كتب - عماد عبد الرحمن -شكّل رئيس الوزراء الدكتور معروف البخيت حكومة «غير تقليدية» تستعد لمواجهة ظروف استثنائية ضمت «كل الاتجاهات» والاطياف ،بحكم الأوضاع المحلية والإقليمية، بعد حوار موسع استغرق تسعة أيام التقى خلالها الرئيس أغلبية الأطياف ومكونات المجتمع والقوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية المؤثرة،للوصول إلى «توليفة» حكومية تمثل كافة المواطنين والمؤسسات .
وفي قراءة لدلالات ومنهجية التشكيل الوزاري الجديد،فقد ضمت الحكومة شخصيات سياسية وحزبية ونقابية وإعلامية،ذات مصداقية عالية وتجربة طويلة، دون تغيير في حقيبتي (الخارجية والداخلية)،ويشارك في الحكومة 14 وزيرا جديدا من أصل 26،لم يسبق لهم أن تولوا مناصب وزارية، تكمن جل خبراتهم في العمل العام (السياسي والنقابي والإعلامي).
يؤشر ذلك،على رغبة في توسيع دائرة مشاركة النخب في تحمل مسؤوليات المرحلة،وتمكينها من التعبير عن نفسها في بناء مسيرة الإصلاح السياسي التي تحدث عنها جلالة الملك في كتاب التكليف السامي للحكومة يوم الثلاثاء الماضي،والاستفادة من الخبرات الأردنية خاصة في مؤسسات المجتمع المدني التي ينتظر ان تتحول الى شريك في مسيرة البناء والتنمية.
في الشق السياسي، ضمت الحكومة الجديدة وزيراً إسلاميا مستقلا ،كان سابقا يشغر منصب نائب المراقب العام لجماعة الاخوان المسلمين في الأردن،هو عبد الرحيم العكور الذي كلف بحقيبة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية،وقد سبق وان شغل مواقع وزارية في حكومات سابقة،وكُلف بحقيبة الأوقاف للإشراف على إعادة تنظيم شؤون المساجد والخطابة بحكم علاقاته كموظف سابق بوزارة الأوقاف.
الرئيس البخيت أبقى على خمسة من وزراء الحكومة السابقة،وعلى رأسهم نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية المهندس سعد هايل السرور،وهو برلماني وسياسي لديه رؤية لإدارة الشؤون الداخلية للبلاد،كما ضمت وزير الخارجية ناصر جودة،الذي يحظى بمكانة دبلوماسية رفيعة سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي،من خلال خبرته وإطلاعه على ملف المفاوضات في الشرق الأوسط،أو على صعيد تعزيز علاقات الأردن مع الدول العربية .
كما أبقى الدكتور البخيت على وزير المالية الدكتور محمد أبو حمور الذي يمتلك خبرة ودراية واسعة في إدارة الشؤون المالية ،خصوصا الموازنة العامة للدولة،وكذلك الحال بالنسبة لوزير التخطيط جعفر حسان،بما عرف عنه من قدرة جيدة على بناء علاقات دولية مؤيدة ومساندة للأردن في المحافل الاقتصادية الدولية،وكذلك الحال بالنسبة لوزير المياه والري المهندس محمد النجار،الذي تستعد وزارته لمفاوضات جدية تتعلق بحقوق الأردن المائية خلال الفترة المقبلة.
ويأتي اختيار الوزير المخضرم وخبير الملف النووي السلمي الدكتور خالد طوقان،من خلال تكليفه ملف الطاقة،حيث يتوقع إعادة تنظيم القطاع الذي شهد تعدد المؤسسات العاملة في مجال الطاقة، اذ تتجه النية إلى تقليص عدد المؤسسات والإدارات الحكومية بشكل عام،من غير الوزارات،والتي يصل عددها إلى نحو 64 مؤسسة،في حين يعتقد خبراء الإدارة ان عددها يصل إلى نحو مائة مؤسسة حكومية مستقلة.
ولا يقل اختيار السفير الأردني في القاهرة ومندوب الأردن الدائم لدى جامعة الدول العربية الدبلوماسي والسياسي والاقتصادي الدكتور هاني الملقي أهمية،حيث يعتبر الدكتور الملقي من ذوي الخبرة والكفاءة والاقتدار،ويأتي تكليفه بملف الصناعة والتجارة في إطار سياسة جديدة تحدث عنها رئيس الوزراء لضبط الأسعار عبر آلية مؤسسية،من خلال استعادة او تفعيل المؤسسات التي تعنى بمنع الاحتكار وتكافح الغش والتدليس والتلاعب بالأسعار.
المشاركة اللافتة تكمن في إشراك الوزير والناشط السياسي والنقابي السابق المهندس سمير الحباشنة، كوزير دولة ووزير للزراعة،ومن الواضح ان الرئيس سيستفيد من خبراته في مجال السياسة العامة ،كوزير دولة، وكخبير في المجال الزراعي من خلال كونه نقابيا سابقا في نقابة المهندسين الزراعيين،وكان أقرب الى التيار القومي آنذاك.
وربما يسأل البعض عن سر الربط بين وزارتي تطوير القطاع العام والتنمية السياسية،وتكليف الوزير مازن الساكت بهذين الملفين،الساكت يعتبر من أبرز القيادات الإدارية على مستوى الأردن،وله خبرة طويلة في هذا المجال ووجوده على رأس وزارة تطوير القطاع العام ،فرصة له لتنفيذ توجهاته ورؤيته في هذا المجال،أما بالنسبة لربط وزارة التنمية السياسية،الواضح ان الساكت هو الذي جمع بين الوزارتين رغم التباعد في مهامهما،فهو يمتلك إرثا سياسيا قديما وهو أحد مؤسسي الحزب العربي الديمقراطي في منتصف التسعينيات.
كما ضمت الحكومة إعلاميين بارزين هما الكاتب الصحفي المعروف طارق مصاروة،صاحب زاوية «كل يوم»في جريدة الرأي، ورئيس تحرير صحيفة العرب اليوم والكاتب طاهر العدوان،المعروف بمواقفه السياسية الثابتة ،ودعواته المتواصلة للإصلاح السياسي الحقيقي الملموس وتعزيز الحريات،وتمكين الإعلام المحلي من أداء رسالته/كسلطة رابعة/ من خلال توفير المعلومة السريعة.
أما المشاركة النقابية في الحكومة الجديدة،فقد سجلت تواجدا ملحوظا من خلال اختيار نقيب المحامين الاسبق وممثل التيار القومي في واحدة من أهم وأعرق نقابات الأردن،وهو المحامي حسين مجلي، ،الذي يحظى باحترام وسمعة طيبة في الأوساط النقابية،كما ضمت الحكومة نقيب الصيادلة لأكثر من أربع دورات الدكتور طاهر الشخشير،وهو من ممثلي التيار القومي المؤثرين في مجمع النقابات المهنية،وله تجربة نقابية وسياسية غنية.
كما حظيت الأحزاب الوسطية بالتمثيل في الحكومة من خلال أمين عام حزب الرسالة حازم قشوع، الناشط السياسي والذي طالب بأن يكون للمؤسسات الحزبية مشاركة في صناعة القرار على الصعيد التنموي والسياسي،ولوحظ فعاليته خلال الانتخابات النيابية ،حيث كان من أبرز الداعين إلى تعزيز مشاركة كافة الشرائح في المجتمع مشاركة وتصويتا..
ورغم تقليص عدد الوزيرات في الحكومة،إلا أن اختيار الناشطة هيفاء أبو غزالة وزيرة للسياحة والآثار يدلل على أهمية المشاركة القطاعية للمرأة،فهي من القيادات النسائية المعروفة ولها تجربة ثرية وخبرة واسعة في الشأن العام. وكذلك الحال بالنسبة لوزيرة التنمية الاجتماعية سلوى المصري التي شغلت مناصب حكومية ولها خبرة واسعة في قضايا المرأة.
الحكومة الجديدة وهي الثامنة في عهد جلالة الملك عبد الله الثاني،والخامسة والتسعين منذ عام 1921، أي منذ تأسيس إمارة شرق الأردن، ورغم التحديات الماثلة أمامها،ستكون على المحك خلال الأشهر القليلة المقبلة،وتواجهها مسؤوليات وملفات،تبدأ من الإصلاح السياسي،بتقديم منظومة قوانين جديدة الانتخاب،البلديات،اللامركزية،المطبوعات والنشر وحق الحصول على المعلومات. ولا تنتهي بمعالجة الوضع الاقتصادي الصعب وارتفاع الأسعار ومحاربة الفساد.
هذه الحكومة التي قال رئيسها «أنها ستشمل وجوها قريبة للناس ودون شبهات وذوي خبرة قادرة على التأثير في الناس»،و»تمثل جميع الأردنيين»،حققت الجزء الأول من مهمتها بتجاوز مصاعب التشكيل بأقل خسائر ممكنة،وبقي أمامها التحدي الأبرز وهو مواصلة الحوار والانفتاح على السلطة التشريعية بشقيها (النواب والأعيان) لتنفيذ التوجيهات الملكية السامية في (اتخاذ خطوات عملية وسريعة وملموسة، لإطلاق مسيرة إصلاح سياسي حقيقي (...)على طريق تعزيز الديمقراطية).
رد مع اقتباس
.gif)
المفضلات