المعرفة بتاريخ الأردن.. الواجب الغائب
المعرفة بتاريخ الأردن.. الواجب الغائب
.. اسم يعرفه التاريخ حق المعرفة، ويعترف له بالمجد والكبرياء؛ لأنه كثيراً ما نقش في صفحاته أسمى معاني البطولة والعظمة، ورسم بريشة فنان صورة لم يمحُها الزمن من مخيلته، وأينما ذُكِر التاريخ ذُكِر الأردن، وحضر في كافة محافله.
ورغم ذلك كلّه، فإن هناك من قصّر في حق تاريخ الأردن من أبنائه، ولم يقدّم له أقل ما يجب أن يقدّمه، فلم يعرفوا تاريخ الأردن الذي وُجِب علينا جميعاً معرفته، ولم يحفظوه رغم ضرورة ذلك، حتى غدا تاريخنا المشرّف والحافل بالمفاخر عُرضةً للضياع بين ثنايا الصفحات الصفراء التي يكتبها الحاقدون ومحرّفو الحقائق.
ماذا تعرفون عن الأردن؟ وما هي أبرز المحطات المضيئة في تاريخه؟ وما هي إنجازاته؟ وأسئلة كثيرة عن شخصياته البارزة وأماكنه التاريخية والدينية والأثرية لم يعد بمقدور الشباب الإجابة عنها، وفي الوقت الذي يوّجه فيه اللوم إليهم، فإنه يوجّه بشكل موازٍ للمناهج الدراسية والمؤسسات التعليمية وغيرها في تحمّل هذه المسؤولية، التي لا بد أن يتحمّلها الجميع.
وحول ذلك يقول الشاب علاء الدين الشرعة (خرّيج جامعة آل البيت): ''تاريخ الأردن عريق وحافل، ويدلُّ على ذلك وجود المعالم التاريخية والأثرية والدينية الشهيرة، ورغم ذلك نجد أن هناك ضعفاً لدى الشباب في معرفة تاريخ الأردن تعود أسبابه إلى تقصير الشباب أنفسهم، إذ أصبح اهتمامهم بتاريخ الأردن يحتضر في ظل اهتمامهم بالترفيه والموضة ومضيعة الوقت''.
وبرأيه فإن وسائل الإعلام لم تركّز في برامجها على إبراز الأردن تاريخياً، بحيث تقدّم نوعاً من الزخم المعرفي حول ذلك، رغم أن وسائل الإعلام الخارجية قدّمت برامج جيدة عن تاريخنا أكثر مما قدمنا نحن، رغم أننا الأحق في إبراز تاريخنا، في الوقت الذي قدّمت فيه المناهج الدراسية في المؤسسات التعليمية معلومات لا تتناسب مع حجم تاريخنا الكبير.
ويؤكد ذلك أحمد العلاونة (طالب اللغة الإنجليزية وآدابها في جامعة اليرموك) إذ يرى أن المناهج التعليمية سواء في المدارس أم الجامعات تمر مرور الكرام على تاريخ الأردن، فهي لا تقدّم الشيء الكثير عنه، ويجب إعادة النظر فيها، كما أن عدم وجود حافز لدى الشباب للتعرف على تاريخ وطنهم سبب آخر يجب تجاوزه من خلال اهتمام المؤسسات التعليمية والشبابية بتنظيم الزيارات للأماكن التاريخية المهمة، إلى جانب عقد المحاضرات وورش العمل والمؤتمرات للتعريف بتاريخ الأردن.
وترى فاطمة أبو منشار (طالبة في كليّة العلوم التربوية بالجامعة الأردنية) أن مساق التربية الوطنية الذي طُرِح كمتطلب إجباري في الجامعات يمكن تقديم مادة جيدة من خلاله عن تاريخ الأردن، لكنّها لا تكفي وحدها لإبرازه بشكل مناسب، لذا يجب أن تكون هناك مساقات أخرى تعنى أساساً بتاريخ الأردن، مؤكدة أن أبرز الأحداث التي مرَّ بها الأردن تبدو غائبة تماماً عن مناهجنا التعليمية.
ولم يذهب علي عنانبة بعيداً عما تحدث به من سبقه، إذ أكد أن دراية الشباب بتاريخ الأردن ضئيلة، ويعود ذلك برأيه إلى التقصير في المناهج الدراسية، وغياب التاريخ الأردني عن الأنشطة اللامنهجية كالمؤتمرات والمحاضرات وحتى الرحلات والزيارات للأماكن التاريخية، التي تكون في الغالب بقصد الترفيه لا بقصد المعرفة، بالإضافة إلى أن الشباب أنفسهم مقصرون، فهم لا يقرأون تاريخ وطنهم الحافل بالإنجازات.
ومن وجهة نظر عبدالله التل (صاحب مكتبة) فإن الكتّاب مقصرون في إثراء التاريخ الأردني بكتاباتهم، وغالبية من يكتبون فيه، لا يحاولون المجيء بالجديد، رغم الزخم الكبير الذي يتّصف به، فعلى سبيل المثال فإن الكتب التي اشتملت على موضوع معركة الكرامة قليلة.
فيما ترى سهيلة الوديان أن التاريخ الأردني يجب أن نحفظه ونترجمه لمؤثرات على أرض الواقع؛ لنحفظه من الضياع ومن تشويه الحاقدين والجاحدين، وهذا الدور يجب أن تلعبه إلى جانب المؤسسات التعليمية كافة المؤسسات الأخرى وحتى الأفراد؛ مؤكدة أن حفظ التاريخ يتم بطرق عديدة عبر التعليم والثقافة وحتى الفن، فالمسلسلات والأفلام والأعمال الفنية الأخرى يمكن أن تعبّر عن التاريخ، إلا أن الأعمال التي تتحدّث عن تاريخ الأردن لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، وهذا بحدِّ ذاته أبرز دليل على التقصير الحاصل منّا تجاه تاريخنا.
من جهة أخرى أكدت الأديبة والكاتبة الدكتورة هند أبو الشعر مديرة مكتبة الجامعة الأردنية وأستاذة التاريخ لـ ''الملحق'' أن غالبية الشباب لا يعرفون تاريخ الأردن، وهم على غير دراية به، على الرغم من أن وطننا يمثّل مفصلاً حياً وتاريخاً حافلاً، ورغم أن المعرفة مرتبطة بالذات، فمن لا يعرف تاريخ وطنه وأمته لا يعرف نفسه.
وقالت: ''النبتة أساسها الجذور وأرى أن جذورنا هي المعرفة التاريخية، التي تشكل أرضيّة صلبة للمعرفة، لكن الخلل المتمثل بقلة معرفة الشباب بتاريخنا المشرّف نتشارك كلنا في تحمل مسؤوليته، الطالب، الجامعة، المدرسة وحتى المؤسسات الأهلية، فهذا الموضوع نجده لا يأخذ حيزاً من الأهمية لديهم، ولا حتى جانباً من الاهتمام، لكنَّ الشباب هم الذين يتحملون المسؤولية الأكبر فيه؛ لأن المعرفة مسؤولية جماعية وفردية، والفردية ترتبط بالشباب أنفسهم على وجه الخصوص''.
وأضافت ''على الشباب أن يبادروا في اكتساب المعرفة، فوسائل المعرفة والاتصال في هذا العصر أوسع من أن تحدّها حدود، فبدلاً من أن يمضي الشاب عشرات الساعات في مسائل لا جدوى منها سوى مضيعة الوقت، كممارسة الألعاب الإلكترونية، ومتابعة البرامج غير المجدية، الأفضل أن يستغل الشاب فرصة المعرفة المباشرة بأن يقضي هذا الوقت بزيارة المواقع الأثرية والمتاحف وزيارة المواقع الإلكترونية للتزود بالمعرفة، أو حتى القراءة عن تاريخنا المشرف، وهذه هي قيمة الإفادة من إمكانات المعرفة المتاحة، فهي بين أيدينا في لمحة البصر، لكن الشباب يصرفون أوقاتهم بعيداً عنها، ولا يحاولون الاستفادة والاستزادة منها''.
وترى د. أبو الشعر أن من الغرابة أن يتعامل بعض الشباب مع المعالم الحضارية وكأنها مجرد حجارة صماء؛ بسبب ضعف معرفتهم بتاريخنا الحضاري الذي تقدّره الشعوب وتحترمه، وتتساءل: كيف يأتي السائح الغريب من آخر الأرض لزيارة مدينة البترا المدهشة في حين لا يزورها ابن الوطن؟ ثم كيف يدرس طلبة إسبانيا في جامعاتها مساقاً خاصاً بتاريخ الأنباط في حين لا يدرسه الطلبة في جامعاتنا؟ لذا فإن ذلك يدعو الشاب إلى التعامل مع البترا وغيرها من المعالم التاريخية بحياد؛ لأنه لا يعرف تاريخها المدهش.
وتؤكّد أن شعارات (الأردن أولاً)، (كلنا الأردن)، (على قدر أهل العزم) وغيرها تضع النقاط على الحروف؛ لتطالب الشباب بمحبة الأرض ومعرفتها والحفاظ عليها، وأن الكرة الآن في مرمى الجميع للوقوف حيال هذه المعضلة، الطلبة الذين هم ركيزة المستقبل، والمؤسسات الأكاديمية بكافة مستوياتها، إلى جانب المؤسسات الأهلية بكل أشكالها، فكل هذه الركائز تشترك معاً في الحد من هذه المشكلة، عبر قيامها بدورها الأساس، ويجب أن تضع نصب عينيها أن المهم هو الوطن والوطن دائماً.
رد مع اقتباس
المفضلات