لأن نقف مع أنفسنا موقف المحاسب المذكر،

    فمن حاسب نفسه في الدنيا خف في يوم المعاد حسابه،

    وحضر عند السؤال جوابه، وحسن منقلبه ومآبه،

    ومن لم يحاسب نفسه دامت في ذلك اليوم حسراته،

    وطالت في عرصات القيامة وقفاته،

    ورحم الله الخليفة الراشد عمر بن الخطاب القائل :

    "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا"

    والصنف الذي يديم الحساب لنفسه هو الصنف الذي يوصف برجاحة العقل،

    كما يوصف بالقوة والحزم، والذي تغلبه نفسه، ويسيطر عليه هواه،

    هو العاجز الذي فقد القوة والعزم،

    وفي ذلك يقول المصطفى المختار صلوات الله وسلامه عليه :

    "الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني".

    والكيس: العاقل، ودان نفسه: أي حاسبها.

    وأنا أدعو مرتكب هذه الجائم أن يقف مع نفسه وقفتين:

    وقفة يحاسبها عما وقع وانقضى،

    ووقفة تبصرها بالمقبل الآتي. قف مع نفسك بين الفينة والأخرى ناظراً في أمسك الغابر،

    وتفكَّر فيما أودعته بياض نهارك من قول أو عمل،

    وما تضمنه سواد ليلك من فعل ارتكبته،

    وانظر إلى ما قدمته يداك، وما تحرك به لسانك،

    وما وقع عليه طرفك، وما استمعت إليه أذناك،

    وما مشت إليه قدماك، فإنك مسئول عن ذلك كله:

    {إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا}(سورة الإسراء: 36).

    وانظر في الحقوق التي كلفك الله القيام بها،

    فكانت عندك أمانة، هل أديتها كما طلب منك أم أنك ضيعتها،

    وغلبك طبعك الظلوم الجهول؟.

    وأول هذه الحقوق التي يجب أن تنظر فيها حق سيدك وإلهك ومولاك، رب العباد،

    فقد أمرك بأداء حقه بقوله :

    {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}(سورة آل عمران: 102).

    وحقه تبارك وتعالى أن يطاع فلا يعصى، وأن يشكر فلا يكفر، وأن يعبد وحده لا شريك له.

    وكيف أنت في أيامك الغابرة من هذه التيارات التي تتصارع في عالم البشر؟

    هل كنت قشة يتلاعب بها التيار؟ أم كنت صخرة تتحطم عليها الأمواج؟

    أكان همك من دنياك لقمة تأكلها وشربة تشربها، ولباسا تلبسه وعشيقه تعشقه؟

    أم كنت صاحب دعوة ورسالة تريد أن تقيم حياتك وفقها،

    وتريد إبلاغها للعالمين، ثم تريدها إطارا يحكم الحياة ويهيمن عليها؟.

    وإذا أصابتها العواصف والأنواء دمعت العين، وحزنت النفس، وجأر اللسان يشكو إلى رب العباد ظلم العباد؟.

    هل كنت في الماضي زارعا تغرس بكلماتك الفضائل؟

    وتنشر العطر بأفعالك؟ أم كنت تغرس الشر والأذى؟ أم كنت لا في العير ولا في النفير؟.

    أسئلة كثيرة يمكن أن توجهها إلى نفسك، تحاسبها عما مضى وانقضى،

    وتدرك بذلك صواب المسار وصدقه، ثم يأتي التقويم وفق ميزان الشريعة الإلهية.

    والوقفة الثانية التي نريدك أن تأخذ نفسك بها هي وقوفك مع نفسك في الأوقات الآتية التي تمثل عمرك الباقي،

    وساعاتك القادمة، فإن الماضي لا حيلة لك في إرجاعه،

    وإن كنت تستطيع أن تصلح ما فسد منه بالتوبة والإنابة والاستغفار،

    أما الأتي فإنك تملكه، وتستطيع بالعزيمة القوية والهمة العالية أن تستقيم على أمر الله،

    وتكون كما يريد الله، ولذا فإنه يتوجب عليك أن تستغل الفرصة فقد يكون اليوم الذي تحياه هو يومك الأخير،

    وقد تكون ساعتك التي أنت فيها هي الساعة الأخيرة،


    فما يدريك متى تحين؟! إننا ندعوك لأن تعمل في يومك عمل من أيقن أن شمسه آذنت بالمغيب،

    فهو يودع دار الفناء، ويستقبل دار البقاء.

    قد تقول لي: إن لي نفسا شرودا جموحا،

    كلما حاولت أن ألجمها بلجام التقوى،

    وآخذها بالعمل المرتضى دافعتني،

    وذهبت مني كل مذهب، فلا تنقاد إلي،

    ولا تستكين إلى الحق، فكيف حيلتي مع هذه النفس الحرون،

    وكيف أداوي أدواءها، وكيف ألزمها الصراط المستقيم ؟!

    والجواب أن النفس كالطفل الرضيع إن لم تفطمه عن ثدي أمه شب وهو يلتقم الثدي وإن فطمته انفطم.

    فأعلم انك بفعلتك هذا قد هدمت العالم كله وليس جنين أو طفل رضيع

    أنظر الى من حرمه الله من هذه النعمه نعمة الأنجاب

    كيف تستغلها أنت أسوء الأستغلال

    {قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله}(سورة آل عمران: 29).

    {وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم}(سورة الأنعام: 3).

    {وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرأن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهوداً إذ تفيضون فيه}(سورة يونس: 61).

    فإذا أيقنت النفوس بأن الله بها عليم، وعليها رقيب،

    فإنها تحسن العمل وتتجافى عن الخمول والكسل، وما أحسن قول القائل:


    إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب

    ولا تحــسـبن الله يغفل ساعة ولا أن ما تخـفيه عنه يغيب

    ألـم تـر أن اليوم أسرع ذاهب وأن غدا للناظــرين قريب




    مشكور أخى غريب الحى

  7. #7
    عضو
    تاريخ التسجيل
    Sat May 2007
    الدولة
    أم الدنيا وارض الكنانه
    العمر
    39
    المشاركات
    120,668
    معدل تقييم المستوى
    21474973

المواضيع المتشابهه

  1. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 01-09-2017, 11:08 PM
  2. حال الجنين عند النعاس , وضع الجنين عند نعاس الام
    بواسطة ريحانة الوادي 1 في المنتدى الحمل والولادة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 28-03-2017, 02:13 PM
  3. التعرف علي نوع الجنين , نوع الجنين من اللعاب
    بواسطة ريحانة الوادي 1 في المنتدى الحمل والولادة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 25-03-2017, 11:18 AM
  4. مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 15-12-2012, 11:01 AM
  5. مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 13-02-2011, 02:28 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •  
معجبوا منتدي احباب الاردن على الفايسبوك